المحتوى الرئيسى

وهم الحكومة الفلسطينية المتبدد

07/22 01:00

علي حماس ان تتوقف عن وهم تشكيل حكومه تدير الضفه الغربيه (مع القطاع) وفق معايير المقاومه المسلحه، كما ان علي فتح ان تتوقف عن وهم تشكيل حكومه تدير قطاع غزه (مع الضفه) وفق معايير إتفاق أوسلو والتسويه السلميه.

وما دام الاحتلال الإسرائيلي موجودا علي الارض، خصوصا في الضفه الغربيه، يجب تبديد الوهم باعتبار الحكومه الفلسطينيه قاطره للتغيير ومدخلا لنجاح المصالحه، ذلك ان الاحتلال لن يوفر اي بيئه نجاح لحكومه فلسطينيه ترعي المقاومه او تسعي للتخلص منه.

ان تشكيل اي حكومه يجب ان يكون جزءا من منظومه عمل وطني تعيد تعريف السلطه الفلسطينيه ودورها، وتديرها كاحدي ادوات الصمود والنضال، وبطريقه تستوعب الجميع دونما تمييز، وتحاول خدمه الشعب الفلسطيني، لا ان تكون اداه وظيفيه للاحتلال، ولا اداه للضغط السياسي والامني لطرف فلسطيني علي اخر، واذا ما اراد الطرف الاسرائيلي فرض رؤيته ومساراته، فيجب ان يتحمل عندئذ المسؤوليه المباشره لاحتلاله. ولذلك فان عمل الحكومه لا ياخذ مصداقيته الا مع تفعل الاطار القيادي الموحد، وضمن عمليه الاصلاح الشامل لمنظمه التحرير الفلسطينيه.

مرت في يوم 25/6/2015 الماضي الذكري التاسعه لعمليه "الوهم المتبدد" التي نفذتها حركه حماس بالتعاون مع "لجان المقاومة الشعبية" و"جيش الاسلام"، وادت الي مقتل جنديين اسرائيليين واسر الجندي "جلعاد شاليط"، مما فتح المجال لاحدي اكبر صفقات تبادل الاسري في التاريخ الفلسطيني الحديث.

لعل التوفيق قد اصاب تسميه العمليه باسم "الوهم المتبدد"، اذ قدمت في تلك الفتره دليلا حاسما علي التزام حماس بخط المقاومه المسلحه حتي وهي في السلطه، والغت اي اوهام مرتبطه بذلك.

كما قدمت دليلا قويا علي قدره المقاومة الفلسطينية علي تطوير نفسها وتنفيذ عمليه اسر نوعيه احتفظت بجندي اسرائيلي سرا لسنوات، في بيئه امنيه معقده، يملك فيها الاحتلال وادواته قوه طاغيه. وهي من ناحيه ثالثه ضربت الاوهام الاسرائيليه بالقدره علي استخدام ورقه الاسري الفلسطينيين في سجون الاحتلال لكسر اراده الشعب الفلسطيني، وفرضت اراده المقاومه بتحرير اكثر من الف اسير، بينهم اكثر من 300 محكومين بالمؤبد.

من جهه اخري، فان هذه العمليه اعطت مؤشرا لا لبس فيه بعدم امكانيه نقل حماس الي مربع التسويه السلميه واحتوائها تحت سقف اتفاقات اوسلو واستحقاقاتها. غير ان استتباعات هذه العمليه ومجموعه الاجراءات الاسرائيليه التي تلتها (بالاضافه الي مجموعه اجراءات تلت فوز حماس بالانتخابات) بددت اي اوهام او توقعات لدي العديد من قيادات حماس ومؤيديها بامكانيه الجمع بين السلطه والمقاومه، تحت الاحتلال الموجود علي الارض، خصوصا في الضفه الغربيه.

كانت الرساله الاسرائيليه واضحه بان حماس لا تستطيع ان تقدم حاله نجاح في اداره السلطه الفلسطينيه ما دامت تتمسك بخيار المقاومه المسلحه، حتي لو فازت بالشرعيه الشعبيه والتشريعيه، وحتي لو قدمت افضل الكفاءات والخبرات والبرامج، وحتي لو ارادت الدخول في تهدئه تمكنها من العمل، اذ ان منظومه "اتفاق اوسلو" كانت مبنيه اساسا علي تطويع قوي المقاومه، وجعلها بدون اظافر او اسنان وجعل الطرف الفلسطيني من دون اي اوراق قوه ضاغطه علي الطرف الاسرائيلي.

ولذلك قصفت القوات الاسرائيليه قطاع غزه في الـ45 يوما التي تلت تشكيل حماس لحكومتها (منذ 31/3/2006) بـ5100 قذيفه مدفعيه بمعدل 110 قذائف يوميا، واستشهد نحو 120 فلسطينيا في الاشهر الثلاثه التي تلت تشكيل هذه الحكومه. وارتكبت القوات الاسرائيليه مجزره راح ضحيتها 14 فلسطينيا في 7/6/2006 منهم سبعه من عائله واحده، ثم ارتكبت مجزره اخري بعد ذلك باربعه ايام قتلت فيها 11 فلسطينيا. اي ان الاسرائيليين كانوا يدفعون الاوضاع نحو الانفجار ونحو انهاء التهدئه بحيث لم يكن من خيار لدي حماس سوي الرد بعمليات انتقاميه قبل ان تفقد مصداقيتها وشعبيتها، فقامت بعمليه "الوهم المتبدد".

واتخذ الطرف الاسرائيلي من هذه العمليه ذريعه للقيام بعمليه "امطار الصيف" التي استشهد فيها 400 فلسطيني، ثم عمليه غيوم الخريف التي استشهد فيها 105 فلسطينيين، وقامت باعتقال 3500 فلسطيني بينهم عشره من وزراء حكومه حماس.

وفي سنه 2007 كان قد وصل عدد اعضاء المجلس التشريعي المعتقلين المحسوبين علي حماس 42 نائبا هم الاغلبيه الساحقه لنواب حماس في الضفه الغربيه، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك. ولسنا بصدد سرد اجراءات الحصار والتضييق والافشال التي قام بها الاحتلال.

وباختصار فان مشاريع التحرير وحركات المقاومه لا تستطيع (ولا ينبغي ان تنشغل بـ) تحقيق "الرفاه تحت الاحتلال"، والا تحول الاحتلال من نقيض الي شريك، ومن عدو الي حليف. والعدو اثبت انه لا يرغب بتسويه تنهي احتلاله وعدوانه، وانما في سلطه وظيفيه تخدم اغراضه وتخفف التكاليف والاعباء عنه، وهذا ما جري في الضفه الغربيه.

وعندما اصرت حماس علي تشكيل حكومه توفر غطاء للمقاومه، او تخدم برنامجها، او تقدم حاله نجاح لانصارها، كان مصيرها الافشال والاسقاط. ولذلك يجب ان ينتهي انصار حماس والمقاومه من فكره تشكيل حكومه او المشاركه الفاعله في حكومه تدير الاوضاع في الضفه الغربيه بنفس تلك المعايير الموجوده في القطاع. وبعباره اخري، فاذا لم يكن "اوسلو" في برنامج حماس، فلن تكون حماس في برنامج "اوسلو".

اما قطاع غزه، فان الحاله التي اوجدتها حماس فيه مرتبطه بعدم وجود قوات احتلال اسرائيلي علي الارض، بخلاف حاله الضفه الغربيه. وبالتالي فان طريقه الافشال التي قام بها الجانب الاسرائيلي كانت بادوات الحصار الخانق والحروب المدمره. واذا كانت المقاومه قد قدمت نموذجا بطوليا في الصمود والتضحيه، والاستفاده القصوي من الامكانات المتاحه، فانها قدمت نموذجها خارج منظومه "اوسلو"، وفي ظروف معقده، وفي بيئه اقليميه ودوليه معاديه او غير مواتيه.

قياده فتح التي تقود منظمه التحرير والسلطه في رام الله ايضا عليها ان تخرج من وهم تهميش او تركيع او تطويع حركه حماس، وعليها ان تتعامل باسرع ما يمكن مع الخلاصه التي ستصلها عاجلا ام اجلا في ان تاخذ حماس وقوي المقاومه حجمها الطبيعي ودورها الحيوي في قياده المشروع الوطني الفلسطيني، بما ينعكس بشكل فاعل علي الارض علي سياسات ومؤسسات وبُنَي منظمه التحرير والسلطه الفلسطينيه.

ان طريقه الافشال ومحاوله الاسقاط التي سلكتها قياده فتح برئاسه ابي مازن تجاه الحكومه العاشره والحاديه عشره (2006-2007) التي شكلتها حماس لم تؤد الا لتكريس الانقسام، وعبرت عن حاله سوء التقدير والفشل في استيعاب الاخر، والاصرار علي الدخول في تكتيكات خاطئه وباهظه التكاليف، تستند الي محاوله الهيمنه والاستفراد في القرار، ومحاولات الاستفاده من البيئه الاقليميه والدوليه لتحييد وتهميش اطراف فاعله علي الساحه الفلسطينيه.

ان اتفاق المصالحه الفلسطينيه الذي صبر الفلسطينيون اربعه اعوام بانتظار توقيعه (مايو/ايار2011) قد تم التعامل معه من قِبل ابي مازن بشكل انتقائي وتكتيكي، بحيث تم تعطيل المسار الاهم في تفعيل منظمه التحرير وتفعيل الاطار القيادي الموحد، مع الاستمرار في تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني.

ودخل ابو مازن في وهم تشكيل حكومه تلتزم باوسلو واستحقاقاتها، علي امل الوصول الي "حلم" اجراء انتخابات في الضفه والقطاع تؤدي الي فوز فتح، ونزع الشرعيه الشعبيه التي تمتعت بها حماس.. وعند ذلك سيتابع ابو مازن مساره فيسمح بافتتاح المجلس التشريعي، ومحاوله فرض شروطه علي حماس كحزب اقليه ذي دور هامشي. اما وان حماس ما زالت تتمتع باغلبيه في المجلس التشريعي، فعليها ان تخرج من وهم قيام حكومه فلسطينيه تخضع لرقابه ومحاسبه فعليه من المجلس، فهذا ما لا يقبله ابو مازن، وما ترفضه سلطات الاحتلال ايضا.

وعندما تشكلت حكومه الوفاق الوطني برئاسه رامي الحمد الله في اوائل يونيو/حزيران 2014 كانت مسؤولياتها تُركز علي اعاده الاعمار وفك الحصار عن قطاع غزه وعلي توحيد المؤسسات الفلسطينيه في الضفه والقطاع، والتحضير لانتخابات رئاسيه وتشريعيه فلسطينيه، غير انها سرعان ما دخلت في اوهام استثمار ضغط الحصار والدمار علي القطاع لتفرض علي حماس وقوي المقاومه وبشكل انتقائي الشرعيه المستمده من الرئاسه (وليس الشرعيه المستمده من التشريعي) ومعايير "اوسلو" السياسيه، ومعايير "فتح" في التعيين والتوظيف والصرف المالي.

وقد حولها ذلك الي حكومه ازمه بدل ان تكون حكومه مصالحه وحكومه طرف واحد بدل ان تكون حكومه وحده.. لم يكن المجلس التشريعي الفلسطيني حاضرا في معاييرها والتزاماتها واستحقاقاتها مع انه الجهه التي تستمد منه شرعيتها، والجهه التي تقوم بمحاسبتها واعطاء الثقه او نزعها منها.

ولذلك تواصلت محاولات الانكار والالتفاف عن تثبيت نحو اربعين الف موظف من موظفي قطاع غزه، مع استمرار تطبيق معايير "السلامه الامنيه" في الضفه الغربيه، واستمرار حملات المطارده والتضييق علي انصار حماس وقوي المقاومه في الضفه، وكانه ليس هناك مصالحه وطنيه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل