المحتوى الرئيسى

الجارديان: هل بدأت نهاية الرأسمالية العالمية؟ (2 - 2)

07/31 14:14

نستكمل الجزء الثاني من المقال، يمكن قراءه الجزء الاول من هنا.

خلال السنوات الـ25 الماضيه، تصارعت الاقتصادات مع تلك المشكلات: جميع الاقتصادات السائده تنتفع ماليا من حاله الندره، الا ان القوه الاكثر نشاطا في عالمنا الحديث هي الغزاره، وكما وصفها الهيبي العبقري ستيورات براند سابقا: "تريد ان تكون حره".

الي جانب عالم المعلومات المحتكره والتجسس الذي انشاته الشركات والحكومات، هناك نشاط مختلف ينمو حول المعلومات: فالمعلومات كمصلحه عامه، حره من حيث الاستخدام، غير قابله للامتلاك او الاستغلال او التسعير. لقد بحثت محاولات الاقتصاديين ومرشدي الاعمال لبناء اطار لفهم ديناميكيات الاقتصاد القائم علي المعلومات الغزيره التي يحملها المجتمع. ولكنها في الحقيقيه كانت متخيله من قبل احد اقتصاديي القرن التاسع عشر في حقبه التلغراف ومحركات البخار. نعم، انه كارل ماركس.

تجري ملابسات المشهد في كينتش تاون بلندن، في فبراير 1858، في وقت يقارب الساعه 4 صباحا. ماركس مطلوب في المانيا وهو مجتهد في العمل حيث يدون سريعا الافكار والتجارب والملاحظات. عندما تمكنوا اخيرا من الاطلاع علي ما كتبه ماركس خلال تلك الليله، اقر مفكرو اليسار في الستينيات بانه "يتحدي كل تفسير افترضه ماركس حتي الان". ويحمل اسم "التفرق علي الماكينات".

في "التفرق" يتخيل ماركس اقتصادا يكون فيه الدور الرئيسي للماكينات ان تنتج، والدور الرئيسي للاشخاص ان يشرفوا عليها. كان واضحا انه، في اقتصاد مشابه، ستكون القوه المنتجه الرئيسيه هي المعلومات. لم تعتمد القوه المنتجه لتلك الماكينات، مثل ماكينه غزل القطن الاوتوماتيكيه والتلغراف وقاطره البخار، علي حجم العماله الذي كان ضروريا لانتاجها، الا في حاله المعرفه الاجتماعيه. بعباره اخري، التنظيم والمعرفه اسهما في القوه المنتجه اكثر مما اسهم صنع وتشغيل الماكينات.

في ضوء ما اصبحت الماركسيه عليه – نظريه للاستغلال قائمه علي سرقه وقت العمل – يعتبر ذلك بيانا ثوريا. حيث يشير الي انه، بمجرد ان تصبح المعرفه قوه منتجه في حد ذاتها، متجاوزه العماله الفعليه التي استهلكت في صنع الماكينه، لا يصبح السؤال الاكبر متعلقا بـ"المرتبات مقابل الفوائد" بل متعلقا بمن يسيطر علي ماذا، وهو ما اطلق عليه ماركس اسم "قوه المعرفه".

في اقتصاد تفعل فيه الماكينات معظم العمل، يجب ان تكون طبيعه المعرفه الموضوعه داخل الماكينات "اجتماعيه"، حسبما يذكر. وفي تجربه فكريه اخيره متاخره تخيل ماركس نقطه النهايه لذلك المسار، الا وهي: انشاء "ماكينه مثاليه" يستمر عملها للابد وليس لها اي تكلفه. فالماكينه التي يمكن بناءها دون تكلفه لن تضيف اي قيمه لعمليه الانتاج وستخفض بسرعه، علي مدار عده فترات محاسبيه، السعر والعائد وتكاليف العماله لاي عمليه تشارك فيها.

بمجرد ان تفهم ان المعلومات ماديه، وان البرمجيات تمثل الماكينه، وان سعر قوه التخزين، والنطاق الترددي والمعالجه ينهار بمعدلات اسيه، تصبح قيمه تفكير ماركس واضحه. نحن محاطون بماكينات لا تكلف شيئا ويمكن، ان اردنا، ان نجعلها تستمر الي الابد.

في تلك التاملات، غير المنشوره حتي منتصف القرن العشرين، تخيل ماركس معلومات وارده ليتم تخزينها ومشاركتها في شيء يدعي "الفكر العام" – الذي مثل عقلا يشمل كل من عاش علي الارض متصلا عبر المعرفه الاجتماعيه، بحيث يكون كل تحديث مفيدا للجميع. باختصار، تخيل شيئا مشابها لاقتصاد المعلومات الذي نعيش فيه. وكتب ان وجود ذلك الشيء سوف "يقضي علي الراسماليه تماما".

مع تغير المعالم، ضاع الطريق القديم لما بعد الراسماليه الذي تخيله اليسار في القرن العشرين.

ولكن انفتح مسار مختلف. فالانتاج المشترك، باستخدام تكنولوجيا الشبكه لانتاج بضائع وخدمات تعمل فقط عندما تكون مجانيه، او تتم مشاركتها، ترسم الطريق الي ما بعد نظام السوق. سيتطلب الامر من الدوله ان تضع اطار العمل – مثلما وضعت اطار عمل لعماله المصانع، والعملات القويه والتجاره الحره في مطلع القرن التاسع عشر. من المرجح ان يتعايش قطاع ما بعد الراسماليه مع قطاع الاسواق لعقود، مع حدوث تغير كبير.

تعيد الشبكات "التفاصيل" الي مشروع ما بعد الراسماليه. التي يمكنها ان تكون اساسا لنظام غير قائم علي الاسواق التي تتكاثر ذاتيا، والتي لا تحتاج لان توضع من جديد يوميا علي شاشه الحاسوب الخاصه بالمفوض.

سيتضمن التحول مشاركه الدوله، والسوق والانتاج المشترك بشكل يتخطي السوق. ولكن حتي يحدث ذلك، سيجب اعاده تعريف كامل المشروع اليساري، بدء بمجموعات الاحتجاج وحتي الاحزاب الليبراليه والديمقراطيه الاجتماعيه السائده. في الحقيقه، بمجرد فهم الشعوب لمنطق التحول لما بعد الراسماليه، لن تظل تلك الافكار ملكيه خاصه لليسار – بل لحركه اكبر كثيرا، والتي سنحتاج لاعطائها مسميات جديده.

من يمكنه تحقيق ذلك؟ في المشروع اليساري القديم، كانت الاجابه الطبقه العامله الصناعيه. وحذر الصحفي الراديكالي جون ثيلوال منذ اكثر من 200 عام الرجال الذين بنوا المصانع الانجليزيه من انهم قد خلقوا صوره جديده وخطيره من الديمقراطيه: "كل ورشه او مصنع كبير يمثل شكلا للمجتمع السياسي، الذي لن تسكته اي خطوه برلمانيه، ولن يفرقه اي قاضي".

واليوم، يمثل المجتمع كاملا مصنعا. حيث نشارك جميعا في انشاء واعاده انشاء العلامات التجاريه، والاعراف، والمؤسسات التي تحيط بنا. وفي ذات الوقت، تصخب اليوم شبكات الاتصال الحيويه للعمل والربح بالمعرفه المشتركه والسخط. اليوم اصبحت الشبكه مثل الورشه منذ 200 عام، حيث "لا يستطيعون اسكاتها او تفريقها".

صحيح ان الدول تستطيع حجب "فيس بوك" و"تويتر"، بل وحتي شبكه الانترنت كلها وشبكه المحمول في اوقات الازمات، ليتعرض الاقتصاد للشلل علي اثر ذلك. ويمكنهم تخزين ومراقبه اي كيلوبايت ننتجه من المعلومات. ولكن لا يمكنها اعاده فرض المجتمع الطبقي الجاهل، الذي تحركه الدعايه، الذي تواجد منذ 50 عاما، الا عبر اختيار عدم المشاركه في الاجزاء الرئيسيه من الحياه الحديثه، كما الحال في الصين، كوريا الشماليه او ايران. حيث تصبح، حسبما يصفها عالم الاجتماع مانويل كاستيلس، محاوله لفصل الكهرباء عن البلاد.

عبر ايجاد الملايين من الاشخاص المتصلين شبكيا، المستغلين ماليا لكن مع توافر كامل الذكاء الانساني علي بعد ضغطه زر، خلقت راسماليه المعلومات عنصرا جديدا للتغيير في التاريخ وهو: الاشخاص المتعلمون والمتصلون.

سيمثل ذلك اكثر من تحول اقتصادي. فهناك بالتاكيد المهام الموازيه والعاجله المنطويه علي نزع الكربون من الجو والتعامل مع القنابل الديموغرافيه والماليه الموقوته. ولكنني اركز علي التحول الاقتصادي الناجم عن المعلومات لانه، حتي الان، تم تهميشه. اصبحت تكنولوجيا الند للند مهمله بوصفها هوس مخصص للحالمين، بينما يرتضي "الكبار" باقتصاد اليسار بانتقاد التقشف.

في الحقيقه، علي الارض في اماكن مثل اليونان، المقاومه للتقشف وخلق "شبكات لا يمكنك التخلف عنها" – حسبما اوضح لي احد النشطاء – تتم بالتوازي. وفوق كل ذلك، تتعلق مرحله ما بعد الراسماليه، كفكره، بصور جديده من السلوك الانساني التي يصعب علي الاقتصادات التقليديه ان تعتبرها ملائمه.

اذن فكيف نتصور التحول المستقبلي؟ يتمثل النظير الوحيد المتماسك لدينا في استبدال الاقطاعيه بالراسماليه – وبفضل عمل علماء الاوبئه، وعلماء الوراثه ومحللي البيانات، اصبحنا نعرف الكثير عن ذلك التحول الذي اجريناه منذ 50 عاما عندما كان خاصا بالعلوم الاجتماعيه.

اول ما يجب تمييزه هو: الحالات المختلفه للانتاج المبنيه علي امور مختلفه. فقد كانت الاقطاعيه نظاما اقتصاديا قائما علي العادات والقوانين المتعلقه بـ"الالتزام". بينما قامت الراسماليه علي شيء اقتصادي تماما وهو السوق. ومن خلال ذلك يمكننا توقع ان نظام ما بعد الراسماليه – الذي يتمثل شرطه المسبق في الغزاره – لن يمثل ببساطه صوره معدله من مجتمع السوق المعقد. ولكن يمكننا فقط ان نبدا في اغتنام تصور ايجابي عما سيكون شكله.

لا اقصد بذلك تجنب السؤال: فالمعايير الاقتصاديه العامه لمجتمع ما بعد الراسماليه خلال عام 2075، علي سبيل المثال، يمكن ايجازها. ولكن ان ارتكز بناء ذلك المجتمع علي التحرير الانساني، وليس الاقتصادي، ستبدا امور لا يمكن توقعها في تشكيله.

علي سبيل المثال، كان الشيء الاكثر وضوحا بالنسبه لشيكسبير، حسبما كتب في عام 1600، هو ان السوق قد استدعي نوعا رابعا وجديدا من السلوك والاخلاقيه. وبالقياس، سيكون الشيء "الاقتصادي" الاكثر وضوحا بالنسبه لشيكسبير في العام 2075 هو الثوره في العلاقات بين الجنسين، او النشاط الجنسي، او الصحه. ربما لن يكون هناك حتي كتاب مسرحيين: ربما ستتغير الطبيعه الكامله للاعلام التي نستخدمها في حكي القصص – مثلما تغيرت بلندن في عهد اليزابيث عندما بنيت المسارح العامه لاول مره.

فكر في الفارق بين، علي سبيل المثال، شخصيه هوراتيو عند هامليت وشخصيه مثل دانيال دويس في روايه "ليتل دوريت" الخاصه بديكنز. فكلاهما يحمل هوسا خاصا بعصرهما – فهوراتيو مهووس بالفلسفه الانسانيه، ودويس مهووس بتسجيل براءه اختراع لاختراعه. لا يمكن ان يكون هناك شخصيه مثل دويس في كتابات شيكسبير، فهو، في احسن الاحوال، قد يحصل علي ظهور صغير كشخصيه هزليه منتميه الي الطبقه العامله. الا انه في الوقت الذي وصف فيه ديكنز شخصيه دويس، عرف معظم قراءه شخصيه مشابهه في حياتهم.

مثلما لم يستطع شكسبير تخيل دويس، نحن لا نستطيع تخيل نوع البشر الذين سينتجهم المجتمع بمجرد الا يصبح الاقتصاد محور الحياه. لكن يمكننا ان نري صورهم المتخيله في حيوات الشباب الذين يكسرون حواجز القرن العشرين حول النشاط الجنسي، والعمل، والابداع، والنفس في انحاء العالم.

اصطدم النموذج الاقطاعي للزراعه، اولا، بحدود بيئيه ثم بصدمه خارجيه هائله – وهي الموت الاسود. بعد ذلك، حدثت صدمه ديموغرافيه: حيث كان هناك عدد قليل جدا من العمال للارض، ما ادي لرفع اجورهم وجعل من المستحيل تطبيق نظام الالتزام الاقطاعي القديم. كما دفع نقص العماله الابتكار التكنولوجي. فالتكنولوجيات الجديده التي ارتكزت علي ظهور الراسماليه التجاريه كانت هي التكنولوجيات التي حفزت التجاره (التجاره والمحاسبه)، وانشاء ثروه قابله للتداول (التعدين، والبوصله والسفن السريعه)، والانتاجيه (الرياضيات والوسائل العلميه).

كان الحاضر خلال العمليه كلها امرا يبدو عرضيا بالنسبه للنظام القديم – نظام الاموال والارصده – ولكنه كان مقدرا له ان يصبح اساسا لنظام جديد. في الاقطاعيه، صيغت الكثير من القوانين والاعراف حول تجاهل المال، حيث كان يعتبر اثما في الاقطاعيه الشديده. لذلك عندما فجر المال والارصده القيود لخلق نظام سوق، بدا الامر كثوره. ثم استمد النظام الجديد طاقته من اكتشاف مصدر شبه غير محدود للثروه المجانيه في الامريكتين.

اتخذ خليط من تلك العوامل مجموعه من الاشخاص الذين تعرضوا للتهميش في ظل الاقطاعيه – الانسانيين، العلماء، الصناع، المحامين، الدعاه الراديكاليين والكتاب المسرحيين البوهيميين مثل شكسبير – ووضعهم علي راس تحول اجتماعي. وفي الفترات الهامه، رغم كونها مؤقته في البدايه، تحولت الدوله من اعاقه ذلك التغيير الي دعمه.

اليوم، الامر الذي يجعل الراسماليه تتاكل، والذي بالكاد يكون مبررا من قبل الاقتصادات السائده، هو المعلومات. معظم القوانين المتعلقه بالمعلومات تحدد حق الشركات في تخزينها وحق الدول في الوصول اليها، بصرف النظر عن حقوق الانسان الخاصه بالمواطنين. المماثل للصحافه المطبوعه والمنهج العلمي هو تكنولوجيا المعلومات وامتدادها الي تكنولوجيات اخري، من الجينات الي الرعايه الصحيه الي الزراعه الي الافلام، حيث تخفض التكاليف بسرعه.

والمماثل الحديث للركود الطويل خلال اواخر عهد الاقطاعيه هو الاقلاع المتعثر للثوره الصناعيه الثالثه، فبدلا من تحويل العمل سريعا الي التشغيل الالي، يتم حصرنا فيما يطلق عليه ديفيد جرايبير "وظائف تافهه" مقابل اجور ضئيله. ويتعرض الكثير من الاقتصادات للركود.

فما هو البديل للمصدر الجديد للثروه المجانيه؟ وهي ليست تحديدا ثروه: انما هي "عوامل خارجيه" – الاشياء المجانيه والرفاهيه المتولدتين عن التفاعل الشبكي. انه ظهور الانتاج غير السوقي، للمعلومات غير القابله للتملك، ولشبكات الند، وللشركات غير المداره. يعتبر الانترنت، حسبما يري الاقتصادي الفرنسي يان مولير بوتانج، "السفينه والمحيط" عندما يتعلق الامر بالبديل الحديث لاكتشاف عالم جديد. في الحقيقه، يمثل الانترنت السفينه، والبوصله، والمحيط، والذهب.

تعتبر الصدمات الخارجيه الخاصه بالعصر الحديث واضحه، وهي: نضوب الطاقه، والتغير المناخي، والشعوب المسنه، والهجره. تحول تلك الصدمات ديناميكيات الراسماليه ويجعلونها غير صالحه علي المدي البعيد. لم تحدث تلك العوامل بعد نفس تاثير الموت الاسود – ولكن كما شهدنا في ولايه نيو اورليانز عام 2005، لا يستلزم الامر وجود وباء الطاعون لتدمير النظام الاجتماعي والبنيه التحتيه الوظيفيه في مجتمع معقد وفقير ماليا.

بمجرد فهمك للتحول بتلك الطريقه، لن تري حاجه الي خطه خمسيه محسوبه للغايه – بل لمشروع، يجب ان يكون هدفه توسيع تلك التكنولوجيات، ونماذج الاعمال والسلوكيات التي تذيب قوي السوق، وتنشر المعرفه في المجتمع، وتقضي علي الحاجه للعمل وتدفع الاقتصاد نحو الوفره، اطلق عليه اسم "المشروع صفر" – لان هدفه ايجاد نظام طاقه صفري الكربون، حيث يكون انتاج الماكينات، والمنتجات والخدمات له تكلفه هامشيه صفريه، وخفض وقت العمل الضروري الي اقرب عدد ممكن الي الصفر.

اعتقد معظم يساريي القرن العشرين انهم لم يتمتعوا برفاهيه التحول الناجح: حيث مثل الامر اعتقادا راسخا بالنسبه لهم بان النظام القادم لن يتواجد باي شكل داخل النظام القديم – رغم ان الطبقه العامله حاولت دائما ان تخلق حياه بديله داخل و"رغم" الراسماليه. نتيجه لذلك، بمجرد اختفاء احتماليه حدوث تحول علي الطريقه السوفيتيه، اصبح اليسار الحديث مشغول البال ببساطه بامور متعارضه مثل: تخصيص الرعايه الصحيه، القوانين المخالفه للنقابات، والتصديع المائي - وتطول القائمه.

ان كنت محقا، فان التركيز المنطقي لداعمي نظام ما بعد الراسماليه هو بناء بدائل داخل النظام، لاستخدام القوه الحكوميه بشكل راديكالي ومدمر، ولتوجيه جميع الخطوات نحو التحول – وليس الدفاع عن عناصر عشوائيه من النظام القديم. يجب ان ندرك الفارق بين ما هو عاجل، وما هو هام، وانهما احيانا لا يتوافقا.

ستصبح قوه الهجره حاسمه. ففي مجتمع المعلومات، لا تذهب اي فكره او مناقشه او حلم هباء – سواء المتولده في معسكر تخييم، او زنزانه سجن، او ساحه الترفيه بشركه جديده.

بالنسبه للتصنيع الرقمي، في التحول الي مرحله ما بعد الراسماليه، يمكن للعمل المنجز في مرحله التصميم ان يقلل الاخطاء في مرحله التطبيق. وتصميم عالم ما بعد الراسماليه، بالنسبه للبرمجيات، يمكن ان يكون مركبا من وحدات. ويمكن لاشخاص مختلفين ان يعملون عليه في اماكن مختلفه، وبسرعات مختلفه، ومع استقلاليه نسبيه عن بعضهم. ان استطعت استدعاء شيء واحد الي حيز الوجود دون مقابل فسيكون مؤسسه عالميه تحاكي الراسماليه علي نحو صحيح: نموذج مفتوح المصدر لكامل الاقتصاد، الرسمي والرمادي والاسود. كل تجربه تمر من خلال تلك المؤسسه ستثريها، وستكون مصدرا مفتوحا وستتمتع بوحدات بيانات يصل عددها الي عدد وحدات في النماذج المناخيه الاكثر تعقيدا.

يتواجد التناقض الرئيسي اليوم بين احتماليه توافر البضائع والمعلومات المجانيه والغزيره، ونظام الشركات الاحتكاريه والبنوك والحكومات التي تحاول ان تبقي الاشياء خاصه ونادره وتجاريه. ويخلص كل شيء الي الصراع بين الشبكيه والنظام الهرمي: بين الصور القديمه للمجتمع، المتشكله حول الراسماليه وصور جديده للمجتمع تسبق ما سياتي لاحقا.

هل من الافلاطوني الاعتقاد باننا علي شفا تطور يتجاوز الراسماليه؟ نحن نعيش في عالم يمكن الرجال والنساء المثليين من الزواج، وجعلت فيه وسائل منع الحمل، في غضون 50 عاما، المراه المتوسطه المنتميه الي الطبقه العامله اكثر حريه من الفاسقه الاكثر جنونا في حقبه بلومزبري. اذن فلماذا نجد انه من الصعب تخيل الحرية الاقتصادية؟

انها النخبه – المنعزله في سياراتها الداكنه الفارهه – التي يبدو مشروعها بائسا مثل مشروع القطاعات الالفيه في القرن التاسع عشر. تبدو الديمقراطيه، المنطويه علي فرق مكافحه الشغب، والسياسيين الفاسدين، والصحف التي يسيطر عليها العمالقه والدول التي تمارس التجسس، مزيفه وهشه مثلما كانت المانيا الشرقيه منذ 30 عاما.

جميع القراءات في التاريخ الانساني تتيح احتماليه تحقق نتيجه سلبيه. وتطاردنا في الافلام التي تصف ارض الخراب التي تلي نهاية العالم مثل فيلم "ذا رود" او "اليزيوم". ولكن لماذا لا يجب ان نرسم صوره للحياه المثاليه، مبنيه علي المعلومات الوفيره، والعلم غير الهرمي وفصل العمل عن الاجور؟

يبدا ملايين الاشخاص في ادراك انه قد بيع لهم حلم مخالف لما يمكن للواقع ان يحقق. وتتمثل استجاباتهم في الغضب – والتراجع نحو صور قوميه من الراسماليه ستؤدي فقط الي تمزيق العالم. تشبه مراقبه ظهور ذلك، بدء بفصائل اليسار المناصره لخروج اليونان من منطقه اليورو في "سيريزا" الي "الجبهه الوطنيه" والانعزاليه الخاصه باليمين الامريكي، مشاهده تحقق الكوابيس التي شاهدناها اثناء ازمه "ليمان بروذرز".

نحتاج الي اكثر من مجرد مجموعه من الاحلام الافلاطونيه والمشاريع الافقيه صغيره النطاق. نحتاج الي مشروع مبني علي المنطق والدليل والتصميمات التي يمكن اختبارها، ويتسق مع التاريخ ويمكن للعالم ان يستديمه. ونحن في حاجه الي قبوله.

بول ماسون محرر الاقتصاد بالقناه الاخباريه الرابعه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل