المحتوى الرئيسى

ماذا تعرف عن الثورة "الإسلامية" في البرازيل؟

08/02 11:25

التحرر من العبوديه .. قصه نضال علي مرّ ازمان التاريخ البشري. صراعٌ لم يتوقف بين الذين يسعون لنيل حرّيتهم الذاتيه في التحكم باجسادهم وانفاسهم فضلًا عن حياتهم، وبين الذين يسعون للحفاظ علي نفوذ ملكيّاتهم. لقد كانت العبوديه ذُروهَ التملّك الاقطاعي السائد في ازمانه، ورغم ذلك لم يغفل التاريخ تسجيل "بطُولات" الذين تمرّدوا علي هذا السائد، والمُطالبين بالتحرر منه.

مثلًا، هُناك سبارتاكوس، العبد الروماني الثائر علي "اسياده"، فيما عُرف بحرب العبيد الثالثة. وقبل سبارتاكوس، هُناك ايونوس، ثُمّ اثينيون، قائدي حربي العبيد الاولي والثانيه. وفي زمنٍ قريبٍ نسبيًا، شهد سُكان القرن التاسع عشر فصلًا جديدًا من فصول قصه النضال نحو تحرر العبيد، التي خُتمت اخيرًا بقوانين ووثائق واعلانات تحرير العبيد من الشرق الي الغرب، شمالًا وجنوبًا؛ فصلٌ عُرف بـ"الثورة الاسلامية في البرازيل"!

البدايات: مخطوط "مُسَلّيَه الغريب" .. او كيف عرفنا الحكايه!

عبر شخصٍ يُدعي عبدالرحمن بن عبدالله البغدادي الدمشقي، وهو بالاضافه الي انه كان عالمًا شرعيًا، فقد كان اديبًا ورحّاله. لا يُعلم الكثير عن سيرته، سوي ولادته في بغداد، ونشاته في دمشق، وبهما لُقّب. وانّه وصل بترحاله الي ريو دي جانيرو الواقعه في البرازيل الان، وانّ ذلك كان في عام 1866.

بدا الامر بزياره البغدادي لعاصمه الدوله العثمانيه في عهد السلطان عبدالعزيز الاوّل، واستقرّ هُناك للعمل كواعظ ديني، قبل ان يُعيّن امامًا بالبحريه العُثمانيه. الحقيقه انّ السبب الذي جعل من البغدادي رحّاله، هو التحاقه بركب سفينتين عُثمانيتين كانتا متجهتين الي البصره في العراق، عبر الطريق التالي: من البحر المُتوسط الي المحيط الاطلسي مرورًا براس الرجاء الصالح الي المُحيط الهندي ومنه الي الخليج العربي فالبصره. لكن ما حدث هو ان الرياح جاءت بما لا تشتهي السُّفنُ!

في كِتابه "مُسَليه الغريب بكل امرٍ عجيب"، يقول عبدالرحمن البغدادي: "طلبتُ المسير باحديهما (احدي السفينتين) قصدًا للسياحه والتّامل بكل ساحه، اذ هي تزيد اليقين، ويتاكد بالنظر لعظمه القدير المُبين". حين وصلت السفينتان الي المحيط الاطلسي هَبّت عاصفه حالت دون اكمالهما الطريق نحو راس الرجاء الصالح، وانحرف مسارهما الي الامريكتين، حتي استقرتا في ريو دي جانيرو.

هُناك استقر البغدادي ولم يعد مع السفينتين، حينما التقي بالمسلمين الذين هُم من اصول افريقيه. وابتغي ببقائه تعليمهم الدين الاسلامي. "هُناك (ريو دي جانيرو) تركت البوابير (السّفن) لاجل تعليم المسلمين الذين بهذه البلاد مُقيمين، مُحتسبًا لوجه رب العالمين"؛ يقول البغدادي.

صفحتين من مخطوط "مسليه الغريب بكل امر عجيب"

ورغم انّ التاريخ لثوره العبيد المسلمين في البرازيل، سابقٌ علي الزخم الذي اكتسبته مخطوطه البغدادي بعد ترجمتها الي اعاده نشرها مُحققه علي يد الشيخ خالد رزق تقيّ الدين، رئيس المجلس الاعلي للائمه والشؤون الاسلاميه في البرازيل، ومُؤلف كتاب "المسلمون في البرازيل"، الذي نشر فيه المخطوطه مُحققه .. رُغم ذلك، الا ان المخطوط تظل مصدرًا هامًا لتاريخ الوجود الاسلامي بامريكا اللاتينيه، وكذا فيما يخص قضيه ثوره العبيد المُسلمين هُناك، التي جاء ذكر طرف منها في المخطوط، في سياق الحديث عن اسباب اخفاء المُسلمين لدينهم انذاك.

من جانبه، قال الشيخ خالد رزق تقيّ الدين، في تصريح خاص لنا، انّ "قيمه المخطوطه تعود لكونها اوضحت فترهً هامه من تاريخ الاسلام والمُسلمين في البرازيل، فحين وصلتنا المخطوطه، استكملت حلقهً مفقوده من تاريخ المُسلمين في البرازيل".

اعطني بعض التفاصيل عن المسلمين الافارقه في البرازيل!

منذ بدايات القرن السادس عشر بدات البُرتغال – التي كانت تستعمر اراضي برازيليا او البرازيل – في احضار العبيد من مُستعمراتها وغيرها من المُستعمرات الاوروبيه في افريقيا؛ لاستصلاح الاراضي وزراعتها. وبحسب كتاب "المسلمون في اوروبا وامريكا" لمُؤلفه عليّ بن المُنتصر الكِتّاني، فان اعداد الافارقه الذين تم بيعهم كعبيد لمستعمرات الامريكتين، وبخاصه مُستعمره برازيليا، قد بلغ رقمًا مليونيًا. فعلي سبيل المثال، استجلب من بنين وحدها نحو 3 ملايين شخص. وفي مُستعمره برازيليا فاق عدد العبيد النصف مليون، جلبوا من افريقيا خلال اقل من قرن!

من هُنا كان الحضور الاوّل للمسلمين من اصول افريقيه، في امريكا اللاتينيه، وتحديدًا بلاد البرازيل. ووفقًا لعدد كبير من المُؤرخين فقد استطاع هؤلاء المسلمون الافارقه، رغم ظروف عبوديتهم؛ الحفاظ علي شعائر دينهم، ويعود الفضل في ذلك، لوجود رجال دين بين الذين استجلبوا الي هُناك.

حركه الماليين: كيف قامت الثوره الاسلاميه في البرازيل، ولماذا؟

في الفصل الذي عنونه بـ"سبب تستر الاسلام من الخرستيان"، في مخطوطه "مسليه الغريب"، يقول البغدادي: "وكم مرّه سالتهم عن سبب هذا التستر الشديد، مع انّ الدول اطلقت الحُريّه لكل شخص ما يُريد؛ فاخبروني انّ حربًا وقعت بينهم وبين الخرستيان (المُلاك البيض)، وعَوّل السودان (العبيد الافارقه) ان يملكوا منهم البُلدان، وكانت النصره للنصاري. وقد تحقق عندهم جِهارًا انّ اصل هذه الفتنه (الثوره) من جماعهٍ مُسلمين بين طوائف السودان".

في العقود الاولي من احضار الافارقه كعبيد الي المُستعمرات الاوروبيه في امريكا اللاتينيه، بدات مجموعات منهم بالهروب الي الغابات والادغال، وكوّنوا بدورهم مُستعمرات خاصه بهم، اعادوا فيها احياء تُراثهم المعيشي، وتقاليدهم الحياتيه والدينيه. اوّل مُستعمرات الغابات تلك، التي تم اكتشافها من قبل البُرتغاليين، كانت مُستعمره باهيا، التي ضمّت مئات من الافارقه العبيد الهاربين اغلبهم من اصول ماليّه (دوله مالي)، وكان ذلك في عام 1579.

هذا ويبدو انّ التفاف العبيد الافارقه حول الدين الاسلامي، في مُقابل مسيحيه المُستعمر الابيض، كانت من اليات تعزيز روح التمرّد بينهم، بخاصه وانّ البرتغاليين سيّروا حملات عسكريه ضد ما كانوا يُسمّونه بـ"احراش الزنوج" – في اشاره الي المستعمرات التي انشاها الافارقه في غابات امريكا – وكانت الحملات تحت مسميات وشعارات "طائفيه"، كحمله "الصليب" التي استهدفت مجموعهً من تلك المُستعمرات كانت تحت قياده جانجا زمبي.

وبالجمله، فقد خاض الافارقه الاحرار – ان جاز لنا تسميتهم بذلك – حروبًا عديده ضد البُرتغال في اطار الحفاظ علي حُريّتهم ضمن مُستعمراتهم التي بنوها في الادغال. وخرج من بينهم قاده سجّل التاريخ لهم دورًا كبيرًا في حركه نضال العبيد نحو التحرر، علي راسهم جانجا زومبي، الذي تقدّم ذكره.

تمثال لجانجا زومبي في العاصمه البرازيليه

تلك الحروب امتدت علي مدي قرون، وصولًا الي بدايات القرن التاسع عشر، حيث كان العالم يموج بتغيرات كبيره علي عده مُستويات، ففي اوروبا مثلًا ثمّه ثوره صناعيه، وصعود للبرجوازيه الصناعيه التي صحبت معها افكارًا ليبراليه خاصه بتحرير العبيد. وفي امريكا كذلك تشتعل ما بين الحين والاخر اشتباكات بين ذوي الاصول الافريقيه والبيض الذين اعتبروا انفسهم السُكّان الاصليين.

كانت هناك مجموعه من المُحددات لمجتمع الافارقه الاحرار هذا، بينها بالطبع العامل الاقتصادي، فهؤلاء في النهايه عبيد هاربون من ملاكهم الي مُستعمرات بنوها بانفسهم وسط الغابات. وهذا العامل كان جاذبًا لفقراء البيض لينضموا اليهم، وكذا لمن تبقّي من السُكّان الاصليين (الهنود الحُمر). عوامل اخري ايضًا كان لها نصيب كبير من المساهمه، من بينها الاصول الثقافيه، والتي يلعب الدين فيها دورًا كبيرًا. ومن هناك خرجت ثوره الماليين (نسبه الي اصول اغلبهم الماليه) المُسلمين في باهيا الساحليه، الواقعه شمالي شرقي البرازيل؛ بدايات القرن التاسع عشر.

بدايه من عام 1803 بدات الانتفاضات في السلفادور عاصمه باهيا، علي مستوي محدود، حيث باءت اغلب مُحاولات التنظيم لحراك جامع كبير، بالفشل، بسبب المُخبرين المنتشرين وسط الافارقه، الذين عملوا لصالح الشرطه البرازيليه، واسهموا في افشال اي تضخم لاي موجه غضب عارمه. وفي كل الاحوال، لم تاخذ تلك الانتفاضات سمهً جامعه. كانت اغلبها تنفيسًا عن الغضب المُتراكم ازاء سياسات التفرقه العُنصريه، فضلًا – بالطبع – عن العبوديه.

لكن، ومنذ 1830 بدا التجهيز لثوره بصفه اسلاميه. نعم، كان الدين فارقًا في تشكيل بنيه الثوره، من حيث اسهامه في جمع شتات الافارقه المُسلمين او من اصول مُسلمه، من مُختلف القَبَليات والعرقيات اللُغويه (نسبهً الي انتمائهم اللغوي، حيث تفرقت المجموعات الافريقيه بين من يتحدث بالفرنسيه او الايطاليه او البرتغاليه... الخ).

وقد كانت طليعه الثوره مُكوّنه من رجال دين مسلمين، من ابرزهم الشيخ دندره وكان امامًا وخطيبًا، بالاضافه الي الشيخ سانيم، وكان مؤسس مدرسه لتعليم الاسلام. هذان وغيرهما، نظّموا للثوره في سرّيه، كشفتها اعين واذان المُخبرين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل