المحتوى الرئيسى

أطفال ينتظرون الموت على فراش "جوشر"

07/25 11:33

اجساد نحيله، بطونها متضخمه، لا يتركها الالم، ولا تستطيع الحركه، اكباد اطفال تتالم داخل الاحشاء، واكباد اخري يصيبها الفزع علي فلذات اكبادهم، التي مرضت منذ اليوم الاول لولادتها بمرض وراثي خطير، لم يسلم منه عشرات الاطفال، اطفال داخل الاسره الواحده اصيبوا بالمرض، احدهم توفي لشده مرضه، واخر علي فراش المرض لا يستطيع الحركه، والثالث طفل صغير تبحث اسرته عن علاج ينجيه من اصابه مضاعفه او موت مكتوب عليه. مرض «جوشر» احد الأمراض الوراثية المنتشره في العالم، عباره عن اضطراب وراثي خلقي مزمن ومتزايد، نتيجه انخفاض مستوي انزيم «جلوكوسيريبروسيديز» لدي المصابين به، ونتيجه لهذا النقص، تتكدس ماده دهنيه في الجسم، ويؤدي تراكمها في الاعضاء والعظام الي بروز اعراض تتراوح بين المتوسطه والحاده، يبدا ظهورها في اي مرحله من عمر المصاب منذ الطفوله الي مرحله البلوغ. فيما يقدّر بان واحداً من كل 40 الي 60 الفاً من عامه الناس يكون مصاباً بداء «جوشر»، او قرابه العشره الاف شخص في العالم. وينقسم المرض الي ثلاثه انواع اكثرها خطوره هو النوع الثاني، واكثرها انتشاراً هو النوع الثالث، وهو المنتشر بين المرضي في مصر.

يشخص الاطباء مرض «جوشر» عن طريق اختبار دم بسيط يسمي معايره الانزيمات. يعمل اختبار المعايره الخاص بمرض «جوشر» علي قياس مستويات نشاط انزيم الجلوكوسيريبروسيديز في خلايا الدم البيضاء او خلايا الجلد. والاشخاص المصابون بمرض «جوشر» يعانون من مستويات منخفضه جداً من نشاط هذا الانزيم.

علي اريكه داخل بيت صغير بقريه تلبنت التابعه لمركز اجا بمحافظه الدقهليه، جلس رزق سعد منصور، الرجل الخمسيني، يعمل مزارعاً ولديه 3 ابناء، جميعهم مصابون بمرض «جوشر»، يروي ان ابنته الكبري «فرحه» توفيت منذ 8 سنوات، بعدما اصابها المرض منذ ولادتها، ولم يكن يعلم الرجل شيئاً عن هذا المرض في ذلك الوقت، فلم يستطع «رزق» انقاذ اول فرحته في الدنيا، من مرض كان ياكل في احشائها، وادي في النهايه الي وفاتها وهي طفله صغيره.

لكن «رزق» علم بمرض «جوشر» عندما اصاب ابنه الثاني «محمد» الذي توجه به الي مستشفي طنطا، وتم حجزه 3 اشهر كامله، دون تحديد التشخيص الاساسي له، وبعد خروج «محمد» من المستشفي دون اي نتيجه تُذكر، ذهب «رزق» الي اخصائي كبد، الذي قال له ان الولد سوف يتوفي بعد يومين، فاصابه الجذع من المصير الذي سيلقاه «محمد» مثل اخته «فرحه»: «الدكتور قال لي ابنك هيموت بعد يومين، خده وروّح بيه».

اقترح علي «رزق» احد جيرانه التوجه بولده الي مركز الدكتور محمد غنيم في المنصوره، فتوجه الي معهد الدكتور «غنيم»، الذي اجري الكشف عليه وطلب منه عمل اشعه لمعرفه الحاله، بعدها قام «غنيم» بتحويل الحاله الي استشاري اطفال بمستشفى الاطفال التابع لجامعه المنصوره، وقال الطبيب لـ«رزق»: «الولد ده هيتحجز عندنا وعلاجه هيكون هنا»، ويجب ان يتم عمليه لاستئصال الطحال المتضخّم من داخل الجسم، ظن «رزق» ان التجربه التي عاني منها في مستشفي «طنطا» سوف تتكرر مره اخري، لكن الطبيب اكد له ان ابنه يعاني من مرض يُسمي «جوشر» وعلاجه باهظ الثمن، ولا يمكنه علاجه علي نفقته الخاصه، فهناك شركه امريكيه تساعد علي توفير هذا الدواء داخل مستشفيات الاطفال التابعه للجامعات، وان علاج «محمد» موجود، وسوف يتم حقنه بالدواء مدي الحياه.

يقول «رزق» ان ولده «محمد» الذي اجريت له عمليه استئصال الطحال، يعاني بعدها من عدم القدره علي الحركه، وهو يبلغ الان 11 سنه، رغم انه ياخذ الدواء اللازم لعلاجه، التي حرمت منه اخته الكبري قبل وفاتها، ويحرم منه اخوه الاصغر «رجب» المصاب بالمرض نفسه، لكن في التوقيت الذي اصيب فيه «رجب»، اوقفت الشركه توريد اي ادويه جديده للحالات في مصر، وهو ما يعجز «رزق» عن توفيره لولده الاصغر.

«انا راجل فلاح وماقدرش اعالجه، وحتي العلاج نفسه مش موجود، كل اللي انا عايزه انهم يوفروا علاج لـ(رجب)، مفيش اي اهتمام بالمرضي خالص من الصحه، ولولا (محمد) دخل في منظومه الدواء بتاعه الشركه الامريكيه، كان زمانه مات زي اخته».

بجوار «رزق» كان يجلس وحيداً محمد ابوالعلا، حاملاً علي قدميه ابنته الصغري «بسمله» طفله صغيره ذات وجه ابيض وعينين خضراء، ابتسامه يشع منها الامل، وخوف علي مستقبل هاتين العينين من ان يذهب دون رجعه، بعدما يتفشي المرض فيهما، فيصيبها «الحول» وتتشوّه ملامحها الجميله.

يقول «وحيد» ان ابنته «بسمله» التي تبلغ من العمر 3 سنوات، لديها ملف داخل مستشفي الاطفال الجامعي بالمنصوره، وتم تشخيص حالتها علي انها مصابه بمرض «جوشر» من النوع الثالث، كانت البدايه مع ظهور اعراض بتضخم كل من الكبد والطحال داخل الجسم مع زياده في حجم البطن. وتحتاج الي 4 حقن كل شهر، تكلفه الواحده منها اكثر من 10 الاف جنيه.

يروي «وحيد» انهم ابلغوه منذ سنتين، انه سوف يتم توفير العلاج لابنته، لكن هذا لم يحدث حتي الان، موضحاًَ ان ابنته لم تستطع اللحاق بالحالات التي يتم علاجها من خلال معونه الشركه الامريكيه المنتجه لهذا الدواء، بالتعاون مع مؤسسه الامل.

يقول الرجل الاربعيني، انه رفع دعوي قضائيه ضد هيئه التامين الصحي، المكلفه بعلاج ابنته علي نفقته، وتم اصدار حكم قضائي بالزام التامين الصحي بعلاج ابنته مدي الحياه، توجهت الي هيئه التامين الصحي وقاموا بعمل تقرير لجنه ثلاثيه. واوضح التقرير ان «بسمله» تحتاج الي حقن لعلاج مرض «جوشر»، لكن التامين قال له «الدواء ده مش مسجل، خلي وزير الصحه يسجله وانا اصرف لك الدواء لما يتوفر».

توجه «وحيد» مع عدد من اسر المرضي الي وزاره الصحه، من اجل مقابله وزير الصحه لوضع حل لمعاناه ابنائهم وتوفير العلاج لهم، بالفعل تم مقابله سكرتيره وزير الصحه اكثر من مره، لكن في كل مره كان الكلام عباره عن مسكنات، لكنه يقول: في اخر مقابله لهم في وزاره الصحه منذ 6 اشهر تقريباً، طلبت سكرتيره الوزير، الامن لاسر المرضي حتي يتم طردهم خارج المبني، وقالت لهم «الدوله مفيش فيها فلوس، روحوا اشحتوا من رجال الاعمال او روحوا اشحتوا من اهل الخير، الوزاره مفيهاش ميزانيه».

يروي «وحيد» انه كان معهم في هذه الزياره والد طفل من «بلقاس» ظل يبكي طوال الطريق بعد سماعه هذا الكلام من مسئولي الوزاره المسئوله عن علاج ابنه، موضحاً «وحيد» ان ابن الرجل توفي منذ شهرين نتيجه تاخر حالته الصحيه، وتفاقم أعراض المرض. فيقول ان تقاعس الوزاره في تسجيل الدواء يؤدي الي تدهور حاله المرضي ويسبب لهم الوفاه. بصوت حزين وعين يتخللها الدموع، يقول: «يا وزير الصحه الاطفال دي في رقبتك، انت متقاعس عن اسعاف الاطفال دي وتوفير العلاج ليهم وربنا هيحاسبك».

لم تكن حاله «بسمله» هي الاولي في بيت اسره «وحيد»، بل كانت لديه بنت تسمي «مريم» مصابه بنفس هذا المرض، وتوفيت بعد ولادتها بعامين، يقول وحيد «انا راجل علي المعاش، وكل دخلي في الشهر 500 جنيه، ازاي ممكن اجيب علاج لبنت عندها مرض زي ده، وبتموت مني ومش عارف اعمل ليها ايه؟»، الطفله الصغيره بنت الثلاثه اعوام، تقول بصوت هادئ «عايزه عمو السيسي يجيب ليَّا علاج عشان بطني بتوجعني، لو خدت العلاج هعرف العب مع الولاد في الشارع، واروح الحضانه معاهم».

يوسف الطفل البالغ من العمر 5 سنوات، كان لديه هو ايضاً اخ واخت توفيا بنفس المرض المصاب به، ولم تكن تعلم والدته او ابوه اي شيء عن المرض، يقول عم يوسف خلف «احنا في طريقنا لرفع قضيه علي التامين الصحي للحكم قضائي بعلاج «يوسف»، وهو مصاب بمرض «جوشر»، واحنا مش لاقيين لا رئيس ولا رئيس حكومه ولا وزير الصحه يشوف ولادنا».

يقول «فايز» ان يوسف يعاني من مرض «جوشر» من النوع الثالث، وان والده يعمل كاحد عمال اليوميه في مجال البناء، ولا يستطيع ان يصرف علي علاجه، وانه هو القائم علي رعايته، ويذهب به دائماً مع والدته لمستشفي الاطفال التابع لجامعه المنصوره، موضحاً ان معامله الاطباء جيده، لكن ليس بيدهم اي شيء، نتيجه لعدم توافر العلاج اللازم لابنائهم، موضحاً ان هناك اهمالاً شديداً من قبل هيئه التامين الصحي، قائلاً «احنا عايزين حق العلاج لولادنا اللي بيموتوا».

في احد شوارع منطقه الوايلي، تسكن احد اطفال مرض «جوشر» مع والديها واختها الوحيده «جني»، «سما» الطفله التي تبلغ من العمر 3 سنوات، خلقها الله ايه من اياته في الجمال، لكن المرض الذي اصابها منذ ولادتها، وعلمت به امها وابوها بعد 6 اشهر من مولدها، تسبب لها في تدهور صحتها، وعدم قدرتها علي الحركه، كما سبب لها «حوّل» في عينيها، مع سقوط عدد من اسنانها.

تقول والده سما انها اكتشفت اصابه ابنتها بعد 6 شهور من ولادتها، كانت البدايه عند حدوث تقوص في فقرات ظهر الطفله الصغيره، فذهب الابوان الي طبيب عظام، حتي يعرفا ماذا حدث لابنتهما، الذي شخص الحاله علي انها ضعف في النمو، ثم انتقلت بها الي طبيب مخ واعصاب، الذي شخص هو الاخر تشخيصاً مختلفاً، ان لديها مشكله في الاكسجين، لكن الاكتشاف الحقيقي للمرض بعدما ذهبت الام الي مستشفي «ابوالريش» للاطفال، وتم اجراء تحاليل لها واكدت التحاليل ان هذه الاصابه التي لحقت بالطفله هي نتيجه اصابتها بمرض «جوشر».

«انا لفيت كعب داير في كل المستشفيات، وعلي رئاسه الوزراء ووزاره الصحه عشان الاقي حل لبنتي ومفيش حل»، تقول والده «سما»، ان المسئولين عن صحه المواطنين في مصر كل منهم يلقي بالمسئوليه علي الاخر، فاذا ذهبنا الي رئاسه الوزراء يقولون انها مسئوليه وزاره الصحه، وفي وزاره الصحه يقولون لنا اذهبوا الي التامين الصحي، واذا ذهبنا الي التامين الصحي يقولون «الدواء غير مسجل لدي وزاره الصحه وماعندناش منه»، مشيره الي ان ابنتها تتناول علاجاً مضاداً للتشنجات التي تحدث لها، كما تتناول كالسيوم والحقن بالدم نتيجه النقص الموجود في صفائح الدم داخل الجسم.

«مين مسئول في هذه الدوله عن علاج بنتي، هو في مسئول في البلد يستحمل يشوف ولاده كده؟»، توضح والده الطفله ان المرض يزداد عليها، نتيجه تاخر العلاج، فضعف نظرها، وتسبب في حدوث «حوّل» بالعينين، مشيره الي ان «سما» تكون في استيعاب كامل لما يحدث حولها، وتكون لديها رغبه في اللعب مع الاطفال، لكنها لا تستطيع القيام بذلك، قائله «كل اللي باتمناه من ربنا ان بنتي تتعالج، عشان تعيش حياه طبيعيه زي باقي الاطفال».

فيما يقول استشاري الاطفال وامراض الدم بمستشفي ابوالريش الدكتور خالد عبدالعظيم عيد، ان سبب الاصابه بمرض «جوشر» هو نقص في احد انزيمات التمثيل «الهدمي» داخل الجسم، مما يؤدي الي تراكم الماده التي من المفترض هدمها في كافه اجزاء الجسم، ومن اهمها «الكبد والطحال» كما يتم تراكمها داخل النخاع العظمي، وفي بعض الاحيان يصيب القلب والرئتين، وبعض الحالات قد يصيب الجهاز العصبي.

يوضح استشاري الاطفال ان اعراض المرض تبدا عن طريق تضخم في الطحال ونقص في الصفائح الدمويه المسئوله عن تجلط الدم داخل جسم الانسان، مما قد يؤدي الي سيوله في الدم، مؤكداً ان وجود الماده المتراكمه نتيجه نقص انزيم «الجلوكوسيريبروسيديز» يؤدي الي تاخر عضلي وذهني لدي المريض.

يقول «عبدالعظيم» ان مرض «جوشر» يعد من الامراض الوراثيه المنتشره في العالم، وتنتقل الاصابه عن طريق الاب والام الحاملين للمرض، والاحتمالات الطبيه تشير الي ان نسبه الاطفال المرضي داخل الاسره الواحده تكون بمعدل 25%، مشيراً الي ان «جوشر» مرض نادر وقاتل ومن الامراض التي يختلف فيها شكل الاعراض وشدتها حتي بين الاخوات في حاله مرض اكثر من حاله في نفس الاسره.

يوضح «عبدالعظيم» ان المرض ينقسم الي ثلاثه انواع، فالنوع الاول لا توجد لديه اصابه عصبيه، اما النوع الثاني فهو شديد الخطوره ويصيب الجهاز العصبي بشده، ويؤدي في النهايه لوفاه حامله في سن صغيره، اما النوع الثالث وهو الاكثر انتشاراً، فتكون لدي المريض اصابه عصبيه متوسطه، وهؤلاء اذا تم الاهتمام بهم وبتوفير العلاج لهم مبكراً، سوف يؤدي الي تحسن حالتهم، لكن في حاله تاخر العلاج قد يؤدي الي زياده الاصابه العصبيه، التي تؤثر علي حركه العين او نسبه الذكاء وبعض اعضاء الجسم في الحركه، وهو ما يصعب بعد ذلك علاجه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل