المحتوى الرئيسى

الزغاريد.. أصدق أنباء

08/01 07:31

عن طريق الخيال السمعي، ابهجتني اصوات الزغاريد المتوقعه، المنطلقه من افواه ملايين المصريات، بنات البلد الجدعان، القويات، الصامدات في المحن والكروب، المحتفلات بصدق وحماس، لكل نجاح وانتصار.

اصل الحكايه، اقتراح ملهم من سيده مجهوله، قلبها علي البلد، واتتها فكره جميله، تتمثل في اطلاق الزغاريد، اما في ميدان التحرير، او في كل مكان، لحظه افتتاح مشروع قناة السويس الجديده.

فورا، لمست الفكره او تار عقول المصريين، تلقفتها التجمعات، الحزبيه والشبابيه، والفرديه، تحاول، بكل جديه، تنظيمها، علي نحو يجعلها اطول زغروده في الجغرافيا والتاريخ.

الزغروده، في الضمير المصري، دليل فرح، تحمل في ترددها طاقه امل وسعاده وانتشاء، لا يمكن، حين تملا الاجواء، ان تري انسانا مكتئبا او حزينا.. لذا، دخلت في ثنايا اغنيات الافراح، اما في المقدمه، كمدخل دافئ، صاخب وحميم، او مصاحبه لالحان «اتمخطري يا حلوه يا زينه»، «زغروده حلوه رنت في بيتنا»، «يا ولاد بلدنا يوم الخميس»، «دقوا المزاهر يا اهل البيت تعالوا».. انها شفره، موجزه، مؤثره، اكيده المفعول.

في افلام فتوات نجيب محفوظ، عندما يتهاوي احد الطغاه، تفتح شبابيك المشربيات، تطل منها وجوه النساء، يتبادلن التهاني بالزغاريد.

قصاصنا المتوهج، يوسف ادريس، اخذ يشرح، في السطور الاولي من احدي حكاياته، الفروق المتباينه، بين اشكال الزغاريد المصريه: المتماوجه، ارتفاعا وهبوطا.. المبتسره، التي تنقطع فجاه.. وثمه ذات الذيل الطويل.. الي جانب البطيئه، التي تبدا خافته، لتتصاعد، وتعود مره اخري الي خفوتها.. عاده، ترد النساء بالزغروده الجماعيه علي الفرديه.

قاموس الزغاريد، بتنوعه، يتوافر في السينما المصرية، من استاذاته، وداد حمدي، تعبيرا عن سعادتها لفوز سيادتها بمن يهواه قلبها.. جمالات زايد، الملقبه بـ«ملكه الزغاريد».. وطبعا، زينات صدقي، التي تزغرد من اعماقها، لانها، اخيرا، ستتزوج من العبقري، المفلس المغرور، «حسب الله السادس عشر»، عبدالسلام النابلسي.

فكره زغروده الوادي، الممتده الي اقصي الجنوب، والي كل ربوع البلاد، هي فكره مصريه تماما، تاتي في وقتها النموذجي.

قرات، مثل غيري، الكثير من الانتقادات التي وُجهت للمشروع، وعددت عيوبه، والكثير ايضا مما قيل عن جدواه، ومزاياه.. وبعد حيره وتفكير، قررت تنحيه الهجاء والمدح جانبا، وبقي ـ عندي ـ المشروع ناهضا، واقعا، ناهضا علي قدميه، يثبت اننا، الشعب المصري، برغم كل ما يقال عن عيوبنا، نستطيع ان نحفر، نبني، نشيد، نزرع، نصنع.. وحين ننجز، قد نكتشف خللا هنا وهناك.. بالتاكيد، من الممكن علاجه.. الفرح، حق لها، لكن كيف نحتلف.

يعلمنا التاريخ، بقسوه مغبه الاسراف، والظهور بمظهر لا يتواءم مع الاحوال.. من قبل، في ١٦ نوفمبر ١٨٦٩، كان الاحتفال المهول، الصاخب، بافتتاح قناه السويس. طبل وزمر واضواء وضيوف وموائد ومواكب، برا وبحرا.. جاء الحصاد مرا: مزيد من الديون، مهدت لاحتلال البلاد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل