المحتوى الرئيسى

الجارديان: هل بدأت نهاية الرأسمالية العالمية؟ (1 - 2)

07/31 14:14

دون ادراكنا، نحن علي مشارف حقبه ما بعد الراسماليه. وفي خضم المزيد من التغييرات المنتظره في تكنولوجيا المعلومات، وسبل جديده للعمل واقتصاد المشاركه. ستتخذ الوسائل القديمه بعض الوقت قبل ان تندثر، الا ان الوقت قد حان للتطلع للمثل العليا.

مع سياده الاعلام الحمراء وترديد اغنيات المسيرات الخاصه بحزب "سيريزا" اثناء أزمة الديون اليونانية، بالاضافه الي توقع تاميم البنوك، اعيد احياء احد احلام القرن العشرين لفتره وجيزه، الا وهو التدمير الاضطراري للسوق من اعلي. خلال الكثير من القرن العشرين، كان تلك كيفيه تخيل اليسار للمرحله الاولي من اقتصاد ما بعد الراسماليه. حيث ستطبق القوه علي يد الطبقه العامله، اما عبر صناديق الانتخابات او من وراء المتاريس. ستكون الدوله هي الذراع الرافعه. وستتاح الفرصه لذلك عبر حلقات متكرره من الانهيارات الاقتصاديه.

الا انه بدلا من ذلك، تعرض المشروع اليساري للانهيار خلال ربع القرن الماضي. فقد دمر السوق الخطه، وحلت الفرديه محل الجماعيه والاتحاد، بينما تبدو القوة العاملة العالمية الكبيره كـ"بروليتاريه"، الا انها لم تعد تفكر او تتصرف كما فعلت في السابق.

ان كنت قد عاصرت كل ذلك، ولم تروقك الراسماليه، فلابد ان الامر كان مؤلما. ولكن في خضم العمليه، خلقت التكنولوجيا مخرجا جديدا، اجبر بقايا اليسار القديم – وجميع القوي المتاثره به – علي جمع شملها، او لقاء حتفها. فالراسماليه، حسبما اتضح، لن تلغي بواسطه اساليب المشي الحثيث. بل ستلغي عبر خلق نظام جديد اكثر نشاطا يتواجد، في البدايه، بشكل شبه خفي في رحم النظام القديم، ليتمخض الرحم عن ذلك النظام الجديد الذي سيعيد تشكيل الاقتصاد حول قيم وسلوكيات جديده. اود ان اطلق علي ذلك نظام ما بعد الراسماليه.

كحال نهايه الاقطاعيه منذ 500 عام، سيتسارع حلول نظام ما بعد الراسماليه محل النظام الرأسمالي بفعل الصدمات الخارجيه، وسيتشكل بفعل ظهور نوع جديد من البشر. وقد بدا ذلك بالفعل.

مرحله ما بعد الراسماليه محتمله بسبب ثلاث تغييرات رئيسيه احدثتها تكنولوجيا المعلومات خلال ربع القرن الماضي. اولا، خفضت تكنولوجيا المعلومات الحاجه الي العمل، وطمست الحدود بين العمل ووقت الفراغ وخففت الارتباط بين العمل والاجور. وستقلص الموجه التاليه من التشغيل الالي، المعلقه حاليا لان مجتمعنا لا يستطيع تحمل عواقبها، بشده القدر الضروري من العمل – ليس فقط لتوفير مستلزمات المعيشه بل ولتوفير معيشه كريمه للجميع.

ثانيا، تؤدي المعلومات الي تاكل قدره السوق علي ضبط الاسعار علي نحو صحيح. فالاسواق قائمه علي الاحتياج بينما المعلومات متوافره بكثره. فتمثلت اليه النظام الدفاعيه في تكوين كيانات احتكاريه – وهي شركات التكنولوجيا العملاقه – بشكل غير مسبوق خلال القرنين الماضيين، الا انها غير قادره علي الاستمرار. عبر بناء نماذج اعمال وتقييمات الاسهم علي اساس مصادره وخصخصه جميع المعلومات المنتجه اجتماعيا، تبني تلك الشركات صرحا مؤسسيا هشا يخالف الحاجه الاكثر اساسيه للانسانيه، المنطويه علي استخدام الافكار علي نحو حر.

ثالثا، نحن نشهد صعودا عفويا للانتاج الجماعي، حيث تظهر البضائع والخدمات والمؤسسات انها لم تعد تستجيب لاملائات السوق والهيكل الاداري. فاكبر منتج معلوماتي في العالم – موقع "ويكيبيديا" – انشاه متطوعون مجانا، ويقضي علي تجاره الموسوعات ويحرم صناعه الاعلانات من ارباح سنويه تقدر بـ3 مليارات دولار.

مما لم يلحظه احد تقريبا، في كوات وتجاويف نظام الاسواق، ان مساحات كامله من الحياه الاقتصاديه تبدا في التحرك نحو ايقاع مختلف. حيث انتشرت العملات الموازيه، وبنوك الوقت، والمساحات التعاونيه وذاتيه الاداره، وتكون عاده نتيجه مباشره لتحطم الهياكل القديمه في ازمه ما بعد 2008.

ستجد ذلك الاقتصاد الجديد فقط ان بحثت عنه عن قرب. في اليونان، عندما بحثت منظمه قاعديه غير حكوميه عن التعاونيات الغذائيه في البلاد، والمنتجين البدلاء، والعملات الموازيه، وانظمه المقايضه المحليه وجدت اكثر من 70 مشروعا حقيقيا ومئات المبادرات الاصغر المتراوحه بين احتلال البنايات المهجوره ومشاركه السيارات الخاصه ورياض الاطفال المجانيه.

بالنسبه للاقتصادات السائده تبدو تلك الامور بالكاد معادله لنشاط اقتصادي – وهو المطلوب. فتلك الانشطه متواجده لانها تنشط، مع كونها متعثره وغير فعاله، عمليه نظام ما بعد الراسماليه، المشتمله علي: وقت الفراغ، النشاط الشبكي والامور المجانيه. يبدو الامر هزيلا وغير رسمي، بل وخطيرا ليصاغ علي اساسه بديل كامل لنظام عالمي، ولكن يشبه ذلك حال الاموال والارصده في عصر ادوارد الثالث.

تمثل الصور الجديده من الملكيه، والصور الجديده من الاقراض، والعقود القانونيه الجديده ثقافه فرعيه جديده من الاعمال التي ظهرت علي مدار السنوات العشر الماضيه، والتي اطلق عليها الاعلام اسم "اقتصاد المشاركه". كما يتردد صدي كلمات رنانه مثل "المشاعات" و"التضافر الجماعي"، الا ان القليل عني بالتسائل حول اثر ذلك التطور علي الراسماليه ذاتها.

اعتقد انه يوفر مخرجا – ولكن فقط في حال قوبلت تلك المشروعات ضئيله الحجم بالرعايه، والدعم، والحمايه عبر تغيير جذري في سلوك الحكومات. ويجب ان يكون ذلك مدفوعا بتغيير في تفكيرنا – بشان التكنولوجيا، والملكيه والعمل. حتي يمكننا عند انشاء عناصر النظام الجديد ان نقول لانفسنا، وللاخرين: "لم يعد ذلك ببساطه اليه للصمود، وسبيل للهروب من العالم الليبرالي الجديد، بل انه اسلوب جديد للمعيشه في خضم التشكل".

قضت ازمه عام 2008 علي 10 بالمئه من الانتاج العالمي و20 بالمئه من التجاره العالميه. اصبح معدل النمو العالمي بالسالب – علي مقياس يعتبر اي نسبه اقل من 3 بالمئه ركودا. وانتجت، في الغرب، مرحله كساد اطول من التي استمرت بين عامي 1929 – 1933، وحتي الان، مع انحسار الازمه علي نحو ضعيف، اصبحت الاقتصادات السائده خائفه من احتماليه حدوث ركود علي المدي البعيد. بينما تؤدي التوابع في الاوروبا الي تمزيق القاره.

تمثلت الحلول في التقشف مع وجود فائض نقدي. ولكنها غير مجديه. ففي الدول الاكثر تضررا، تعرض نظام المعاشات للتدمير، وارتفع سن التقاعد الي الـ70، وتمت خصخصه التعليم، وبالتالي يواجه المتخرجون الان ديونا مرتفعه تستمر طوال العمر. وتتعرض الخدمات للتفكيك وتعلق مشاريع البنيه التحتيه.

حتي في الوقت الراهن يفشل الكثيرون في ادراك المعني الحقيقي لكلمه "تقشف". فالتقشف ليس ثمان سنوات من تخفيض الانفاق، كما الحال في المملكه المتحده، او حتي الكارثه الاجتماعيه التي لحقت باليونان. بل يعني خفض الاجور، والاجور الاجتماعيه ومستويات المعيشه في الغرب لمده عقود حتي تماثل اجور الطبقه المتوسطه في الصين والهند في طريقها للصعود مجددا.

في غضون ذلك، وفي غياب اي نموذج بديل، تتوافر ظروف حدوث ازمه اخري. فقد هبطت الاجور الحقيقيه او ظلت راكده في اليابان، وجنوب منطقه اليورو، والولايات المتحده، والمملكه المتحده. واعيد تجميع نظام الظل المصرفي، واصبح الان اكبر مما كان عليه عام 2008. تم تخفيف او تاخير القوانين الجديده التي تلزم البنوك بالاحتفاظ بالمزيد من الاحتياطيات. وفي غضون ذلك، ازداد غني طبقه الواحد بالمئه بعد ان تدفقت عليها الاموال المجانيه.

وبالتالي فان الليبراليه الجديده تحولت الي نظام مصمم لاحداث اخفاقات كارثيه متكرره. والاسوء من ذلك، كسر نموذج المائتي عام من الراسماليه الصناعيه، التي في ظلها تعزز الازمه الاقتصاديه صورا جديده من الابتكار التكنولوجي الذي يعود بالنفع علي الجميع.

يعود ذلك الي كون الليبراليه الجديده اول نموذج اقتصادي يقوم صعوده علي خفض الاجور وسحق القوه الاجتماعيه والصمود للطبقه العامله. ان راجعنا فترات الانتعاش الاقتصادي التي درسها منظري الدوره الطويله – الخمسينيات في اوروبا، والعقد الاول من القرن العشرين والخمسينيات في انحاء العالم – عندما اجبرت القوه العماليه المنظمه رجال الاعمال والشركات علي وقف محاولاتهم لاحياء نماذج اعمال منتهيه الصلاحيه عبر خفض الاجور، ونسج طريقهم نحو صوره جديده من الراسماليه.

كانت النتيجه انه في كل صعود ملحوظ وجدنا تطورا للتشغيل الالي، واجورا اعلي وقيمه اعلي للاستهلاك. اليوم لا توجد ضغوط من القوه العامله، والتكنولوجيا القائمه في مركز تلك الموجه الابتكاريه لا تستلزم خلق انفاق اعلي، او اعاده توظيف القوه العامله القديمه في وظائف جديده. بل تمثل المعلومات اله لخفض اسعار البضائع وخفض وقت العمل اللازم لدعم الحياه علي الكوكب.

نتيجه لذلك، تحولت اجزاء كبيره من طبقه الاعمال الي اللوديه الجديده. في مواجهه احتماليه انشاء مختبرات للتسلسل الجيني، انشئت تلك الاجزاء مقاهي ومحال تجميل الاظافر، وشركات عقود التنظيف: حيث يكافئ النظام المصرفي، ونظام التخطيط والثقافه الليبراليه الجديده قبل كل شيء منشئ الوظائف ذات القيمه المنخفضه وساعات العمل الطويله.

الابتكار يحدث ولكنه لم يبدا، حتي الان، موجه الصعود الطويله الخامسه للراسماليه التي قد تتوقعها نظريه الدوره الطويله. وتكمن الاسباب في الطبيعه الخاصه لتكنولوجيا المعلومات.

نحن لسنا محاطين بالماكينات الذكيه فقط، بل وبطبقه جديده من الواقع مرتكزه علي المعلومات. وعند دراسه الطائره، نجد ان هناك حاسوب يجعلها تحلق، وقد صمم واختبر عمله تحت ضغط و"صنع بشكل عملي" لملايين المرات، حيث يرسل معلومات فوريه الي مصنعيه. وعلي متن الطائره نجد اشخاصا محدقين بشاشات متصله بالانترنت، في بعض الدول الاوفر حظا.

عند رؤيتها من الارض نجد انها نفس الطائر المعدني الابيض كحالها في حقبه جيمس بوند. ولكنها الان تعتبر ماكينه ذكيه وعقده في شبكه. ولديها محتوي معلوماتي، وتضيف "قيمه معلوماتيه" وكذلك قيمه ماديه الي العالم. ففي الرحله التجاريه المزدحمه، عندما يكون الجميع محدقا في برنامج "الاكسل" او "باوربوينت"، تعتبر كابينه الركاب بشكل افضل مصنعا للمعلومات.

ولكن ما قيمه كل هذه المعلومات؟ لن تجد اجابه في الحسابات: فقيمه الملكيه الفكريه في معايير المحاسبه الحديثه تتحدد وفق التخمينات. اكتشفت دراسه لمعهد "ساس" في عام 2013 انه، من اجل تعيين قيمه للمعلومات، لا يمكن حساب قيمه تجميعها ولا القيمه السوقيه او الدخل المستقبلي العائد منها بشكل كاف. فقط عبر صوره من الحساب التي تشمل الفوائد، والمخاطر، غير الاقتصاديه، تستطيع الشركات ان توضح للمساهمين القيمه الحقيقيه لمعلوماتهم. هناك شيء مكسور في المنطق الذي نستخدمه لتقييم الشيء الاهم في العالم الحديث.

التقدم التكنولوجي الكبير في مطلع القرن الحادي والعشرين لا يتكون فقط من اهداف وعمليات جديده، بل من اهداف وعمليات قديمه اصبحت ذكيه. والمحتوي المعرفي للمنتجات يصبح اكبر قيمه من الامور الماديه المستخدمه في انتاجها. ولكنها قيمه تقاس وفق المنفعه، وليس وفق قيمتها التبادليه او قيمتها كاصل ثابت. في التسعينات، بدا الاقتصاديون والتكنولوجيون في حمل نفس الفكره في ذات الوقت، وهي ان ذلك الدور الجديد للمعلومات ينشا نوعا جديدا و"ثالثا" من الراسماليه – ويختلف عن الراسماليه الصناعيه كاختلاف الراسماليه الصناعيه عن راسماليه التجاره والرقيق خلال القرن السابع عشر والثامن عشر. ولكنهم صارعوا من اجل وصف ديناميكيات الراسماليه "المعرفيه" الجديده. ولاسباب جيده. تعتبر ديناميكياتها غير راسماليه بشكل عميق.

اثناء وبعد الحرب العالميه الثانيه مباشره، نظر الاقتصاديون الي المعلومات ببساطه كـ"مصلحه عامه". حتي ان الولايات المتحده اعلنت انه لا يجب تحقيق ارباح من براءات الاختراع، بل من عمليه الانتاج نفسها. ثم بدانا في فهم الملكيه الفكريه. وفي عام 1962، قال كينيث ارو، المرشد الروحي للاقتصادات السائده، ان في اقتصاد السوق الحر يكمن الهدف وراء اختراع الاشياء في خلق حقوق للملكيه. واشار: "الي درجه انه الاستخدام القليل للمعلومات يعتبر نجاحا".

يمكنك ملاحظه تلك الحقيقه في اي نموذج قائم للاعمال الالكترونيه، حيث يبني علي احتكار وحمايه البيانات، والاحتفاظ بالمعلومات الاجتماعيه المجانيه التي تنتج عن تفاعل المستخدمين، ودفع القوي التجاريه نحو مجالات انتاج المعلومات التي كانت غير تجاريه من قبل، والتنقيب في المعلومات الموجوده عن القيمه المتوقعه – ما يضمن دائما وفي كل مكان ان لا احد سوي الشرطه يمكنه الانتفاع من النتائج.

ان اعدنا وضع مبدا ارو علي نحو معكوس، سنجد عواقبه الثوريه واضحه: ان كان اقتصاد السوق الحر والملكيه الفكريه يؤديان الي "استخدام قليل للمعلومات"، فان الاقتصاد القائم علي الاستخدام الكامل للمعلومات لا يمكنه التسامح مع السوق الحر او حقوق الملكيه الفكريه المطلقه. وجميع نماذج الاعمال الخاصه بالشركات الرقميه المعاصره العملاقه مصممه لمنع وفره المعلومات.

الا ان المعلومات غزيره. ويتم نسخ البضائع المعلوماتيه علي نحو حر. فبمجرد صنع منتج معلوماتي، يمكن نسخه ولصقه علي نحو لا نهائي. هناك تكلفه انتاج لاي منتج، سواء اكان مقطع موسيقي او قاعده بيانات ضخمه تستخدم في بناء طائره، ولكن تكلفه اعاده انتاجها تقارب الصفر. وبالتالي، ان كانت اليه التسعير العاديه في الراسماليه تسود مع مرور الوقت، فان سعرها سيهبط ليقارب الصفر ايضا.

لقراءه الجزء الثان من المقال، اضغط هنا.

*بول ماسون محرر الاقتصاد بالقناه الاخباريه الرابعه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل