المحتوى الرئيسى

أفريقيا وفخ الإرهاب

07/24 09:14

ارهاب افريقيا وعبء الرجل الابيض

نحو منظور شامل لمحاربه الارهاب

يبدو ان العقل الغربي لا يزال اسير رؤيته المعرفيه التي تتمحور حول الذات، فهو ينزع دائما للكيل بمكيالين في كثير من الامور، بما في ذلك قضايا التطرف الفكري والارهاب. لقد انتفضت وسائل الاعلام في مختلف انحاء المعموره عندما وقعت الهجمات الارهابيه علي مقر صحيفه "شارلي ايبدو" الفرنسيه، كما هرول زعماء الدول فرادي وجماعات الي باريس لاظهار التعاطف والاسي العميق لسقوط الضحايا.

ومن اللافت للانتباه ان الهجمات الارهابيه التي تشهدها افريقيا لا تجد الاهتمام الواجب من قبل الرأي العام الدولي، ففي نفس توقيت جريمه باريس شهدت مدينه باغا (Baga) النيجيريه مذبحه دمويه علي ايدي عصابات بوكو حرام، راح ضحيتها نحو 150 شخصاً من المدنيين والجنود، ومع ذلك لم يرفع احد شعار "كلنا باغا" قياساً علي شعار "كلنا شارلي"! وحتي الرئيس النيجيري جوناثان الذي هرع الي باريس مواسيا التزم الصمت ازاء ما حدث في بلاده.

ارهاب افريقيا وعبء الرجل الابيض

لقد شهدت افريقيا -طبقاً لمؤشر الارهاب العالمي في عام 2014- تصاعداً ملحوظاً في عدد الهجمات الارهابيه، وتعد جماعات بوكو حرام والشباب المجاهدين وتنظيم القاعده في بلاد المغرب الاسلامي اخطر الشبكات الارهابيه في افريقيا، وقد ادت عملياتها الي مقتل الاف الاشخاص في العامين الماضيين.

ويبدو ان بوكو حرام اضحت تشكل خطراً اقليميا حقيقيا، حيث باتت تهدد امن كل من الكاميرون والنيجر وتشاد ونيجيريا. وقد قتل نحو 13 الف شخص وشُرد نحو مليون اخرين جراء عنف بوكو حرام منذ عام 2009.

وثمه روايات تقشعر لها الابدان رواها بعض الناجين، حيث يتم حرق الناس وهم احياء كما يتم سبي الاطفال والنساء، وفي كينيا تصاعدت حده هجمات جماعه الشباب المجاهدين الصوماليه، فقتل نحو خمسمائه شخص مدني ونحو ثلاثمائه من مسؤولي الامن منذ 2010.

ويبدو ان التجاهل الغربي لتصاعد حده الارهاب في افريقيا مقارنه بالاهتمام المبالغ فيه باحداث ارهابيه تشهدها بعض العواصم الغربيه، يستدعي سياق نظريه "عبء الرجل الابيض". لقد كانت افريقيا دائماً تمثل غربيا عالم التوحش والتخلف، وبالتالي فهي بحاجه الي حكمه وتحضر الرجل الابيض.

ولا يخفي ان تحولات النظام الدولي بعد الحرب البارده قد ادت الي لجوء الغرب الي نفس المنطق الذرائعي لتبرير تفوقه وسموه الحضاري، واتضح ذلك بجلاء في اقرار مبدا "الحق في الحمايه" واعلان "الحرب الشامله علي الارهاب"، وفقاً للمنطق والنظام المعرفي الغربي السائد. 

ان رد الفعل الغربي علي احداث الارهاب في مصر او الصومال او كينيا او نيجيريا لا يتجاوز اصدار تحذيرات السفر، او منع سفر المواطنين الغربيين الي هذه الاماكن بوصفها غير امنه. ولا شك ان ذلك الموقف يعكس مدي النفاق الغربي ورؤيته المزدوجه للتعامل مع قضايا الارهاب، وقد جسدت مسيره باريس التي رفعت شعار "كلنا شارلي" هذا الواقع الاليم.

ويطرح ذلك العديد من التساؤلات من قبيل: لماذا لم تحدث مسيرات مماثله في بلدان افريقيه عانت من توحش اله الارهاب؟ ولماذا لم يرفع العالم المتحضر شعار "كلنا معاذ الكساسبه" رغم انه كان يؤدي واجبه النبيل ضمن تحالف دولي في مواجهه ارهاب داعش؟!

ان محاربه الارهاب تمثل التزاماً نبيلاً من الجميع بغض النظر عن الوضع الاقتصادي او الاجتماعي او اللون او العقيده، فالارهاب عدو مشترك بين البشر باعتبارهم بشرا. وعليه فان علي الغرب ان يتحول عن شعاراته الزائفه ويدرك ان الارهاب في افريقيا ليس خطراً محلياً، وانما هو تهديد مميت للسلام والتنميه في العالم اجمع.

من الواضح تماماً ان وضع الهشاشه الذي تعاني منه دول افريقيه كثيره قد ادي الي تغليب اعتبارات الامن علي اعتبارات الحريه واحترام حقوق الانسان، وجاءت "فزاعه" الارهاب لتمثل مسوغاً مقبولاً للانظمه الاوتقراطيه كي تنفض ايديها من التزاماتها السياسيه والاخلاقيه بتحقيق تطلعات الجماهير المطالبه بالديمقراطيه.

والمتابع لمسيره "الحوكمه" في افريقيا علي المستوي القاري والاقليمي والوطني يلاحظ تراجعاً حثيثاً عن المكتسبات التي حققها الافارقه في مجال حريه التعبير والتحول الديمقراطي. ويمكن ان نسوق علي ذلك بعض الامثله:

لقد تخلي الاتحاد الافريقي -في اجتماعه الاخير اواخر يناير/كانون الثاني الماضي باديس ابابا- عن مساندته دعم جهود التحول الديمقراطي في الدول الاعضاء، وذلك عندما اسند منصب الرئاسه لدكتاتور طاعن في السن هو روبرت موغابي. والاعتراض علي شخص رئيس زيمبابوي لا علاقه له بسياساته المناوئه للغرب ولكن لانه يمثل جيل الطغاه من حكام الرعيل الاول الذين اعترضوا سبيل التحول الديمقراطي في بلدانهم.

ولم يقتصر الامر عند هذا الحد، فقد اقر الاتحاد الافريقي في قمه مالابو 2014 تعديلا علي بروتوكول النظام الاساسي للمحكمه الافريقيه للعدل وحقوق الانسان بهدف تحصين الرؤساء وكبار المسؤولين الافارقه المتهمين بارتكاب انتهاكات خطيره لحقوق الانسان. ولعل ذلك يعيد التوكيد مره اخري علي ان هذه المنظمه القاريه الجامعه باتت تمثل "نادي الطغاه" في افريقيا.

واذا كانت تجارب التدخل العسكري التي قام بها الاتحاد الافريقي منذ عام 2002 تتسم بالمحدوديه، او انها تمت بتوجيه ودعم دولي، فان الزعماء الافارقه استشعروا خطر بوكو حرام علي عروشهم، فقرروا تكوين قوه تدخل اقليميه قوامها سبعه الاف وخمسمائه شخص للقضاء علي هذه الجماعه.

ويبدو جليا ان الاجنده الافريقيه في محاربه الارهاب تركز علي التعامل الامني اكثر من اهتمامها بالاقتراب الناعم الذي يتعامل مع الاسباب الحقيقيه المُفضيه الي التطرف الفكري والارهاب.

وعلي المستوي الوطني، تظهر تجارب كينيا ونيجيريا اتجاها قوياً نحو العسكره والحلول الامنيه في مقابل تراجع المكتسبات الديمقراطيه. لقد اطلقت السلطات الكينيه -تحت وطاه هجمات الشباب المجاهدين- يد قوات الامن في الاعتقال وتوسيع دائره الاشتباه.

ولا شك ان الجدل الذي صاحب التعديلات القانونيه المرتبطه بالارهاب في كينيا يعكس هذا الجدل الافريقي الجديد بشان اولويه الامن ومكافحة الإرهاب علي اي اعتبارات تنمويه اخري. لقد اقرت كينيا -التي يعاني كثير من سكانها مراره الفاقه والتهميش- مشروعا باهظ التكلفه لتثبيت كاميرات المراقبه الامنيه في المدن الكبري.

اما في نيجيريا، فقد وقف وول سوينكا الحائز جائزه نوبل في الادب ليعلن رفضه اعاده انتخاب الرئيس جوناثان. ولقد اضحت الحكمه النيجيريه تقول: "ان خبره دكتاتور عسكري سابق افضل من رئيس مدني فاشل"، وذلك في اشاره الي استدعاء الجنرال محمد بوخاري ليخوض سباق الرئاسه ويتحمل عبء مواجهه خطر بوكو حرام.

نحو منظور شامل لمحاربه الارهاب

لا يخفي ان الرؤيه الغربيه للارهاب لا تتطابق مع التعريف الافريقي للارهاب، ويتضح ذلك من خبره التدخل الغربي في ليبيا وساحل العاج التي جابهت معارضه افريقيه غير خافيه.

لقد اشارت صحيفه "فنغارد" (Vanguard) النيجيريه في عدد 28 يناير/كانون الثاني 2015 الي ان الولايات المتحده تقوم بابتزاز نيجيريا في حربها ضد بوكو حرام، كما ان اداره اوباما رفضت اتمام صفقه بيع طائرات عسكريه اسرائيليه كانت ابرمتها الحكومه النيجيريه.

وربما يفسر لنا ذلك لجوء الجيش النيجيري الي طلب التدريب من قبل كل من روسيا والصين، بل واخيراً قبوله قوات تدخل افريقيه، وهو ما يعني اعترافا منه بعدم قدرته منفرداً علي مواجهه خطر بوكو حرام. ولعل ذلك كله يجعل قضيه مكافحه الارهاب في افريقيا مرتبطه بعمليات بناء الدوله وتحقيق التنميه الشامله، وهي مسؤوليه افريقيه بالدرجه الاولي.

وعليه، فان التوجه الحالي -سواء علي المستوي القاري او الوطني- لتبني اجراءات وتدابير قمعيه تقوم بها قوات الشرطه والجيش لمكافحه الارهاب، يصبح معيبا وقاصراً علي المديين المتوسط والبعيد. فمعالجه الاسباب الجوهريه المتمثله في الفساد وغياب الحوكمه وهشاشه الدوله وانتشار الفقر والتهميش تجعل "الاقتراب الناعم" في مكافحه الارهاب ضروره ملحه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل