المحتوى الرئيسى

ثورة23 يوليو.. انقلاب في عيون صناعها

07/23 21:27

كان الليل يخيم علي ارجاء المدينه، وسكانها غارقون في سبات عميق، عقارب الساعة المعلقه علي حائط المنزل لاتزال تسير ببطء شديد، وكانها تمردت علي السير، واصوات ضجيج الدبابات ومدرعات الجيش، تقترب اكثر فاكثر، وتخترق بدوره سكون تلك المدينه التي طالما عرفت بهدوءها.

 اكثر من نصف قرن مرت علي تلك الليله،  ومازال التاريخ يملا صفحاته بسرد تفاصيلها، انها  ليله الثالث والعشرون من يوليو عام 1952م، التي اطلق عليها فيما بعد بـ"ثورة 23 يوليو"، علي الرغم من اعتراف صناعها  في مذكراتهم بانها "انقلاب"  كان يهدف الي الاطاحه بالملك فاروق، والغاء الملكيه، واعلان الجمهوريه.

 هناك كان يجلس اللواء راكان حرب محمد نجيب في منزله بحي الزيتون، طبقاً للخطه الموضوعه، تتقلب نظراته ما بين عقارب الساعه، والهاتف الذي لم يتحرك من امامه، في انتظار "ساعة الصفر"، التي انطلقت مع دقات الواحده من فجر يوم الاربعاء الموافق 23 يوليو.

السيطره علي القوات المسلحه، واقتحام عدد من مباني قياده الجيش، والاستلاء عليها، فضلاً عن اعتقال قيادتها، كانت اولي المراحل التي وضعها الظباط الاحرار، بقياده محمد نجيب؛ لوقف اي تصدي ضدهم من جانب القوات العسكريه المواليه للملك فاروق في ذاك الوقت.

وبالفعل قام سلاح الفرسان، بقياده حسين الشافعي، وخالد محيي الدين، وثروت عكاشه، باغلاق شارع الخليفه المامون، واغلاق المنطقه المحيطه بالمستشفي العسكري، اما سلاح المدفعيه، الذي كان يقوده كمال الدين حسين، وعبد المنعم امين، كانت مهمته هو عزل منطقتي الماظه، والهايكستب، والطرق المؤديه الي وحدات الجيش المختلفه، وكلف سلاح الطيران بقياده عبد اللطيف البغدادي، وحسن ابراهيم، بالسيطره علي مطار الماظه.

كما تمت انزال قوات الي الشوارع للسيطره علي المواقع الهامه بالقاهره، من بينها، مبني قصر عابدين، ومبني الاذاعه المصريه.

يبدو ان القلق والارتباك، سيطر  بشكل كبير علي محمد نجيب، وهو يعد الدقائق والثواني في انتظار ان يتلقي الاشاره، كما هو متفق عليه، ووسط هذه الحاله يرن الهاتف، ويرفع نجيب السماعه في حذر وترقب؛ فياتي منه صوت الصاغ جمال حماد، مهللاً  من الفرحه، قائلاً،"مبروك يا فندم.. كله تمام العمليه نجحت".

يقول نجيب في كتابه، "كنت رئيساً لمصر.. مذكرات محمد نجيب"، "تحركت سيارتي الاوبل في طريقها الي كوبري القبه، ولكن قبل ان اصل الي مقر القياده، وجدت جمعاً من الظباط والجنود في انتظاري"، فتركت سيارتي المدنيه، وركبت سياره جيب، ودخلت بها مبني الاركان".

وحول دور جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر في ثوره 23يوليو، قال، "للتاريخ اذكر ان يوسف صديق كان اشجع الرجال في تلك الليله، وكان هو الذي نفذ عمليه الاقتحام، والسيطره علي مقر القياده، رغم ان دوره كان حسب الخطه، هو حمايه قوات الهجوم والوقوف كصف ثاني وراءها".

واستكمل، "وللتاريخ ايضاً، اذكر ان جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر لم يقتربا  من القياده، الا بعد الاستلاء عليها.. كانا يقفان في مكان جانبي قريب، امام سياره عبد الناصر الاوستن، وقد ارتديا الملابس المدنيه، ووضعا ملابسهما العسكريه وطبنجتين داخل السياره، وبمجرد ان احسا بنجاح الاقتحام، ارتديا الملابس العسكريه، ودخلا القياده".

وعن دور محمد انور السادات، قال نجيب، "اما انور السادات، فكان اكثر منهما ذكاء، اذ دخل ليلتها السينما، وتشاجر مشاجره مفتعله، وحرر محضراً بالواقعه، حتي اذا فشلت الحركه، نجح في الخروج منها كالشعره من العجين".

وفي السابعه من صباح يوم 23 يوليو، استيقظ سكان المدينه،علي صوت محمد انور السادات، عبر اثير الاذاعه المصريه، وهو يلقي البيان الاول للقياده العامه للقوات المسلحه،  والذي جاء فيه، "من اللواء اركان الحرب محمد نجيب القائد العام للقوات المسلحه الي الشعب المصري.. اجتازت مصر فتره عصيبه في تاريخها الاخير من الرشوه والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تاثير كبير علي الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين.

واما فتره ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتامر الخونه علي الجيش وتولي امره اما جاهل او خائن او فاسد حتي تصبح مصر بلا جيش يحميها.

وعلي ذلك فقد قمنا بتطهير انفسنا وتولي امرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ولا بد ان مصر كلها ستتلقي هذا الخبر بالابتهاج والترحيب،اما من راينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب.

واني اؤكد للشعب المصري ان الجيش اليوم كله اصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور مجرداً من ايه غايه وانتهز هذه الفرصه فاطلب من الشعب الا يسمح لاحد من الخونه بان يلجا لاعمال التخريب او العنف لان هذا ليس في صالح مصر وان اي عمل من هذا القبيل سيقابل بشده لم يسبق لها مثيل وسيلقي فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاوناً مع البوليس.

 واني اطمئن اخواننا الاجانب علي مصالحهم وارواحهم واموالهم ويعتبر الجيش نفسه مسؤولاً عنهم والله ولي التوفيق."

احداث عده جرت خلال الثلاث ايام التي اعقبت ليله 23 يوليو، لم يسع مقالنا المتواضع لسردها، كان علي راسها، ارسال الملك  فاروق،  مصطفي صادق بك، الي القياده، عده مرات في محاوله لتهدئه الظباط الاحرار، والاستجابه لجميع مطالبهم، وهو ما استقبله الظباط اما بالرفض او المراوغه، وتقديم نجيب الهلالي، رئيس الوزراء استقالته، واصدرا الظباط الاحرار تكليف الي علي ماهر بتشكيل الوزاره، وهو ما وافق عليه الاخير بشرط ان يصدر التكليف من الملك فاروق.

وفي شكل من اشكال المراوغه السياسيه، ارسل محمد نجيب، مطالب الظباط الاحرار الي الملك، التي تمثلت في، تكليف علي ماهر بتشكيل الوزاره، وتعينه قائداً عاماً للقوات المسلحه، وطرد حسين وانطوان بوللي من حاشيته، وجاءت الاستجابه السريعه من الملك بتكليف علي ماهر بتشكيل الوزاره.

وفي يوم 24، قرر الظباط الاحرار في اجتماع للجنه القياديه علي عزل الملك، واصدر محمد نجيب، تكليف مباشر الي البكباشي زكريا محيي الدين، باعداد خطه تحرك القوات الي الاسكندريه لحصار القصر الملك.

وفي اليوم التالي، سافر نجيب، ومعه انور السادات، و جمال سالم، وزكريا محيي الدين، متوجهاً الي معسكر مصطفي باشا، وهناك اثار سالم النقاش حول تحديد مصير الملك، بعد عزله من منصبه.

وراي جمال سالم انه من الضروري ان يحاكم الملك علي جرائمه في حق مصر وحق شهداء فلسطين الذين سقطوا خلال حرب 1984م، وتنفيذ حكم الاعدام ضده، وهو ما قابله القائد محمد نجيب بالرفض، قائلاً، "ان ثورتنا بيضاء ولا يجب ان تلوث بدماء احد، حتي ولو كان الملك".

وبعد ساعات طويله من النقاش الدائر، قرر نجيب ارسال جمال سالم الي القاهره، لاخذ راي باقي اعضاء مجلس القياده، حول مصير الملك سواء كان باعدامه، او طرده من البلاد؟، وبالفعل عاد سالم الي الاسكندريه، محملاً برساله من جمال عبد الناصر، جاء في اخرها، "دعنا نترك فاروق يذهب الي المنفي، ونترك التاريخ يحكم عليه بالموت.

   وفي فجر يوم 26 من يوليو، امر القائد محمد نجيب بمحاصره قصري الملك فاروق في المنتزه، وقصر راس التين، وحدث صدام خفيف بين الحرس الملكي بقصر راس التين، والقوات المحاصره، ما نتج عنه جرح 6 اشخاص، واستسلام الحرس الملكي.

وفي التاسعه من صباح ذلك اليوم، ذهب القائد العام الي مقر الحكومه، وبصحبته انور السادات، وجمال سالم؛ لمقابله علي ماهر، رئيس الوزراء، وتسليمه وثيقه انذار للملك،  لمطالبته بالتنازل عن عرش البلاد.

وغادر ماهر مقر الحكومه، متوجهاً الي قصر راس التين، لمقابله الملك،  وتسليمه الانذار،  وبعد نصف ساعه من النقاش الدار بينهما، وافق الملك فاروق علي التنازل علي العرش، ومغادر البلاد في المعاد المحدد، وهو السادسه من مساء نفس اليوم، ولكن في حاله الموافقه علي شروطه، والتي جاء فيها، ان تكون وثيقه التنازل عن العرش التي سيوقعها، مكتوبه علي ورق لائق، وبصيغه تحفظ كرامته كملك، وان يبحر الي نابولي علي "يخت المحروسه"، وان تقدم له التحيه الملكيه، والتي تطلق فيها المدفعيه 21 طلقه، وان يحضر محمد نجيب شخصياً لمقابلته قبل المغادره، فضلاً عن ان تصاحب "المحروسه" حراسه من المدمرات حتي المياه الاقليميه، وبالفعل ووافق نجيب علي جميع الشروط التي فرضها الملك، للتنازل علي العرش، ما عاد الشرط الاخير.

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل