المحتوى الرئيسى

بين التشرذم والإحساس بالنقص..!

07/25 11:16

بقلم - محمد احمد فؤاد:

يمكن تبسيط واقعنا الحالي في كلمات ثلاث لا غير "طغيان جنون التعصب".. اعصار اعمي يضرب كافه الاتجاهات ويدهس ما يعترض طريقه بلا تمييز.. هل اصبح لزاماً علينا ان نجتر ثماره المُره دون ادراك لحجم الخطوره؟ او دون اعتناء بمصائر اجيال معاصره اري معظمها قد زهد في فضيله الانتماء للوطن والارض، او تراهم فقدوا القدره علي الدهشه من فرط ما يحيطهم من واقع اللا منطق..

اذا ما سَلَّمنا بان للتعصب ابعاد محدده، فاخطرها في ظني سيكون ما هو عِرقي او ديني، وقضيتنا هنا تتعلق بكلاهما.. فاغلب ما يحيطنا من كوارث مجتمعيه اقترن اما بالعصبيه القبليه، او بشعارات دينيه مغلوطه ومُضلله مستقاه من مصادر بشريه الصنع، واغلبها في اعتقادي مطعون علي صحه مصادره واهدافه.. فمثلاً سنجد ان اصل التعصب في اليهوديه تلمودي، وفي المسيحيه كاثوليكي، وفي الاسلام سَلَفي.. والعله تبدو في اننا كبشر نرتضي في اغلب الظن باستدعاء السلبيات ونقاط الخلاف الفقهيه ونهمل الايجابيات او الصفات المشتركه، وربما لهذا كان ما انتهينا اليه الان من حال التنافر المذهبي ورفض الاخر..

تتقدم العلوم الطبيعيه والتكنولوجيا بصوره مذهله، ومعها تزداد معرفه الانسان بعلل الاشياء وكيفيه حدوثها، وكذا قناعاته عقائدياً بانها تحدث من اجله لا بفضله، لهذا حدث تراجع ملحوظ في اسهم رجال الدين، ممن اعتبروا انفسهم يوماً وكلاء لله علي الارض، يوزعون الرحمه والرزق وصكوك الغفران علي العباد مقابل ما تيسر من مال وعطايا وقرابين، فما ان اصبح لزاماً عليهم الاعتراف بكونهم شخوص اعتياديه كباقي البشر حتي انتابهم احساس بالدونيه والنقص تحول تدريجياً الي خوف من المصير او ربما غيره علي المنصب والمكانه.. ونتيجه لنضج العقل البشري، ومعرفته بمصادر المنفعه واسباب الخسائر، ثم ادراكه تمام الادراك ان الكهنه المقدسين او الرهبان او الشيوخ ليس لهم ايه علاقه مباشره بخطاياه او بطهارته من الدنس، فكان انه ايقن ان الامر كله في النهايه متعلق بعنايته الشخصيه بالامور الحياتيه سواء كان هذا يصب في خانه التفاني او التقصير..

قل وندر، او ربما انقرض من يذهب بمفرده لرجل الدين ليصالحه مع نفسه، او ليلقنه صلوات الاستغفار، فلم يعد العقل البشري قادراً علي استيعاب هذا المنطق المغلوط، ولا هو يحتمل فكره الوساطه الكهنوتيه مع الرب في اي من المعتقدات.. لهذا جاء انتصار ثوره العقل امام مبادئ السمع والطاعه، وحدث هذا الشذور الذي تفرقت علي اثره الشعوب شيعاً وطوائف.. بل اكثر من ذلك، فقد غامر البعض وتجاوز مجرد فكره التدين الي مساحه اللا دين، فاختصروا بذلك اي عناء فكري قد يبذلوه في سبيل الوصول للحقيقه المطلقه، وهنا يتضح مدي فداحه الخسائر التي الحقها مروجي المناهج المتشدده بالاديان والمعتقدات في نهايه المطاف..! وبالطبع للعناد والصلف رجال في كافه المراحل والعصور، وقد انتهي هؤلاء الي حتميه تعديل مناهجهم لتتناسب مع حجم الزياده المطرده في اعداد السكان، واتساع الرقعه الماهوله من الارض.. فمجابهه قوه الفكر التنويري اصبحت حتميه ليس فقط لاسترداد المكانه، ولكن لان من يسعون وراءه نجحوا في فضح مساحات الجهل التي طالما استغلها هؤلاء لفرض سيطره دنيويه علي الجهلاء واصحاب العقول المظلمه.. وربما كان هذا هو الدافع وراء ظهور ارساليات التبشير وانتشار فكر الجماعات المغلقه والتنظيمات الاصوليه ليتوائم وطبيعه الواقع الحالي.. وتحضرني هنا نظريه جوستاف لوبون في كتابه "روح الاجتماع"، وهي ان الجماعات اسلس قياداً من الافراد.. فقياده شاه واحده من قطيع عمل شاق يعي به اشداء الرجال، بينما سوق قطيع كبير منها قد لا يحتاج الي اكثر من ثلاثه اطفال صغار..

ما تقدم هو مجرد تبسيط لبعض دوافع التعصب الاعمي الذي يعصف بالمجتمعات حالياً ويضرب في العالم باسره، وما يخصنا من الامر في الشان المصري هو هذا الصراع الدائر بين التيارات الفكريه المختلفه لخدمه هدف واحد هو الاستحواذ علي السلطه، دون النظر الي اهميه وحتميه تحويل مسار الشعب من الانقياد الاعمي والتبعيه المفرطه، الي تاهيله لتولي دفه القياده والتصحيح، واعني هنا الالتفاف كافراد وجماعات حول هدف اكثر اهميه هو اعاده ترسيم دعائم الدوله علي اسس ومبادئ سليمه بعيداً عن الهوس الديني والنزعات الانفصاليه والفكر المتطرف او التبعيه السياسيه العمياء..

المصريون سئموا عقد المقارنات بينهم وبين الشعوب الاخري بفعل ايمانهم العميق بطبيعتهم المتفرده، وهم لم يشعروا بالافتقار للاراده الا بعد مزاحمه الافكار الاجنبيه المستحدثه للقيم المجتمعيه الراسخه لديهم، حتي انهم تخلوا عنها ولفظوها في الكثير من الاحيان لصالح توجهات ذات ملامح استعماريه واضحه، وهذا بالضبط ما اظنه قد حدث مؤخراً مع اللغه والاديان، فاللغه العربيه شوهت عمداً، ونسخ الاديان تم تفريغها من مضامينها الروحانيه لصالح امرين متضادين هما التشدد الفقهي من جهه، والتحرر من القيود الاجتماعيه من جهه اخري.. وهذا نسق لا اظنه يتفق ابداً مع ما لدي مجتمعاتنا من خصوصيه في العلاقه الوثيقه بين العواطف الدينيه وغريزه حفظ الذات..

وهنا اجد انه اصبح لزاماً علي القوي الشعبيه المختلفه بما فيها قوي المعارضه التخلي عن بواطن النقص داخلها، والتحلي بالموضوعيه لا بالاستقواء، وكذا الانتباه للاخطار المحيطه بالهويه المصريه والعمل علي دحضها وليس استغلالها في الصراعات الايديولوجيه داخلياً، ثم بعد ذلك ياتي التركيز علي دعم الدوله عملياً ضد تلك الاخطار بالتوحد علي الهدف والتصدي لها لدي المنبع، وفي هذا يتحتم علينا التروي في ردود الافعال، والاعتماد علي النقد البناء ورصد الاخطاء بهدف تصحيحها وليس لمجرد التشهير سعياً وراء الظهور، وبالمقابل علي من هم في سُده الحكم الالتزام بالتاكيد علي ركائز ومبادئ المساواه والشفافيه، والوضوح في التوجه السياسي واحترام الحريات، هذا بالطبع دون تقصير او اخلال بخطط التنميه المستدامه، والمضي قُدماً في التصدي لكل انماط الاستعمار التي تتحرك وراء المصالح..

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل