المحتوى الرئيسى

رواية المقاومة بين مصر والصين

07/21 14:18

يثبت التاريخ ان الحياه الادبيه تتطور مع التطور السياسي والاجتماعي في كافه المجتمعات، فهناك علاقه تاثير وتاثر بين تطور الادب من ناحيه وبين التطور السياسي والاجتماعي من ناحيه اخري، فعندما يسعي المجتمع للحصول علي حريته واستقلاله وتحقيق هويته فانه يواجه تحديات قوميه لابد من مواجهتها، والاديب بلا شك يجب ان يستجيب لهذه التحديات، وان يبذل قصاري جهده لتحقيق هذه الاهداف العظيمه التي يسعي المجتمع كله لتحقيقها، فان الاديب الحقيقي في كل كلمه يخطها بقلمه يهدف الي اعلاء قيم نبيله وغايات ساميه.

يقول الاستاذ عز الدين اسماعيل الناقد والاديب الكبيرفي كتابه "الادب وفنونه": "اننا يجب ان نعي موقف الاديب من مجتمعه، فالاديب بلا شك له شخصيته وسماته الخاصه ولكن هذه الشخصيه لايمكن ان تتحقق بعيداً عن المجموع، وموهبته الابداعيه اذا لم يكن لها تاثيرها علي المجموع تصبح بلا قيمه، فقيمه الادب هي نفسها القيمه الاجتماعيه والانسانيه".

علي مدي التاريخ الانساني قديمه وحديثه لا يوجد عمل ادبي جاد يفتقد عنصر المقاومه،لانه اذا خلا العمل الادبي من فكره الصراع والنضال يفقد عنصراًساسياً وهاماً من اهم عناصر تكوينه حيث ان فكره الصراع فكره ازليه بدات منذ بدء الخليقه.

لقد جعل ادب المقاومه المصري والعربي العالم كله يتفاعل ويتعاطف مع قضايانا القوميه، جعل القاريء المنتمي الي قوميه اخري يشعر بازماتنا ويتفاعل معها. ومن هنا يتضح ان الادب لا يشارك في النضال في منطقته فقط لكنه يشارك في حركه النضال الانساني. والشعب المصري مر بتاريخ طويل من المقاومه،وفي مختلف مراحل المقاومه عبر الادب المصري بصدق وبعمق عن كفاح الشعب المصري وعن التناقضات الاجتماعيه في فترات المقاومه.

ان "عوده الروح" تعد من اقوي ما يمثل ادب المقاومه في تاريخ الأدب المصري الحديث.في هذا العمل ربط توفيق الحكيم بين مصر ومغزي الثوره،فقد عبرعن ان المقاومه والنضال علي مدي الاف السنين جزء ومكون اساسي من مكونات روح الشعب المصري...ويثبت انه حتي في اكثر الاوقات ظلمه،فان روح الشعب المصري تملك اراده المقاومه وتحقيق النصر .

والاديب الكبير نجيب محفوظ له اعمال كثيره ناهض فيها بفكره ومن خلال شخصيات رواياته اوضاعاً اجتماعيه ظالمه..من قهر سياسي وفروق طبقيه واقطاع وغيرها وهذا من خلال اعماله  "زقاق المدق" "ثرثره فوق النيل"، "ميرامار" . كل هذه الاعمال كانت تنبيء بان هناك كارثهمحققه علي وشك ان تعصف بالمجتمع كله،وفيها دعوه غير مباشره للمقاومه والتمرد علي هذه الاوضاع الظالمه. وفي ثلاثيته كانت المقاومه هي العنصرالاساسي الذي ربط بين اجزاء الروايه الثلاث،والتي عبر فيها عن مرحله من اهم مراحل نضال الشعب المصري في تاريخه الحديث.واكد علي انه علي الرغم من وجود صراع طبقي داخل المجتمع المصري ،لكن هناك ايضاًاوقات تتوحد فيها الامه لمواجهه ومقاومه الاستعمار وهذه هي سمه الشعب المصري الغالبه منذ عهد الفراعنه وحتي وقتنا هذا.

ويوسف ادريس في رائعته "قصه حب" عرض صوره من اروع صور المقاومه للشعب المصري. فقدادرك افراد الشعب البسطاء ان السبيل الوحيد لمواجهه قهر الاستعمار وطغيانه هوالكفاح المسلح.فالثوره ليست هي الوسيله الوحيده لنيل الاستقلال وانما الكفاح المسلح هو الوسيله المؤكده امام شعب يحلم بالحريه ونيل الاستقلال.

و"في بيتنا رجل" لاحسان عبد القدوس تعد ملحمه من ملاحم البطوله الوطنيه التي تؤكد علي ان الطبقه الوسطي هي التي تقود دائماً النضال الوطني وتسعي لتحرير الامه مهما كلفها ذلك.ومن الطبقه الوسطي يولد البطل القومي الذي يفضل الموت مناضلاً علي ارض بلاده علي العيش منعماً في بلاد غريبه.

اذا انتقلنا الي الادب الصيني الحديث نجده ايضاً يجعل من مشاعر وروح المقاومه عند جماهير الشعب الموضوع الرئيس للادب وبالتحديد في فتره حرب المقاومه ضد اليابان. في هذه الفتره شارك الادباء في الكفاح والنضال وكتبوا عدداً كبيراً من الروايات الرائعه التي تعكس هذه المقاومه.

وهنا ظهر تيار جديد في الادب الصيني الحديث وهو ( تيار ادب المقاومه ).

بدات المقاومه الصينيه ضد اليابان عام 1931، والقاريء للتاريخ يجد تشابهاً واضحاً بين فظائع الاستعمار الياباني في الصين وفظائع الاستعمار الانجليزي في مصر،ويجد كذلك تشابهاً كبيراً بين ظروف واحوال المجتمع الصيني والمجتمع المصري في فترات المقاومه وظهور الصراعات الطبقيه والاقطاع والقهر السياسي.وهنا يتضح ان العامل الاجتماعي من اهم عوامل التشابه بين روايهالمقاومه في مصروالصين حيث انهما تشتركان في خلفيه اجتماعيه متشابهه كان لها تاثيرها علي الادباء في كلا البلدين وعلي مدي استجابتهم وانفعالهم بروح المقاومه وتصويرهم لمراحل النضال الوطني والصراعات الاجتماعيه عند الشعب الصيني والشعب المصري. نود ان نشير هنا الي انه في بدايه المقاومه الصينيه ضد اليابان ظهرت بعض الشعارات التي تنادي ( بنظريه عدم جدوي الادب) وضروره ان يترك الادباء اقلامهم ويحملوا البنادق وينضموا الي المقاتلين . وهنا نشات قضيه شغلت الاوساط الادبيه الصينيه الاوهي: هل هناك علاقه بين الذين يشتغلون بالادب وبين المقاومه؟ وهل تحتاج المقاومه الي الادب ام لا؟

ان( نظريه عدم جدوي الادب ) انكرت تماماً رساله الادب، وانكرت دور الادباء الهام في المراحل التاريخيه الحاسمه، وانكرت السلاح الخاص الذي يمتلكه الاديب في القتال. فكما تحتاج المقاومه الي بندقيه المحارب فهي في الوقت نفسه في حاجه الي قلم الاديب الذي هو سلاح للمقاومهلا يمكننا ان نتجاهله.

لقد كان" للجمعيه الادبيه الصينيه" والتي تاسست عام 1938 دورها في توضيح دور الادب ودورالادباء كسلاح لاثاره حماس الجماهير وتعبئتهم وهذه مهمه لا يقدر علي القيام بها الا العاملين بحرفه الادب. ومما قاله جو مو رو الاديب الصيني الشهير في هذا الصدد :" ان ادابنا تتجه كلها في الوقت الحاضر نحو هدف واحد الا وهو تقويه مفهوم الجماهير لمعني المقاومه وتدعيم ثقتهم في الحصول علي النصر في النهايه. "

ان الاديب الصيني الشهير با جين هو اقرب الادباء الصينيين شبهاً بالاديب الكبير نجيب محفوظ . فله ثلاثيات تعكس واقع المجتمع الصيني وتعكس كذلك واقع المقاومه، وهو من اهم ادباء الواقعيه الصينيين. في ثلاثيته  "النار" عبر عن انه رغم وجود صراعات بين الطبقات المختلفه ’،الا انه عندما تواجه الامه ازمه ما فان روح ومشاعر الوطنيه تتجلي في صور متعدده بين هذه الطبقات المختلفه. في روايه " ليله بارده " اوضح با جين تخبط المثقفين تحت الضغط السياسي والصراع الطبقي . وكانت روايته هذه دعوه صارخه تقول لهم : اذا لم تحاولوا الصمود والمقاومه والمواجهه والتمرد فلا مكان لكم ولا دور لكم.

والاديب الشهير لاو شي في روايته الطويله  "اربعه اجيال لعائله واحده" تناول تجربه المقاومه ضد اليابان من اولها الي اخرها من خلال اربعه اجيال اختلف كل جيل في فكره واسلوب مقاومته. وكذلك انتقالهم من مرحله الاحلام والاوهام الي الوعي بما يدور حولهم وبضروره تواجدهم وادائهم لدورهم في حرب المقاومه .

والاديب ماو دون في روايته الشهيره "التاكل" عكس الوضع المخزي للجاسوسيه التي كانت تتحالف مع المستعمر الياباني ، ومدي الجرم الذي يرتكبه بعض ابناء الشعب الذين اغواهم الاستعمار ودفعهم لخيانه وطنهم .

كتب الاديب شا تينغ في هذه المرحله ثلاثيته الشهيره "البحث عن الذهب" والتي كشف فيها بسخريه لاذعه وبعمق شديد الواقع المظلم الذي تجلي في الفساد والرجعيه وفي سيطره الاقطاعيين علي الحكم، وفضح بضراوه جرائم هذه الطبقه الحاكمه .

والاديب اي وو في روايته " البراري" تناول حياه النضال والمقاومه في قريه صغيره من خلال عرض يوم في حياتهم ، اي علي مدي اربع وعشرين ساعه .واكد علي ان جماهير الشعب من العمال والفلاحيين هم القوه الحقيقيه لمقاومه الاستعمار .

في مقوله شهيره لتوفيق الحكيم في كتابه "فن الادب" قال :" ان الاديب الحقيقي هو وليد البيئه والعصر الذي يعيش فيه، والا صار الادب شيئاً بعيداً تماماً عن العصر وعن حياه البشريه ."

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل