المحتوى الرئيسى

عولمة التصحر.. الأسباب والتداعيات

07/28 14:53

يُعرف التصحر -بحسب الماده الاولي من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر- علي انه تردي الاراضي في المناطق القاحله وشبه القاحله والجافه نتيجه عوامل شتي طبيعيه وبشريه، بما يؤدي الي فقدان قدره الارض علي الانتاج الزراعي ودعم الحياه. وهي ظاهره عالميه طفت علي السطح بقوه منذ ستينيات القرن الماضي، حينما ضربت موجات عديده من الجفاف بقاعا شتي عبر العالم، مسببه خسائر بشريه واقتصاديه وبيئيه فادحه.

ولقد تفاقمت هذه الظاهره وازدادت حده خاصه خلال العقود الثلاثه الماضيه، حيث تشير التقديرات الي ان العالم يفقد كل عام نحو عشره ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، بسبب التصحر.

وتُعد القاره السوداء -افريقيا- الاكثر تاثرا بها، حيث يصنف ثلثا مساحه هذه القاره علي انه صحراء او اراض قاحله غير منتجه. كما يعاني الوطن العربي بشده من هذه الظاهره بسبب وقوعه ضمن النطاق الصحراوي وشبه الصحراوي الممتد من شمال افريقيا الي اسيا. وتشكل نسبه المساحات المتصحره والاراضي القاحله في المنطقه حوالي 88% من اجمالي المساحه الكليه، بما يوازي 13 مليون كيلومتر مربع، اي حوالي 28% من اجمالي المناطق المتصحره علي مستوي العالم.

وتتفاوت مساحه الاراضي الجافه والمتصحره من دوله عربيه الي اخري، ففي دوله الكويت تصل نسبه الاراضي الصحراويه والقاحله الي حوالي 90% من مساحه الدوله. وفي قطر تبلغ نسبه الاراضي المزروعه والمناطق الرعويه حوالي 7% بينما تتشكل بقيه المساحه من صحاري واراض جافه غير ماهوله. وفي مصر لا تزيد نسبه الاراضي الماهوله والمستزرعه عن 6% من المساحه الكليه للدوله. 

تختلف حالات التصحر ودرجه خطورته بشكل عام من منطقه لاخري تبعا لاختلاف العوامل المسببه، سواء كانت طبيعيه ام ناتجه عن الانشطه البشريه.

كما قد تختلف درجه وحده التصحر في ذات المنطقه من وقت الي اخر، زياده او نقصانا، تبعا للعوامل نفسها. فقد كانت الكويت علي سبيل المثال، تعاني حتي وقت قريب من التصحر المتوسط، لكن بدايه من عام 1991 بدات الحاله تتحول الي تصحر شديد، وهذا بسبب تدهور الغطاء النباتي وزياده مساحه الاراضي المتصحره.

كما تتباين مظاهر واشكال التصحر من منطقه الي اخري ومن وقت لاخر، لكنها لا تخرج في العاده عن احد الدلائل والمؤشرات الطبيعيه التاليه:

* زياده رقعه المساحه الصحراويه الجرداء وزحفها جهه المناطق الاستراتيجيه والسكنيه.

* غزو الكثبان الرمليه للاراضي الزراعيه وتراكم الرمال بالمناطق الرعويه والعمرانيه.

* زياده حده العواصف الغباريه ونسبه الاملاح في الاراضي الزراعيه (تملح التربه).

* ازاله الغابات وتدمير الاشجار والنباتات لصالح المشروعات التنمويه.

* زحف المناطق العمرانيه وبناء المنشات علي حساب التربه الزراعيه.

وتبعا لهذه المؤشرات، يمكن تصنيف التصحر الي اربع درجات او فئات مختلفه. تصحر خفيف، ويستدل عليه بحدوث تلف بسيط جدا في الغطاء النباتي والتربه. وتصحر معتدل، ويحدث حينما يصاب الغطاء النباتي بتلف من الدرجه المتوسطه، مع ظهور كثبان رمليه صغيره او تملح بسيط في التربه.

اما الدرجه الثالثه من التصحر فتتمثل في التصحر الشديد، ويحدث حينما تنتشر النباتات والحشائش غير المرغوب فيها بكثافه في المنطقه علي حساب النباتات المنتجه والمفيده. في حين يمكن ان تزيد شده التصحر الي الدرجه الرابعه اي التصحر الشديد جدا، حينما تظهر بالمنطقه الكثبان الرمليه الكبيره والاخاديد واعراض تملح التربه، وحينما تنخفض انتاجيه الاراضي المتاحه بشكل واضح ومؤثر.

وترجع اسباب التصحر الي عوامل عديده طبيعيه وبشريه. وتتمثل الاسباب الطبيعيه في تفاقم ظاهره التغير المناخي وتناقص تساقط الامطار، وزياده موجات الجفاف ومعدلات انجراف التربه وتملحها. كما تسهم ايضا حرائق الغابات وزحف وطغيان الكثبان الرمليه علي الاراضي الزراعيه والمناطق الرطبه في تقليص المساحات الزراعيه وزياده نسبه التصحر.

وتتمثل الاسباب البشريه في الضغوط الناتجه عن الزياده السكانيه، والممارسات الخاطئه وغير المراعيه لقدرات النظم البيئيه وطبيعه التربه، مثل الرعي الجائر وتجريف التربه الزراعيه وازاله الغابات وتحويل المجاري المائيه وانشطه التعدين، وردم او تجفيف المسطحات المائيه.

كما يمكن ان تؤدي الحروب والعمليات العسكريه والصراعات القبليه وغيرها من النزاعات المسلحه الي زياده وتفاقم ظاهره التصحر، وهذا من واقع المهام الدفاعيه والهجوميه التي تتخللها، مثل حفر الخنادق وزرع الالغام وتفجير المنشات، وغير ذلك.

ويمثل ايضا تجفيف الاراضي الرطبه وتجريف الاراضي الزراعيه لصالح المشروعات التنمويه وبناء المساكن والمناطق العمرانيه، عاملا مهما ومؤثرا في زياده نسبه التصحر. والامثله كثيره علي هذا، فمنطقه الاهوار بالعراق -وهي واحده من اهم المناطق التاريخيه وتعد في نفس الوقت من اغني المناطق الرطبه من حيث الانتاجيه والتنوع البيولوجي- تعرضت مناطق كثيره فيها للتصحر وتقلصت مساحتها الي اقل من 7% من المساحه الاصليه التي كانت عليها في سبعينيات القرن الماضي، بسبب التجفيف المتعمد وقطع مصادر المياه عنها، وغير ذلك من الممارسات البشريه الخاطئه. والامر نفسه ينطبق علي حاله بحيره تشاد، حيث ادت موجات الجفاف المستمر التي تعاني منها الي تقلص مساحتها بنسبه 95% عما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي.

وللتصحر نتائج وتداعيات بيئيه واقتصاديه واجتماعيه وسياسيه ممتده وخطيره للغايه. فتبعاً لتقديرات الامم المتحده فان الخسائر الاقتصاديه الناتجه عن التصحر تقدر بحوالي 42 مليار دولار اميركي سنوياً، يبلغ نصيب افريقيا وحدها من تلك القيمه ما يقرب من تسعه مليارات دولار. وتنتج الخسائر الاقتصاديه من ضعف الانتاج وتدني فرص العمل ومستوي الدخل الفردي والقومي.

ومن الناحيه الاجتماعيه يؤدي التصحر الي زياده نسبه الفقر وهجره السكان من المناطق القاحله الي حيثما يوجد الغذاء والماء، وهو ما يعني تحول ملايين الاشخاص من مستوطنين للارض الي لاجئين مشتتين ليس لهم ماوي او مصدر غذاء او لديهم وسيله لكسب الرزق او العمل، مما يترتب عليه اعباء اضافيه علي الحكومات والادارات المحليه المعنيه نتيجه عجزها عن توفير الخدمات وسبل الاعاشه.

كما يمكن ان تؤدي الهجرات الجماعيه الناتجه عن التصحر الي قلاقل واضطرابات سياسيه عويصه، بل يمكن ان يتطور الامر الي نزاعات مسلحه نتيجه الصراع علي موارد المياه والغذاء المتاحه، تماما مثلما حدث في اقليم دارفور غربي السودان.

وفي كل الاحوال فان التصحر يؤثر سلبا وبصوره كبيره علي الامن الغذائي، لا سيما في المناطق والمجتمعات الزراعيه، حيث تؤدي ظاهره التصحر الي بوار المحاصيل ووقف امدادات الموارد الزراعيه.

اما من الناحيه البيئيه، فالتصحر يمكن ان يتسبب ايضا في نتائج وتداعيات وخيمه علي البيئه، وهذا بسبب دوره في فقدان التنوع الاحيائي وزياده معدلات انجراف وتاكل التربه ومعدلات حدوث العواصف الترابيه، وتدني بالتالي انتاجيه المراعي والاراضي الزراعيه، وبسبب دوره ايضا في فقدان قدره النظم البيئيه علي الحياه وعلي التكيف مع ظاهره التغير المناخي.

وللتصحر ابعاد عالميه تتمثل فيما يعرف بعولمه التصحر، ذلك لان الاضرار السياسيه والاجتماعيه الناتجه عن تفاقم هذه الظاهره بمنطقه ما اقليميه، يمكن ان تمتد الي مناطق اخري بعيده، وهذا من واقع ما تفرضه هذه الظاهره المدمره من زياده حده ظاهره التغير العالمي للمناخ، ومن واقع دورها ايضا في اندلاع النزاعات والاضطرابات الاقليميه والدوليه، كما حدث مثلا في ازمه دارفور والحرب الاهليه في الصومال.

ومن الاعتبارات الاخري التي ترسخ فكره عولمه التصحر، امتداد الاثار البيئيه للتصحر الي مناطق اخري ابعد كثيراً من المناطق المتضرره، ومن ذلك ما يقال عن هجره الغبار الافريقي عبر المحيط الاطلسي، من منطقه الصحراء الكبري الي السواحل الاميركيه المواجهه، مسببا انتشار مجموعه من الامراض الطفيليه في الانسان والحيوانات الفطريه المتواجده بسواحل فلوريدا والمناطق المجاوره، وهو نفس ما ينطبق علي تاثير غبار صحراء جوبي بالصين علي الموائل الطبيعيه البحريه باليابان.

تتطلب مكافحه ظاهره التصحر تضافر الجهود بين كافه الجهات الحكوميه والمحليه المعنيه، كما تتطلب اتخاذ مجموعه من الاجراءات المتكامله والرشيده التي تهدف في الاساس الي اعاده تاهيل المناطق المتصحره واحياء خصوبه الاراضي الزراعيه فيها، وارجاع التوازن البيئي بالمناطق المتدهوره لحالته الصحيه والسلميه التي كان عليها قبل التصحر.

ويمكن ان يتحقق هذا عبر حزمه من الاجراءات المتكامله، مثل دعم مشاريع التشجير والتخضير، ومنع تجريف الاراضي الزراعيه وقطع الاشجار، ووقف اعمال الحفر والردم العشوائيه، واجراء صيانه دوريه للموارد المائيه المتاحه، وهذا فضلا عن تثبيت الكثبان الرمليه، وتكثيف الغطاء النباتي بما يساعد علي تثبيت التربه ومنع انجرافها او تعريتها.

كما تتطلب جهود المكافحه سن التشريعات والاطر القانونيه المناسبه، واعداد استراتيجيات وطنيه واقليميه جاده وفعاله بحيث تاخذ بعين الاعتبار جميع الجوانب الاجتماعيه والاقتصاديه والبيئيه والثقافيه، وهذا فضلا عن تنميه وتعميق الوعي البيئي باسباب ومخاطر ظاهره التصحر وتدهور الاراضي، وتشجيع البحوث وامكانيات البحث العلمي والتدريب في البلاد في مجالات التصحر والجفاف، والاستعانه بالتقنيات الحديثه من اجل تحديث البيانات والمعلومات المتاحه عن المناطق المعرضه للتصحر ودرجه التصحر اولا باول.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل