المحتوى الرئيسى

ما حكم الشرع فى إشارة الأخرس بالقرآن؟

07/29 15:45

هل تنزل اشاره الاخرس بالقران منزله النطق باللسان في التعبد وحرمه القراءه للحائض والجنب؟

تجيب لجنه الفتوي بدار الافتاء المصريه:

اتفق الفقهاء علي ان قراءة القرآن ينبغي ان تكون بحركه اللسان وان القراءه بالنظر والقلب هي تدبر وتفكر لا قراءه، واقتصر المالكيه -والكرخي من الحنفيه وابن تيمية من الحنابله- علي حركه اللسان وان لم يسمع نفسه، وقال المالكيه ان الاولي ان يسمع نفسه، وزاد الحنفيه والشافعيه والحنابله انه لا بد للقارئ ان يسمع نفسه؛ لان مجرد حركه اللسان لا يسمي قراءه ان كانت بلا صوت؛ لان الكلام اسم لمسموع مفهوم.

قال الحلبي من الحنفيه: «والقراءه تصحيح الحروف بلسانه بحيث يسمع نفسه، فان صحح الحروف من غير ان يسمع نفسه لا يكون ذلك قراءه في اختيار الهندواني والفضلي، وقيل: اذا صحح الحروف تجوز وان لم يسمع نفسه، وهو اختيار الكرخي، وفي المحيط: الاصح قول الشيخين، وفي الكافي قال شمس الائمه الحلواني: الاصح انه لا يجزيه ما لم تسمع اذناه ويسمع من يقربه» اهـ. (غنيه المتملي شرح منيه المصلي ص136، ط. دار سعادات).

وقال ابن الهمام الحنفي صاحب «فتح القدير»: «واعلم ان القراءه وان كانت فعل اللسان لكن فعله الذي هو كلام، والكلام بالحروف، والحرف كيفيه تعرض للصوت، وهو اخص من النفَس، فانه النفس المعروض بالقرع، فالحرف عارض للصوت لا للنفَس، فمجرد تصحيحها بلا صوت ايماء الي الحروف بعضلات المخارج لا حروف، فلا كلام، بقي ان هذا لا يقتضي ان يلزم في مفهوم القراءه ان يصل الي السمع، بل كونه بحيث يسمع وهو قول بشر المريسي، ولعله المراد بقول الهندواني بناء علي ان ظاهر سماعه بعد وجود الصوت اذا لم يكن مانع». (شرح فتح القدير علي الهدايه 1/233، ط. الاميريه).

وقال الابي الازهري المالكي: «والقراءه بحركه اللسان، فلا يكفي اجراؤها علي القلب، وتكفي ان اسمع بها نفسه، بل وان لم يسمع بها نفسه، فيكفي في اداء الواجب». (جواهر الاكليل شرح مختصر خليل 1/47، ط. دار الفكر).

والاخرس العاجز عن النطق فليس عليه تحريك لسانه، وان كان يستطيع تحريك لسانه، فعند المالكيه والحنابله -وهو الصحيح عند الحنفيه- لا يجب علي الاخرس تحريك لسانه، وانما يُحرِم للصلاه بقلبه؛ لان تحريك اللسان عبث، ولم يرد الشرع به.

قال الحصكفي الحنفي صاحب «الدر المختار»: «(ولا يلزم العاجز عن النطق) كاخرس وامي (تحريك لسانه) وكذا في حق القراءة هو الصحيح؛ لتعذر الواجب، فلا يلزم غيره الا بدليل)». (الدر المختار 1/324، ط. دار احياء التراث العربي).

وقال البهوتي الحنبلي: «والاخرس ومقطوع اللسان يُحرِم بقلبه؛ لعجزه عنه بلسانه، ولا يحرك لسانه؛ كمن سقط عنه القيام يسقط عنه النهوض اليه، وان قدر عليه؛ لانه عبث، ولم يَرد الشرع به، كالعبث بسائر جوارحه، وانما لزم القادر ضروره، وكذا حكم القراءه والتسبيح وغيره، كالتحميد والتسميع والتشهد والسلام: ياتي به الاخرس ونحوه بقلبه، ولا يحرك لسانه؛ لما تقدم». (كشاف القناع 1/331، ط. دار الفكر).

وقال الحطاب المالكي: «قال ابن عرفه: ويكفي الاخرسَ نيته، انتهي، وقال ابن ناجي: لا خلاف فيه». (مواهب الجليل شرح مختصر خليل 1/519، ط. دار الفكر).

وان اشار الاخرس تعبيرًا عن القراءه فان اشارته تقوم مقام نطقه، لانها تبين المراد كالنطق، قال الامام الزركشي: «وكان السبب فيه ان الاشاره فيها بيان ولكن الشارع تعبَّد الناطقين بالعباره فاذا عجز الاخرس –بخرسه- عن العباره اقامت الشريعه اشارته مقام عبارته». (المنثور في القواعد 1/164، ط. وزاره الاوقاف والشئون الاسلاميه- الكويت).

وقال الجصاص الحنفي: «قوله تعالي: {فَاَوْحَي اِلَيْهِمْ}.. [مريم:11] قيل فيه: انه اشار اليهم واوما بيده، فقامت الاشاره في هذا الموضع مقام القول؛ لانها افادت ما يفيده القول، وهذا يدل علي ان اشاره الاخرس معول عليها قائمه -فيما يلزمه- مقام القول، ولم يختلف الفقهاء ان اشاره الصحيح لا تقوم مقام قوله، وانما كان في الاخرس كذلك؛ لانه -بالعاده والمران والضروره الداعيه اليها- قد علم بها ما يعلم بالقول، وليس للصحيح في ذلك عاده معروفه فيعمل عليها، ولذلك قال اصحابنا فيمن اعتقل لسانه فاوما واشار بوصيه او غيرها: انه لا يعمل علي ذلك؛ لانه ليس له عاده جاريه بذلك حتي يكون في معني الاخرس». (أحكام القرآن للجصاص 3/321، ط. دار الفكر).

وقال العز بن عبد السلام: «واما اشاره الاخرس المفهمه فهي كصريح المقال ان فهمها جميع الناس، كما لو قيل له: كم طلقت امراتك؟ فاشار باصابعه الثلاث، وكم اخذت من الدراهم؟ فاشار باصابعه الخمس». (قواعد الاحكام في مصالح الانام 2/135، ط دار الكتب العلميه).

وقال ابن مفلح الحنبلي: «واشاره الاخرس المفهومه كلام». (الفروع لابن مفلح 2/127، ط. عالم الكتب).

وقال ابن نجيم الحنفي في «البحر الرائق»: «قال الحافظ النسفي رحمه الله: ايماء الاخرس وكتابته كالبيان، لان الاشاره انما تقوم مقام العباره اذا صارت معهوده، واذا كان ايماء الاخرس وكتابته كالبيان -وهو النطق باللسان- تلزمه الاحكام بالاشاره والكتابه، حتي يجوز نكاحه وطلاقه وعتقه وبيعه وشراؤه، الي غير ذلك من الاحكام؛ لان الاشاره تكون بيانا من القادر علي النطق، فالعاجز اولي؛ ولانه صلي الله عليه وسلم بين الشهر بالاشاره حيث قال: «الشهر هكذا واشار باصابعه». (شرح كنز الدقائق 2/54، ط. دار الكتاب الاسلامي).

فكل هذه النقول السابقه تبين ان الاشاره المفهمه من الاخرس تقوم مقام كلامه، واذا ثبت ان اشاره الاخرس ككلامه، فرع المالكيه علي هذا -وهو الصحيح عند الشافعيه- انه لو اشار الاخرس بكلام فان صلاته تبطل.

قال الحطاب: «قال ابن العربي: نزلت نازله ببغداد في ابكم اشار في صلاته فقال بعض شيوخنا: بطلت صلاته؛ لان اشاره الابكم ككلامه». (مواهب الجليل للحطاب 2/32، ط. دار الفكر).

وفرَّع العلماء علي هذا ايضا حرمه الاشاره بالقران للجنب والحائض، قال شيخ الاسلام زكريا الانصاري: «وللجنب اجراءُ القران علي قلبه ونظر في المصحف، وقراءه ما نسخت تلاوته، وتحريك لسانه وهمسه بحيث لا يسمع نفسه؛ لانها ليست بقراءه قران، بخلاف اشاره الاخرس». (اسني المطالب شرح روض الطالب 1/67، ط. دار الكتاب الاسلامي).

وقال السيوطي في «الاشباه والنظائر»: «فرع قال الاسنوي: اشاره الاخرس بالقراءه -وهو جنب- كالنطق، صرح به القاضي حسين في فتاويه». (الاشباه والنظائر ص314، ط. دار الكتب العلميه).

ويحرم قراءه القران علي الجنب والحائض عند جمهور الفقهاء، ذكر الجلال المحلي في «شرح المنهاج» للنووي مما يحرم علي الجنب: قراءه القران، وقال: «ويحرم قراءه القران علي الجنب، ولو بعض ايه؛ لحديث الترمذي وغيره: «لا يقرا الجنب ولا الحائض شيئا من القران»، و(يقرا) روي بكسر الهمز علي النهي، وبضمها علي الخبر المراد به النهي، ذكر في شرح المهذب، وتحل اذكاره لا بقصد قران، كقوله عند الركوب: ﴿سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين﴾، وعند المصيبه: ﴿انا لله وانا اليه راجعون﴾ فان قصد القران وحده، او مع الذكر حرم». (شرح المحلي علي المنهاج بحاشيه قليوبي وعميره 1/74، ط. دار الفكر).

وقال قليوبي في حاشيته علي شرح المحلي: «واشاره الاخرس كالنطق، وقيدها شيخنا بلسانه، وهو غير بعيد، لكن الاول هو الموافق لقولهم: اشاره الاخرس كالنطق، الا في ثلاثه: الشهاده والحنث وبطلان الصلاه». (حاشيتا قليوبي وعميره 1/74، ط. دار احياء الكتب العربيه).

وجاء في «قره عيون الاخيار تكمله حاشيه ابن عابدين»: «واشاره الاخرس قائمه مقام عبارته في كل شيء من بيع واجاره وهبه ورهن ونكاح وطلاق وعتاق وابراء واقرار وقصاص علي المعتمد فيه، الا الحدود -ولو حد قذف- والشهاده، وتعمل اشارته -ولو قادرا علي الكتابه- علي المعتمد، وقد اقتصر في الاشباه وغيرها علي استثناء الحدود، وزاد في التهذيب: ولا تقبل شهادته ايضا، واما يمينه في الدعاوي فقدمناه، وظاهر اقتصار المشايخ علي استثناء الحدود فقط صحه اسلامه بالاشاره، ولم اره الان نقلا صريحا، ولو اشار الاخرس بالقراءه وهو جنب ينبغي ان يحرم اخذا من قولهم: يجب علي الاخرس تحريك لسانه، فجعلوا التحريك قراءه، ولو علق رجل الطلاق بمشيئه اخرس فاشار بالمشيئه ينبغي الوقوع؛ لوجود الشرط، ولو علق بمشيئه رجل ناطق فخرس فاشار بالمشيئه ينبغي الوقوع ايضا». (2/82، ط. دار احياء التراث العربي).

ولا فرق في ذلك بين الجنب والحائض والنفساء، وهو مذهب الجمهور، واجاز الحنابله قراءه بعض الايه؛ لانه لا اعجاز فيه، قال الزيلعي الحنفي: يمنع الحيضُ قراءهَ القران، وكذا الجنابه؛ لقوله عليه الصلاه والسلام: «لا تقرا الحائض ولا الجنب شيئا من القران»، رواه الترمذي واحمد في مسنده والبيهقي عن عبد الله بن عمر (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/57، ط. دار الكتاب الاسلامي).

قال الامام النووي الشافعي في «المجموع»: «مذهبنا انه يحرم علي الجنب والحائض قراءه القران، قليلها وكثيرها حتي بعض ايه». (المجموع شرح المهذب 2/182، ط. المنيريه).

وقال البهوتي الحنبلي: «ويُمنَع مَنْ وجب عليه غسل -لجنابه او غيرها- من قراءه ايه فاكثر؛ لحديث عليٍّ: ((كان صلي الله عليه وسلم لا يحجبه -وربما قال لا يحجزه- عن القران شيء، ليس الجنابه))، رواه ابن خزيمه والحاكم والدارقطني وصححاه، ولا يُمنَع من وجب عليه غسل من بعض ايه؛ لانه لا اعجاز فيه. وله قول ما وافق قرانا من الاذكار ولم يقصد القران؛ كالبسمله، والحمد لله رب العالمين، وايات الاسترجاع والركوب، فان قصد حرم». (دقائق اولي النهي لشرح المنتهي 1/81، ط. عالم الكتب).

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل