المحتوى الرئيسى

علاء مشذوب.. سحر التاريخ والأسطورة

07/22 09:19

في اصداره الجديد «ادم ـ سامي مور»، ينشئ الروائيّ والقاصّ العراقي علاء مشذوب (مواليد 1968) اطارا سرديا يعرض فيه الاشكالات والاسئله الوجوديه الشاقه التي حفزتها اكتشافات بعثه التنقيب الاثريه البريطانيه ـ الاميركيه المشتركه في العشرينيات من القرن الماضي (1919 ثمّ من عام 1922 الي عام 1934) في مدينه «تل العبيد» ومن ثمّ «اور»، في ما خصّ الكشف عن خبايا الحضارة السومرية وتحديدا خلال مرحله الانتقال من كيانات المدن القديمه الي الدولة المدنية الموحّده ما بعد «سرجون الأكاديّ» منتصفَ الالف الرابع قبل الميلاد.

نعني بالاسئله الوجوديهّ تلك التفاصيل التي كشفتها نصوص «تل العبيد» و «اور» حول حقيقه تصوّرات الانسان الاوّل في هذا الطور البشري المغرق في القدم وطبيعه نشاته الماديّه ونظرته الي الكون. زد علي ذلك، ما اظهرته تلك الرُقَم الطينيه والالواح السومريّه او «السامي ـ موريه» من قصص رمزيه تاسيسيّه. تلك القصص التي سوف نجد ما يشابهها في متون النصوص المقدسه اللاحقه للديانات التوحيديه الثلاث. متونٌ تبدو في شكل من اشكالها وكانها تناصّات او استذهانات مستمدّه من المدنيّه الساميه السومريه القديمه! مثلا، اللوح الطينيّ رقم 6، تل العبيد: «ومن اكد كان سركون الاكادي، وامه كاهنه المعبد/ سركون الاول ملك اكاد/ امه وضيعه الشان من سكنهِ المعبد/ حين المخاض انتبذت مكانا قصيا/ من دون اب حملته سرا وهنا علي وهن/ ارسل من سله القصب الي البستاني (اكي)/ وعلي ضفه الفرات تركته في سله تطفو علي المياه الجاريه/ انتشله احد عمّال قصر الملك/ الالهه لم تكن راضيه علي زوج الملك فجعلتها عاقرا/..لان الملك يعشق زوجه/ كان يعمل اي شيء ليرضيها/ اصرت الملكه علي ان تحتفظ بطفل النهر..» (ص78)، اللوح الطينيّ رقم 1، تل العبيد: «فضاء مفتوح بلا زمان/ ومرتفع يطفو علي مياه بلا مدي/ كانت البدايه/ لا غير المياه يبدو/ لا طير يسمو/ سكون عقيم/ انين الفضاء يملا الامكنه/ لا شيء ينجو من اقتحام الفراغ/ الرقود دون جثث او اجساد/ لا اوراق تطير في الهواء او تسقط في المياه/ لا جثث لحيوانات متناثره/ لا شاخص لايّ شيء/ ظلمه تغيب فيها الاشياء/ وضوء تتلاشي فيه الظلال/ حينها ولد طين الانسان الاول/ استوي علي صخره شاخصه وسط المياه..» (ص33).

يتكئ صاحب (جريمه في الفايسبوك) في سرده المتباسط الغنيّ علي شخصيه رئيسيهٍ، هو الراوي «نذير» الذي ينتقل بمحض الصدفه من رعي اغنام والده القليله الي ان يصير مساعد المستر «وولي» عالم الاثار البريطاني في بعثتيه التنقيبيّتين في «تل العبيد» قريبا من قريته جارَ «اور». اللقاء/ المفصل في حياه الراوي، اذ يحسّن دخلَ الاخير ومستواه المعيشيّ والاجتماعيّ، فانه في ذات الوقت، يعقّد صله هذا الشخص اللمّاح بالعالم والمحيط، ويغدو مقربا من اعمال البعثه الي درجه كسب الخبرات في فكّ بعض طلاسم اللغه السومريه بخطها المسماري مع تعلّمه اللغه الانكليزيه سماعا ما يجره لبناء مجالات اسئلته الخاصه الاشكاليه المتفرده عن البيئه والجوار. اشكاليات تتعلق بالذات وفكره نشاه الاديان والخلق الاول، ما يضاعف اغراءه في البحث عن حضاره بلده المحتل ذي البيئه الرعويه الزراعيه الذي كان يمتلك بحسب نصوص «اور»، اذ كُشف النقاب عنها امام عينيه، مدنيّه خلاقه وجوانب علميه وحضريه لا تزيد الواحد الا ذهولا وانبهارا وحيره بتلك الهويه الحضاريه.

ينقلب «نذير» الي شخصيه «الشيخ نذير» صاحب النبوءه، حلّال العقد في القريه والجوار بعد انتهاء عمله مع البعثه، ثمّ ينجز الكاتب القصه بان يتركَ نذير البيت والرزق في القريه الي مجهول، في قفله سرديه يشوبها قدر من التسرّع.

في العموم، لا يبدو الراوي مهجوسا ببناء سياق روائيّ علي النمط الكلاسيكيّ بالضروره لناحيه خلق مسارات سرديه متعدده تلتقي وتفترق، بل هو منشغل باغناء محتواه السردي بتصورات المدينه والعالم السامي ـ موريّ المتخيل. تلك التصورات التي من المفترض ان تحييها تلك الرُقم والالواح. يحيلنا هذا النمط الروائيّ المدمج في جانب منه بسحر التاريخ والاسطوره، في شكل من اشكاله، الي بعض اساليب روايه القرن التاسع عشر، قرن الروايه، لجهه بث مناخات التيه والقلق الوجوديين التي تعكسها مناخات فلسفيه وتاريخيه معينه. مناخات نجدها، في نصّ مشذوب، هي قلب الروايه ومادتها ومخيالها السرديّ الاساسي بطريقه تطغي علي ما عداها في اهتماماته وادواته الروائيه. طريقه عكست، في جزء من مساحات العمل، لا سيما طريقه اخراج النص نحو خواتيمه، تفاوتا في وتيره وايقاع سرده العام.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل