المحتوى الرئيسى

«أحرار الشام».. «طالبان سوريا»

08/03 01:07

بينما يتعرّض مشروع حركه «طالبان» المتمثل باقامه «اماره اسلاميه» في افغانستان بمواصفات معينه، للتشكيك في امكانيه استمراره بعد الاعلان عن وفاه مؤسسه الملا محمد عمر مجاهد، وشيوع انباء عن وجود خلافات وانقسامات ضمن صفوف الحركه علي احقيه خلافته، يبدو ان مشروع الملا عمر وجد له من يحمل امانه الاستمرار به ومتابعه خطوات تنفيذه، ولكن هذه المره ليس في افغانستان وانما في سوريا، التي تشهد منذ سنوات عده تصاعداً كبيراً للعديد من الحركات الإسلامية المتشدده علي اختلاف انتماءاتها العقائديه وتنويعاتها المنهجيه.

وقد يتبادر الي الذهن بدايه ان «جبهة النصرة» هي من اوائل الفصائل الاسلاميه في سوريا التي ستسعي الي حمل رايه الملا عمر، ونشرها فوق الربوع التي تسيطر عليها، غير ان اسباباً عديده جعلت «النصره» تتاخر عن هذا الامر، وتتعلق اولاً بـ «جبهه النصره» وعلاقاتها مع الفصائل علي الارض، وبالتطورات التي طرات علي منهجها وعقيدتها نتيجه التنافس بين تيارين داخلها، وتتعلق ثانياً بحركه «طالبان» نفسها وعدم وضوح علاقتها مع تنظيم «القاعده» الذي تنتمي اليه «النصره» في الفتره الاخيره، وبالسياسات الجديده التي باتت تتبعها وعلي راسها «المشروع الوطني» داخل افغانستان واللجوء الي الحل السياسي مع حكومه بلادها.

مجمل هذه الاسباب جعلت «جبهه النصره» تتاخر عن مهمه حمل رايه الملا عمر والسير بها. ولم يقتصر الامر علي ذلك بل تعدّاه الي انها لم تصدر بعد اي بيان نعي او رثاء بالراحل، بخلاف بعض الفصائل الاخري. ولا يمكن لهذا التاخر في اصدار بيان نعي الا ان تكون وراءه مجموعه مهمه من الاسباب، لان الملا عمر، بحسب ادبيات «النصره»، هو «امير المؤمنين» الذي يدين له زعيمها الخراساني ايمن الظواهري بالولاء والبيعه. وليس اي بيعه انما البيعه العظمي وذلك بحسب فيديو مسرّب لزعيم «القاعده» الراحل اسامه بن لادن يتحدث فيه بوضوح ان بيعته للملا عمر هي «بيعه امامه عظمي» وليس مجرد بيعه قتال. وبحسب قول بن لادن، في الشريط المسرّب، فان علي كل متواجد ضمن رقعه سيطره الملا عمر ان يبايعه «بيعه عظمي» والا مات ميته جاهليه.

واذا كان تاخر «جبهه النصره» في نعي مَن يفترض انه «وليّ امر زعيمها» مفهوماً لوجود مجموعه اسباب وعوامل فرضته، فان اسراع «حركة أحرار الشام الإسلامية» الي نعيه ورثائه لا يبدو مستغرباً، بل ياتي في سياق هذه الاسباب والعوامل نفسها.

وقد فسّر البعض مسارعه «احرار الشام» الي اصدار بيان تنعي فيه الملا عمر بانه مؤشر علي وجود صراع بين تيارين داخلها، وان بيان النعي صدر نتيجه ضغوط التيار المتشدد داخلها. غير ان الامر هو علي العكس تماماً، لان التيار المتشدّد في «احرار الشام»، والذي يتطابق مع توجهات «القاعده»، قد تكون لديه العديد من التحفظات علي سياسه واداء الملا عمر في عدد من القضايا التنظيميه والسياسيه والعسكريه. لذلك، ولا غرابه في قول ذلك، فان التيار صاحب المراجعات في «احرار الشام» والذي يطلق علي نفسه التيار «الاصلاحي» هو الذي دفع باتجاه المسارعه في نعي الرجل الذي يعتبر من المطلوبين الاوائل عالمياً بتهم الارهاب والعنف وانتهاك حقوق الانسان وتدمير الاثار.

لكن التيار «الاصلاحي» صاحب المراجعات، لم يكن ينظر الي هذه الاتهامات عندما قرّر وجوب نعي الملا عمر، فعينه كانت علي نقاط معينه في سياسه الرجل بامكان التيار اسقاطها علي الحاله السوريه، والاستفاده منها في امور عده، اهمها محاوله كسب الشرعيه «الجهاديه» التي تمثلها «طالبان» من خلال التمثّل بسياساتها واعتناق منهجها الجديد. وقد كان هذا الاسقاط جلياً في البيان الذي اصدرته الحركه، حيث ركّز البيان، الذي وصف الملا عمر بـ «الامير السعيد»، علي ما اسماها «بصماته في العمل الاسلامي». واستقراء هذه البصمات كما وردت في البيان يوضح كيف ان الغايه الاساسيه منه هي اسقاط واقع «حركة طالبان الافغانيه» علي الحاله السوريه والتلويح بشكل غير مباشر بان «حركه احرار الشام» هي «طالبان سوريا».

فمن اهمّ بصمات الملا عمر، كما راها بيان «احرار الشام»، هي «الثبات علي المبادئ، والالتحام مع الشعب الافغاني فاصبحت المنبر الناطق باسمه، واستثمار الانتصارات العسكريه بعمل سياسي رشيد، ثم كانت البصمه الرابعه المهمه وهي الجمع بين محاربه الغلو والتفريط».

ولا يُخفي ان مجمل هذه البصمات تلخص بشكل مكثّف السياسه نفسها التي يحاول «التيار الاصلاحي» في «احرار الشام» اتباعها. فقد تمّ تغيير شعار الحركه من «مشروع امه» الي «ثوره شعب»، اي ان الحركه تخلّت عن طموحاتها الاقليميه وحصرت نشاطها في سوريا كما فعلت حركه «طالبان» عندما تبنّت المشروع الوطني الافغاني وابتعدت عن اي نشاطات في الخارج. كما تريد «احرار الشام» ان تقول انها هي التي تلتحم بالشعب السوري وتنطق باسمه وليس اي فصيل اخر. ولم يعُد سراً وجود توجه لدي «احرار الشام» نحو اعطاء السياسه جزءاً كبيراً من اهتمامها. ومن هذا القبيل كانت مقالات مسؤول علاقاتها الخارجيه لبيب النحاس في بعض الصحف الغربيه، وثمه راي داخل الحركه بان التقدم الميداني ينبغي ان يرافقه عمل سياسي، وقد صدرت فتاوي من بعض مرجعيات الحركه تتيح لها الانخراط في علاقات مع بعض الدول الاقليميه وتسهيل مشاريعها في سوريا، ومن ذلك فتوي ابو العباس الشامي (محمد ايمن ابو التوت) بالوقوف مع تركيا في اقامه المنطقه العازله.

اما محاربه الغلوّ، فهي من اكثر البصمات توافقاً مع الحاله السوريه التي يشكل الاقتتال ضد تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» المتّهم بالغلوّ، ابرز جوانبها. وفي الاشاره التي احتواها البيان الي «الجمع بين محاربه الغلو والتفريط» مؤشر مهم علي ان «احرار الشام» ومهما بلغت المراجعات فيها من العمق فلن تتحوّل الي «جيش حر» («الجيش الحر» يُتهم بالتفريط) ولن تتخلي عن مشروع «الدوله الاسلاميه» الذي تتبناه في ميثاق تاسيسها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل