المحتوى الرئيسى

المعارضة الناعمة في المغرب

07/31 00:25

هبت رياح الربيع العربي من تونس اواخر سنه 2010 مرسله شراره التوجه الي اكثر من دوله علي امتداد الوطن العربي الاسير منذ خروجه من غياهب الاستعمار الخارجي ودخوله دهاليز الاستبداد الداخلي.

تباين مفعول تلك الشراره من دول الي اخري بالنظر لتضافر عوامل متعدده، مما عجل بتغيير انظمه دول عده تولد عنه استقرار في بعضها وانهيار في اخري بعد دخولها فتره انتقاليه طويله.

كان المغرب واحدا من الدول التي شهدت حراكا "فبرايريا" (نسبه الي تاريخ انطلاقته الاولي في 20 فبراير/شباط 2011) تعاملت معه كل القوي الحيه في البلاد بقدر كبير من المسؤوليه وتجاوب سريع وايجابي يكاد يكون نموذجا في المشهد العربي.

تم ذلك باتخاذ قرارات مهمه كانت من جمله المطالب التي ناضل من اجلها المغاربه عقودا من الزمن، وعلي راسها دستور جديد، وما تبعه من متغيرات احدثت شبه انقلاب في موازين البناء المؤسساتي للدوله المغربيه منذ الاستقلال السياسي سنه 1956 لصالح اعاده توزيع السلطه وتقاسمها بين مختلف القوي في البلاد (المؤسسه الملكيه، والسلطه التنفيذيه، والسلطه التشريعيه، والاحزاب السياسيه، والمجتمع المدني..) الفاعله في المشهد السياسي بالمغرب.

من ابرز ما تولد عن الحراك في نسخته المغربيه، وعلي غرار بعض التجارب العربيه وصول الاسلاميين للسلطه التنفيذيه، وتولي مقاليد اداره وتسيير البلاد بمجرد اجراء اول انتخابات في ظل الدستور الجديد بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وهي انتخابات سابقه لاوانها فرضتها متغيرات المشهد داخليا واقليميا ودوليا، نتحدث هنا تحديدا عن حزب العداله والتنميه اقوي حزب اسلامي في المعارضه منذ حكومه التناوب التوافقي بقياده الاستاذ عبد الرحمن اليوسفي.

خلق انتقال اسلاميي المغرب من صف المعارضه لمركز السلطه التنفيذيه فجوه كبيره داخل المؤسسه التشريعيه -في شق المعارضه- التي كانوا فيها الكيان السياسي الاكثر نشاطا مع تراكم الخبرات والتجارب لعقد ونصف من الزمن بتوالي الولايات الحكوميه وتعاقبها (عبد الرحمن اليوسفي 1998/2002، ادريس جطو 2002/2007، عباس الفاسي 2007/2011)، وهنا يثار التساؤل عمن سيملا هذا الموقع؟ بعباره اخري، كيف هو واقع حال خطاب المعارضه بالبرلمان المغربي؟ وماذا عن الاحزاب السياسيه المعارضه؟ وما مصداقيه تلقي المواطن المغربي لهذه المعارضه ولخطابها؟

تجلت تلك الفجوه في الاحزاب السياسيه التي تقدم نفسها معارضه (حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيه، وحزب الاستقلال، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب الاصاله والمعاصره)، اذ باستثناء هذا الاخير كانت لتلك الاحزاب تجربه طويله في الاداره والتسيير لم تحقق فيها نتائج تمنحها اي مصداقيه لدي الشعب تؤهلها لانتاج خطاب قوي قادر علي نقد ومعارضه الاسلاميين، اما الاصاله والمعاصره فلعنه الشرعيه لا تزال تطاردهما، ولم يفارقهما لقب "حزب القصر" الا بعد تقديم مؤسسه فؤاد عالي الهمه -صديق الملك- استقالته من اجهزه الحزب.

امام هذا الرباعي الحزبي فرصه ذهبيه لتشكيل فريق قوي لمعارضه الاسلاميين بالاعتماد علي خبرته الطويله في الاداره والتسيير منذ الاستقلال السياسي، والتي خلفت لديه درايه بمختلف القطاعات الحكوميه والملفات الحساسه التي تولاها وزراء مبتدئون هم بصدد تعلم ابجديات العمل الحكومي، غير ان شيئا من هذا لم يحدث علي ارض الواقع في المشهد السياسي المغربي.

وذلك مرده الي الاعطاب والخِلال التي نخرت البني التنظيميه داخل هذه الاحزاب، وقسمتها شيعا وجماعات يصارع بعضها البعض علي المناصب والمسؤوليات داخل اجهزه الحزب ومؤسساته.

فالصراعات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيه منذ تولي ادريس لشكر قيادته لا تكاد تخفت الا وتنطلق من جديد وبقوه اكبر، فصار في الحزب اليوم تيار قوي يسمي "الانفتاح والديمقراطيه" لا يتواني عن التفكير في البدائل الممكنه غير البقاء فيه بعدما تعرض لكل اشكال الاقصاء والاستبعاد التنظيمي بوسائل وطرق اغلبها غير مشروع.

يسري ذات القول علي حزب الاستقلال الذي شارك في النسخه الاولي لحكومه الاسلاميين، لكن بمجرد تغيير قيادته شرع امينه العام الجديد في سياسه الخطاب المزدوج، حيث يمارس فريقه المعارضه داخل البرلمان بينما يحمل اشخاص من حزبه حقائب وزاريه مهمه في ذات الحكومه التي يعارضها الفريق النيابي.

خروج هذا الحزب من الحكومه شقه نصفين، وخلق تيار "بلا هواده" الذي يقود حركه تصحيحيه بقياده نخبه من اطر وقيادات الحزب تشكك في شرعيه انتخاب حميد شباط وتوليه الامانه العامه للحزب، وتدعو الي اعاده حزب الاستقلال الي مساره النضالي الحقيقي لا الانجرار وراء المتاهات التي تقذف به القياده الجديده فيها.

تاتي في السياق ذاته واقعه اخري بارزه تثبت فعاليه هذه المعارضه بهذا القالب الجديد التي يمكن ان تكون بديلا عن معارضه الاحزاب، يتعلق الامر بواقعه معلب مولاي عبد الله بالرباط في سياق تنظيم المغرب بطوله العالم لكاس الانديه وما شابها من فضائح بخصوص تجهيز الملعب نقلتها الشاشات الرياضه العالميه، مما خلف استياء عم شرائح واسعه من المجتمع المغربي تحركت علي اساسه المعارضه الناعمه لخلق نقاش عام وتاسيس صفحه علي مواقع التواصل الاجتماعي تطالب باقاله وزير الشبيبه والرياضه وتحميله المسؤوليه عما وقع.

مطلب لم يتاخر كثيرا حيث جاءت الاوامر الملكيه بتعليق مهام هذا الوزير في مرحله اولي، في انتظار نتائج لجنه تقصي الحقائق التي شكلت لمباشره التحريات في الموضوع لياتي بعدها خبر اعفاء الوزير من مهامه بصفه نهائيه.

هذه النجاحات حفزت هذه المعارضه علي الاستمراريه في نهجها، حيث ضغطت مره اخري في قضيه الوزير عبد العظيم الكروج بعد "فضيحه الشوكولاته"، مما ادي الي اقاله هذا الاخير من منصبه في التعديل الحكومي الاخير.

وحتي لا يرفض البعض اطلاقنا وصف المعارضه علي هذه الحركه الناعمه بدعوي ارتباطها فقط بالفضائح والاقالات وتصيد الاخطاء نشير الي الدور الكبير الذي لعبته في ما تعرف بـ"مسوده مشروع القانون الجنائي" التي اثير حولها الكثير من الكلام، حيث انشئت صفحه علي موقع التواصل الاجتماعي حطمت ارقاما قياسيه في التفاعل معها بمجرد اطلاقها، مما فرض علي وزاره العدل التريث ومراجعه المسوده واعاده النظر في بعض المواد التي اثير حولها الجدل، وهو الذي بصدده الان.

كانت تلكم بعضا من الوقائع التي نجحت هذه المعارضه الناعمه في تحقيقها منذ شروعها في هذا المسار النضالي الذي يفتح الباب علي مصراعيه للتساؤل عن مستقبلها، هذه المعارضه البديله التي حلت محل المعارضه الحزبيه التقليديه التي فقدت اسهمها في بورصه الشان السياسي المغربي.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل