المحتوى الرئيسى

لماذا فشلت الاستراتيجية الأمريكية في العراق؟

07/21 16:54

كانت الولايات المتحده بصوره او باخري في حاله حرب مع العراق منذ عام 1990، شمل ذلك نوع من الغزو عام 1991، والغزو الكامل عام 2003. خلال ذلك الربع قرن، فرضت واشنطن عده تغييرات للحكومه، وانفقت تريليونات الدولارات، وتورطت في قتل مئات الاف الاشخاص. الا ان ايا من تلك الجهود لم ينجح باي تعريف يمكن تصوره للنجاح الذي طرحته واشنطن.

رغم الفشل، يمثل ذلك الاسلوب الطريقه الامريكيه في الاعتقاد بكامل قلوبنا انه يتوجب علينا حل جميع المشكلات، وان اي مشكله لها حل، والذي يجب ببساطه التوصل اليه. ونتيجه لذلك، تواجه الدوله التي لا غني عنها – الولايات المتحده – جوله جديده من الدعوات لوضع افكار بصدد "خطوتنا" التاليه في العراق.

في ضوء ذلك، امامنا خمس "استراتيجيات" ممكنه للعراق، جميعها تضمن امرا واحدا فقط، ان ايا منها لن ينجح.

في شهر مايو، في اوج سقوط مدينه الرمادي السنيه في يد مقاتلي تنظيم الدوله الاسلاميه (داعش)، اعلن الرئيس اوباما عن تغيير للمسار في العراق. فبعد اقل من عام من عدم هزيمه او اضعاف او القضاء علي داعش، سترسل الاداره الان المئات الاخرين من الافراد العسكريين لاعداد قاعده تدريب في قاعده التقدم الجويه بمحافظه الانبار. بينما يوجد بالفعل خمسه مواقع تدريب عامله في العراق، يعمل بها معظم الافراد العسكريين الذين ارسلتهم اداره اوباما، وعددهم 3100 فرد. الا انه بعد تسعه اشهر من العمل، لم ينجح اي جندي عراقي مدرب في الوصول الي الوضع القتالي في دوله غارقه في الفوضي المسلحه.

قد تمثل القاعده في التقدم مجرد بدايه لـ"موجه" جديده. حيث بدا الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئه الاركان المشتركه، الحديث عما يطلق عليه "منصات الزنبق"، وهي قواعد تقام قرب الخطوط الاماميه، يمكن للمدربين من خلالها ان يعملوا مع القوات الامنيه العراقيه. بالتاكيد ستتطلب تلك المنصات ارسال مئات المستشارين العسكريين الامريكيين الاخرين للعمل كطعم لمقاتلي الدوله الاسلاميه الجائعين.

لابد من تنحيه مزحه ديمبسي جانبا، حيث يقترح حرفيا انشاء مستنقع، والذي سيكون مستنقعا صحراويا علي شكل منصات زنبق، فقد جربت تلك الفكره من قبل. الا انها فشلت علي مدار السنوات الثمان لإحتلال العراق، عندما ابقت الولايات المتحده علي ارخبيل من 505 قاعده في البلاد. (وفشلت ايضا في افغانستان). وفي اوج حرب العراق الثانيه، عمل 166,000 جندي في تلك القواعد الامريكيه، ليجروا ما قيمته 25 مليار دولار من التدريب والتسليح للعراقيين، ونري النتائج المنعدمه لذلك يوميا. اذا فالسؤال يطرح نفسه، كيف سينجح المزيد من المدربين الامريكيين في فتره اقصر فيما فشل فيه الكثيرون علي مدار سنوات كثيره؟

هناك ايضا اعتقاد امريكي بانه عندما تقدم امريكا التدريب، سيستجيب العراقيون.

الا ان نتائج التدريب الامريكي حتي الان، حسبما اوضح وزير الدفاع اشتون كارتر مؤخرا، قد خيبت التوقعات. حيث كان يفترض حتي الان ان ينتهي المدربون الامريكيون من تدريب 24,000 جندي عراقي. بينما يقال ان العدد الفعلي حتي الان حوالي 9,000، وكان وصف احتفاليه "التخرج" التي جرت مؤخرا لبعضهم مثبطا للمعنويات بشده. ("بدت اعمار المتطوعين متراوحه بين اواخر المراهقه وقرب الـ60. وارتدوا خليطا من الملابس النظاميه والاحذيه، ويمكننا القول ان خطواتهم خلال الاحتفاليه لم تكن نظاميه، بل عفويه").

في ضوء كم التدريب الذي اتاحته الولايات المتحده في العراق منذ عام 2003، يصعب تخيل ان ذلك العدد الكبير من الشباب لم يتح بعد الخيار الذي فكر فيه العديدون. ببساطه لان اقامه واشنطن للمزيد من معسكرات التدريب، لا يعني ان هناك سبب لافتراض ان العراقيين سيستجيبون.

ومن الغريب كفايه ان الرئيس اوباما بدا، قبل اعلان سياسته الجديده مباشره، متفقا بشكل مسبق مع المنتقدين علي انها لن تنجح علي الارجح. "لدينا قدره تدريب تفوق عدد المتطوعين"، وفق تصريحه في ختام قمه "جي 7" بالمانيا. "لا يجري الامر وفق السرعه المطلوبه". نعم كان اوباما محقا. ففي منشاه تدريب الاسد علي سبيل المثال، وهي الوحيده علي ارض سنيه، لم ترسل الحكومة العراقية اي متطوعين جدد ليتم تدريبهم علي يد المستشارين الامريكيين خلال الاسابيع السته الماضيه.

وهناك معلومه اضافيه، مقابل كل جندي امريكي في العراق، يوجد بالفعل متعاقدين امريكيين. حيث يتواجد حاليا حوالي 6300 من المتعاقدين في العراق. وارسال اي مدربين اضافيين سيعني المزيد من المتعاقدين، كما ان الحاجه – لضمان ان "البصمه الامريكيه" قد صنعت بواسطه تلك الاستراتيجيه غير المشتمله علي ارسال جنود بريين – ستزداد وسيقترب تحقق فكره "مستنقع منصات الزنبق" الخاصه بالجنرال ديمبسي.

يعتبر السيناتور جون ماكين، الذي يراس لجنه الجيش بمجلس الشيوخ، اقوي مناصر لخطوه الامن القومي الامريكيه الكلاسيكيه المشتمله علي ارسال قوات بريه امريكيه. يعتبر ماكين، الذي شهد تبلور حرب فيتنام، اذكي من ان يتوقع من عناصر القوات الخاصه، والمدربين، والمستشارين، والمراقبين الجويين المقاتلين، الي جانب القوات الجوية الأمريكية، ان يديروا دفه اي وضع استراتيجي.

الا انه استجاب بطلب لارسال المزيد من القوات، وهو ليس وحيدا في ذلك. علي سبيل المثال، اشار حاكم ولايه ويسكونسن، سكوت واكر، في حملته الانتخابيه مؤخرا، الي انه ان اصبح رئيسا، سيدرس اجراء "اعاده غزو" كامل للعراق. وبشكل مشابه، حث الجنرال انتوني زيني، القائد السابق للقياده المركزيه الامريكيه، علي ارسال المزيد من القوات، قائلا: "استطيع ان اؤكد لكم انكم يمكنكم ارسال المزيد من القوات البريه، وانه يمكننا تدمير داعش".

من بين المناصرين لارسال قوات بريه جنود سابقين حاربوا في العراق خلال فتره بوش، وفقدوا اصدقاء، وعانوا بانفسهم. محاطين بما سببه الامر من خيبه للامل، يفضل هؤلاء الجنود الاعتقاد باننا قد انتصرنا في العراق (او كان يجب ان ننتصر، او سوف ننتصر، فقط لو لم تبدد ادارتي بوش واوباما "الانتصار"). ويزعمون انه من الضروري الان ارسال المزيد من القوات البرية الأمريكية للانتصار في النسخه الاخيره من حربهم. بل ان بعضهم يتطوع كمواطنين عاديين لمتابعه القتال. اي انهم يجادلون حول فكره "لا يمكن ان يكون كل ذلك قد تبدد"، هل هناك ما هو ابئس من ذلك؟

يسهل استبعاد خيار ارسال المزيد من القوات، بل انه بالكاد يستحق الذكر، فان لم ينجح ما يزيد عن ثمان سنوات من الجهود، و166,000 جندي والثقل الكامل للقوه العسكريه الامريكيه في انجاز المهمه بالعراق، فما الذي تتوقعون تحقيقه بشكل محتمل في ظل وجود موارد اقل؟

مع مواجهه التردد داخل الجيش الامريكي، حول ارسال قوات بريه الي العراق، لقرع طبول الحرب من قبل اصحاب الاصوات الخاويه علي الساحه السياسيه، اصبح التعاون عن قرب اكثر من اي وقت مضي مع ايران الخطوه التصعيديه المفترضه. فان لم يكن الحل في القوات البريه الامريكيه، فماذا عن القوات البريه الايرانيه؟

ترجع الخلفيه الدراميه لذلك الاسلوب الي اغرب حكايه شرق اوسطيه.

تمثلت خطه اداره اوباما في استخدام قوات عربيه، وليست ايرانيه، كقوات مشاه بالوكاله. الا ان التحالف القومي العربي المتكون من 60 دوله، والذي اثار الكثير من الضجه، اثبت انه لا يتعدي كثيرا الصور التذكاريه. حيث يشارك عدد قليل من الطائرات العربيه، ان شاركت من الاساس. بينما تنفذ امريكا 85 بالمئه من اجمالي المهام ضد اهداف تنظيم الدوله الاسلاميه، بينما ينفذ الحلفاء الغربيون الجزء الكبير المتبقي. لم تشارك اي قوات بريه عربيه ابدا، وتهاجم الدول الرئيسيه بالتحالف حاليا وبشكل معلن واشنطن، بسبب اتفاقها النووي مع ايران.

تمتعت الولايات المتحده بعلاقه مع ايران تشبه الحرب البارده منذ عام 1979، عندما سقط الشاه واستولي الطلاب المتشددون علي السفاره الامريكيه في طهران. وفي الثمانينيات، ساعدت الولايات المتحده صدام حسين في حربه ضد ايران، بينما في السنوات التي تلت الغزو الامريكي عام 2003، دعمت ايران بشكل فعال الميليشيات الشيعيه العراقيه ضد القوات الأمريكية التي تحتل البلاد. كان قائد فيلق القدس الايراني، قاسم سليماني، والذي يدير حاليا جهود بلاده في العراق، علي راس القائمه الامريكيه للمطلوب قتلهم في السابق.

في اوج سيطره تنظيم الدوله الاسلاميه عام 2014 علي الموصل ومدن اخري في شمالي العراق، عززت ايران دورها، عبر ارسال مدربين، ومستشارين، واسلحه، وقواتها لدعم الميليشيات الشيعيه التي اعتبرتها بغداد املها الوحيد. اغمضت الولايات المتحده الطرف في البدايه عن كل ذلك، حتي مع استهلاك الميليشيات ذات القياده الايرانيه، وربما الايرانيون انفسهم، للدعم الجوي الامريكي الوثيق.

هناك اعتراف متنامي في واشنطن حاليا، وان كان هادئا، بان المساعده الايرانيه تمثل احد الوسائل القليله لصد داعش دون الحاجه لارسال قوات بريه امريكيه. كما تحدث تطورات صغيره ولكنها ذات دلاله بشكل منتظم. ففي معركه استرداد مدينه تكريت السنيه الشماليه، علي سبيل المثال، نفذت الولايات المتحده مهام جويه تدعم الميليشيات الشيعيه، وتمثل التبرير الامريكي الواهي في ان تلك الميليشيات عملت تحت اداره الحكومه العراقيه، وليس الايرانيه.

"سنوفر الدعم الجوي لجميع القوات الخاضعه لتحكم وسيطره الحكومه العراقيه"، حسبما قال بشكل مشابه المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية في اشاره الي القتال القادم لاستعاده مدينه الرمادي. يشير ذلك الي تحول هام، حيث يشير المسؤول السابق بوزارة الخارجية الامريكية رمزي مارديني الي ان: " الولايات المتحده غيرت موقفها بشكل فعال، لتدرك ان الميليشيات الشيعيه تمثل شرا لابد منه في الحرب ضد الدوله الاسلاميه". قد يمتد التفكير المشابه الي القوات البريه الايرانيه التي تقاتل الان، حسبما تشير الادله، خارج مصفاه بيجي الاستراتيجيه.

قد تكون العلاقات الطف بين الولايات المتحده والميليشيات الشيعيه المدعومه من ايران اكثر مما ظننا مسبقا. يذكر موقع "بلومبيرج" ان الجنود الامريكيين والميليشيات الشيعيه كلاهما يستخدم قاعده "التقدم" العسكريه بالفعل، وهو تحديدا المكان الذي سيرسل اليه الرئيس اوباما اخر 450 فرد عسكري امريكي.

ما الجانب السلبي لتلك الاستراتيجيه؟ يؤدي تقديم المساعده الي ايران الي اعداد الصراع القادم الذي من المرجح ان تدخله الولايات المتحده علي نحو اخرق بسبب الهيمنه الايرانيه المتصاعده في المنطقه. ربما سيجري ذلك الصراع في سوريا.

يمثل الاكراد "التطلع الاكبر" لواشنطن في العراق، حيث يمثلون الحلم الذي ينطبق عليه بشكل مثالي العباره المجازيه بالسياسه الخارجيه الامريكيه حول الحاجه للحصول علي اعجاب شخص ما. وعند القاء نظره حاليا علي اي موقع محافظ او عند تفقد الكتابات اليمينيه، ستستمتع بالدعايه للاكراد: انهم مقاتلون مقدامون، ولائهم لامريكا، انهم اوغاد صارمون يعلمون كيفيه انهاء المشكلات. ان اكتفينا بتقديم المزيد من الاسلحه لهم، لقتلوا المزيد من اشرار الدوله الاسلاميه عنا. وبالنسبه لجماعه اليمين الامريكي، فانهم اشبه بونستون تشيرشل خلال الحرب العالميه الثانيه حينما كان يستصرخ قائلا: "فقط اعطونا الادوات وسنهزم هتلر!"

تحمل تلك المزاعم بعض الحقيقه. فالاكراد بالفعل قد ابلوا حسنا في دفع مسلحي الدوله الاسلاميه خارج اراضي شمال العراق وكانوا سعداء بالمساعده الامريكيه في توصيل مقاتلي البشمركه الي الحدود التركيه عندما كانت بلده كوباني مركزا للقتال. ويظلوا شاكرين للدعم الجوي المستمر الذي تقدمه الولايات المتحده لقواتهم علي الخطوط الاماميه وللاسلحه المحدوده التي ارسلتها واشنطن بالفعل.

بالنسبه لواشنطن، تكمن المشكله في ان المصالح الكرديه محدوده بوضوح عندما يتعلق الامر بمحاربه قوات الدوله الاسلاميه. فعندما تهددت الحدود القائمه لكردستان بشكل مباشر، حاربوا بكل اصرار ونشاط. وعندما حانت الفرصه للسيطره علي بلده اربيل المتنازع عليها – كانت الحكومه في بغداد حريصه علي ابقاءها داخل نطاق سيطرتها – انهك الاكراد الدوله الاسلاميه.

ولكن عندما يتعلق الامر بالسكان السنيين، لا يكترث الاكراد، طالما كانوا بعيدين عن كردستان. هل راي احد مقاتلين اكراد في الرمادي او اي مكان اخر في محافظه الانباء السنيه في اغلبها؟ تلك المناطق الاستراتيجيه، التي يسيطر عليها الان تنظيم الدوله الاسلاميه، بعيده مئات الاميال عن كردستان، وبعيده عنها ملايين الاميال سياسيا. وبالتالي، نعم سلحوا الاكراد، ولكن لا تتوقعوا منهم لعب دور استراتيجي ضد الدوله الاسلاميه خارج منطقتهم. فالاستراتيجيه الناجحه بالنسبه للاكراد بمشاركه واشنطن لا تعني بالضروره استراتيجيه ناجحه لواشنطن في العراق.

لم يقرب رجل واشنطن في بغداد، رئيس الوزراء العبادي، بلده نحو توافق سني شيعي اكثر مما فعل سابقه، نوري المالكي. في الواقع، ليس لدي العبادي خيارات سوي الاعتماد علي تلك الميليشيات الشيعيه، التي ستحارب عندما لا يحارب جيشه الفاسد غير الكفؤ، لقد اصبح اقرب الي ايران. يضمن ذلك ان اي حلم (امريكي) لضم السنه الي المعادله بشكل فعال كجزء من حكومه متحده في دوله متحده سيثبت كونه مجرد حلم يقظه.

يعتبر توازن القوي شرطا اساسيا للتوصل الي عراق فيدرالي شيعي سني كردي. حيث لا يكون اي طرف قوي كفايه ليحقق انتصارا، او ضعيف كفايه لينهزم، ويتبع ذلك المفاوضات. عندما اقترح جو بايدن، الذي كان سيناتورا في حينها، فكره عراق مكون من ثلاث دول عام 2006، كان ذلك ليكون ممكنا. الا انه بمجرد بناء الايرانيين لدوله شيعيه عراقيه تابعه في بغداد واطلاقهم العنان، عام 2014، للميليشيات كاداه للسلطه الوطنيه، ضاعت تلك الفرصه.

لا يري الكثير من السنه خيارا سوي دعم الدوله الاسلاميه، مثلما فعلوا مع تنظيم القاعده في العراق في السنوات التي تلت الغزو الامريكي عام 2003. فهم يخشون الميليشيات الشيعيه، ويعود ذلك لاسباب منطقيه.

تصف الروايات مدينه تكريت السنيه في اغلبها، حيث هزمت القوات تحت قياده الميليشيات مقاتلي الدوله الاسلاميه، بانها "مدينه خاوبه يحكمها مسلحون". في بلده جرف الصخر الواقعه علي وادي نهر الفرات، ذكرت تقارير حدوث عمليات تطهير عرقي. وبشكل مشابه، اتهم السكان السنه في اغلبهم بمدينه النخيب، التي تقع في تقاطع استراتيجي للطرق بين المناطق السنيه والشيعيه، المسلحين بالاستيلاء علي المدينه مع ادعائهم محاربه المتطرفين.

يبقي خوف اكبر في محافظه الانبار ذات الاغلبيه السنيه من المذابح و"التطهير" ان دخلت الميليشيات الشيعيه الي المحافظه بالقوه. في الاوضاع المشابهه، تكون البيئه مواتيه لاحتضان القاعده، او الدوله الاسلاميه، او حركه مشابهه، ايا كانت وحشيتها، للدفاع عن السكان السنه المحاصرين. ما يفهمه الجميع في العراق، ولا يفهمه احد في واشنطن علي ما يبدو، هو ان تنظيم الدوله الاسلاميه يمثل احد اعراض الحرب الاهليه، وليس تهديدا قائما بذاته.

يتمثل احد الامال المتبقيه لاداره اوباما، ولكنه لم يحظي بدعم في بغداد ولذلك اصبح فاشلا، في هزيمه الدوله الاسلاميه عبر تسليح العشائر السنيه بشكل مباشر بنفس اسلوب "صحوه الانبار" خلال سنوات الاحتلال. ولكن الحكومه المركزيه تخشي تسليحهم، باستثناء عدد رمزي من الوحدات من اجل اسكات الامريكيين. فالشيعه يعلمون اكثر من معظم الاطراف ما يمكن لتمرد داخلي ان يفعل للمساعده في هزيمه قوه اكبر حجما وافضل تسليحا.

الا انه رغم خطر تصعيد الحرب الاهليه العراقيه الغامضه، تتحرك الولايات المتحده حاليا لتسليح السنه بشكل مباشر. حيث تشتمل الخطط الحاليه علي توريد الاسلحه الي قاعده منصه الزنبق الاحدث في الانبار وتمريرها الي العشائر السنيه المحليه، سواء اعجب ذلك بغداد او لا (نعم، الانفصال عن بغداد جدير بالذكر). يرجح ان تستخدم تلك الاسلحه ضد الميليشيات الشيعيه مثلما ستستخدم ضد الدوله الاسلاميه، علي افتراض انها لن تسلم الي مقاتلي داعش.

حصول هؤلاء المسلحين علي الاسلحه ليس بالامر الهين. فمن يتحدث عن ارسال المزيد من الاسلحه الجديده الي العراق، ايا كان من سيحصل عليها، لا يجب ان يتجاهل السهوله التي حصل بها مسلحو الدوله الاسلاميه علي الاسلحه الثقيله التي قدمتها امريكا.

فقد اجبرت واشنطن علي قصف تلك المعدات بشكل مباشر – رغم انها لا تزال تقدم المزيد. في الموصل، ترك حوالي 2300 عربه "هامفي" لمقاتلي داعش في يونيو 2014، وترك المزيد منها للمقاتلين عندما هرب الجيش العراقي فجاه من مدينه الرمادي في مايو. ذلك النمط من تقديم الاسلحه، ثم اعاده تقديم المزيد منها بعد الاستيلاء علي الاولي سيكون سخيفا بشكل هزلي، بل واصبح ماسويا عندما استخدمت بعض تلك العربات من قبل داعش كمفخخات انتحاريه مصفحه واضطرت واشنطن لتقديم صواريخ مضاده للدبابات من طراز "ايه تي-4" سريعا للجيش العراقي لتدمير العربات.

تكمن المشكله الاساسيه في جميع اوجه السياسه الامريكيه تقريبا في العراق في ان "النجاح"، حسبما تعرفه واشنطن، يتطلب من جميع الاطراف التصرف عكس اراداتها، وحوفزها، واهدافها من اجل تحقيق اهداف امريكيه. فالسنه يحتاجون الي حامي في صراعهم من اجل المنصب السياسي، ان لم يكن من اجل البقاء، في الشكل الجديد للعراق. وتسعي الحكومه الشيعيه في بغداد لغزو المناطق السنيه والسيطره عليها. بينما تريد ايران ان تحمي العراق كدوله تابعه لتستخدمها في الوصول بشكل اسهل الي سوريا. ويريد الاكراد وطنا مستقلا.

عندما ادلي وزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر بتصريحه: "ما حدث في الرمادي علي ما يبدو هو ان القوات العراقية لم تظهر اي رغبه في القتال"، قصد فعليا ان يقول ان النكهات العديده للقوات في العراق لم تبد اي نيه للقتال من اجل اهداف امريكيه. في العقليه الامريكيه، يعتبر العراق متحملا للمسؤوليه الكامله لحل المشكلات التي خلقتها او فاقمتها الولايات المتحده في الاساس، حتي مع تحمل امريكا تحديدا للدور الاكبر في مصير العراق المظلم علي نحو متزايد.

بالنسبه لـ"خطه" امريكا للعمل، سيضطر رجال العشائر السنيه لقتال السنيين المنتمين لتنظيم الدوله الاسلاميه دعما للحكومه الشيعيه التي قمعت احتجاجاتهم السلميه علي طريقه الربيع العربي، والمدعومه من ايران التي كانت تنبذهم وتضايقهم وتقتلهم. سيضطر الاكراد للقتال من اجل الدولة العراقية التي يتمنون الاستقلال عنها. لن تنجح تلك الخطه.

بالعوده الي عام 2011 من غير المرجح ان يتخيل اي شخص ان نفس الرجل الذي فاز علي هيلاري كلينتون ووصل الي البيت الابيض بناء علي معارضته لحرب العراق الاخيره سوف يهوي بالولايات المتحده مجددا الي مستنقع الفوضي العراقي. ان كانت هناك ازمه امريكيه يمكن تجنبها، فهي حرب العراق الثالثه. وان كانت هناك حرب، ايا كانت استراتيجيتها، ليس لدي الولايات المتحده اي امال لتحقيق اهدافها فيها، فهي حرب العراق الثالثه.

لابد انك الان مندهش وتتسائل "كيف حدث ذلك؟"، بالتاكيد سيفعل المؤرخون ذلك ايضا.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل