المحتوى الرئيسى

مراجعة لرواية "سعيدة هانم ويوم غد من السنة الماضية"

07/30 12:06

تتناول "ميسلون هادي" في روايتها الجديده موضوع "الاخر" الذي يسكن في داخل كل منا، متمرداً علي المكبوت فينا، "الاخر" الذي هو الوجه الحقيقي غير المجمّل منا، الحرّ الذي لا يهمّه المنطق، الجامح المبدع الذي يعيش علي الخيال.

الشخصيتان الرئيستان في الروايه هما "سعيده هانم" مُدرّسه اللغة العربية، واختها "مليكه جان" الرسامه. تعيش الاختان في بغداد، وتمرّان بالتجارب نفسها، لكن كلاً منهما تنظر للموقف نفسه نظره مختلفه، فـ"سعيده هانم" واقعيه، منطقيه، بعكس اختها الحالمه والخياليه، "انها تريد الهرب من تصرفاتي المزعجه بالنسبه اليها، لانها المعنيه بالعاطفه والخيال والابداع، وانا المسؤوله عن الواقع واللغه والمنطق. انا العالم المالوف، وهي الروح الحره. انا سيده الكلمات والارقام وهي الشوق والاحساس... الذوق والحركه... الاشكال والالوان... الفن والشعر والخيال الجامح. انا اعرف تماماً من اكون وهي لا تعرف من تكون”.

تشتغل "ميسلون هادي" في الروايه علي النمنمه، علي سرد تفاصيل صغيره جداً تشكّل حياه بطلتها. وفي اشتغالها هذا لا تكترث "هادي" كثيراً برصانه روايتها، فتمنح سردها تكنيكه الخاص الذي يبدو في مواضع كثيره غريباً او غير مالوف. لا مانع لديها في ان تدرج مفردات باللهجه الدارجه ولو كانت هذه المفردات في متن السرد لا في الحوار، لدرجه يبدو معها النص وكانه معجونٌ بروح العراق عجناً لا فكاك منه، ولا مانع لديها كذلك في ان تدرج "نكته" او "حزوره" او حتي حكايه فانتازيه عن الحمير، ولا مانع ايضاً في ان تكتب الكلمات كما تلفظها الشخصيات باخطائها اللغويه والاملائيه والصوتيه! اهتمام الكاتبه الاساس واخلاصها الاول هما لفكره روايتها، وحبكتها. هما وحدهما من فرضا الاسلوب علي الكاتبه، لا العكس، كما نري في كثير من الروايات العربيه، اذ يهتم الكاتب بالتجريب وتقديم شكل جديد ولو علي حساب المضمون. هنا، الفكره هي من اوحت بالاسلوب، او علي الاقل هو متشابكٌ تماماً معها، وامينٌ عليها.

تحكي الروايه عن بغداد في السنوات الاخيره، بعد مرور كل تلك الفتره علي الاحتلال الاميركي، وسقوط بغداد يحضر كذكري لا يعرفها الجيل الجديد، تروي "هادي" عن تجذّر الانسان في بلده، فالاختان ترفضان مغادره مدينتهما، هما "متمكّنتان داخل هذا المكان"، برغم ان اخيهما الذي غادر الي كندا، بسبب المضايقات الامنيه التي تعرض لها، يلحّ عليهما كي يبيع المنزل وياخذ حصته ويحسّن ظروفه، ولذلك فانه يرسل لـ"سعيده" صور سبعه عرسان، لتختار واحداً منهم فتتزوجه وتاتي الي كندا، لكن "مليكه جان" لا يعجبها اي واحدٍ من العرسان، وتخترع لكل واحد عله كي ترفضه، ثم ترسم لوحه "ام سبع عيون وساع" وترسم في كل عين واحداً من العرسان! "بحثت مليكه جان عن معني ام سبع عيون وساع علي الانترنت، فوجدتها تعني سبعه من الجن المبعوثين من الاله "انو" لالحاق الاذي بالبشر ووجدتها مثقوبه بعدد هؤلاء الجن كي لا يستطيع احد منهم الاستيطان والبقاء فيه. ولهذا رسمت الخاطب الاول في الثقب الاول لام سبع عيون وساع مع ريح الجنوب ورسمت الخاطب الثاني شبيه النياندرتال في الثقب الثاني مع تنين فاغر الفم، اما الخاطب الثالث فانطبقت عليه صفه النسر الثائر".

ولكن الاخ ظلّ يلحَ، وهي ظلت ترجئ الامر في كل يوم الي اليوم الذي يليه، وهي تعده بانها ستقابل الخاطب السابع، "هو يريدني ان اتحدث الي شمس الدين يوم غد... ويوم غد لم يات بعد منذ السنه الماضيه". هكذا تتواطا "ميسلون هادي" مع "سعيده هانم" وتجعل "يوم غد من السنه الماضيه" لا ياتي، وتتعاطف مع الوحده المتوحشه التي تنهش روح "سعيده" فتبني نصها كله علي خدعه تكشفها للقارئ في الفصل الاخير.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل