المحتوى الرئيسى

لماذا تُهزم الدول وتنتصر الحركات؟

07/23 22:34

"ان الانتصار في معركه، و الحصول علي مكسبٍ وقتيّ، والوصول الي السلطه ... هذه كلها ليست قضيه التاريخ، ولا معركه التقدُّم البشري. بل هي عمومًا ليست من عوامل تحريك التاريخ الي الامام او الخلف علي نحوٍ واضحٍ وضخم.

ان الانتصار في معركه قد لا يعني الهزيمه الحقيقيه للاعداء، فحين لا تتوفَّر العوامل الحقيقيه للنصر؛ يُصبح اي نصرٍ مرحلي عمليه تضليل، واستمرار للسير الخطا، وتماديًا في طريق الوصول الي الهزيمه الحقيقيه. هكذا سار التاريخ في مراحلَ كثيرهٍ من تطوراته؛ كان النصر بدايه الهزيمه، وكانت الهزيمه بدايه النصر ... والتاريخ في دورانه غريب، وهو يُعلمنا انه لا توجد قاعده ثابته للتحول ترتكز علي اسس متينه، اللهم الا قاعده التغيير من الداخل؛ المرتكِزَه علي عقيده لها جذورها في اعماق النفس، ولها انسجامها مع حركه الكون، ولها صلاحياتها في البقاء، والانتشار، والخلود". - عبدالحليم عويس؛ دراسه لسقوط ثلاثين دوله اسلاميه، دار المختار الاسلامي، 1978.

لا تُهزم الدول لانها شرٌ محض، بل لانها شيخوخه حقيقيه للحركه الانسانيه. والشيخوخه رغبه في السكون والاخلاد تطوي بقايا قوَّه كما تطوي عوامل ضعفٍ وانحلال، لكن طبيعتها ومعدَّل تدهور بنيتها تجعلانها عاجزه عن التجدُّد، كما يعجز اي نظامٍ بيولوجي عن تجديد نفسه حين يبلُغ شيخوخته؛ فيُعين وَهَنْ خلاياه عوامل الانحلال اكثر مما يُعين عوامل التجدُّد. والامثله علي ذلك اكثر من ان تُحصي؛ فما من قاريءٍ للتاريخ العثماني مثلًا الا وهو يشهد مُتعجبًا اندفاع الدوله الحثيث، منذ عصر محمود الثاني؛ الي حتفها كانه قدرٌ مقدور لا حيله لدفعه.كذا في مصر الناصريّه؛ كانت شواهد الانحلال والسقوط بارزه جليّه حتي ليلتقطها نجيب محفوظ وتتنبا بها اعماله، بدءًا من اللص والكلاب(1961) الي ثرثره فوق النيل (1966)؛ ويتتبَّعها هو وغيره من الادباء (صنع الله ابراهيم وامل دنقل مثلًا) بلهجه عدميّه،كانها حتميّه لا سبيل لدفعها.

وربّما لهذا السبب ايضًا تُهزم الثورات بسرعه في العصر الحديث. تُهزم لعمق ارتباطها بمنطق الدوله. فكل ثوره تسعي بسُرعه لبلوغ مقاعد النظام الذي ازاحته، لتختلط دماها بدماه، فتتسمم بنفس السُرعه التي تتوغَّل بها داخل بنيه النظام/الدوله، فالقطيعه الكامله بين نظامين حاله نظريّه موهومه لا تتحقق في الواقع. ان الثوره التي تُقوِّض نظامًا تسعي جاهده لحل محله وملء مكانه لئلا تترُك فراغًا يُملا بعيدًا عن اذرعها، فراغًا قد يؤثر علي هيبتها وكفاءتها التقنيه/الاجرائيه؛ ومن ثم تُضطر غالبًا لملء الفراغ في بنيه النظام بوجوهٍ ومقولاتٍ تنتمي للنظام البائد، لتُعيد تدريجيًا انتاج نفس النظام الذي خرجت لتقوِّضه، بل وتُعيد انتاج طبقه الملا من سدنه النظام وكهنته والمنتفعين بوجوده. ولن تجد ثورهً في التاريخ الحديث مرّ عليها عقدها الاول بغير ملاٍ ونخبه فاسده تحلّ محل النُخبه القديمه التي قُتلت او سُجنت او نُفيت، ولا استثناء في ذلك؛ سواءكانت الثوره بلشفيه او اسلاميه. وبكثيرٍ من حُسن الظن؛ يُمكن اعتبار الثورات في العصر الحديث (والمرتبطه بالدوله الحديثه) اداه غير واعيه لتجديد شرعيّه الانظمه والبني الدولتيه والمقولات السلطويه، اكثر منها اداه لاجتثاث تلك الانظمه والبني ومقولاتها التاسيسيه من جذورها. وبعبارهٍ اخري؛ فان الثورات تسمح بدمج "المتمرِّدين" الجُدد في النظام القديم، ومن ثم اعاده انتاجه بعد احتلالهم صداره المشهد. ولذا؛ تبدو النتيجه التي تؤدي اليها الثورات مُشابهه كثيرًا لنتيجه دمج الحركات الراديكاليه في الانظمه المستقرّه تطبيقًا لمقوله "الاعتدال بالدمج"، التي اشرنا لها سابقًا (راجع مقالنا: صعود الدوله ونهايه الدعوه).

ومفهوم الثوره القطيعي، المرتبط بالدوله الحديثه؛ سببه عجز الفلسفات السياسيه النظريه، منذ عصر النهضه الاوروبيه؛ عن تشكيل حركات حُره بغير بنيهٍ مُكبِّله، وذلك لعمق تاثرها بصوره البنيه الكنسيّه/المذهبيه معرفيًا واجتماعيًا، برغم تفاقُم مُعدلات العلمنه. ومن ثم؛ فان سعيها للقطيعه مع البني القديمه، يؤدي في حقيقه الامر لاستيعاب هياكل تلك البني في النظام الجديد، لاعاده انتاجها؛ اذ لا يُمكن انتاج بنيه بغير نموذج/مثال. ان الثوره قد تتعامل مع رموز النظام القديم باعتبارهم شر محض، برغم اضطرارها للاستعانه بهم في كثير من الاحيان؛ لكنها تُعامل البني المؤسسيه باعتبارها مُطلقات محايده الي حدٍ ما، جاهله ان نصف فساد النظام، او اكثر؛ يكمُن في طبيعه البني الدولتيه نفسها واليّات عملها. بل ان هذا "العجز الثوري" في مواجهه بني الدوله الحديثه هو ما يضطر الثوره للاستعانه بالوجوه القديمه الفاسده نفسها، ليُعاد انتاج النظام القديم كاملًا بذات البني والوجوه، وان اختلفت الواجهه. لهذا؛ يصير "انتصار" ثوره ما ليس مُجرَّد "تقوّض" للنظام الذي سبقها، بل هو في جوهره نجاح لعمليّه دمج كوادرها "الثوريّه" في بنيه النظام المتهاوي، تمهيدًا لاعاده انتاجه بواجههٍ جديده؛ انها هزيمه حقيقيّه تتخفي خلف انتصارٍ موهوم. ان الثوره تُهزَم لارتباطها بمنطق الدوله القُطريه وبناها ومؤسساتها. انها تُهزم بسبب عدم قُدرتها علي تجاوز قفص الدوله الحديثه، ولو علي المستوي النظري. صحيح ان التاريخ الحديث قد شَهِدَ محاولات ثوريّه اناركيه قليله، اشهرها ابّان الحرب الاهليه الاسبانيه؛ الا تلك اللحظات النماذجيّه نفسها تُجسِّد عجز النظريه والممارسه الاناركيتين عن تحقيق تجاوز حقيقي لميراثها الحضاري الثقيل، ولو نجحت في ابراز كل مثالبه؛ كما تُجسِّد عجز الدوله الحديثه والاجتماع السياسي الذي افرزها. 

ان النجاح الحقيقي لايه ثوره، بفرض امكانه؛ لا يُمكن ان يتحقق من خلال السعي لاطاله عُمرها كما حاول الاناركيون وغيرهم من الطوباويين، فالثوره لحظه نماذجيه قصيره جدًا بطبيعتها؛ لا تطول ولا تدوم. كما لا يتحقق ذلك النجاح بمحاوله تاسيس دوله "جديده" من رحم الثوره؛ بل بالانصراف عن مهمه بناء الدوله ونظامها (من اعلي) الي اعاده تاسيس الاجتماع الانساني (من اسفل) علي قيمٍ جديده، بعد زعزعه سلطه الدوله/الطاغوت، علي امل ان يُفرز هذا الاجتماع دولته حين يبلُغ ذروه حركته. وهذا وعي يطفر احيانًا وبشكلٍ مبتور من بعض التجارب الاناركيه، لكنَّه اكثر نُضجًا بكثير في التاريخ والممارسه الاسلاميّه؛ كما سنُبيِّن في مقالٍ لاحق.

ان ايه ثوره تبغي تحقيق تغيير حقيقي في وجهه المجتمع وقيمه يجب ان تصرف انظارها عن بنيه الدوله الحديثه وادارتها، اكتفاءً بتقويض قبضتها الامنيه والحدّ من تغوّلها اللاانساني في كل شيء؛ لتُنفِق الثوره جهدها في تشكيل اجتماعٍ انسانيٍ جديد علي قاعده الاجماع الجماهيري الذي حققته، وذلك بتمدُّدها في الفراغات التي خلَّفتها الدوله في مُستويات الهرم الدُنيا. وبعبارهٍ اخري؛ يجب الا تتورَّط الثوره، التي تُريد تحقيق نجاحٍ حقيقي؛ في اداره الدوله باي شكل، بل تَكِل ذلك للنظام القديم بشروطها وتحت رقابتها، مع الاحتفاظ بمسافه مناسبه لا تورِّطها ابدًا بشكل مُباشِر في دوامات الازمات اللانهائيه التي تُعانيها الدوله المهلهله بسبب تغلغل الفساد وانعدام الكفاءه. وقد يكون توصيف الجيوب الثوريه في هذه المرحله الانتقاليه ب"جماعات الضغط" مما يُقرِّب المساله لاذهان التكنوقراط ومعدومي الخيال؛ جماعات ضغط لا تتصارع علي غنيمه السلطه، ليس لانها فوق السلطه بقُدراتها في حقيقه الامر؛ بل لان السُلطه في هذه الحال غُرمٌ مميت. ان الثوره لا ينبغي ان تتكلَّس في دولهٍ فاشلهٍ عجوز بطبيعه تكوينها، فتُبدد طاقتها الثوريه الدافعه في محاوله اداره واستنقاذ الدوله من مصيرها المحتوم، بطلاء وجهها بمساحيق التجميل الايديولوجيه او حتي باطلاق لحيتها؛ بل يجب ان ينحلّ الزخم الثوري لحركات اجتماعيه تُعيد توجيه دفّه المجتمع وبناء قواعده ومؤسساته الاهليه الوسيطه. بمعني ان يصير كُل خصمٍ من رصيد الدوله وسُلطتها؛ زياده حقيقيّه في القُدره الاجتماعيّه، وليس في ضراوه تسلُّط مجلسٍ ثوري موهوم او قياده "ثوريه" تسطو علي السلطه من اعلي، وتُعيد انتاج النظام من جديد، ولو بواجههٍ اكثر "ديمقراطيه"!

ان الحركه الاجتماعيّه في هذا التصوّر قد تكون بديلًا للثوره، وقد تصير امتدادًا لها؛ فربّما تتاكل سُلطه الدوله وحدها، لاي سبب؛ تحت ضغط الحركات الاجتماعيه الوسيطه، وقد تحتاج الدوله لهزه ثوريه تنزع منها سلطاتها او بعضها، لحساب فاعلين اجتماعيين اعمق اثرًا، وابعد عن الشبكه الراسماليه السامّه قدر بُعدهم عن مُباشره السُلطه. لكن المهم الا يتبع ضرب النظام الفاسد محاوله بناء نظام جديد مكانه علي الفور، وخصوصًا من اعلي؛ بل يجب ان تؤدي خلخله النظام القديم لتفتيت السُلطه بين الدوله وحركات اجتماعيّه غير منشغله بالقفز علي قمه الهرم، بقدر انشغالها بالاضطلاع بدور حقيقي في قاعدته.

واذا كانت الثوره لحظه تفلُّت نماذجيه، وعابره؛ من البني والنواميس كافّه، فان الحركه هي صيروره التزام قصيره، نسبيًا؛ باعاده تاهيل المجتمع "المتفلِّت" قبل التفكير في بناء نظام جديد يحتاج حتمًا لقواعد قيميه جديده ومُستقرّه. والحركه بهذا المعني مُكمِّله للثوره، وليست مُجرَّد بدايه او تمهيد لها؛ فمهمتها الاكبر هي اعاده تاسيس الاجتماع الانساني بعد خلخله النظام القائم وتقويض العقد الاجتماعي القديم. والثوره بهذا المعني لا تصنع تغييرًا سياسيًا محدودًا؛ بل تُعبِّد الطريق لتغيير وجداني ومعرفي واجتماعي اعمق، تضطلع به الحركات الاجتماعيه في مجتمع تهيا لذلك ابتداءً. ان الثوره في حقيقه الامر تعبيرٌ عفوي وراديكالي عن رفض الواقع، لكنها في الغالب الاعم لا تملك تصورًا حقيقيًا، وما ينبغي لها؛ لما يجب ان يكون عليه ذلك الواقع. ومن ثم فيُمكن، ببعض التجوّز؛ تشبيه دور الثوره بدور الجهاد في الدعوه الاسلاميه الاولي. اذ يقتصر دورهما علي تقويض الطواغيت التي تحول دون انسياح الدعوه؛ سواء تجسَّدت تلك الطواغيت في افراد او مجموعات نخبويّه او بني مؤسساتيه. والجهاد بهذا المعني يتجاوز حتمًا تلك الصوره الاختزاليه الطوباويه، المتمثِّله في الايديولوجيات الجهاديه الحديثه؛ التي تتعامل مع الجهاد باعتباره صيروره دعويه، وليس مُجرَّد اداه دعويه بين ادوات اخري، وهي نفس الذهنيه التي يتعامل بها الطوباويون، واصحاب الايديولوجيات اليساريه الراديكاليه؛ مع مفهوم الثوره. ان الانتقال من الثوره الي الدوله مباشره، بغير المرور بمرحله مخاض يتبلور خلالها اجماع حقيقي علي وجهه المجتمع ومنظومه قيمه؛ لن يؤدي فقط لاعاده انتاج النظام القديم، بل سيُقنن فساد الجيوب والمجموعات الثوريه، التي كان بمقدورها الاضطلاع بدورٍ حركي ومعرفي نافع؛ قبل رشوتها بالدمج في بنيه النظام المتهاوي.

ان انتصار ثورهٍ ما يجب الا يدفع الفاعلين الاجتماعيين للهاث جريًا خلف جني "مكاسب" سقوط شرعيه النظام القديم؛ سواء نتج عن ذلك دمجهم كُليًا في النظام "الجديد"، او حتي وضعهم في صداره المشهد ليتلقّوا اللوم الجماهيري نيابه عن النظام الفاسد، الذي يتخفّي بقناع الثوره. ان النجاح الحقيقي لايه ثوره يعني ان ينتقل الفاعل الاجتماعي من مرحله تقويض البني والقيم القديمه لمرحله تاسيس قيمه جديده، وليس بنيه؛ فالثوره مُجرَّد خطوه اولي علي الطريق، وليست هي منتهاه. ان الانشغال بجني مكاسب وغنائم ايه الثوره يعني انها فشلت فعليًا، فلا يُمكن ان تُثمر الثوره الا قدرًا من الفراغ المؤسسي والقيمي، يزيد وينقُص تبعًا لامكاناتها؛ وهذا الفراغ ليس مكسبًا او ثمره الا في عيون الحمقي والانتهازيين فقط؛ فملء الفراغ مهمه اشق كثيرًا من التسبُّب به، خصوصًا اذا كان الوعي بخطوره استعاده البني القديمه حاضرًا بقوه، مثله مثل الوعي بخطوره القيم المنحطه والوجوه التي كانت تحفظها وتُقننها.

ان الحركه، التي تَخلُف ثوره؛ ستتجاوز النظام القديم ليس لانها خيرٌ محض، بل لاسبابٍ موضوعيّه لا تستطيع الدوله بطبيعتها تفاديها، حتي لو ورثت الثوره بصوره "شرعيّه"! ان الحركات تستطيع تجاوز عوامل تاكُل الحركيه والفعاليه الاجتماعيّه لحساب البنيه المؤسسيه، لاجلٍ؛ وهي عوامل الشيخوخه التي لا تستطيع الدول مقاومتها اصلًا بطبيعه بنيتها. وسنستعرض هنا خمسًا من اهم عوامل فشل الدول الحديثه وهزيمتها، والتي يُمكن للحركات، المتترسه بانظمهٍ قديمه؛ تجاوزها بسهوله للحفاظ علي فعاليتها لاطول فتره ممكنه.

اول هذه العوامل هو دوام لجوء الدول بطبيعتها للحلول الامنيه الفاشيه، ليس اظهارًا لسُلطتها فحسب؛ بل لتخوّفها الشديد من ايه حركه حُرّه ليست لها مصالح ومكتسبات تسمح بابتزازها (لمزيد من التفاصيل راجع مقالنا: في النظام والثوره)، والحركه الاجتماعيّه التي تتبلور من جيب ثوري ليس لها مصالح ومكتسبات مباشره تُضعفها، بل ان انجازها الاهم هو انجاز معرفي واجتماعي ووجداني، او "استثمار" انساني لا تنعقد عليه اليد؛ فلا مقاعد برلمانيه ولا تجاره مُتضخمه ولا تحالُفات حزبيه، ولا حتي بنيه هرميه حزبيه يُمكن تقويضها؛ باختصار هي لا تملك ايه حصّه من النظام القائم تضطرها اضطرارًا للتفاوض علي قيمها وفعاليتها الاجتماعيه، وهذا هو اهم مكامن القوه.

ويتمثَّل ثاني عوامل فشل الدول "الثوريه" في نجاح استدراجها الي حربٍ خارجيّه تُقوِّض مشروعها وخطابها لحساب مقولات وضعيه (طائفيه او عرقيه او مذهبيه)، وتدفع بها دفعًا ل"الاعتدال"، بمعايير العدو؛ حرصًا علي مصالح الدوله وهيبتها (ايران انموذجًا). وبعبارهٍ اخري؛ فان الدوله التي ترث ثوره هي اكثر عُرضه من غيرها للغزو والاستدراج الي حربٍ تشغلها تمامًا عن مشروعها الداخلي، بل وتجعلها اكثر براغماتيه واقل قطيعيه مع النظام البائد وحلفاؤه الخارجيين. لكن الحركه التي تحمل القيم الجديده الي ادني الهرم الاجتماعي، بالقصور الذاتي الثوري؛ لا يُمكن النيل منها بجرّها الي حربٍ خارجيه، لمفاصلتها النظام السياسي نسبيًا؛ فالوجه المتصدِّر في السلطه مخالف لوجهها، وقد يكون مُناقضًا؛ لكنه محدود السلطه وبراغماتي بذات الوقت، ومن ثم فهو ان عجز عن قمع الحركه داخليًا الا انه يوفِّر لها برغمه امانًا خارجيًا، نسبيًا؛ بسبب تبنّيه الكامل لمنطق الدوله وعنجهيتها، وان كانت ديبلوماسيته اكثر نعومه.

اما العامل الثالث لفشل الدول فهو حتميّه احتشاد الملا في مواجهه الدعوات/الحركات، لتصير الدول "الثوريه" هدفًا سهل المنال؛ يُمكن حصارها داخليًا وقطع الحبل السري المالي الذي يُغذيها. اما في حال مفاصله الحركه للسلطه؛ فان ذلك يُضعف الملا لدرجه تفضيل بعضهم البقاء داخل النظام بكل وهنه، او الهجره نهائيًا؛ اما من يُبقي منهم علي باسه، فسوف يظل وحيدًا، ويُفترض بديبلوماسيه النظام الناعمه ان تحول دون استعداء هذه القله لقوي اجنبيه، او تشجيعها لغزو الدوله واستعاده "التوازُن" القديم. لكن يتعيَّن علي الحركه ان تكون حينها علي اهبّه الاستعداد باجماع قيمي جارف، فقد ينجح بعض الملا اخر الامر في استدعاء القوي الاجنبيه التي عطّلتها الدبلوماسيه لبعض الوقت. ان الاجماع الحقيقي هو الذي سيواجه الغزو ويردّه كما حدث في حمله فريزر التي صدّها عوام المصريين. ان التحديث كعلمنه هو بطبيعته اله تفتيت للاجماع القيمي، ولو امتلكت جمهوريه ايران الاسلاميه اجماعًا كافيًا؛ لربما استطاعت هزيمه العدوان البعثي، لكن الزخم الثوري لم يُحقق اجماعًا علي وجهه المجتمع بقدر ما كان مُتوافقًا علي تقويض نظام الشاه؛ لذلك استنزفت الحرب ايران طويلًا، وكانت اداه  ناجعه في دفعها باتجاه فاشيه الدوله، بدلًا من اعاده تاسيس الاجتماع الايراني علي مهل. فالبني بطبيعتها احاديه الرؤيه والوظيفه، ولا يُمكن ان تتورَّط دوله في حرب وحصار تجويع، وتظل وفيه لمهمتها الثوريه الاصليه في اعاده تاسيس قواعد اجتماعها الانساني!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل