المحتوى الرئيسى

وديع سعادة.. الراوي الواحد بأنفاس واحدة

07/27 11:19

مع الوقت تصير اعمالٌ شعريه كامله او دواوينُ لشعراء مكرّسين متاحه علي الشبكه، من خلال مواقع خاصه بالشعراء او من خلال جهات تتبني نشر الاعمال واتاحتها للعموم بالتنسيق مع الجهه المعنيه. ومن الشعراء مَن صار يفضل، كما هو معروف، النشر الالكتروني المباشر من دون المرور بالنسخه الورقيّه علي جاري العاده، ربما لتلافي المالات النمطيه التي اصابت دور النشر وعلاقتها بالمتلقي او لنظره ثاقبه لدي الشاعر تري الي الشعر المتاح علي الشبكه مساحه اكثر مرونه بعد تبدّل صار ملحوظاً اصاب شكل تواصل الشعراء بالمتلقين مع تطوّر الميديا.

لعل ابرز تجربتين في هذا المجال كانتا تجربه الشاعره اللبنانيه سوزان عليوان (1974) والشاعر اللبناني وديع سعاده. سعاده الذي نشر اخر عملين له مباشره علي الموقع الإلكتروني الخاص به، «من اخذ النظره التي تركتها عند الباب» (2011) «قل للعابر ان يعود لقد نسي ظله» (2012)، والذي نحن، اليوم، في صدد ترقب المجلد الاول لاعماله الكامله (سلسله ابابيل، كتب رقميه).

تكاد نصوص الشاعر اللبناني وديع سعاده (مواليد شبطين، 1948) ان تكون نبره ذاتيه متّسقه. بين «ليس للمساء اخوه» (1980) و «قل للعابر ان يعود لقد نسي ظله» (2012) ايقاع بالغ الخصوصيه يسم تجربه هذا الشاعر. تجربه هي دواوينُ تعكس في وجه من الوجه، ببساطه، سيره الذات المفصّله والمتشظيه بين البلد والمهجر في ما يشبه سياقاً كرونولوجياً شعرياً للشخص والراوي/ الشاعر.

قد يكون مفيداً اذ نباشر الكلام عن تجربه سعاده الدخول من بوابه ديوانه «مقعد راكب غادر الباص» (1987). انه عمل مفصليّ يفتّح الذهن علي حساسيه التركيب الشعري لدي سعاده قبلياً وبعدياً وعلاقه هذا التركيب بالذات تحديداً. والرؤيه، ابتداءً بهذا العمل يعود الي كونه مفصلاً في الكتابه لجهه تصاعد نبره الشاعر المنهزمه بحساسيتها العاليه واتخاذها سياقاً سوف يظل يتردد في غالب اعماله اللاحقه. نعني تلك النبره التي تكون رثاءً او ردحاً مسبقاً لعيش او انسحاباً من المشهد نحو مساحات اكثر هامشيه ومشعه وتحفر في طبقات النثر التحتيه. وهي نبره تعكس في الواقع توطئه الشاعر لانتقاله نهائياً من بلده الذي صار ركاماً الي المهجر (1988). انها نبره تحفزّها مناخات الياس من مالات الموطن التي هي خيبات عبثيه. عدميه تجد لها متنفساً في المقاطع وتقولب رؤيه الشاعر الي وجود ذاتيّ وموضوعيّ يصير في كل لحظه عبئاً مضاعفاً. «معي في صدري ضلوع ضعيفه/ كانت ترغب يومًا ان تلعب الجمباز/ معي راس بكامل تجاويفه/ معي يدان صامتتان ارافقهما كل النهار، ثم نتصافح ونذهب الي النوم/ ماذا يفعل كسولٌ علي مدي اربعين عامًا بهذه الاعضاء؟/ وداعًا/ القمر علي الماء، رَجُلٌ علي الطريق، وشاحنه مسرعه/ نمشي كتفًا علي كتف، مصطدمين بانفاس عمياء/ راكضون راكضون راكضون/ حاملون الحقائب، حاملون الاولاد والنساء، الطاولات والكراسي والمزهريات/ وراكضون/ متسابقون باقدام نحيله، بجذوع اشجار مكسوره، وما الداعي؟ مناسبه متواضعه: الحياه/ وداعًا، النافذه امامي تطلُّ علي الميناء، ومغلقه منذ البارحه» (مقعد راكب غادر الباص/ وديع سعاده/ 1987)

ليس في نصوص ومقاطع صاحب (نصّ الغياب) الشعريّه تجريب او صناعه معجميه شاقه او شغل لغوي. تبدو جملته سحراً مكتملاً منساباً بثيماته المحدده. كما اننا لا نلحظ تفاوتاً في المزاج لمصلحه ذلك الزخم الداخليّ الحزين والموحش الذي لا يطفو، بحال من الاحوال، علي السطح بل يبقي كامناً في احشاء النصوص ويمارس هذياناته الخافته والمكتمله علي المتلقّي. التنوّع، في هذا الحيز، قد لا يبدو الا من خلال مساحات جوفيه تطغي فيها ثيمهٌ علي حساب اخري في نصّ من النصوص، انّما يبقي الاصل انها ثيمات تكون من ضمن النظره والاحتجاج او الرؤيه الشعريّه الخاصه بالشاعر بحيث لا تفقد التجربه مناخها الاصلي. مثلا، يقول سعاده في النص الاول من «ليس للمساء اخوه»: «الجهات موحشه/ وكثيره» وفي العمل الاخير «قل للعابر ان يعود لقد نسي ظله»: «الجهه تُحنيه، الجهات ترفعه/ ضربته الريح من اليمين/ فانحني يساراً/ ضربته الريح من اليسار/ فانحني يميناً/ ضربته من الوراء فانحني الي الامام/ ضربته من الامام فانحني الي الوراء/ وحين ضربته من كل الجهات/ ارتفع».

الطبيعه اساسيه في قصائد سعاده انما الطبيعه بما هي كنز من الذكري والحنين الي المنبت في شبطين. وليس ذاك الحنين النمطي بل هو شكل من اشكال الاشتباك الجمالي مع الغائب الملتهب في اعماق الذاكره. وهي الطبيعه التي تكون قابله من خلال لعب لغويه للتمثل والتوظيف في النصوص خارج كاتولوغاتها النثريه المعروفه. انّها طبيعه وهي ايضاً وجه من وجوه الجسد وضلوعه او الغرفه او الجدار او انّها الام والاب و/او غبار الاصدقاء المفقودين... «بلاد كلّ رجالها/ يغادرون لذلك كانت نساؤها/ يقترنّ بالاشجار. الذين الِفناهم شجرًا باسقاً/ صاروا قشًّا حين حزنوا».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل