المحتوى الرئيسى

فورين بوليسي: مرحبا بكم في بصرة ستان

08/02 14:09

البصره، العراق – ليس من السهل الوقوع في حب تلك المدينه التي تقع في جنوب العراق. المدينه التي كانت يوما ما محطه التوقف الخلفيه الجميله للخليج العربي، تغص قنواتها الشهيره الان بالقاذورات والرائحه الكريهه لمياه الصرف في شمس الصيف الحارقه.

افسحت قصور القرن التاسع عشر الانيقه المجال لمبانٍ سكنيهٍ قصيرهٍ متهدله، يميل الكثير منها متوعدا علي طرقٍ مليئهٍ بالحفر. حتي شط العرب، الممر المائي الطيني الذي بنيت علي ضفته ثروات المدينه، قد تغير حتي لم يعد من الممكن معرفته. السفن الغارقه او التي تم اغراقها تغلق المضيق، بينما هجر اغلب الصيادين المحليين شباكهم لصالح تهريب النفط وبضائع اخري محظوره من ايران المجاوره.

الوضع الذي وصلت اليه اكبر المدن العراقيه اكثر ادهاشا نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه في اقتصاد البلاد. تستمد الحكومه المركزيه حوالي 97 بالمئه من عوائدها من النفط، ويُستخرج 90 بالمئه تقريبا من ذلك النفط من الحقول الضخمه التي تطوق الاحياء الخارجيه الكئيبه للبصره. مع الطفره التي حدثت في الصادرات – لتصل مؤخرا الي رقم قياسي جديد بلغ 3.145 مليون برميل يوميا – يشعر المواطنون بالغبن وان مدينتهم كان يجب ان تحصد فوائد غني المنطقه بالثروات الطبيعيه.

"اقتصاد العراق هو نفط البصره"، قال علي عباسي، والذي يملك متجرا للادوات علي بعد خطوات من الكورنيش الذي يمتد علي ضفاف النهر. "من المنطقي ان ياخذونه بالكامل، لكن ان لا يعطونا كهرباء؟ انهم يستخدمون ميناءنا، فلماذا لا يوفرون لنا طرقا ممهده؟"

حافظ معاوني صدام من البعثيين لعقودٍ علي سيطرهٍ محكمه علي اي معارضه في الجنوب ذي الاغلبيه الشيعيه. لقد امتصوا موارد المنطقه بينما كانوا يقمعون الانتفاضات المتكرره بوحشيه. لكن بعد تحررهم من اصفاد الدكتاتوريه وبعد ان سئموا عدم قدره الحكومات علي تلبيه احتياجاتهم، يتطلع بعض البصراويين الي ان يناوا بانفسهم عن بغداد.

"ان افضل طريق سهل لوضع حد لهذا الصراع الابدي هو عبر اقاليم"، قال رمضان البدران، وهو رجل اعمال عراقي-امريكي واحد الاشخاص الثلاثه الذين يقودون حمله من اجل الفيدراليه. "اظهرت بغداد انها لا تستطيع التعامل مع السلطه، لذا فلتعيدها الي الشعب".

البصره هي واحده فقط من عده كيانات في العراق تتحمس الي اعاده صياغه علاقتها مع بغداد. يتطلع الاكراد وبعض قاده السنه في شمال البلاد الي نيل قدرٍ اكبر من الحكم الذاتي، بينما تبدو ايضا ميليشيات شيعيه عديده غير مستعده للتخلي عن استقلالها الجديد طواعيهً. كما خطر للولايات المتحده ايضا دعم عراقٍ اقل مركزيه، حيث درس الكونجرس مشروع قانون يسمح لواشنطن بتسليح المقاتلين السنه والاكراد بدون تمرير الاسلحه علي بغداد، بينما اعرب وزير الدفاع اشتون كارتر علنا عن قلقه من مستقبل "يتضح فيه ان عراقا متعدد الطوائف غير ممكن".

حفز ايضا اندفاع الدوله الاسلاميه عبر شمال وغرب العراق البدران وحلفاءه، والذين يصرون ان العراق كدوله موحده يتم ادارتها من بغداد قد انتهت.

"العراق هو نهايه مسدوده. لذا فاما ان نستمر بالسقوط، او ان نندفع الي الامام بنموذجٍ فيدرالي"، قال البدران.

يعرض هؤلاء الذين يدعمون حمله البصره مجموعه من الاراء حول كيف يتصورون ان تحسن "الاقلمه" محافظتهم.

يشير كثيرون الي  اقليم كردستان شبه ذاتي الحكم كمثالٍ لما يريدون ان يروه في البصره. "في كردستان، هناك حياه جيده. انهم يقررون علي ماذا يحصلون وكيف ينفقونه"، يقول حيدر التميمي، الذي يبيع حلوي القطن (غزل البنات) للعائلات التي تتنزه في الاراضي غير المهذبه لاحد قصور صدام السابقه. "بالطبع سوف يظل هناك فساد، لكنه سوف يكون امام اعيننا، حتي نستطيع ان نفعل شيئا بشانه".

يتمني اخرون فقط تحسن الخدمات الاساسيه، لكن بعد 12 عاما من الفوضي، استنتجوا ان الحكومه المركزيه ببساطه اكثر تعفنا من ان تفي بوعودها.

" جعل سعر النفط (المنخفض) كل شيء اسوا، لكن بالاساس كل المشاكل تاتي من بغداد. ينبغي ان نخرج وحدنا"، قال علي محمد الشميري. يدفع الشميري 100 دولار شهريا مقابل 13 امبير من الكهرباء ليدير مطعمه الصغير في جانب الشارع، لكن مع انقطاع الكهرباء لمده 18 ساعه يوميا علي الاقل وفساد بعض اطعمته في حراره اواخر ابريل الحارقه، فان صبره يقارب علي النفاذ.

فوق كل شيء، يامل البصراويون الفيدراليون ان تغيرا في النظام السياسي سوف يقلل من البيروقراطيه بالنسبه للاعمال التجاريه ويوفر فرص عمل للطابور المتنامي من الشباب الذي يعاني من البطاله – والذين، ليس من قبيل مصادفهً، يشكلون العمود الفقري لدعم الفيدراليين.

تفضل القوانين العراقيه حاليا الاعمال التجاريه المملوكه للدوله او التي يقع مقرها في بغداد، واضعهً منافسيهم من البصره في موقف ضعف عندما يتعلق الامر بمناقصات العقود الحكوميه المربحه. ومع طلب البنوك المحليه لفائده تبلغ 14 بالمئه علي الاقل، تستطيع القليل من شركات المدينه الصغيره فقط تحمل تكلفه الاقتراض، حسب صبيح الهاشمي، رئيس فرع البصره باتحاد رجال الاعمال العراقيين.

"مع الفساد وعدم وجود اعمال تجاريه جديده، احلم شخصيا بالعوده 50 عاما الي  الوراء"، قال الهاشمي. "كانت الامور افضل حينذاك".

كما تظهر تعليقات مثل هذه، يبدو الكثير من كبار السن حاملين لتقديرٍ تاريخيٍ مبالغ فيه لمكانه مدينتهم. يساعد هذا ايضا في شرح لماذا، من بين جميع الحملات الوليده عبر البلاد التي تنادي بالفيدراليه، فان حمله البصره هي التي اسرت خيال قاطنيها.

بعد فترهٍ قصيره من سقوط المدينه في ايدي البريطانيين عام 1914 عقب اكثر من 400 عام من الحكم العثماني، قام التجار والاقليات المحليه بالدفع نحو فصل انفسهم عن الشمال الحبيس (الذي لا يطل علي بحارٍ مفتوحه). كان هدفهم هو "تاسيس المدينه وجوارها المباشر كجمهوريهٍ تجاريه كوزموبوليتانيه منفصله"، حسب ما ذكره المختص بالشان العراقي رايدر فيسر في كتابه البصره، الدوله الخليجيه الفاشله: الانفصاليه والقوميه في جنوب العراق.

في النهايه فاز القوميون العراقيون بعد ما يدعوه فيسر "جهود بروباجندا وبناء دوله بارعه". لكن اكتشاف الثروات النفطيه بالجوار عمل كوقود اشعله تجاهل بغداد المستمر مما جعل فكره هويه مميزه للبصره تستمر في الحياه.

"ينبغي ان نكون، في البصره، اغني مدينه في الشرق الاوسط. نحن ننظر الي دبي ونبكي"، يقول محمد الطائي، وهو عضو مجلس شعب مستقل، ومركز قوي اعلامي، ونصير بارز اخر للفيدراليه. "لكن بدلا من ذلك، نعاني من المياه المالحه (من الصنابير) ولدينا ديون. انها نكته".

لكن علي الفيدراليين المعاصرين في البصره ان يتعاملوا مع عقباتٍ اكثر خطوره بكثير عن سابقيهم الذين لم يحالفهم النجاح في عشرينيات القرن الماضي. فهم يواجهون تحدياتٍ من السياسيين في بغداد والزعماء الدينيين الشيعه – وحتي في تنظيم صفوفهم.

ينص الدستور العراقي علي ان اي محافظه يمكنها ان تقدم عريضه الي المفوضيه العليا للانتخابات للسماح باستفتاء اذا استطاعت الحصول علي دعم 2 بالمئه من جمهور الناخبين او ثلث اعضاء المجلس التشريعي المحلي السبع والعشرين.

مع قيام معظم سياسيي البصره بتلقي الاوامر من رؤسائهم في بغداد، فان قاده الحمله قد غسلوا ايديهم من الاحزاب الرئيسيه ونشروا فرقا من الناشطين الشباب منذ يناير لجمع التوقيعات المطلوبه – والتي في حاله البصره تبلغ اكثر من 30 الف بقليل من مجموع 1.8 مليون ناخب مؤهل بالمحافظه.

لكن مع بدء بغداد الانتباه للخطر الملوح، انهار التحالف الموسع الذي كان يدير الحمله وسط سلسلهٍ من الاتهامات المشينه والادعاءات المضاده. في 15 ابريل، اختلف الطائي مع زملائه، والذين يقولون انهم كانوا ينوون الانتظار حتي يستطيعوا السيطره علي اغلبيهٍ مطلقه من الاصوات، وتقدم منفردا بطلبٍ لتنظيم استفتاء.

"كان لدينا اتفاق. لن يتقدم احد بمفرده"، قال البدران بصوتٍ محتد عندما قابلناه بعد ايام من تقديم الطائي لطلبه. "قلنا اننا سننتظر حتي نعلم ان لدينا مليون صوتٍ تقريبا".

لكن الطائي يدعي ان اقرانه كانوا بالكاد يسبحون في اماكنهم عندما كان الوقت مواتيا لدفع قضيتهم للامام. "لقد اكتفوا بالوقوف فوق التل للمشاهده"، قال الطائي. "انها معركه بين الصواب والخطا، لكن بعضهم لم يملك الشجاعه".

الذي حدث بعد ذلك يعتمد علي اي طرفٍ تصدق. رفضت بغداد بسرعه اوراق الطائي بسبب ما يقول الطائي انها اسباب سياسيه بحته. لكن شريكه السابق يقول ان بغداد لم تكن تخادع حينما ذكرت عده مخالفات في الطلب الذي تقدم به.

"لقد زيفوا الكثير من الاسماء للوصول الي العدد المطلوب"، قال البدران اثناء تناول القهوه بفندق شيراتون البصره القديم، حيث تتمركز وكالات الامم المتحده والقليل من البعثات الدبلوماسيه. "بالطبع هناك الكثير من الدعم، لكنهم حددوا 15 ابريل كتاريخٍ للتقدم، ثم ادركوا انهم لا يملكون ما يكفي قبل ذلك الموعد، فقاموا بالغش".

لكن الامر الاكثر اشكالا ربما هو نفوذ المؤسسه الدينيه الشيعيه، التي تملك سطوهً هائله في المنطقه.

عارض ايه الله العظمي علي السيستاني، اكبر سلطه شيعيه في العراق، حتي الان جميع المبادرات التي يخشي من انها ربما تضعف العراق. سارع رجال الدين المحليين، الذين افسح صمته المجال لهم، بشجب الحمله واصفين اياها بمشروع رفاهيه تقوده المصالح.

"من هؤلاء الاشخاص الذين يريدون تاسيس اقليم؟"، سال الشيخ ابو سمير المياحي، الذي يقود عمليات البصره بمنظمه بدر القويه. "انهم رجال الاعمال الذين يتحدثون عن مستقبلٍ جيد، لكنهم يريدون الحصول علي فرصه خاصه لانفسهم".

وتابع "بالاضافه الي ذلك، فان جميع اموال العراق تاتي من البصره. اذا اصبحنا اقليما، فان هذا سوف ينهي قاعده دعم العراق بالكامل".

لم يرتدع ايا من البدران او الطائي. يقول كلاهما انهما تواصلا مع ممثلين للسيستاني وقابلا ردودا مشجعه.

"قيل لنا ان السيستاني ليس له راي بعد حول إقليم البصرة، لكن اذا دعمه الناس، فانه لن يقف في طريقه"، قال البدران.

ليس هناك الكثير من الشك في ان حمله البصره تتمتع بدعمٍ شعبيٍ واسعٍ نسبيا هنا. لكن المحللين الذين يراقبون القتال من اجل الفيدراليه من بعيد يعتقدون ان فرصتها ضئيله في النجاح الفوري.

"علي المدي القصير، فان حمله اقليم البصره ليس لديها فرصه للنجاح تقريبا، والسبب الاساسي هو ان معظم السياسيين والجماعات منخرطون بشده في مجال بغداد السياسي وسوف يرفضون دعم اي مبادره تؤدي الي اضعاف قبضه بغداد علي البلاد اكثر"، يقول زيد العلي، الخبير المختص بالدساتير العربيه بالمعهد الدولي للديمقراطيه والمساعده الانتخابيه.

حتي الطائي، ربما اكثر المتفائلين من بين اعضاء الحمله، يبدو متقبلا لمعركهٍ ممتده "اذا خسرنا، فانها سوف تكون اول ضربه في وجه الكتل السياسيه التي خرَّبت البلاد"، يقول الطائي.

لكن علي المدي البعيد يتخيل العلي ان الدعوات من اجل حكمٍ ذاتيٍ اكبر سوف تصبح فقط اكثر قوه اذا لم تستطع الحكومة العراقية جمع شتات نفسها.

"ان نزعه القوميه والولاء لبغداد هي بالفعل اضعف مما كانت عليه في عام 2003، وسوف تستمر في التاكل ما لم تبدا بغداد في تنظيف شوارع البصره وخلق نوع البيئه الذي يسمح للبصراويين بالازدهار"، قال العلي.

بالفعل، يبدو زخم الفيدراليه يتصاعد في انحاء البلاد. وجد استطلاع راي اجري مؤخرا ان نسبه المواطنين الذين يعرفون انفسهم علي انهم "عراقيون قبل كل شيء" قد انخفضت من 80 بالمئه الي 40 بالمئه بين عامي 2008 و2014. في نفس الوقت، نجح الفيدراليون في كربلاء، وهي محافظه جنوبيه اخري، في استقطاب عددٍ من السياسيين المحليين – 5 من بين 27 في مجلسهم التشريعي حتي الان – عبر اقتراح ان تحولا عن بغداد قد يكون الطريق الوحيد للمحافظه علي وحده البلاد.

وحيث يبدو ان الاكراد يقتربون اكثر من الاستقلال، كانت احزابهم السياسيه سعيده للغايه باعطاء النصح لفيدراليي البصره والفيدراليين المحليين الاخرين. ظل الطائي علي اتصال بحركه كوران التابعه لحكومه اقليم كردستان، والتي عرضت المساعده في بناء مؤسسات البصره. ايضا صرح مسؤولٌ كرديٌ سابق بحكومه الاقليم، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، ان دائره العلاقات الخارجيه التي يتبع لها قامت ايضا بالتواصل مع حمله البصره.

لكن بالنسبه لهؤلاء في شوارع البصره الذين ما زالوا يكافحون لتغطيه نفقاتهم، فان هذه التفاصيل هامشيه. هم عراقيون فخورون تعبوا فقط من الفساد والفوضي وعدم الكفاءه الذين لا ينتهون. الفيدراليه، يقولون، توفر علي الاقل فرصه للتغيير.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل