المحتوى الرئيسى

أوروبا وفقدان ذاكرة اللجوء

07/23 10:15

بعد الحرب العالميه الاولي عندما تحول الملايين من المدنيين الاوروبيين الي لاجئين واضطروا الي الخروج من ديارهم واوطانهم بسبب احتلال عدو ارضهم او ترحيلهم تم انشاء نظام دولي لتنسيق الاستجابات الفعاله وتخفيف المعاناه عن اولئك الذين اقتلعوا من ارضهم.

وبعد قرن من الزمان يشهد العالم ازمه لاجئين اخري، وهذه المره اوروبا هي التي تملك القدره اللازمه لتوفير ملاذ امن لليائسين، ولكنها لم ترتفع الي مستوي المسؤوليه، حيث فشلت اغلب استجاباتها في مجاراه الحاح الموقف.

ففي غضون الاشهر الاولي فقط من عام 2015 حاول اكثر من 38 الف شخص الوصول الي اوروبا عن طريق البحر الابيض المتوسط من شمال افريقيا، وقد توفي نتيجه هذا نحو 1800 شخص، اكثر من ضعف عدد الوفيات المماثله في عام 2013 بالكامل.

والامر المحبط المخيب للامال هو ان العديد من الاوروبيين استجابوا لهذه الازمه الانسانيه التي تشبه الي حد كبير الازمه التي تحملتها اوروبا قبل قرن من الزمان، بمعارضه قبول بلدانهم اي عدد اضافي من اللاجئين.. كيف نسينا ماضينا بهذه السرعه؟

والاسوا من ذلك هو ان بعض الاوروبيين يريدون منا ان ننسي، الواقع ان مشاعرنا اليوم تغذت الي حد كبير علي مواقف الاحزاب الشعبويه التي تصور نفسها باعتبارها حاميه حمي الهويه الوطنيه، ويزعم المنتمون الي هذه الاحزاب ان اوروبا تواجه تدفقا جماعيا يهدد بفرض ضغوط اكبر علي اقتصاداتها، وثقافاتها، واسواق العمل لديها، ولا يحتاج المرء للرجوع الي الوراء قرنا من الزمان لكي يدرك مدي خطوره العواقب المترتبه علي مثل هذا الخطاب.

ولكن السرد الشعبوي ليس تحريضيا فحسب، بل انه كاذب، فرغم صعوبه التمييز بين دافع النزوح في بعض الاحيان فان بيانات وكاله الامم المتحده للاجئين تظهر ان ما لا يقل عن نصف اولئك الذين يحاولون الوصول الي اوروبا من شمال افريقيا يفرون من حرب او اضطهاد.

وقد قررت المنظمه الدوليه للهجره والبحريه الايطاليه ان المهاجرين هذا العام ينهمرون في الاغلب من اريتريا، وجامبيا، ونيجيريا، والصومال، وسوريا، وكلها بلدان حيث الظروف السائده تخول مواطنيها طلب اللجوء.

باختصار، هذه ليست ازمه مهاجرين بل ازمه لاجئين، وهي لا تبدي اي اشاره للتباطؤ، فمع اجتياح عدم الاستقرار والعنف قسما كبيرا من شمال افريقيا والشرق الاوسط يبدو ان انحسار الصراع المسلح منذ الحرب العالمية الثانية تباطا الي حد كبير، بل وربما بدا يتسارع.

ان المجتمع الدولي ملزم قانونا بحمايه اولئك الذين يضطرون الي الفرار من ديارهم بسبب الصراع والاضطهاد، وفي ضوء تاريخ أوروبا وقيمها -ناهيك عن قربها من بعض المناطق المنكوبه- تصبح ملزمه بشكل خاص بالمساهمه في هذا الجهد.

ولكن اوروبا ليست المنطقه الوحيده المثقله باعباء تدفقات الهجره اليوم او حتي الاكثر تحملا لهذه الاعباء، ان تسعه من كل عشره لاجئين لا يغادرون مناطقهم فيفرون الي بلدان قريبه للغايه من بلدانهم او علي الحدود معها، فمخيم الزعتري الاردني للاجئين يؤوي وحده اكثر من 82 الف شخص، واذا كان ذلك المخيم مدينه رسميه فانه سيصبح من المدن الاكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، كما يستضيف لبنان -الدوله التي لا يتجاوز تعداد سكانها 4.5 ملايين نسمه- اكثر من مليون ومائه الف لاجئ، وهو ما يعادل عدد سكان بروكسل تقريبا.

ولهذا فمن الصعب ان نبرر فشل اوروبا في الاتفاق علي نظام لنقل واعاده توطين نحو عشرين الف مهاجر هذا العام رغم انهم موزعون علي 28 دوله وفقا لنظام الحصص الفرديه، والواقع ان العديد من البلدان الأوروبية قبلت عددا ضئيلا للغايه من اللاجئين حتي الان، الامر الذي يجعل فهم تقاعسها عن التحرك اشد صعوبه، فقد تقبلت كل من اسبانيا واليونان علي سبيل المثال نحو اربعه الاف لاجئ فقط، وهو عدد ضئيل للغايه مقارنه بالاردن او لبنان.

ومن الممكن ان يساعد اتفاق علي اساس الحصص في توزيع العبء علي الاقتصادات الاوروبيه، فحتي الان كانت الفوارق الكبري بين البلدان في ما يتصل بسياسات اللجوء تعني فوارق كبري في اعداد اللاجئين، والواقع ان اربع دول فقط -فرنسا والمانيا وايطاليا والسويد- استقبلت نحو ثلثي اللاجئين المقبولين في اوروبا العام الماضي.

عندما تتسبب شبكه من مهربي البشر في تحويل البحر الابيض المتوسط الي مقبره جماعيه لا يجوز لاوروبا ان تحول نظرها بعيدا ببساطه، وبدلا من الاستسلام للشعبويه المدمره والانعزاليه المخله بالشرف يتعين علي قاده اوروبا ان يلتزموا بالوفاء بمسؤوليتهم القانونيه والاخلاقيه عن مساعده اللاجئين، وبطبيعه الحال شرح الاسباب وراء اهميه هذا الامر لمواطنيهم.

وسوف يتطلب مثل هذا الجهد ان تساهم كل دوله اوروبيه -وليس فقط تلك الواقعه علي البحر الابيض المتوسط- بالموارد اللازمه لدعم عمليات بحث وانقاذ واسعه النطاق، ومن غير الجائز ان يكون ضبط الحدود الهدف الوحيد او حتي الهدف الاولي.

بعيدا عن المساعده في اداره الازمه اليوم يتعين علي اوروبا ان تلتزم بمساعده البلدان الهشه والمتضرره من الصراعات في التغلب علي التحديات التي تواجهها، وتحسين رفاهه مواطنيها، وبناء اقتصادات مزدهره.

ولكي يحافظ علي سلطته الاخلاقيه والسياسيه يتعين علي الاتحاد الاوروبى -ولعله المثال الاكثر اقناعا للكيفيه التي يعمل بها التعاون علي دعم السلام والرخاء- ان يشارك بعيدا عن حدوده باخلاص وعزم صادقَيْن، ويسعي الي التوصل الي اتفاقات متبادله مع جيرانه في الجنوب.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل