المحتوى الرئيسى

فى مشروعية العنف الوطنى

07/29 07:59

اذا كان العنف الوحيد المتمتع بالمشروعيه والشرعيه هو عنف الدوله، لاقترانه بالقانون، فان شرعيته تقوم في مواجهه عنف اخر غير مشروع، هو العنف الاهلي في صورتيْه الرئيستين: العنف الاهلي الذي تقوم به الجماعات العصبويه المغلقه، والعنف السياسي الذي تقوم به الاحزاب والجماعات السياسيه من كلّ مذهبٍ ومشرَب. ليس في داخل المجتمع من شرعيهٍ للعنف الاّ ذاك الذي تمارسه الدوله باسم الامّه، وفي نطاق القانون؛ وهو غيرُ الاستبداد والديكتاتوريه لان هذيْن ينتهكان القانون؛ العنف غيرُ الرسمي (= الاهلي) باسم الثوره، او الدين، او المذهب، او القبيله، او الجهويه... فعْلٌ ينتهك القانون ويخرق اراده الامّه، وهو والاستبداد والديكتاتوريه سواء. توفّر الدولة الحديثة وسائل مختلفه للتعبير عن الحقوق والمصالح، والدفاع عنها في وجه الهضم والانتهاك، ولذلك لا مجال لممارسه الصراع، في اي مجتمع، من طريق توسُّل السلاح لخطوره ذلك علي الاستقرار والسّلم والمدنيه.

العنف الوحيد المشروع، الي جانب العنف القانوني للدوله، هو العنف المصروف الي ردّ العدوان الاجنبي، وهو عنف قد تقوم به الدوله وجيشُها، وقد يقوم به الشعب ان احتُلَّتْ ارضهُ، وسقطت فيه الدوله او اضمحلت قدرتُها علي تحرير الوطن.

لم تنشا الجيوش، في الدول، الاّ للدفاع عن السياده الوطنيه او القوميه، في وجه اخطارٍ خارجيه واقعه عليها (العدوان والاحتلال)، او تتهدَّدُها بالوقوع عليها. والعنف (= الردّ العسكري) الذي تبديه الدوله، في مثل هذه الحال مشروعٌ، ويحظي بالاعتراف الدولي، لان فيه، فضلا عن ردِّ ظُلمٍ واستعادهِ حقٍّ مصادَر، انفاذا لاحكام القانون الدولي الذي يَعني له خرقُ سيادهِ دولهٍ من الدول انتهاكا له كقانون. بالمثل لم تنشا حركات التحرر الوطني، وحركات المقاومه المسلحه، في المستعمرات وفي البلدان التي تعرّضت للاحتلال الكولونيالي الغربي او النازي الاّ لتحرير اوطانها من ذلك الاحتلال الذي وقَع عليها، والغي الدولهَ فيها كلاّ او جزءا. اما العنف الوطني المسلّح، الذي تلجا اليه تلك الحركات، فمشروعيته بيّنه لا غبار عليها؛ وهو ما تلحظه القوانين الدوليه نفسُها حين تُقِرُّهُ وتشرعن حقّ الدول والحركات الوطنيه المحتله اراضيها فيه.

وقد يحدث الّا تاتي ممارسهُ حقّ الدفاع المشروع عن الاستقلال والسياده، باستعادتهما او الكفاح من اجل استعادتهما بالسلاح، من جانب الدوله فحسب، او من جانب الحركات الوطنيه وحركات المقاومه فحسب، بل من لدنهما معا ومِن طريق تعاوُنٍ وتنسيق. يقع ذلك، في الغالب، في حالين: تقسيم الكيان المحتل من قِبل قوي الاحتلال، وضَعف امكانات الدوله ونقصَ قدرتها علي مواجهه الاحتلال وتحرير ارضها. المثال الاوّل، الثوره التحرريه الفيتناميه، ابان انقسام البلد الي شمالٍ وجنوب في سياق الاحتلال الامريكي؛ حيث حصل التحالف بين الفييتكونغ والدوله في هانوي لمواجهه الغزاه الامريكيين، وعملائهم في الداخل وصولا الي اسقاط سايغون ودحر الاحتلال الامريكي. والمثال الثاني؛ لبنان، الذي تعرّض جنوبُه للاحتلال، في العإم 1978، (في ما سمّي بـ«عمليه الليطاني»)، وتوسَّع نطاقُ احتلاله في العام 1982 (= عمليه «سلامه الجليل الاعلي») وحصار بيروت (قبل الانكفاء الصهيوني الي مناطق الجنوب بعد العام 1985). لم تكن الدولة اللبنانية قادره علي تحرير الجنوب، لكنها غطَّت، سياسيّا، مقاومه شعبيه مسلّحه انطلقت في البلاد، منذ صيف العام 1982، واسبغت عليها الشرعيه محليا ودوليا، وتبادلت معها الادوار، وصولا الي انجاز التحرير في الخامس والعشرين من مايو/ ايار 2000.

وايّا تكُنِ الجههُ التي تقود العنف الوطني المسلّح ضد الاحتلال، دوله كانت او مقاومه شعبيه، فان مشروعيه هذا العنف ومسوِّغَهُ ليسا متاتيين، فحسب، من اقرار القانون الدولي له، واعتراف قرارات مؤسساته به، وانما ماتاهُ من فعل الاحتلال نفسه.

ان الاحتلال، بالتعريف، عنفٌ مسلّح يقع، بشكلٍ غير مشروع، علي شعب ووطن ودوله، ولا يمكن رفعه الاّ بعنفٍ مضادّ («ما اخِذ بالقوه لا يُسْتَرَدّ بغير القوه» كما قال الرئيس جمال عبدالناصر). والعنف المضادّ هذا مشروع، لانه دفاع عن النفس ضدّ العدوان، وفعلٌ متناسب مع احكام القانون الدولي الذي يجرّم عدوان دولهٍ علي اخري. ليس من وجهِ شبَهِ بين العنف الوطني المشروع، ضدّ الاحتلال والعدوان الاجنبي، وبين العنف السياسي في الداخل ضدّ الخصوم، الهادف الي حيازه السلطه بالقوه؛ فالعنف الاخير هذا، والارهاب اعلي اشكاله، يرادف في المعني، كما في النتائج الناجمه منه، عنف الاحتلال والعدوان الخارجي. كلاهما عنفٌ غيرُ مشروع لانه غيرُ قانوني (الاول ينتهك قانون الدوله والثاني ينتهك القانون الدولي)، وكلاهُما يدمّر المجتمع والمقدّرات ويمزِّق نسيج الوطن والوحده الوطنيه في البلد الذي يقع فعلهما عليه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل