المحتوى الرئيسى

داعش.. رؤية من الواقع

08/01 09:11

يردد كل منا يوميًا اسم "داعش"، ويثور جدل بين البعض حول الصاق وصف الاسلاميه بالدوله، مع انهم هم الذين اطلقوا ذلك. اعني الذين اسسوها، وكل افعالهم استمدوا موادها من متون قديمه ونصوص يعتمدون عليها في تعبير الذبح والسبي والاسر واستباحه النساء الاسيرات لتفريغ طاقه المجاهدين الجنسيه، نردد الاسم كثيرًا، كذلك الافعال ولكننا لا نعرف شيئًا عن داعش.

من هنا بدات اهتم بما صدر عن الدولة الإسلامية في الشام والعراق. لم يعد داعش بعيدًا عنا، فقد اعلن عن نفسه في سيناء وقام المنتسبون اليه بهجوم واسع النطاق في الاول من يوليو الماضي، وتم دحرهم بواسطه جيشنا العظيم.

بين الكتب التي قراتها توقفت اولا عند كتاب هام عنوانه "داعش ..عوده الجهاديين" للصحفي الانجليزي باتريك كوكبيرن، صدرت ترجمته الي اللغه العربيه عن دار الساقي بلندن.

الكتاب نتيجه خبره مباشره للكاتب، فهو مراسل في مناطق الحروب الخطيره، عمل في سوريا والعراق، وتعرف الي الدواعش عن قرب، ظهور التنظيمات المتطرفه في العراق نتيجه تفككه بالفعل، ينقسم الي ثلاث كيانات رئيسيه، الشيعه والسنه والاكراد، المنتصر الوحيد في هذا الواقع المضطرب الدوله الاسلاميه "داعش" التي تريد قتل الشيعه بدلًا من اجراء اي محاوله للتفاهم معهم.

يحدد المؤلف تاريخًا حاسمًا في هذا الصراع هو العاشر من يونيو 2014، عندما سيطر داعش علي الموصل عاصمه العراق الشماليه. تملك الدولة العراقية جيشًا يتكون من 350 الف ضابط وجندي، اُنفق عليه 41.6 مليار دولار خلال ثلاث سنوات من عام 2011.

هذا الجيش انشا بعد ان قام الحاكم الامريكي بريمر بحل الجيش العراقي الذي كان مصهرا لكافه طوائف الشعب العراقي المتعدد الديانات والجنسيات. كان من قادته الكبار شيعه وسنه ومسيحيين وايزيدين وصابئه. الحقيقه ان العراق نموذجًا فريدًا للتعدديه، كان يمكن ان يصبح مزارًا للعالم كله بما يحوي من ديانات قديمه وعقائد واعراق، لكن ثمه اخطاء كارثيه ارتُكبت عبر تاريخه الحديث. اخطرها في رايي اعلاء الحزب علي الجيش وعدم الالتزام بالتراتبيه العسكريه، ورغم ذلك كان الجيش العراقي حتي غزو العراق كيانًا متماسكًا، صحيح انه اُنهك خلال حرب استمرت ثمان سنوات ضد ايران، ولكن بعد الاحتلال الامريكي جري نفخ النعرات الطائفيه.

يذكر المؤلف ان القوه العسكريه لداعش الذي استولي علي الموصل لم تزد عن الف وثلاثمائه مقاتل، استولي بسهوله علي ثاني اكبر مدينه في العراق بدون مقاومه تذكر. قاد عمليه الهرب ضباط عسكريون بدلوا ثيابهم بملابس مدنيه، ويعد احتلال داعش للموصل احد اكبر الهزائم العسكريه في التاريخ، وخلال اسبوعين كانت المناطق التي تقع خارج السيطره الكرديه قد سقطت في ايدي داعش الذي اعلن دولة الخلافة وقال الخليفه الداعشي "سوريا ليست للسوريين والعراق ليس للعراقيين، ان الارض هي ملكًا لله"، هكذا لم يعد مفهوم الوطن قائمًا، واساس ذلك عند سيد قطب الذي قال ان الوطن "حفنه تراب عفن". وهنا نلاحظ ما لاتريد بعض القوي في الغرب تحديدًا رؤيته، الصله الوثيقه بين اقصي درجات التطرف ومن يحاولون الظهور كمعتدلين، اعني الاخوان. لايوجد اي تيار يستغل الاسلام في الوصول الي السلطه يمكن اعتباره معتدلًا.

بدات المجازر الطائفيه في العراق ضد الشيعه والسنه معًا، اما الايزيديون فمورس ضدهم ما يبدو غريبًا عن العصر، القتل والسبي وبيع نسائهم كسبايا واستباحتهن باعتبارهم كفارًا.

وصف داعش استراتيجيته العسكريه بما يشبه "التحرك كالافعي بين الصخور". اي يستخدم قدراته المسلحه كقوات الصاعقه ليتخلص من الاهداف السهله. ولا تيجر الي معركه طويله يؤسر فيها المقاتلون ويتكبد خسائر جسيمه. في نفس الوقت وجد سنه العراق في داعش قوه تحميهم من الميليشيات الشيعيه التي انتشرت في فتره تولي نوري المالكي رئاسه الوزاره.

انضم الي دوله داعش الضابط والجنود المحترفون من سنه العراق. يقول المؤلف ان قيام الدوله الاسلاميه ونجاحاتها العسكريه ادي الي نشوه قليله النظر في الجانب السني العراقي، يقول المؤلف ان السكان المحليون اخبروه ان عناصر داعش كانوا يتنقلون من منزل الي اخر، ويسالون عن اسماء النساء المتزوجات وغير المتزوجات طالبين رؤيه بطاقات الهويه، اذ ان بطاقات الهويه في العراق تحدد الحاله الاجتماعيه، سبب ذلك ان مقاتليهم غير المتزوجين يريدون الحصول علي زوجات.

لاشك ان مثل ذلك سوف يثير الاستياء عند اهل المجتمعات السنيه، لكن لن يكون هناك حركه مضاده لتنظيم محكم ومستعد لقتل اي خصم. نلاحظ هنا من التفاصيل التي يوردها المؤلف بخصوص التعامل معه النساء ان الداعشيين يعتبرون المراه مجرد وعاء لافراغ الشهوه، ليس مهما نشوء اي درجه من العلاقه العاطفيه او المشاعر الانسانيه، وفي الجانب المقابل نجد ان بعض من النساء يقبلن ذلك بغطاء ايديولوجي فيهاجرن من بلادهن الي المناطق التي يسيطر عليها داعش لممارسه جهاد النكاح وبالطبع النصوص الفقهيه القديمه توفر الغطاء الشرعي لهؤلاء.

يقول المؤلف ان داعش طليعه حركه عسكريه دينيه لن تسمح بازاحتها بسهوله، ومثل الفاشيين في المانيا وايطاليا في العشرينات ستقدم علي سحق كل من يحاول ذلك، لقد منح السنه دورًا قياديًا لحركه تعتبر انها تعمل بموجب امر الهي، ويتضمن برنامجها حروبًا طويله وخاسره من المرتدين والزنادقه، يتوقع المؤلف تقسيم العراق وسوريا تمامًا، لكن هذا لن يتم بسهوله، ستحدث مجازر مروعه كتلك التي جرت عام 1947 عند تقسيم الهند وظهور باكستان، علميا لم يعد هناك حدود فعليه للعراق وسوريا.

ان داعش اشرس بكثير من القاعده. اذ ظهرت دوله تدعو الي الخلافه وتسيطر علي مناطق شاسعه اكبر من مساحه فرنسا. في يناير 2014 سيطر داعش علي الفلوجه التي تبعد اربعين ميلًا فقط عن بغداد. لقد حل داعش مكان تنظيم القاعده كاقوي مجموعه جهاديه واكثرها سيطره علي العالم.

هنا لابد لي من ابداء ملاحظه وهي انني لا اتوقف امام هذا الكتاب من منطلق الترف الفكري، ولكن من منطلق الضروره. فمصر مستهدفه من داعش المدعوم من بعض دول المنطقه، خاصه قطر، هنا اُذكر مره اخري بمعركه اول يوليو والتي خاضها الجيش المصري بكفاءه تعكس استيعابه للظروف الجديده في المنطقه، ولاول مره نسمع صرخات الداعشيين وهم يستغيثون في اجهزه الاتصال بزملائهم في غزه "الحقونا بنضرب".

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل