المحتوى الرئيسى

«ذي ناشيونال إنترست»: حرب الـ200 عام لتركيا ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»! - ساسة بوست

07/26 17:13

منذ 11 دقيقه، 26 يوليو,2015

في عام 1818، تم نقل الامير «عبد الله بن سعود» الي مدينه اسطنبول في تركيا لتنفيذ حكم الإعدام بحقه. لم يكن «عبدالله بن سعود» معتقلا عاديا، حيث انه كان زعيم التمرد الذي ارّق مدينتا الحرمين الشريفين، مكه المكرمة والمدينه المنوره، لمده عشر سنوات، وكان قد تجرا واعلن ان السلطان العثماني، الذي كان يُطلق عليه انذاك لقب الخليفه وامير المؤمنين، كافر خرج عن المله. ونظرا لتفسيرات «ابن سعود» الوهابيه الصارمه لتعاليم الدين الإسلامي، والتي كان من بينها الافتاء بحرمه استماع الموسيقي، فقد اهانه العثمانيون وجعلوه يستمع الي العود.

وجدير بالذكر ان اقسي درجات العقوبه الوحشيه كان دوما مخصصه للزعماء الدينيين المتمردين، فبعضهم كان يُعلّق علي فوهات المدافع وقذائف الهاون ثم يتم تفجيره الي اشلاء تتناثر فلا يُجمع منها شيء.

وبوضوح، فقد مس التمرد وترا حساسا للعثمانيين. فالثوار ينتمون الي المذهب التقليدي السلفي للاسلام السني، وهذا يعني ان معتقدهم مبني علي قراءه حرفيه لاقدم النصوص الاسلاميه. وعلي الناحيه المقابله، كان تيار الاناضول السني في تركيا ينتمي الي المذهب الحنفي الماتريدي (اتباع ابو منصور الماتريدي)، الذي يقوم بالتفسير النصي، للايات والاحاديث، للوصول الي المعني الحقيقي او المستتر داخل تعاليم النبي محمد (صلي الله عليه وسلم). انه مرتكن علي ما وقع في عصر التنوير، عندما وصلت الحضارة الاسلامية الي اوج ازدهارها في الرياضيات والطب والفلك والفنون. وقد راي العثمانيون انفسهم باعتبارهم ورثه تطور الاسلام الطبيعي وقادته نحو حضاره اعلي. ولم يشغلهم ابدا ان يوصموا بالكفر او يُتهموا بالزندقه.

كان للسلفيه مكانا هامشيا في الحياه السياسيه لكثير من الوقت منذ بداياتها في القرن الرابع عشر، عندما تاثرت بشكل ملحوظ باعمال الباحث البارز «ابن تيمية» وطلابه الذين انتشروا في اماكن متفرقه. لقد بدات تكسب موطئ قدم فقط عندما تباطا الحكم العثماني في القرن الـ19. وفي هذا الوقت، قام الباحث السلفي الذي حمل اسم «ابن عبدالوهاب» باتفاق مع «عبد العزيز»، الزعيم القبلي صاحب الطموحات، لممارسه ضغط علي الجزيره العربيه. وصاغ الاثنان الفكر السلفي كسلاح لهما في شكل قوه مسلحه حملت اسم «الاخوان»، وهي القوه القتاليه من النخبه التي عُرفت بحماستها الدينيه ووحشيتها (لا صله لها البته مع الجماعه المصريه الذي حملت اسم الاخوان المسلمين).

بدات القوه المعروفه باسم الاخوان بالاغاره علي القري المجاوره، ووصلت في نهايه المطاف الي العراق، وكانت حجتها ان من لا يحمل العقيده السلفيه فهو لا يمت الي الاسلام بصله، وبالتالي فان «ارواحهم وممتلكاتهم حلال من الناحيه الدينيه». قام الاخوان بذبح النساء والاطفال، ودمروا الاضرحه والمقابر والاعمال الفنيه؛ بدعوي ان جميعها تسيئ الي التقاليد السلفيه. وفي عام 1803 دخل «عبد العزيز» الي مدينه مكه المكرمه. وخلال العقد اللاحق، باتت قبيلته تحكم مساحه تعادل تقريبا مساحه المملكه العربيه السعوديه في الوقت الحاضر.

كلفت الحكومة العثمانيه الجيش المصري، كان خاضع انذاك لاسطنبول، بمهمه سحق التمرد. اخذ المصريون بعض الوقت لشن حربهم ضد التمرد، ولكنهم نجحوا في عام 1812 في هزيمه «الاخوان»، واستعادوا السيطره علي مكه المكرمه والمدينه المنوره. وبعدها تم نقل «عبد الله بن سعود» الي اسطنبول ليتم تنفيذ حكم الاعدام ضده.

ولكن «الاخوان» لم يختفوا من المشهد. بمعني انهم باتوا نتيجه منطقيه للفكر السلفي، مدعومين بنمط تاريخي. انهم يمثلون رغبه عنيفه تم قمعها، ومن ثم عادت الي السطح مجددا علي مدي عقود. ظهر «الاخوان» مره اخري علي الساحه بقوه اثناء الحرب العالميه الاولي، عندما كان البريطانيون يدعمون الثورات العربيه ضد الأمبراطورية العثمانية. وقد ساعد البريطانيون اسره آل سعود علي تأسيس المملكه العربيه السعوديه، وارادوا ان يتمددوا ليشمل ذلك العراق، تماما كما اسلافهم في السابق؛ لكن الهدف هذه المره كان «اباده» الشيعه. وحتي الملك السعودي نفسه انزعج من حماسهم، وسرعان ما ادرك انهم يعارضون تحالفه مع البريطانيين. وفي حرب اهليه قصيره، انهت قواته تماما علي وجود «الاخوان» باستخدام الرشاشات الاوروبيه.

وفي عام 1979، اقتحمت مجموعه من المتطرفين المسلحين المسجد الحرام في مكه المكرمه لانهم يعتقدون ان النظام الملكي السعودي انحرف عن طريق المؤسسين. وبعد حصار لمده اسبوعين، وسقوط مئات القتلي، واضعافهم من المصابين، اعتنق ثلاثه من القوات الخاصه الفرنسيه الاسلام لفتره وجيزه من اجل دخول المدينه المقدسه، وقام من تبقي من المسلحين بتسليم انفسهم. واعترفوا انهم كانوا ينتمون الي «الاخوان».

ويُعد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق حقا سيف السلفيه اكثر من اي مجموعه اخري موجوده علي الساحه. انها مجموعه تعتمد علي الاباده الجماعيه وتجاره الرقيق بلغه اليوم، تتقدم فتحتل الاراضي، وتبني دوله ترفع عليها رايتها، تماما مثلما حاول «الاخوان» في السابق ان يفعلوا.

وتمتلك «الدوله الاسلاميه» من المزايا ما لم يكن يمتلكه الاخوان، فهويه الاولي ومرونتها بما يتوافق مع العصر سمح لها بتجنيد اشخاص من مختلف انحاء العالم، بما في ذلك تركيا. وفي حين ان الترك العثمانيين في الاناضول لم يفكروا قديما في الانضمام الي «الاخوان»، الا ان «الدوله الاسلاميه» نجحت في تجنيد اعداد غفيره من الاتراك. وذلك لان سرديه «الدوله الاسلاميه» المعاديه للامبرياليه باتت عالميه بين المسلمين في الوقت الراهن، بما في ذلك بين الاتراك. واظهر استطلاع للراي ان الاتراك يكنون مشاعر عدائيه تجاه السياسه الامريكيه، ويرجع ذلك في مجمله الي تدخلها في الدول الإسلامية، فضلا عن دعمها للكيان الاسرائيلي.

ولكن جزءا من ذلك يعود الي الهيكل الديني لتركيا الحديثه ايضا، فقد تبدد التصور العثماني لانفسهم كطليعه لتقاليد اسيا الوسطي التي تجمع بين الاسلام والليبراليه. ونات الجمهوريه التركيه، التي تاسست عام 1923م، بنفسها عن الخلافه، وبات تعميم المذهب السني اقل مؤسسيه في تركيا. قليلون هم من يدخلون الي المدارس الدينيه التي يشرف عليها المرشدون الروحيون. لقد اصبح الإسلام السني في الاناضول فرديا، او بمعني اخر يبحث عنه من يريده بشكل مستقل، وحتي الاسر في كثير من الاحيان تقوم بممارسه شعائرها الدينيه داخل البيت بينها وبين بعضها. وهذا ليس امرا سيئا في حد ذاته، ولكنه يمكن ان يؤدي الي نوع من المسابقه والتنافس في التدين، وهي المسابقه التي دوما ما يكسبها السلفيون المتشددون.

هناك روايات مختلفه بشان كيفيه تعامل حكومه حزب العداله والتنميه ذات الاغلبيه السنيه مع الحاله. تقول احد الروايات ان حكومه حزب العداله والتنميه، التي تصمم علي المضي قدما في اسقاط الرئيس السوري «بشار الاسد»، دعمت في السابق، وربما لا تزال تدعم تنظيم «الدوله الاسلاميه». وتمضي الروايه قائله ان «الاسد» ينتمي للطائفه العلويه، وقاده تركيا يؤيدون «الدوله الاسلاميه» السنيه ضده، معتقدين انها بعد ان تؤدي دورها في اسقاط «الاسد» سوف يسهل السيطره عليها. وتنفي الحكومه ومؤيديها ذلك بشده، قائلين ان المساعدات التي تدخل الي جماعات متمرده في سوريا ليست «الدوله الاسلاميه» من بينها. وتبنت الحكومه اجراءات صارمه في الاسابيع الاخيره، وخاصه بعد هجوم الاثنين الماضي علي بلده سروج الحدوديه التركيه، ولكن الجهود قد تكون قليله جدا وتاخرت كثيرا.

واذا كانت حكومه حزب العداله والتنميه بالفعل لم تدعم «الدوله الاسلاميه»، فان هذا يعني انها اما جاهله، بشكل يثير الدهشه، بنظره ومشاعر الجماعه نحوها، او انها تغامر علي نحو غير معهود. وكان تنظيم «الدوله الاسلاميه» صريحا في اعلان ان تركيا «دوله مارقه»، او دوله كافره. وقد حمل العدد الاول من مجله باللغه التركيه لها علي شبكه الانترنت دعوه الي «تجديد فتح القسطنطينيه»، حيث حمل المقال بعض النصائح للقراء، مثل القول بتحريم اكل اللحوم في تركيا لانه علي الارجح يتم اعداده من قبل الكفار. ولذا فان مما لا شك فيه انه مثلما قوض «الاخوان» السلطنة العثمانية، فان «الدوله الاسلاميه» تعمل علي تقويض الشرعيه السياسيه لحزب العداله والتنميه.

لكن قياده حزب العداله والتنميه ليس لديها فرصه سانحه ومتسع من الوقت لقطع راس «الدوله الاسلاميه» كما فعل العثمانيون. ومن اهم المخاطر التي تتهدد تركيا في الوقت الراهن ذلك التنظيم الذي يفضل البعض ان يسميه بـ«داعش». التواجد النشط لهذا التنظيم داخل الحدود التركيه يعني انه يتعين الان اعلان حرب مفتوحه ضد الجماعه، ما يعني في الوقت ذاته تعريض حياه السكان المدنيين لخطر كبير، وبالاخص في المدن الرئيسيه. ثلاثون عاما هي عمر حرب تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، وهي الحرب الصعبه بكل المقاييس لكلا الجانبين، علي الرغم من انها محصوره داخل حدود معينه. ومن شان الحرب ضد «الدوله الاسلاميه» ان تكون اشد بكثير.

وتعالج حكومه حزب العداله والتنميه خطا رفيعا بين امن مواطنيها والحفاظ علي السلطه الايديولوجيه. وللاسف، فانه حتي الحكومات الاكثر قدره والاعلي امكانيات لا يمكنها ان تامل في وضع حد لاتجاه تاريخي مثل تيار السلفيه الذي يجتاح المنطقه. تماما مثل الضفدع في الماء الدافئ، فان الدوله التركيه لا تبرح مكانها في الوقت الذي تستعر فيه بيئتها وتزداد سخونه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل