المحتوى الرئيسى

فيصل عادل يكتب: كيف دمر المؤرخون المسلمون تاريخ مصر! | ساسة بوست

07/23 12:25

منذ 1 دقيقه، 23 يوليو,2015

“وان فحول المؤرخين في الاسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها، وسطروها في صفحات الدفاتر واودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها او ابتدعوها، وادوها الينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا اسباب الوقائع والاحوال ولم يراعوها ولا رفضوا ترهات الاحاديث ولا دفعوها”.

إبن خلدون: المقدمه، ج1، ص282

كانت مصر بتاريخها القديم في طليعه الامم التي لم تكن اسرار تاريخها قد تكشفت من قبل مجيء الفتح الإسلامي في سنه 21 هجريًّا بقياده عمرو بن العاص، لذلك لعبت الاساطير والخرافات والحكايات الشعبيه دورًا كبيرًا في كتابات المؤرخين عن مصر خاصه بعد ان فتح المسلمون مصر في ظروف باتت في كتاباتهم كالاساطير. مما جعل ابن خلدون يكتب في مقدمته الشهيره تلك الكلمات منتقدًا المؤرخين المسلمين لعدم تحريهم الدقه في كتابه التاريخ وتغول الخرافات والوقائع المنافيه للعقل.

في البدايه كانت معرفه اصل كلمه “مصر” شيئًا هامًا للعرب فاستحوذت علي جهد كبير جدًّا من المؤرخين لجمع كل تلك التعريفات التي وصلت الينا وكالعاده تخلط الحقائق بالاساطير، ذلك بسبب ان عددًا كبيرًا من المؤرخين كانت تستهويهم منهجيه الحبكه الكامله، مثل الحكايات التي اشتهر بها العرب قديمًا، وظهرت في كتابات المؤرخين ثلاثه اتجاهات في نسبه اسم مصر واهلها، الاتجاه الاول ينسبها الي جد اعلي اسطوري فارجعوا اسم مصر الي احد ابناء حام بن نوح عليه السلام، والاتجاه الثاني يحول نسب مصر الي اليونانيين عن طريق اختلاق اسطوره يختلط فيها نسب اولاد حام بن نوح بنسب الاغريق عن طريق هرموس الذي جعلوه جد الاسكندر الاكبر، ويرجع بعض الباحثين وجود تلك الاساطير بكتب المؤرخين الي تواجد جاليات كبيره من الاغريق والرومان في مصر قادمين طلبًا للعلم او للتجاره، اما الاتجاه الثالث فيرجع نسب مصر الي اصول عربيه يمنيه بين ابناء واحفاد سبا الاكبر او حمير.

نجد في تلك الروايات الثلاث تاثر المؤرخين بفكره الانساب التي كانت لها اثر بالغ في حياه العرب فاهتمامهم بالانساب بمثابه اهتمامهم بحياتهم، وبعد ان اعتنق العرب الاسلام لم يجعلهم يتخلون عن تراثهم، ولكن طوعوها في خدمه الاغراض الثقافيه الجديده التي تلبي حاجاتهم الثقافيه والاجتماعيه التي جدت بعد الاسلام، وكان لذلك بالغ الاثر في كتابات المؤرخين في انساب الشعوب والامصار لجد اعلي اسطوري.

في بدايه القرن (الثالث الهجري) ظهرت حاجه المؤرخين الي كتابه فضائل البلاد بعد ازدهار النشاط العلمي والفكري داخل ربوع العالم الاسلامي؛ فجمعت كتابتهم بين الاساطير والتاريخ والموروث الشعبي ممزوج بالادب والدين، وتعتبر مؤلفاتهم تلك نتاج تفاعل تعاليم الاسلام واللغه العربيه والثقافات المحليه، فكان من الضروري ان يصبح لكل مصر من امصار دوله الاسلام فضائل وشخصيه متفرده عن باقي الامصار، وبالنسبه لمصر فبدا معظم المؤرخين بالدخول لفضائل مصر عن طريق القراَن والاحاديث النبويه، فنجد قصصًا شعبيه في تفسير الايات القرانيه كقصه السحره الذين امنوا بموسي فيقول “ابن زولاق والمقريزي وابن ظهيره” في تلك القصه ان السحره كان عددهم اثني عشر الفًا، وتحت كل عريف الف من السحره، فكان جميع السحره مائتي الف واثنين وثلاثين الف ساحر، امنوا كلهم في ساعه واحده، ولا يعلم من امن في ساعه واحده اكثر من هذا، واعتبر المؤرخون تلك الروايه من فضائل سكان مصر، قد تكون تلك الاسطوره وغيرها هي منبع بعض الشعارات التي تتواجد في مصر حتي الان مثل “شعب مؤمن بطابعه” وغيرها.

نموذج اخر ساقه المؤرخون عباره عن الموروث الشعبي في تفسير الايات القرانيه التي ذكرت فيها مصر مثل الموضع المسمي “مرج البحرين يلتقيان” بسوره الرحمن فيقول كل من “المقريزي واوليا جلبي” ان بمصر موضعًا يسمي مرج البحرين الذي هو اختلاط النيل المبارك بالبحر ببوغاز دمياط وقدم الخضر مع سيدنا موسي في رحلته الي هذا المحل المسمي بمرج البحرين حيث بادر بخرق سفينه الصيد، وهذا دليل علي ان موسي كان ساكنًا بمصر، وحيث ان موسي والخضر ترافقا في مرج البحرين، فيكون الخضر ممن دخل مصر”. وكانت ولا زالت قصه الخضر متكئه لاثبات ان بعض اولياء الله لديهم كرامات ومعجزات اكبر من التي منحها الله للانبياء، ودائمًا يضربون مثلًا بقصه الخضر وكل ذلك قابع في اعماق الموروث الشعبي المصري، حتي الان يظهر في الالاف من الاضرحه واولياء الله الذين تعددت معجزاتهم وكراماتهم حتي ذهب خيال بعضهم في ان الخضر “حي يرزق الي يومنا هذا”.

تتبع المؤرخون احتفاء القران بـ(مصر) عندما ذكرها فيه بصحيح اللفظ او بما دلت عليه القرائن والتفاسير، كما احتفي الضمير الشعبي بالماثورات النبويه التي جمعها المؤرخون في كتب فضائل مصر، وكالعاده تناقل المؤرخون الاحاديث النبويه دون تدقيق وتمحيص فنسبوا الي رسول الله ما لا يستطيع عقل راجح تصديقه مثل ما جاء في كتب “ابن زولاق (فضائل مصر)، القلقشندي (صبح الاعشي)، ابن جرير الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، البيهقي (السنن الكبري)، المتقي الهندي (كنز العمال)… الخ”، وكان ابرزها (ستفتح عليكم مصر بعدي فاستوصوا بقبطها خيرًا، فان لكم منهم ذمه ورحمًا) وفي روايه اخري (فان لكم منهم صهرًا وذمه)، تمسك المؤرخون بتلك الاحاديث المنسوبه للرسول صلي الله عليه وسلم برغم ما يحمله في طياته مما يسيء للقيم الاسلاميه وتعاليم الرسول الاكرم، فبعد وفاه النبي صلي الله عليه وسلم فتحت الشام والعراق والاندلس وفارس والمغرب وخرسان و… الخ.

حتي امتدت حدود الخلافة الإسلامية الي اكثر من نصف الكره الارضيه، فلم يرد ذكره الشريف بالوصايه لسكان تلك البلدان مثل ما اوصي بقبط مصر، اذ ان ذلك تخصيص لشعب مصر بالخير دون غيره من الشعوب الاخري، واحراز رخصه للقاده لانزال الشعوب الاخري منزله دون الخير المخصوص بها شعب مصر.

واذا افترضنا بان تلك الاحاديث صحيحه وان للقبط ذمه ورحمًا، فهي تسيء مره اخري للاسلام وتعاليم الرسول عليه الصلاه والسلام، بانه كاي حاكم قبلي او عشائري يهمه علاقه النسب والعرق والاسره علي العدل ومصلحه الدين والامه والمبدا، فماذا عن الشعوب الاخري التي لا رحم لها مع رسول الله اذًا؟!

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل