ظهور الأكسجين: الحدث الذي غير وجه الكرة الأرضية - BBC Arabic

قبل حوالي ملياري عام، لم يكن الهواء علي سطح الكرة الارضية يحتوي علي الاكسجين. لقد وقع شيء مذهل غير ذلك الوضع، وهو اكبر شيء يحدث في مسيره تطور جميع الكائنات الحيه، وهو ظهور الاكسجين علي كوكب الارض.

اذا صنعنا اله للزمن، وتمكنا بها من العوده للوراء للعيش في العهد السابق للكره الارضيه، فسوف نفاجا باننا لا نستطيع ان نتنفس. واذا لم تكن بحوزتك اجهزه تنفس فسوف تختنق في لحظات.

خلال النصف الاول من تاريخ الكره الارضيه، لم يكن هناك اكسجين في الغلاف الجوي. فقد ظهر هذا الغاز الذي هو سر الحياه قبل حوالي 2.4 مليار سنه. ويعد ظهور الاكسجين واحداً من اهم ما وقع علي كوكب الارض من احداث. فلولاه لما كانت هناك اي مخلوقات تتنفس الاكسجين؛ لا حشرات، ولا اسماك، ولا بشر بالتاكيد.

ويدرس بعض العلماء منذ عقود طويله سبب ظهور الاكسجين في الهواء. وقد افترضوا ان الحياه نفسها هي المسؤوله عن وجود الهواء الذي نتنفسه. واذا كان لنا ان نؤمن بما تم التوصل اليه من اكتشافات مؤخراً، فالحياه نفسها شهدت تحولات هائله سبقت ذلك "الحدث الاكبر" الذي تمثل في ظهور الاكسجين.

فقد كان عمر الارض حوالي ملياري عام عندما ظهر الاكسجين، مما يجعل عمرها حوالي 4.5 مليار سنه الان. وكانت الارض ماهوله في ذلك الحين، ولكن بكائنات حيه احاديه الخليه.

وليس من الواضح تماما متي بدات الحياه، لكن اقدم حفريه معروفه لهذه الكائنات المتناهيه في الصغر تعود الي 3.5 مليار سنه، ولذا لا بد ان الحياه بدات قبل هذا الوقت. ولا يزال العلماء يعكفون علي التوصل الي شكل الحياه قبل تلك الحفريه.

ويعني ذلك ان الحياه كانت قائمه قبل نحو مليار سنه من وجود الاكسجين. هذه المخلوقات الدقيقه هي التي يشتبه في انها السبب في وجود الاكسجين. من ابرز هذه الكائنات الحيه مجموعه يطلق عليها اسم "سيانوباكتيريا"، وهذه الكائنات الحيه الميكروسكوبيه تشكل احياناً طبقات زرقاء فاتحه فوق البحيرات والمحيطات.

وقد ابتكر الاسلاف الاوائل لهذه الكائنات حيله انتشرت منذ ذلك الحين في الحياه البريه، فقد تطورت بطريقه تجعلها تستمد طاقتها من ضوء الشمس وتستعمله في صناعه مواد سكريه من خلال مزج الماء مع ثاني اكسيد الكربون. ويطلق علي هذه العمليه اسم التمثيل الضوئي، وهي الطريقه التي تصنع بها كل النباتات الخضراء غذاءها هذه الايام.

فالشجره التي تمر بها في الشارع تستخدم الي حد كبير العمليه الكيميائيه نفسها التي استخدمتها تلك الكائنات قبل مليارات السنين.

وفيما يتعلق بالبكتيريا، يوجد للتمثيل الضوئي جانب سلبي مزعج يتمثل في انتاج الاكسجين كاحد المنتجات العادمه. فلا يوجد استعمال للاكسجين لديها، لذا فهي تطلقه في الهواء. ولذلك كان هناك تفسير بسيط لحادثه "الاكسده الكبري" يتمثل في ان كائنات السيانوبكتيريا تطلق غاز الاكسجين غير المرغوب فيه في الهواء، وهو ما غير من طبيعه الغلاف الجوي لكوكب الأرض.

وبينما يفسر ذلك طريقه حدوث هذا التغيير، الا انه لا يفسر السبب وراء حدوثه، ولا يفسر كذلك متي حدث ذلك علي وجه الدقه.

المشكله هي ان السيانوبكتيريا وجدت قبل حدوث عمليه الاكسده بوقت طويل. تقول بيتينا شيرمايستر من جامعه بريستول بالمملكه المتحده: "السيانوبكتيريا من بين اول ما نعرف من كائنات حيه علي سطح الأرض".

ويمكن القول بكل ثقه انه كان لدينا سيانوبكتيريا قبل 2.9 مليار سنه خلت، لان هناك دليل علي وجود واحات معزوله من الاكسجين في ذلك الوقت. وربما يعود عمر هذه الواحات الي 3.5 مليار سنه، لكن من الصعب القطع بذلك، لان الحفريه غير واضحه المعالم.

ويعني ذلك ان السيانوبكتيريا كانت مشغوله في ضخ الاكسجين الي الهواء لمده 500 مليون سنه قبل ان يبدا الاكسجين في الظهور في الهواء. وهذا لا يعقل.

احد التفسيرات يشير الي انه كان هناك كثير من المواد الكيماويه ربما علي شكل غازات بركانيه تفاعلت مع الاكسجين، وعملت علي تنقيته. بيد ان هناك احتمالاً اخر كما تقول شيرمايستر، فربما كانت كائنات السيانوبكتيريا قد تحورت.

وتضيف: "هناك تطور ما حدث لكائنات السيانوبكتيريا مكنها من ان تصبح اكثر نجاحاً واهميه". فبعض انواع السيانوبكتيريا قامت بشيء يعد بارزاً بمعايير البكتيريا. فبينما تعتبر الغالبيه الساحقه من البكتيريا احاديه الخليه، كانت هناك كائنات من السيانوبكتيريا متعدده الخلايا.

فقد اتحدت خلايا السيانوبكتيريا الاحاديه في صفوف متصله تشبه عربات القطار. هذا في حد ذاته غير معتاد بالنسبه للبكتيريا. بيد ان بعضها ذهب الي ما هو ابعد من ذلك. "كثير من السيانوبكتيريا بامكانها ان تنتج خلايا تفقد قدرتها علي الانقسام"، كما تقول شيرمايستر.

وتضيف: "هذا هو اول شكل من اشكال التخصص نشاهده. انها نسخه بسيطه من الخلايا المتخصصه التي توجد لدي الحيوانات، مثل العضلات، والاعصاب، وخلايا الدم." وتعتقد شيرمايستر ان ظاهره التعدديه الخلويه ربما كانت هي ما غيرت قواعد الحياه للسيانوبكتيريا الموجوده علي الارض، حيث توفر عدداً من المزايا المحتمله.

قديماً علي سطح الارض عاشت كائنات حيه احاديه الخليه مع بعضها علي شكل طبقات مسطحه من المواد اللزجه تدعي تدعي "حصائر" ميكروبيه، وفي داخل كل واحده منها هناك انواع عديده من السيانوبكتيريا، اضافه الي اشياء اخري.

وتوجد ميزه واضحه لبكتيريا السيانوبكتيريا متعدده الخلايا علي قريناتها من ذوات الخليه الواحده، اذ من السهل عليها الانتشار لان سطحها الاوسع يعني انها اقدر علي الالتصاق بالصخور من غيرها. هذا الكائن الحي "ليس من السهل ان يجرفه التيار" كما تقول شيرمايستر.

ويمكن للعديد من انواع السيانوبكتيريا الحديثه التحرك داخل حصائرها. وليست حركتها بالسريعه جداً ولكنها تستطيع الحركه، كما تقول شيرمايستر. هذا يعني ربما ان البكتيريا القديمه كانت تستطيع التحرك ايضاً. وكان يمكن للحركه ان تساعدها علي البقاء في وقت كانت تتعرض فيه الارض الي اشعاعات ضاره وعنيفه من الشمس، ولم تكن هناك طبقه اوزون تحمي الارض من هذه الاشعاعات.

وتقول شيرمايستر: "في الحصائر الميكروبيه الحديثه، تستدير السيانوبكتيريا حول نفسها وتظهر بشكل عمودي بدلاً من الشكل الافقي لحمايه نفسها من ضوء الشمس الزائد عن اللزوم. كما يوجد حركه بين الطبقات. وربما نتجت هذه الحركه عن السيانوبكتيريا متعدده الخليه وهي تحاول ان تتحرك عمودياً داخل حصيرتها".

انها فكره ذكيه، لكن لكي تكون هذه الفكره صحيحه، ينبغي ان تكون السيانوبكتيريا قد تحولت الي بكتيريا متعدده الخلايا قبل عصر الاكسده، اي قبل ظهور الاكسجين علي الارض.

لقد امضت شيرمايستر السنوات القليله الماضيه وهي تحاول معرفه الزمن الذي تحولت فيه البكتيريا الي كائنات متعدده الخلايا. الخيوط التي تقود الي هذه المعرفه تكمن في الجينات الخاصه بهذه البكتيريا. وقد تمكنت شيرمايستر من رسم شجره عائله خاصه بالسيانوباكتيريا بعد ان عرفت من اختبارها للجينات المشتركه الفروق البسيطه بينها.

بوجود تلك الشجره الجينيه، تمكنت شيرمايستر من تقدير الزمن الذي تحولت فيه السيانوبكتيريا من كائنات احاديه الخليه الي متعدده الخلايا.

اول محاولاتها نشرت عام 2011، وقالت فيها ان معظم السيانوبكتيريا الحديثه انحدرت من بكتيريا متعدده الخلايا. وهذا يعني ان البكتيريا متعدده الخلايا قديمه، لكن من الصعب تحديد تاريخ ظهورها بدقه. وفي بحث نشرته بعد ذلك بعامين، قالت ان التعدديه في الخلايا تطورت قبل ظهور الاكسجين بوقت قصير في الوقت الذي كانت فيه السيانوبكتيريا تنوع من نفسها بشكل متسارع.

لكن ذلك لم يغلق النقاش حول الموضوع. فشجره العائله التي رسمتها كانت علي اساس نوع واحد من الجينات، وان كان هو الجين المشترك بين جميع انواع السيانوبكتيريا. ذلك يعني ان تلك الشجره الجينيه مشكوك فيها. لذلك قامت شيرمايستر بمحاوله افضل، وتقول: "هذه المره تعاملت مع 756 جيناً. وهذه الجينات التي اخذتها موجوده في كل السيانوبكتيريا".

لكن تقديرها للزمن الذي بدا فيه انقسام الخلايا وتعددها ما زال غير دقيق، لكن يبدو انه كان قبل 2.5 مليار سنه، اي قبل ظهور الاكسجين. هناك عده طرق مختلفه لحساب هذه السلالات، وكلها تقود الي نفس الاجابه: مهما تعددت الطرق التي نقيس بها تاريخ الخلايا، من الواضح ان ظهور الكائنات متعدده الخليه سبق ظهور الاكسجين علي سطح الارض.

ربما لا تكون تلك نهايه القصه. حتي لو ثبتت صحه نتائج شيرمايستر، واصبحت السيانوبكتيريا متعدده الخليه موجوده قبل ظهور الاكسجين، ما زال هناك سؤالان كبيران: الاول: هل تعدد الخلايا نتج عنه بالفعل مزايا استفادت منها السيانوبكتيريا؟ الحقيقه اننا لا نعرف، ولكن بامكاننا ان نعرف بمحاوله اختبار معينه كيف تتاقلم السيانوبكتيريا احاديه او متعدده الخلايا مع الاوضاع والظروف المختلفه.

السؤال الثاني وهو الاصعب: لماذا استغرقت السيانوبكتيريا زمناً طويلاً جداً حتي تصبح متعدده الخليه؟ ان كان تعدد الخلايا ينطوي علي كل تلك الميزات، فلماذا لم تتطور من احاديه الي متعدده قبل ذلك الزمن مما كان سيؤدي الي وقوع حدث الاكسده الكبير؟

تقول شيرمايستر: "الخطوه التاليه هي ان نعرف الجينات المسؤوله عن انقسام الخلايا في السيانوبكتيريا، وقتها استطيع القول لماذا استغرق الامر وقتاً طويلاً ولم تتطور في وقت اقرب".

اذا تطلب الامر وجود عدد كبير من الجينات الجديده، سيصبح مفهوماً ان السيانوبكتيريا احتاجت الي وقت طويل لكي تطور كل هذاه الجينات. ومهما يكن السبب في وقوع حدث الاكسده الكبير هذا، من الواضح انه احد اهم الاشياء التي وقعت علي سطح الارض. وهذه اخبار سيئه للحياه علي الارض علي المدي القصير.

تقول شيرمايستر: "كان يمكن ان يعتبر الاكسجين قاتلاً لعدد من انواع البكتيريا. ليس من السهل اثبات ذلك، لان الحفريه التي عثر عليها العلماء لا تنبيء بالكثير من المعلومات عن ذلك الزمان. ولكننا يمكن ان نفترض ان كثيرا من البكتيريا ماتت في ذلك الوقت".