المحتوى الرئيسى

ننشر حوار هيكل مع «السفير» اللبنانية كاملا

07/21 12:20

تنشر شبكه الاعلام العربيه محيط “محيط” حوار الكاتب والمؤرخ المصري محمد حسنين هيكل الذي اجرته معه صحيفه “السفير” اللبنانيه وقامت بنشره في عددها الصادر اليوم الثلاثاء الموافق 21 يوليو ، واليكم نص الحوار كاملاً حسبما نشرته الصحيفه وقام باجراء الحوار الكاتب الصحفي طلال سلمان:

بقميص ابيض مفتوح الصدر وبنطال اسود استقبلنا “الاستاذ” متوكئاً علي “الووكر” لكسر في ساقه، في الشاليه القائم في منتجع الروّاد علي الساحل الشمالي الذي يمتد بامتداد الشاطئ بين الاسكندريه ومرسي مطروح عند الحدود مع ليبيا.

البحر الهادئ فيروزي بسطحه الهادئ يمتع النظر ويغري بالتامل. قال وهو يلاحظ انبهارنا بالمشهد الجميل: هنا كان الماريشال مونتغمري يقيم مركز قيادته اثناء معركه العلمين خلال الحرب العالميه الثانيه.. وكان يبدا نهاره مع اول شعاع للشمس فيسبح عارياً.

بدا يستجوبنا عن احوال لبنان بتفاصيله التي لا تنتهي، وبدانا نساله عن احوال مصر في محاوله لفهم ما يجري فيها من تطورات يختلط فيها القرار السياسي المفرد في غياب المؤسسات التي تحمي هذا القرار بالزخم الشعبي مع الدماء التي يسفحها الارهاب في نواح عده من مصر، اخطرها سيناء التي ظلت متروكه لدهور، والتي اتخذها الارهاب قاعده خلفيه، مسنداً ظهره الي العدو الاسرائيلي.

وباشرنا الحوار يواكبنا احساس من يجلس الي موسوعه: فالتجربه عريضه والثقافه مميزه، والمتابعه دقيقه، والتحليل يستند الي معلومات تفصيليه تتجاوز الاخبار والمعرفه المباشره باصحاب القرار، والذاكره المميزه التي تحتفظ بشبابها... كل ذلك يحضر مع “الاستاذ” فاذا هو دائره معارف: يعرف الكثير الكثير من المرجعيات السياسيه معرفه مباشره، ويعرف عن البلاد واحوالها، لا سيما العربيه وبعض الغرب البريطاني والاميركي وبعض الشرق، روسيا اساسا ثم الصين والهند وصولا الي اندونيسيا، اقتصاداً وثقافه وتوجهات، لهذا كله فهو “الاستاذ”.

وبلغه “البدو” هو العارفه. ذاكرته نضره، ومعلوماته شامله، فضلاً عن انها تستند الي معرفه مباشره باصحاب القرار وصانعي السياسه.. ثم انه متابع دقيق وخزينه المعرفي يسهل عليه تحليل الحاضر واتجاهات الريح، ما يمكّنه من استقراء المستقبل.

يعرف البلاد وحكامها، يعرف نخبها الثقافيه والقاده المؤثرين في التوجهات وفي القرار، ثم ان له ذاكره فيل، فهو نادراً ما ينسي قائداً او قيادات سبق له ان عرفها، عن قرب، في هذا البلد او ذاك. يعرف الملوك والرؤساء والامراء والشيوخ. يعرف قاده مفكرين مؤثرين في الغرب، بريطانيا واميركا وفرنسا، وفي الشرق. ثم ان له صلات بالنخب، يتابع حركتها ونتاجها الفكري والثقافي حتي اليوم. ويعرف معظم القياديين من الساسه العرب... والاهم انه قارئ نهم ومتميز، تمكنه صلاته بكبريات الصحف العالميه برؤساء تحريرها والكتّاب فيها ان يعرف كثيراً عن الافاق الثقافيه وحركه التجديد فيها.

يعرف مصر كلها، بتاريخها القديم وبصناع تاريخها الحديث، من زعماء احزاب العهد الملكي والنخب الثقافيه، الي القائد الذي تجاوز معه الراويه الي موقع الصديق والمستشار ومبلور الافكار والمفسر والشارح للقرارات، جمال عبد الناصر.

عرف السادات جيداً واختلف معه الي حد الذهاب الي السجن، وعرف مبارك الي حد القطيعه بعدما اكتشف عبثيه الحوار معه، وعرف كل من كان له موقع في العهود الثلاثه السابقه علي “الميدان”، كما كان يعرف بعض المجلس العسكري. وحاور الاخوان الذين يعتبرونه خصماً. واجتهد في نصح محمد مرسى، فلما يئس ابتعد، ثم انحاز الي “الميدان” وتفهم اسباب حركه الجيش التي انتهت بتولي المشير عبد الفتاح السيسي قمه السلطه عبر استفتاء شعبي كان محكوم النتائج.

..ولقد ذهبنا اليه للحديث عن ايران، التي عرفها امبراطوريه بالشاه واحدي زوجاته شقيقه الملك فاروق، ورئيس الحكومه الذي قاد عمليه تغيير ثوري الدكتور محمد علي مصدق سنه 1951، والذي قاتله الاميركيون والغرب والامبراطور، ولم تتيسر الحمايه لهذا الزعيم الشعبي الذي لعب دوراً تاريخياً وصار بطلا وطنيا لا منازع له في شعبيته حين اقدم علي تاميم البترول، وواجه الامبراطور والغرب والراسماليه الايرانيه واجبر الشاه علي التنازل عن كثير من صلاحياته... ثم قاتله الغرب عموماً وتمكنوا من “اسره” ثم تصفيته سياسياً.

كذلك فهو قد واكب الثوره الاسلاميه في ايران، فكان بين اوائل من حاوروا الخميني الامام بمنطق المتفهم والمساند ولكن من موقع عربي... كما عرف الكثير من قيادات الثوره ومن متابعي نهج الخميني بعد رحيله وابرزهم هاشمي رفسنجاني رئيساً وركناً في قياده الحكم لفتره طويله... وما يزال يقرا التطورات في ايران بعيون عربيه.

ربما لكل هذه المعارف اخترنا ان نحاوره حول التطورات الاخيره، وتحديداً حول اتفاق فيينا وما بعده، ورؤيته لايران ما بعد هذا التطور، وكيف سيكون موقف الغرب منها وكيف سيتصرف الحكم المصفح بالشعار الثوري في المرحله الجديده التي سيقبل فيها الغرب عليها... ثم اين روسيا والصين؟ قبل ان نتوقف امام محطه العرب وايران من اليمن الي لبنان مروراً بالسعوديه الي الخليج.

بدانا بمحاوله استعاده راي “الاستاذ” بالرئيس الاميركي باراك اوباما، انطلاقاً من خطابه امام جامعه القاهره سنه 2009 ثم الانطباعات التي تكوّنت لديه بعد ولايتين له:

ـ الم اكن علي حق في ما قلته يومها؟ انه خطيب مفوّه، لكن تكوينه ضده، اصوله ولون بشرته، وموقع السود في النظام الاميركي.

بماذا يتحدي اوباما الكونغرس؟ علينا التمييز بين ان يختلف مع الكونغرس ويمارس اللعبه في اطار نصوص معينه او بين ان يتحدي الكونغرس. انا لا اراه يتحدي الكونغرس وقد اقتربت ولايته الثانيه من نهايتها. سيمر الاتفاق، سيحدث الكونغرس ضجيجاً كبيراً حوله ولكنه يبقي من اختصاص الرئيس وادارته. لا يمكن في اميركا ان يتم توقيع اتفاق ولو بالحروف الاولي ضد اراده الكونغرس حيث ان هناك دائما توافقا بين الكونغرس والاداره في هذه المسائل.

التحدي الوحيد الموجود في المنطقه بالنسبه الي السياسه الاميركيه هو ايران. فالعالم العربي كله كما نري! وفي تركيا من هم مثل اردوغان لا يُبني علي مواقفهم. هذا هو التحدي الوحيد حيث لن ترضي اميركا عن طيب خاطر بنظام كالنظام الايراني: ان تقر بوجوده كحقيقه واقعه وهي لا تملك حلاً اخر! ولكنه لن يكون النظام الافضل بالنسبه اليها.

سحب هيكل نفساً من سيكاره، ثم استانف كلامه فقال:

ـ لو كان هناك “سلاح اقتصادي” قد يؤذي ايران لكان اذاها في السنوات التي اشتد فيها الحصار الاقتصادي عليها.

هناك امر جديد حصل نتيجه المفاوضات بين اميركا وايران وهو ان حاجزاً كبيراً كان قائما بين اوروبا وافريقيا واسيا وبين ايران قد انكسر من غير محاذير بعد فك الحظر الاميركي. وذلك برغم ان العداء الاميركي لايران سيستمر. وبعد ان وصلوا الان الي نوع من الاتفاق لن تضطر دول كثيره الي مراعاه الحظر الاميركي الذي كان قائماً.

توقف عن الكلام لحظات ونظر الينا يتفحصنا ثم عاد الي تحليل شخصيه اوباما وقدرته علي القرار:

ـ لا يمكن ان تاتي باحد من خارج سياق القوي الحقيقيه وتتوقع منه ان يصل الي التفرد بالقرار. مجيء اوباما هو دليل بحد ذاته علي ازمه قرار وازمه قوي في اميركا، فليس من الطبيعي ان تاتي برئيس “اسود” وباغلبيه الاصوات في الانتخابات.. فالاغلبيه هي للبيض (WASP). اذا جئت برئيس من اقليه ضدها تمييز تاريخي ولا تملك مفاتيح القوه ومضطهده فانت تريده ان يحقق لك هدفاً. السود حتي هذه اللحظه في اميركا 12ـ 14% وليست لديهم اي من مفاتيح القوه، وهناك تمييز عنصري بحقهم. القوي الحقيقيه في اميركا لديها هدف في هذه اللحظه. وبغض النظر عما اذا كان اوباما قد نجح او فشل فهو لم يحقق الهدف. حتي لو كانت هناك محاوله من قبله بشكل معين فليس معني ذلك انها قد تنجح. لا اعتقد انه غيّر صوره اميركا كثيراً وهو امر صعب للغايه بالنسبه له. الذي يغير اميركا هي الصدمات المتواليه في فيتنام وايران واماكن اخري.

تسالني عن الدليل؟ اعطني دليلاً واحداً ان اوباما غيّر سياسه في منطقه ما. نتكلم هنا عن تغيير حقيقي وليس لعبه العلاقات العامه في الشكل (كيف يدخل اوباما ويفتحون له الابواب ويتراقص في مشيته وهو طويل، ويتكلم بثقه)...

ـ تقدم اميركا نفسها امام الخارج بوجه اخر يمكن ان يكون مقبولاً في العالم، بانه ليس لديهم تمييز عنصري ومشاكل انسانيه من هذه الطبيعه. فشلت سياسه الاحتواء الاميركيه السابقه. ما غيّر الاوضاع ليس اوباما، بل ما غيرها هو ان كوبا وقفت وايران وقفت. فلم يصل رئيس في اميركا الي السده واتخذ خيارات جديده وغيّر الاوضاع. بل كان ياتي “الرئيس” ويجد امامه حقائق مختلفه تسقط خياراته القديمه. يمكن ان نقول ان الحصار الذي كان مفروضا علي ايران سيخف. لكن الحرب علي النظام في ايران، وان لم تعد موجوده في الشكل الذي كانت عليه سابقاً، لا زالت مستمره. والايرانيون يدركون ذلك. تراهن اميركا علي تحولات انفتاحيه داخل النظام الايراني. لكن النظام الايراني لم يفعل مثل ما فعلناه في مصر حيث قرر السادات ليلاً السفر الي تل ابيب وركب الطائره في الصباح فكان ظهر اليوم التالي في مطار بن غوريون. هذا امر لم يفعله ولن يفعله احد غيره.

صمت لحظه ثم عاد يستذكر تاريخ علاقته بايران، قال:

ـ اوّل زياره لي الي طهران كانت سنه 1951 ايام مصدّق، وعرفت الشاه وعرفت اشرف (شقيقه الشاه)... ثم عرفت الخميني والخامنئي ورفسنجاني وخاتمي الذي تكرم فزارني في برقاش.

وفي تقديري ان علينا الا نبالغ في مدي تاثير الاتفاق النووي. هو مهم جداً ولكن اميركا لن تترك العالم كله يجري مباشره الي ايران بل تريد ان تتصل مع ايران علنا بقدر معلوم لكنها لا تريد لاحد غيرها ان يتصل. ما تمثله ايران هو الطموح المستقل الذي وصل الي حد المعرفه النوويه (وتباعا السلاح النووي)، وهذا غير مقبول من اميركا. هناك فرق بين ان تتعامل لفتره مع حقائق تدرك انه ليس بامكانك ان تغيرها الان، ولكن تتعامل معها مع افتراض انك قد تكون قادراً علي تغييرها في مرحله لاحقه. فلو نجح النموذج الايراني ورُفع عنه الحصار وتركته ينمو، تكون الخطه قد فشلت. وما تقوم به اميركا اليوم هو انها تشغل ايران الي ان تكون قد استولت بالكامل علي سوريا، وتشغل ايران الي ان تكون قد استولت بالكامل علي الاردن. العامل النفسي يلعب دوراً وقد بات الجميع يخاف من ايران وفي هذه الحاله تسقط كل التحفظات. والمعركه تدور حالياً في مصر حول ما اذا كان ينبغي الانفتاح علي ايران. والرئيس السيسي يستمع ويهتم ولكن هناك محاولات لكي لا يحصل التقارب او الانفتاح. الدول القويه قد تقوم ببعض الاشياء التي تستسهل ان تقدم عليها هي، ولكن لا تسمح لك ان تفعلها انت. فهي قد تسمح لبعض الدول التي يمكن ان تسيطر عليها ان تقدم علي ذلك، ولكن ان تقوم بها انت، ثم غيرك، ثم ثالث ورابع وتكر السبحه، فهذا لن يكون مقبولا.

- لم ينتهِ التناقض الايراني الاميركي ولن ينتهي بوجود هذا النظام في ايران. فاما ان يتغير النظام فيها او يتم اسقاطه. فاميركا امام نظام في ايران رافض للهيمنه الاميركيه وملاصق لروسيا وللصين، وهو في منطقه وموقع جغرافي يشكل نقطه ارتكاز مشرفه علي روسيا والصين وتركيا... يمكن ان تقبل اميركا بترتيبات في هذه اللحظه، ولكن لن ينتهي عداء اميركا مع هذا النظام مهما كان، الا اذا غيّر النظام طريقته او غيرت اميركا مطالبها منه. التناقض الحالي بين الاثنين اكبر من ان يحل، ولن توفر اميركا اي قيد تقدر ان تفرضه علي تمدد النووي الايراني. نحن هنا امام علاقه قوه: هل تستطيع اميركا ان تقبل بقوه في المنطقه قادره علي الانتشار والتاثير خارج حدودها ولا تكون حليفه لها؟... ان التناقض بين الدولتين كبير جدا ويجب ان يغير احدهما طبيعته. هل ستغير الثوره الايرانيه رايها في مفهومها للاستقلال؟ ولو تواضعت اميركا قليلا او لو روّضت ايران تنتهي المشكله. ما نشهده اليوم هو الاستمرار للوضع الذي جاء بعد الثوره الايرانيه، والحيره بين امكانيه احتواء الثوره وهي ترفض ان تُحتوي، وبين ضربها وهذا امر لا يقدر عليه احد ولا يرغب فيه احد، فلا يستطيع احد ان يتحمل حرباً في هذه الظروف. هناك طرف متمرّد وطرف اخر يريد ان يروّضه وهنا تدخل في صراع دون ان “يمسكوا في هدوم بعض”، واذا جلسوا الي الطاوله فهم قد جلسوا لطرح موضوع محدد. هناك دوله محوريه بين 5+1 وهي اميركا، فهل تستطيع اميركا ان تقبل في هذه اللحظه نظاماً ثورياً خارجاً علي طاعتها ويمارس سياسه مستقله؟

سالنا عما بعد الاتفاق النووي، فقال هيكل:

ـ اميركا لن تقبل بوجود اي نظام في ايران يسمح بوجود دوله قويه. فايران وتركيا تشكلان قاعده المواجهه الاميركيه الاماميه مع روسيا، بصرف النظر عما اذا كان في روسيا قيصر او زعيم شيوعي. في العوده الي التاريخ والجغرافيا، تشكل روسيا خطراً حقيقياً علي اوروبا، ويتحسب الاميركيون من روسيا بحد ذاتها وليس من النظام الشيوعي فيها. هزيمه اميركا في ايران ستكون مدوّيه، كما كان لوقع سقوط الشاه والعائله البهلويه، ثم ان فشل اميركا حتي الان في تطويع الثوره الايرانيه او استبدالها بنظام اخر يضعها امام نزاع خطر قد يدخل في مرحله يقلم فيها الطرفان اظافر بعضهما بعضا، ويصعب علي اميركا ان تقبل بنظام قوي في ايران. هذه مساله في غايه الاهميه.

ـ الاتفاق سيجعل ايران اقل شعوراً بالعزله. لان الغرب قد نجح، ولو بالفوضي، في ان يجعل العراق بؤره عزل لايران، وسوريا كانت تشكل نقطه ارتكاز لايران في المنطقه... اما اليوم فايران وحدها في الاقليم وليس لديها حلفاء طبيعيون لما تمثله الان، ولا حتي تركيا.

وكان بديهيا ان يستدرك هيكل ليتوقف امام عنصر مؤثر في التطورات المحتمله، فقال:

ـ اما الحركات والتنظيمات التي تعتمد عليها، فكلها ضعيفه. يشكل “حزب الله” قوه كبيره في لبنان، ولكن لبنان كله (مع احترامي لكم) له حدود في التاثير، فكيف اذا كانت سوريا مدمره بهذه الطريقه التي هي عليها اليوم؟ واذا كان العراق يعيش او يموت بالطريقه التي نشهدها. نحن امام مازق حقيقي، فلا تحمل الناس اكثر مما تطيق. صحيح ان لدي السيد حسن نصر الله اشعاعاً معيناً في لبنان وخارجه، لكن لا تحمّله اكثر مما يطيق، فليست لديه القدره علي التحرك والحركه خارج حدود لبنان. صحيح ان لديه سمعه جيده، ولكن السمعه لا تشكل بحد ذاتها قوي تقاتل علي الارض. قتال “حزب الله” في سوريا هو للدفاع عن نفسه، وليس في معركه اثبات نفوذ. اذن فهو بحاله دفاع عن النفس في سوريا لانه مستهدف، فمن يريد ان يضرب ايران اليوم يحاول ان يقص اجنحتها في اي مكان لديها فيه نفوذ. وقتال “حزب الله” هو من اجل بقائه ودفاعا عن نفسه وعما يمثله في لبنان، وهذا ما يؤكد مشروعيته في انه يقاوم، وليس في انه جزء من مشروع ايراني. ايران قد تستفيد من ذلك، وكذلك مصر برغم اننا لا نعترف بذلك: فنحن نستفيد من كل بؤره مقاومه معطِّله لتسويه شامله في لحظه ضعف العالم العربي وتهاويه بهذه الدرجه.

ـ وماذا عن مرحله ما بعد توقيع الاتفاق، اذا ما حاولنا استكشاف الافاق المحتمله؟

ـ ليس صحيحاً ان كل الملفات قد طُويت وتم فتح الملف النووي وحده. لقد فتحت كل الملفات. والموقف الاميركي يهتم بايران اكثر من اهتمامه بما حولها. ايران مثل مصر، دوله حقيقيه وجدت علي ارض محدده عبر التاريخ وبقيت في الموقع نفسه دون تغيير، وتحمل في تكوينها حضاره طويله وقوه. وعندما تكون الطريق الي ايران مفتوحه، فسيدخل فيها الاميركيون الي اخر مدي. الشيخ راشد بن مكتوم كان شاطراً في هذه المساله وكان مستعداً ان يضرب من يحاول الاستهانه بايران. هناك حقائق في الجغرافيا، فالسعوديه تهيمن علي الخليج وهناك ايران وتاثير الهند وباكستان، ولكن لايران التاثير الاكبر في المنطقه.

ـ لقد فتحت كل الملفات بين اميركا وايران، وقد لامسوا المواضيع من دون ان يجدوا لها الحل. كل من لديه مصالح متشابكه يدخل الي المفاوضات وقد وضع اجنده بالمواضيع المطروحه، وهي تتضمن تلك التي لها اولويه في هذه اللحظه.

راينا العقوبات والحصار في مصر خلال عهد عبد الناصر، وكذلك واجهت كوبا هذا المصير. ايران تتعرض لما تعرضت له كل حركه تمرد في وجه الهيمنه الاميركيه. ذلك حصل لعبد الناصر وحصل لكاسترو وللصين واخرين كثيرين، وايران تعلمت من تجربه الاخرين ودرست تلك التجارب جيداً، ولن يعيد احد تجربه ما قام به السادات في مصر فينقلب علي ذاته. ونتيجه تجربه السادات وحسني مبارك واضحه امام الجميع.

واستنتج “الاستاذ”: ـ ليس هناك اقوي من شعب علي ارضه مع حضاره مستمره. الايرانيون لم يفعلوا سوي انهم كانوا انفسهم. هناك حضاره فارسيه علي هذه الارض وفي هؤلاء الناس، وهذا ما له قيمه كبيره. فمصر مثلا وبرغم كل ما اصابها مارست هذا الامر في فتره ما.

ـ وماذا عن مصر؟.. طالما قد استذكرت تجربتها في الماضي؟

ليت هناك رؤيه واضحه بالنسبه الي ما ستكون عليه مصر مستقبلا، ولكنها بدات تستعيد توازنها حيث ان فتره الفوضي التي سادت في مصر بعد حكم السادات ومبارك قد انتهت. والمصريون اليوم مرهقون بما يواجههم ويتخيلون ان هناك انقاذاً سياتي من العالم العربي، لكن لا مفر امامهم من ان يعتمدوا علي انفسهم.

روسيا كانت قد دخلت في صميم الشرق الاوسط. ولُسعت فيه ودفعت فيه خسائر برغم حسن نياتها، ثم انتكست بعد ان خرجت مصر من المعادله الاقليميه فيه، والان تقف سوريا عند باب الخروج.

هناك تناقض، تاريخياً، بين ايران وروسيا، وهناك شك طبيعي روسي. التجربه الشيوعيه في روسيا لم تكتمل ولكنها تركت مواريث ثقافيه اثرت في امور كثيره، ما قام به ستالين وخروشوف او غورباتشوف انهم نظروا الي مطالب روسيا في المنطقه بمقدار قوتها. والصراع التاريخي بين روسيا وايران طويل جداً وكذلك التداخل بينهما، وصيغ التعايش في ما بينهما لم تعش كثيراً، فالشاه حاول ومن قبله، والروس يرغبون في فتره من غير مشاكل كما يرغبون بسلام مع كل حدودهم (مع اوروبا او مع الجنوب) لانهم يشعرون انهم يحتاجون الي اعاده بناء واسعه جداً، فاحوالهم ليست جيده. روسيا لا تزال بلد عالم ثالث، وهي غنيه بالموارد، وقد دخلت في ثوره صناعيه حقيقيه، برغم انها “عالم ثالث” ولكنها في افضل حالات العالم الثالث، ولو ان واحده من جمهورياتها لديها كل مظاهر العالم الاول ولديها قوه. لو امتلكت ايران مثلاً القنبله النوويه فلن يجعلها ذلك دوله من دول العالم الاول.

انتقلنا الي الابعاد العربيه لهذا التطور المؤثر دولياً، وكذلك انعكاسها علي الجوار الايراني، فقال هيكل:

ـ في نقاط الارتكاز في المنطقه، باكستان ليست نقطه ارتكاز بل هي نقطه تواجد فقط. فلا يكفي ان تحتل اميركا بلداً ليكون نقطه ارتكاز. نقاط الارتكاز (pivots) في المنطقه هي تركيا الي حد ما وايران الي حد ما والهند الي حد ما. اما باكستان فلديها مشاكل كثيره وخطيره. اما الدول العربيه، فمصر مشغوله ولا يوجد هناك تحالف عربي يمكن ان يحل محلها في الدور الذي يمكن ان تلعبه، والسعوديه ودول الخليج تتصرف بطريقه متخلفه.

واذا عدنا الي اساس الموضوع فالسعوديه في ازمه لا اعرف كيف ستكون نهايتها او كيف ستتطور وكيف ستؤثر علي نظام الحكم فيها. اما البدائل فلا بدائل! ولا احد عنده سلطه تخوله ان يكون البديل. هناك مشكله حقيقيه وهذا هو ما يبقي السعوديه.

الجيش يتحكم به هم امراء الاسره. هم اذكياء الي درجه ان الوحدات الرئيسيه في الجيش هي بقياده امراء. هل هناك من يملك المصداقيه المطلوبه؟ لا ادري. كلهم يتساوون ولا احد يظهر انه البديل، حاله الصراع الموجوده هي مع البرجوازيه الناشئه.

عن سوريا والعراق واليمن.. والوضع العربي

وكان بديهيا ان نسال عن سوريا التي تقلق اوضاعها المضطربه الجميع... فقال هيكل:

ـ سوريا لم تكن مركزاً لدعم بؤر المقاومه في المنطقه بل حاولت ان تفيد منها لمصلحتها. اذا تحدثنا عن مشروع تقسيم في سوريا فذلك يعني اننا نتحدث ايضاً عن مشروع تقسيم في العراق، وتاثيرات ذلك في شبه الجزيره العربيه كبيره جداً، ولا اظن ان الاميركيين يريدون ذلك. ما يريدونه هو ان يتخلصوا من النظام الحاكم حالياً وان ياتوا بنظام يناسب مصالحهم (وليس مصلحه ايران بطبيعه الحال).

العراق الحالي كان تركيبه جديده، والقوي التي انشاته لم تعد تهتم فيه اليوم وتركته لاهله الذين يرغبون في الحفاظ علي التماسك الداخلي فيه.

والاكراد المشكله الاكبر فيه، وهم جادون في محاولتهم لتحقيق مطالبهم فيه بصرف النظر في ما اذا كانت محقه. هناك قاعده للدوله الكرديه وهي موجوده علي ارض موجوده، وسيكون في منتهي الصعوبه ان تمنع قيام الدوله. واذا استطعت ان تمنعها فستلقي مقاومه كبيره من الاكراد لفتره طويله. والحقيقه ان للاكراد الحق في ان تكون لهم دوله تمثل قوميتهم بلغتها وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، ولو تركهم العرب ليقيموا هذه الدوله فسيقاومها اخرون (تركيا وايران).

لا اعرف كيف ومتي ستنتهي المصائب التي يقع فيها العالم العربي، والكارثه ان كل ذلك يحدث في اشنغال مصر.

سيغرق السعوديون في مستنقع اليمن. عندما تدخّل عبد الناصر هناك كان يساعد حركه تحرر فيها وليس لديه حدود ملاصقه لها، اما السعوديون فلديهم باستمرار مطالب من اليمن ولقد استولوا علي محافظتين فيها. اليمن مرهق وسترهق السعوديه حتماً في دخولها في حرب مع اليمن ولكنها حذره جداً. فالقبائل يعرف بعضها بعضاً جيداً. ولن يتوغل السعوديون في الداخل اليمني سيواصلون الضرب من الخارج. وهم يعرفون المصائب الموجوده هناك.

السعوديه ودول الخليج اضعف من ان تشاغب علي الاتفاق النووي، ولكن يمكنها ان تشكو الي الاميركيين وتعاتبهم وهم يعتبرون توقيع الاتفاق خيانه لهم. الاماراتيون اتخذوا موقفا ايجابياً حتي الان. ثم انه علينا ان ننتظر تصرفات هذه الدول وليس مواقفها المعلنه. كلهم يتساوون في الخوف من ايران، وقد قامت دول الخليج بالتحريض علي ايران في الفتره الاخيره والتشكيك في نياتها.

اذا اكملت ايه دوله دوره تخصيب اليورانيوم يكون لديها القدره علي صناعه القنبله النوويه خلال 6 اشهر. ما قامت به ايران هي انها تعهدت الا تطور سلاحاً نووياً وقد امتلكت المعرفه النوويه. هناك دول في الخليج (الامارات وقطر) تبرز في محطات معينه ان لها علاقه في تمويل ودعم التكنولوجيا في مجالات مختلفه، ولكن يبقي هناك فرق بين ان تشتري التكنولوجيا وتستخدمها دون القدره علي استيعابها وبين ان تستوعبها.

وخلص هيكل الي الاستنتاج بعد هذا الاستعراض والمقارنه بين ايران والدول العربيه:

ـ الدول هي التي تصنع عقول الحكام وليس العكس لان المجتمعات هي التي تترك اثراً.

هناك من كان وضعه اسوا منا وهي المانيا، فقد تقسمت ودمرت وتبهدلت بعد الحرب العالميه الثانيه، ولكن كان لدي شعبها نواه الاراده المستقله. مشكلتنا في العالم العربي انك لا تجد بين المسؤولين من لديهم الاراده لصنع تاريخهم. المنطقه الاغني هي الخليج، والمنطقه الاهم وهي مصر والشام عندها مشاكل كثيره، اما المغرب العربي فهو غارق في مشاكله و “زهقان” من المشرق العربي... فاين يبقي الامل؟ في السودان؟

لقد دخل العالم العربي كله في فراغ. هناك فكره انهارت وهناك قوي اقليميه ظهرت، لم تظهر لدينا قوه بديله او فكره بديله. ولكي يبادر احدهم عليه ان يتمتع بامكانيه القبول او مصداقيه القبول، ولا يملك احد المصداقيه المطلوبه في العالم العربي، ابداً. المصداقيه تائهه في مكان ما وهي خارج العالم العربي. كلهم يتكلم بكلام جيد ولكن لا احد منهم يعني ما يقوله، ولا يملك احداً تشخيصا حقيقيا للمنطقه او لاحوال العالم من حولها.

في ايران هم قادرون علي ان يفهموا ما يجري في العالم ومن حولهم. لقد استطاعت الثوره الايرانيه ان تاخذ ثوابت الثقافه والحضاره الفارسيه باستمرار. هناك امه كانت تتقدم واستمرت في ذلك وكان الانتقال سلساً. وهذا امر يمكن ان يحدث في بلدين: عندنا هنا في مصر، وفي ايران، والي حد ما تركيا طبعا. فهذه اوطان حقيقيه والباقي كله يشكل فسيفساء بين اوطان حقيقيه.

ـ ومتي تنتهي الفوضي في العالم العربي؟

ـ نحتاج بين 12 الي 15 سنه.

عدنا الي المنطقه العربيه وماسيها والتعثرات السياسيه الخطيره، وانكشاف الانظمه وعجزها ضمن الفراغ السياسي الذي تعيش فيه عن مواجهه “داعش”، واضطرارها الي طلب النجده الاميركيه. سالنا “الاستاذ”:

ـ لقد ربطت الحديث عن “داعش” بالفراغ، هل هناك خوف علي مصر؟

ورد جازماً: لا خوف علي مصر. “داعش” لا تعيش في مصر. طبيعه مصر مختلفه. هناك جماعات ارهابيه خطره موازيه لداعش لكن التنظيم لم يصل الي هنا، ولا ينجح “داعش” في مصر. لقد نجح الاخوان مثلا، كحركه محليه. داعش والبغدادي لا احد يقبل بهما في مصر. حسن البنا ممكن اما البغدادي فلا احد يقبل به.

سالنا: قلت ان تنظيم الاخوان نشا، في الاصل، محلياً، لماذا لا يزال مستمرا حتي الان؟

ـ قوته في انه ورث التنظيمات الصوفيه. الطرق الصوفيه لها نفوذ قوي في مصر. حسن البنا كان صوفيا، وهو استخدم البنيه التحتيه للصوفيين. حسن البنا وفي مكتبي في “اخبار اليوم” سلمني البيان ذاته الذي جاء فيه ان المتطرفين في التنظيم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين. التنظيم (الاخوان) متاثر بالطرق الصوفيه ولكن هذا التاثير هو الذي يجعل له جذوراً في مصر. الناس في مصر عندها عشق للدين. وهناك يسار حقيقي في مصر. هناك احزاب في مصر وعندها برامج سياسيه وخصوصا الوفد له برنامج، ويمكن ان يقوم ائتلاف.

مصر تمشي الي مستقبل ما. انا اري ان احوال مصر لا باس بها. هناك اقتصاد مازوم ومرهق جداً. التعليم ليس مدمرا تماما. انا اخشي من الاحكام المطلقه. التعليم ليس مدمرا الي هذا الحد. التعليم الخصوصي طول عمره موجود. من ياتي بالمعلم الخصوصي هو من طبقه معينه. النظام التعليمي معمول لاستيعاب 6 ملايين واليوم يتم تحميله من 30 الي 35 مليوناً، من دون تحديثه بذريعه ان نصف علم افضل من جهل كامل. النصف الجاهل كارثه. انا اراهن علي انه في التصنيع ليس بالضروره ان نحتاج الي مستوي علمي معين. الوظائف العامه في الدوله لا تتحمل اكثر من 9 او 10 ملايين. علينا الاتجاه الي التعليم المهني لغايات واضحه مثل الصناعه والتجاره والسياحه والخدمات. عليك ان تخلق وظيفتك. استنفدنا الوظائف العامه. لازم نسلم ان مصر كلها في ازمه. وهي في مرحله الانتقال من حال الي حال. انت امام بلد لا يزال يدعي انه كويس وهو مفلس.

... وكان لا بد ان نستعيد ما يجسد الواقع الماساوي الذي نعيش. قلنا: لقد كدنا ننسي فلسطين..

ـ فلسطين تجسد تردي الواقع العربي. ومن باب الطرافه لا اكثر، استذكر انني ذهبت مع احمد بهاء الدين مره للقاء القائد الراحل ياسر عرفات في تونس، وكان معنا ادوارد سعيد علي اساس انه خبير في المجتمع الاسرائيلي، وهذا تخصصه، وطلب الينا “ابو عمار” ان نذهب للقاء محمود عباس (ابو مازن) فذهبنا اليه... ولقد حاول الرجل ان يقنعنا وبحماسه، بان المجتمع الاسرائيلي ليس كتله صماء بل فيه كتل وجماعات وتنوعات ويمكن النفاذ منها وسمعناه انا وبهاء قد اصابنا الاستغراب امام هذا التحليل.

وكان بديهيا ان نسال عن اسرائيل وموقفها من الاتفاق.. فقال “الاستاذ”:

ـ اسرائيل لا تتاثر كثيراً، طالما يعتبر الطرف الاميركي حمايتها من مسؤولياته المباشره. كانت اسرائيل تراهن علي صدام اميركي مع ايران وهي لا تستطيع ان تتصادم مع ايران، ثم اصيبت بخيبه ما عند توقيع الاتفاق.

ـ اسرائيل في ايه مرحله من عمرها الافتراضي؟

ـ المرحله التي يبدا فيها العد التنازلي لاسرائيل هي عندما يكون هناك عالم عربي قوي. الان اسرائيل مهيمنه علي المنطقه كلها.

ـ وماذا عن اميركا.. الا يمكن ان تكبر التناقضات الداخليه، في الولايات المتحده الاميركيه عندما تلملم انتشارها في العالم؟!

ـ لن يحصل ذلك. بالمصالح لا احد يمكن ان ينسحب. اميركا لم تعد قادره علي الانسحاب. بلد تجارته وموارده الاوليه كلها في العالم الخارجي. لا يمكن لاميركا ان تخرج من عندك ومن عند غيرك ما لم يكن عندك قدره علي التعايش معها من خلال نموذج معين. لناخذ نموذج ايران: ايران اراده واحده. العالم العربي ارادات كثيره وليس اراده واحده.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل