المحتوى الرئيسى

الجدل مستمر حول الدراما التلفزيونية التاريخية ولكن ماذا عن الهامات القناة؟!

08/01 11:08

للعام الثاني علي التوالي تشهد الساحه الثقافيه المصريه جدلا بشان مسلسلات تلفزيونيه رمضانيه تناولت احداثا تاريخيه فيما يؤشر هذا الجدل لاهميه الدراما التلفزيونية التي امست مدعوه لتقديم اعمال حول قناه السويس الجديده بمعالجات تليق بمستوي هذا الحدث والهاماته ورمزيته في الضمير الوطني المصري واهميته كجزء من تاريخ وطن وذاكره شعب.

وفيما شهد العام الماضي جدلا حول “مسلسل” صديق العمر” فان الجدل تركز هذا العام حول المسلسل التلفزيوني “حاره اليهود” وهو جدل مازال مستمرا علي نحو مالاحظ الدكتور وحيد عبد المجيد رئيس تحرير مجله “السياسه الدوليه”، بحسب وكاله أنباء “الشرق الاوسط”.

وذهب عبد المجيد الي ان هذا النوع من الجدل الذي يحاكم فيه مسلسل تلفزيوني “كما لو انه عمل وثائقي او توثيقي وليس عملا فنيا” سيتكرر “مادمنا نخلط بين التاريخ من حيث هو علم اجتماعي والدراما بصفتها عملا فنيا”.

واوضح وحيد عبد المجيد انه بخلاف المؤرخ او الباحث في التاريخ فالمطلوب من صانع الدراما التاريخيه ان “يقدم عملا فنيا جميلا مستقي من التاريخ ولكنه قائم علي رؤيه ابداعيه يلعب فيها الخيال دورا رئيسيا”.

واشاد الكاتب المسرحي بهيج اسماعيل ايضا بهذا العمل التلفزيوني معتبرا انه “مسلسل مدروس كتابه واخراجا وتمثيلا” فيما كان الكاتب والروائي يوسف القعيد من بين فريق من المثقفين المصريين ابدوا عدم ارتياح حيال مسلسل “حاره اليهود”.

وبينما رحب الدكتور مدحت العدل مؤلف هذا العمل الدرامي بالنقد دون تصيد الاخطاء مؤكدا علي ان مايعنيه في المقام الاول هو “امتاع المشاهد” اتخذ الكاتب اسامه الالفي موقفا بالغ الحده ضد هذا المسلسل التلفزيوني معتبرا انه يصب في خانه “تزوير التاريخ” وقال انه لايري له هدفا او مغزي “يصب في صالح مصر وشعبها”.

وواقع الحال ان هناك نقادا اشاروا الي ان صدق روايه الحدث التاريخي لايكبل خيال المبدع او يحول دون ظهور عمل درامي تلفزيوني ناجح ويحظي بنسب مشاهده عاليه كما ان الصواب لايجانب هؤلاء الذين قالوا انه لاينبغي اختزال اي حدث تاريخي في البعد السياسي لان هذا البعد محكوم في نهايه المطاف بمحددات ثقافيه وشروط اقتصاديه ومعطيات اجتماعيه.

وهذا الجدل الذي اثير في العام الماضي حول مسلسل تلفزيوني رمضاني تناول اهم شخصيتين في ثوره 23 يوليو وتجدد هذا العام حول مسلسل “حاره اليهود” انما يؤشر ايضا لاهميه الدراما التلفزيونيه والحاجه لنقد تاريخي موضوعي .

وكان مسلسل “صديق العمر” الذي ركز علي العلاقه البالغه الخصوصيه والاهميه بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر قد اثار تساؤلات بين العديد من المثقفين المصريين حول العلاقه بين الدراما وكتابه التاريخ وانعكاس العمل الدرامي علي الوعي الجمعي.

ووصف السيناريست والكاتب مصطفي محرم بعض المناقشات والتعليقات واللغط حول مسلسل “صديق العمر” “بالخروج عن المفاهيم النقديه السليمه” معتبرا ان بعض من انتقدوا هذا العمل يفتقرون للفهم او المعرفه الحقيقيه باصول الفن واصول علم التاريخ معا.

وحرص محرم علي التمييز بين “العمل الفني” الخاضع للمقاييس الفنيه ” و”العمل التاريخي الوثائقي” موضحا ان مسلسل “صديق العمر” هو عمل فني لا وثيقه تاريخيه واضاف ان “الحقيقه الفنيه تختلف عن الحقيقه في الواقع.

غير ان محرم اقحم في هذا الجدل رايه السياسي في الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقوله في جريده الاهرام :”انا اعتقد ان جمال عبد الناصر كان يخطيء كثيرا ويصيب قليلا وهذا من ابرز سمات الشخصيه التراجيديه حيث ان المحصله النهائيه لم تكن في صالح عبد الناصر ولكن للاسف كانت في مصلحه اعداء مصر”.

وفيما كان مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر الوزير السابق سامي شرف ضمن من انتقدوا هذا المسلسل وعدد ماخذه عليه فان مصطفي محرم انبري للهجوم عليه قائلا :”وقد شجع هذا اللغو سكرتيرا كان يعمل مع عبد الناصر ان يدقق من ناحيه قربه من الزعيم في بعض تفاصيل حياته حتي كاد يصل به الامر الي ماكان ياكله عبد الناصر وماكان يرتديه من ثياب وماكان ينطق به في جلساته من اقوال بشكل يثير الضحك عند الذين يدركون الفرق بين الفن والتاريخ”.

وكان الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويده قد ذكر مؤخرا في سياق تعليقه علي جدل اثير حول ثوره 23 يوليو في ذكراها الثالثه والستين ان الاحداث الكبري في تاريخ الانسانيه كانت دائما محل خلاف وصراع ولكن هذا كله لاينقص من قدرها او يقلل من اهميتها مؤكدا علي ان ثوره يوليو ستبقي “حدثا كبيرا ومؤثرا في ذاكره المصريين حتي وان اختلف البعض عليها في المواقف والاراء”.

ومنذ سنوات كتب فاروق جويده سلسله مقالات في جريده الاهرام تحت عنوان :”من يكتب تاريخ ثوره يوليو” فيما اعتبر ان تاريخ هذه الثوره يخضع حتي الان للكثير من الاهواء لافتا لخطوره اختفاء الوثائق الخاصه بالثوره واحداثها الكبري.

وفي المقابل لفت الكاتب احمد الجمال لضروره احترام القائمين علي النص لوقائع التاريخ المعروفه وماوصفه “بالظرف الموضوعي زمانا واطرافا” فيما سلم هذا الكاتب المعروف باتجاهه الناصري “بانه ليس لاحد الحق في ادعاء الامساك باختام الوطنيه ودمغات الموضوعيه” “.

وانما الامر-حسب احمد الجمال- يتعلق بالماده التاريخيه بمصادرها ومراجعها والقدره علي التعامل مع تلك الماده كما انه امر قدره علي التعامل مع هذه الماده وفق القواعد المنهجيه المستقره في علم النقد التاريخي ناهيك عن قواعد وادوات علميه تعرفها اكاديميات ومعاهد الفنون .

واذا كان ثمه ابداع لرائد يتمرد علي تلك القواعد والادوات وياتي بجديد غير مسبوق -فان ذلك كما يقول احمد الجمال وهو دارس للتاريخ- ياتي بعد احترام البديهيات في مجال علم التاريخ وعلوم السيناريو والاخراج ومن ثم فان خرق هذه البديهيات او تجاوزها يفصح عن “ان للعمل هدفا اخر غير اجلاء الحقيقه وتعظيم الموضوعيه”.

وطال النقد ايضا في العام الماضي مسلسل “سرايا عابدين” بسبب ماوصف بالاخطاء التاريخيه الفادحه وذهب الباحث والمؤرخ ماجد فرج الي ان هذا المسلسل “كله اكاذيب” نتيجه لما وصفه في مقابله تلفزيونيه”بجهل المؤلفه بتاريخ مصر” .

وقال الدبلوماسي والبرلماني السابق الدكتور مصطفي الفقي”راق لي تعريف متميز لمفهوم الثقافه حددها بانها الوعي بالتاريخ” معتبرا ان المطلوب “تنقيه التاريخ من شوائبه سواء كانت اساطير او اكاذيب او اهواء شخصيه”.

ويحرض الفقي المفكرين والمثقفين والمؤرخين واساتذه علم السياسه “لكي نعيد قراءه التاريخ المصري من

جديد” لافتا الي ان “شعبيه عبد الناصر الكاسحه تضعه في المقدمه بين صفحات تاريخنا المعاصر” فيما راي استاذ العلوم السياسيه الدكتور محمد السيد سليم ان “دور اهل الفن في الارتقاء بالذوق العام بل وبالاخلاق وبتاريخ وتراث مصر” يدخل في “باب المسئوليه الاجتماعيه”.

وتحدث سليم في هذا السياق عن “الاعتداء الفاضح علي تاريخ مصر في الاعمال الفنيه التي تتناول موضوعات تاريخيه بما يرسخ في اذهان الاجيال معلومات تاريخيه غير صحيحه ويشوه شخصيات اسهمت في بناء مصر”.

واذ تستعد مصر الان لحدث مفصلي في تاريخها فان الدراما التلفزيونيه لابد وان تواكب هذا الحدث الذي سينقل ارض الكنانه من حاله الي حاله جديده لشعب ثار من اجل العيش والحريه والعداله الاجتماعيه واستقلال الاراده الوطنيه.

ومن نافله القول اننا بحاجه لدراما تلفزيونيه مختلفه عن اعمال وصفت بانها “قد شوهت التاريخ وافسدت ذاكره الاجيال الجديده” ناهيك عن اعمال تنضح بمظاهر الانفلات الاخلاقي ولاتعبر عن جوهر وحقيقه الشخصيه المصريه حتي ان مثقفا مصريا مثل الدكتور محمد السيد سليم ذهب الي ان الفن المصري بلغ مرحله “الجنوح الاجتماعي الاخلاقي الشامل” كما تجلي في المسلسلات التلفزيونية لشهر رمضان .

واذا كان المصريون يتطلعون للحدث التاريخي المرتقب يوم السادس من شهر اغسطس الجاري عندما تفتتح قناه السويس الجديده فلاريب ان قناه السويس تشكل ماده دراميه بالغه الثراء وقصه مشوقه حقا بالمعني الفني والادبي منذ ان افتتحت القناه لاول مره في السابع عشر من شهر نوفمبر عام 1869 بحضور نحو سته الاف مدعو من مشاهير العصر والشخصيات العالميه وعلي راسهم الامبراطوره اوجيني زوجه امبراطور فرنسا نابليون الثالث وامبراطور النمسا وملك المجر والكاتب النرويجي الاشهر هنريك ابسن.

ولئن كانت الأوبرا المصرية تستعد لتقديم عروضها الفنيه في حفل افتتاح قناه السويس الجديده علي ايقاعات “مارش النصر” وابداعات الموسيقار عمر خيرت فان الدراما المصريه مدعوه لتقديم ابداعاتها عن هذا الحدث الكبير عبر اعمال علي الشاشتين الكبيره والصغيره فيما الصور تتلاحق في دراما قناه السويس مابين حفل افتتاحها الاول وحفل افتتاحها الثاني ومابين القرن ال19 والقرن ال21 حيث تعبر طبيعه الاحتفالات عن طابع كل عصر وثقافته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل