المحتوى الرئيسى

آه يا لالى

08/02 05:44

هناك في مقهي السبع حصون ببورسعيد، ظهر عبدالله كبربر قادما من جنوب مصر الي مدن القناة، واتت معه اله السمسميه. اخرج من جرابه الاله الخشبيه ذات الخمسه اوتار وبدا في العزف، ولم ينته الا بعد ثلاث سنوات كامله قضاها في استضافه صاحب المقهي ــ حسن متولي ــ الذي كان يهوي فن الضمه هو الاخر، بل كان احد اقطابه.

احتضنت بورسعيد التي ارتبطت نشاتها بحفر قناه السويس هذا الفن لكونها مدينة جديدة قادره علي استيعاب تراث العمإل ألذين توافدوا عليها من كل حدب وصوب، في بدايه القرن التاسع عشر. امتزج تراث هؤلاء خلال سهرات السمر التي تعقب ساعات العمل الشاق، اخذوا يتبادلون الهموم ويعبرون عن اشواقهم للحبايب وعن مشاعر الغربه والسخره، من خلال اغنياتهم.. عمال تراحيل، مقاولي انفار، بحاره، سائقي لنشات... خلطوا الطقاطيق والادوار واغاني الصوفيه والعوالم والايقاعات البدائيه وخطوات راقصه مستوحاه من حركات العمل في الميناء والبحر ليظهر تدريجيا فن الضمه الذي سترافقه فيما بعد اله السمسميه وترتبط به ارتباطا وثيقا بمساعده عازفين ذوي اصول نوبيه او جنوبيه، عرفوا الاله الشعبيه كما عرفها الفراعنه من قبل او ما يشابهها. خرج ما كان يدور في اعماق الانسان وقتها في شكل اغنيه وحركه ورقصه بلورت جميعها احساسه باللحظه وتعليقاته عليها بتلقائيه تميز عاده الفن الشعبي. مزيج اجتماعي ممتع وصريح، فيه الشجن والطرب والسخريه والوطنيه والسخط والحب واللوعه، فاذا به ينتشر في المدن الساحليه المجاوره، ويستمر، بل ويتخذ اشكالا جديده بعد الانتهاء من حفر القناه ليلازم تاريخ المنطقه وما عاشته من حروب ومقاومه وتهجير.

مثلا في فتره ما قبل العدوان الثلاثي، كانت جلسات الضمه تعقد في الشوارع بعد صلاه العشاء وتسمي حسب مكان احيائها: ضمه شارع البحر يقودها الريس عبدالقادر، ضمه شارع السرايا يقودها الريس محمد يوسف، ضمه قسم اول يقودها الريس عبدالهادي... وكان الاهالي يرحبون بها ويشاركون في الاعداد لها بتقديم كرسي الحمام ليجلس عليه الصحبجيه وبفرش الارض بسجاده كبيره يلتف الفنانون حولها في شكل دائري وبمواقد نار تتوسط الضمه لشد الطبول واحتياجات الدخان.

بني الريس حسن متولي، اشهر صحبجيه بورسعيد، مقهي السبع حصون في احد العقارات التي امتلكها في حي المناخ، ليجتمع فيه مع الاصدقاء. كتب عليه في البدايه «النادي المصري السوداني» ثم اطلق عليه الناس اسم «السبع حصون» لان كل حاره من حارات المناخ السبع كانت تسمي حصنا، ولكل حاره ركن في المقهي الواسع يجمع اهلها. كانت خناقات الحاره لا تحل سوي في«السبع الحصون»، فصاحبه حسن متولي كان فتوه المناخ كله، وهو الحي الذي يرجع تاريخ انشائه لحفر قناه السويس، واغلبيه سكانه من الصيادين.

حكايات المناخ لا تنتهي وقد وفد اليه عازفو السمسميه المهره، سواء عبدالله كبربر او من بعده محمد عثمان ود النجي الذي اتي ايضا من الجنوب... لذا فهناك ادوار نوبيه انتشرت في مدن القناه مثل «علشان جرجيه وعلشان جرجوه» او غيرها من الادوار التي انتقلت من الشام الي دمياط ومنها الي مدن القناه مثل «زارني المحبوب من رياض الاس» و«اه يا لالي يا لالي يا ابو العيون السود يا خلي (...) يا رايحين حلب حبي معاكم راح يا لالالي، يا مدوقينا العنب العنب تفاح يا لالالي».

عالم كامل بشخوصه ومرجعياته، يلبسون قبعه افرنجي او«كاسكيته» بحاره او حتي طربوشًا كما اختار لنفسه ابو العربي او احمد مجاهد، احد اهم مؤسسي فرقه «الطنبوره البورسعيديه» ومن كبار حفظه تراث فن الضمه، الذي تواري عن عالمنا منذ ايام. كان يصر ان يرتدي الطربوش ويتحرك بخفه بين الجمهور وهو يؤدي دور«بقد الكد». اتخذ لنفسه كنيه «ابو العربي» كالعديد من البورسعيديه، اعتزازا باول المتوفين في حفر القناه: عامل بورسعيدي من حي العرب، كان ينقل الفحم علي العجله للخواجات واصيب بالكوليرا لذا شاع اسم سيد العربي او ابو العربي بين اهل المدينه الساحليه، كما ذكر قاسم مسعد عليوه في كتابه «المدينه الاستثناء، قراءه مورفولوجيه لمدينة بورسعيد».

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل