المحتوى الرئيسى

نيويورك ريفيو: لماذا نحتاج إلى تنظيم القاعدة في حربنا ضد التطرف؟

07/21 03:41

هل يصبح التنظيم الذي اعتبر طويلا اخطر تنظيم ارهابي في العالم افضل خيار متبقي امام الولايات المتحده وحلفاءها في الشرق الاوسط؟

ينتشر ارتباك في واشنطن وعواصم غربيه اخري حول وضع ومستقبل تنظيم القاعدة. حيث يزعم بعض الدبلوماسيين والمعلقين الغربيين ان القاعده قد تراجع الي حد كبير بسبب تنظيم داعش الاكثر شعبيه ووحشيه. بينما يصر اخرون علي انه يتوسع في سوريا واليمن، ويبقي قويا في باكتسان وافغانستان حيث تقيم قيادته الحاليه، ويستمر في تمثيل اخطر تهديد ارهابي للغرب.

في غضون ذلك، تشير التطورات في الشرق الاوسط الي تناقضات متزايده في السياسه الغربيه.

ففي سوريا، قصفت الولايات المتحده جبهة النصرة، التابع المحلي لتنظيم القاعده، بالتزامن مع قصفها لداعش. ولكن بعض اعضاء التحالف ذي القياده الامريكيه ضد داعش، ومنهم تركيا والسعوديه، يدعمون جبهه النصره بشكل فعال بالاسلحه والاموال.

وفي اليمن، واصلت الولايات المتحده حمله درون استمرت لمده عام ضد تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه، وهي حمله اسفرت مؤخرا عن مقتل قائد تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه ناصر الوحيشي يوم الجمعه. ولكن الكثيرين بالعالم العربي ينحازون الان بشكل اساسي تجاه التنظيم في الحرب ذات القياده السعوديه ضد متمردي الحوثي في اليمن. وبينما يحظي داعش باهتمام ساحق بسبب قدرته علي احتلال الاراضي والسيطره عليها واجتذاب الالاف من المتطوعين الغربيين، لم يسلط الضوء بشكل كبير علي الاثر البالغ لداعش علي تنظيم القاعده.

الحقيقه ان تنظيم القاعده قد تطور بشكل جذري منذ موت اسامه بن لادن وظهور داعش. رغم الحمله المنسقه ضده من قبل الولايات المتحده وتحالفها المكون من اكثر من ستين دوله، يزعم داعش الان انه يمتلك قوات بريه في عشرات الدول الممتده من تونس الي اسيا الوسطي وباكستان، وانه يطبق مشروعا لبناء الدوله – الخلافه – التي راودت احلام تنظيم القاعده. تتمثل العاقبه الاخطر لنمو داعش علي المدي البعيد في اطلاق العنان لحرب عامه بين السنه والشيعه، والتي ستحدث انقساما داخل العالم الاسلامي سيستمر لعقود.

اما تنظيم القاعده، علي الجانب الاخر، فقد استنزف للغايه. الا انه لا يزال يتمتع بتواجد كبير في سوريا، والعراق، واليمن عبر تابعيه، ويستمر في الهام مسلحي افغانستان، واسيا الوسطي، وباكستان، الذين يقدمون الماوي والقوه البشريه للتنظيم من اجل الابقاء علي قيادته، متمثله في ايمن الظواهري، علي قيد الحياه. كما ان تنظيم القاعده باعد نفسه بشكل متزايد عن داعش بالنسبه للاستراتيجيه والاهداف في ساحات المعارك في سوريا واليمن. لذلك يصبح السؤال ملحا، ان كان تنظيم القاعده يتغير، فكيف سيصبح؟ هل التغيير للافضل ام للاسوء؟ وماذا سيكون دوره في المواجهه الحاسمه مع داعش؟

نتج جزئيا عن الحضور الغامض للقاعده في الصراعات الممتده بالشرق الاوسط، تباعدا مثيرا بين الولايات المتحده والدول العربيه بصدد كيفيه شن الحرب علي داعش. وفي خضم فوضي الصراعات المتزامنه في سوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، يتم الان خوض حربين هادئتين منفصلتين كبيرتين. تخوض الولايات المتحده وحلفاءها الغربيين الحرب الاولي، حيث يسعون لهزيمه جبهه النصره في سوريا وتنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه الي جانب حملتهم ضد داعش. الا انه الي حد كبير، لا تشارك الدول العربيه في الحرب ضد القاعده، ولا تقدم اي دعم استخباراتي للقوات الامريكيه التي تقودها.

اما الحرب الثانيه، وعلي النقيض من الاولي، تشنها تركيا والدول العربيه الاقليميه – وعلي راسها السعوديه، وقطر، والامارات، والاردن، ومصر – ضد الاسد والقوات الاخري المدعومه من ايران في المنطقه، وكذلك ضد داعش. تتجنب الدول العربيه في تلك الحرب بشكل معلن قصف او مهاجمه جبهه النصره وتنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه، بل وتقدم الان لكليهما الدعم المالي والتسليح.

يعود ذلك الي اعلان التنظيمين عن اهدافهما، التي تتلاقي مع اهداف الدول العربيه. فقد وضعت جبهه النصره علي راس اهدافها الاطاحه بنظام بشار الاسد، وهزيمه ميليشيات حزب الله المواليه لايران، والقضاء علي الدعم الايراني للاسد. اما تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه، فانه يقاوم التمرد الحوثي ويريد ايضا ان يقضي علي النفوذ الايراني في اليمن. لذلك اصبح التنظيمان حلفاء مع الدول العربيه، رغم حقيقيه ان القاعده قد سعي مسبقا الي الاطاحه بنفس تلك الانظمه.

يتعارض ذلك تماما مع الاهداف والاغراض التي اعلنتها امريكا طويلا. حيث يستمر الرئيس باراك اوباما ووزير الخارجيه جون كيري في الاصرار علي انه ليس هناك فارق بين داعش وتنظيمي القاعده. ويظل صحيحا ايضا ان كلا التنظيمين خطير؛ فقد اظهر تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه خلال السنوات الاخيره القدره علي التخطيط لهجمات طموحه ضد اهداف غربيه. الا ان العرب لهم مبررهم في استنتاج ان تنظيم القاعده ربما يكون اخذا في التطور. حيث يسيطر التنظيمان حاليا علي مدن وبلدان في الدول المعنيه، ما يسجل اول مره يسعي القاعده فيها للسيطره علي الاراضي. ووضع كلاهما سياسات للحكم المحلي تختلف بشكل ملحوظ عن سياسات داعش.

عند تسليط الضوء علي جبهه النصره، وهي العدو الرئيسي لداعش في سوريا، نجد انها علي خلاف داعش، الذي يفرض الاستعباد المطلق علي سكان اي ارض يغزوها (الاستسلام او القتل)، تتعاون جبهه النصره مع تنظيمات اخري معاديه للاسد، وانضمت مؤخرا الي "جيش الفاتح"، وهو تحالف من ميليشيات المتمردين في شمالي سوريا.

علاوه علي ذلك، وعلي النقيض من قوه داعش المحاربه المتكونه في اغلبها من مقاتلين دوليين وغير سوريين، تتشكل جبهه النصره بشكل كامل تقريبا من سوريين، ما يجعلهم محل للثقه بشكل اكبر، واكثر التزاما تجاه مستقبل سوريا. وفي غضون ذلك، تعهد قاده جبهه النصره في مقابلات مع شبكه الجزيره بعدم شن هجمات ضد اهداف في الغرب، ليعززوا فكرا يمكن ان يطلق عليه "الجهاديه الوطنيه"، بدلا من الجهاديه العالميه. خلال الاشهر الاخيره، خفف قاده النصره تطبيقهم لنسختهم الوحشيه من الشريعه الاسلاميه، مع تعليق خططهم لبناء خلافه.

ثبت حدوث العديد من تلك التغييرات في تنظيم القاعده باليمن. فقد مثل استيلاء التابع المحلي للقاعده علي محافظه حضرموت بجنوبي شرق اليمن هذا الخريف شكلا من الترويض بشكل ملحوظ. سيطر التنظيم علي العاصمه، المكلا، ونهب البنوك، ثم تراجع، رافضا ان يدير الحكومه بنفسه او ان يطبق الشريعه ولكنه نصب مجلس شيوخ بدلا من ذلك. وحث المجلس علي التركيز علي الحكم وتقديم الخدمات للسكان.

بالنسبه للقاده العرب، يتوقف تحديد ان كان القاعده قد تغير ام لا علي توجه التنظيم علي المدي البعيد بالنسبه للشيعه. فداعش والقاعده يمقتان الشيعه، ولكن القاعده حاول في الماضي ان يلين اراءه وان يدرء نوع الحرب الطائفيه واسعه النطاق التي يناصرها داعش الان.

بالعوده الي عام 1998، امر اسامه بن لادن مقاتليه العرب وطالبان بوقف القتل المكثف للشيعه في افغانستان، وخلال اوج الحرب في العراق، عندما دشن قائد فرع تنظيم القاعده بالعراق، ابو مصعب الزرقاوي، حمله وحشيه بشكل استثنائي ضد الشيعه، امره بن لادن وايمن الظواهري بالتوقف عن ذلك.

بالنسبه للوقت الراهن، يبدو تنظيم القاعده في شبه الجزيره العربيه وجبهه النصره متجنبين للتطرف المعادي للشيعه، معتبرينه مانعا للسيطره علي المزيد من الاراضي. الا انه من غير المعلوم ان كانت الوسطيه تجاه الاقليات، مثل العلويين في سوريا واليزيديين في العراق، ستستمر ان حقق التنظيمين السيطره الكامله. كما ان توجههما غير معلوم بالنسبه لدوله كرديه في شمالي العراق.

ما يحمل نفس اهميه التقارب العربي مع القاعده هو حقيقيه ان السياسات الامريكيه قد فشلت. الجهود الامريكيه لبناء ما يطلق عليه جبهه معتدله في سوريا ولجمع السنه والشيعه في العراق تحت اشراف نخبه شيعيه عراقيه فاشله، اصبحت تلك الاستراتيجيات محكوم عليها بالفشل. ومع بدء الولايات المتحده للمراحل الاخيره علي طريق التوصل لاتفاق نووي مع ايران، يري العديد من القاده العرب ان واشنطن تتخلي عنهم.

بالاموال العربيه والاقناع، يكتسب التنظيمان القدره علي الحكم المحلي وبناء الدوله. وبغض النظر عن الفكر الجهادي الكريه وراءهما، تشير تلك الجهود الي نتيجه قد تكون اقل تهديدا بشكل معقول من النتيجه التي يسعي اليها داعش.

فوفق بعض التقارير، اصدر قائد تنظيم القاعده الظواهري نصيحه مفادها ان الهجمات علي الولايات المتحده يحب ان تتوقف حاليا للسماح للقاعده وتابعيها بتركيز تواجدهم في الشرق الاوسط. يتلقي ناصر الوحيشي، الذي قتل الاسبوع الماضي اثر غاره درون امريكيه، الاوامر بشكل مباشر من الظواهري، وكذلك ابو محمد الجولاني، قائد جبهه النصره، الذي صرح مؤخرا لشبكه الجزيره بان: "التعليمات التي لدينا تنطوي علي عدم استخدام الشام كقاعده لشن هجمات علي الغرب او اوروبا حتي لا نعكر سير الحرب الحاليه".

امام مقتل 320,000 شخص ونزوح 7,6 مليون شخص في سوريا وحدها، تريد الدول العربيه نهايه سريعه لنظام الاسد وحل قابل للتطبيق في سوريا. فتلك الدول تعلم ان الحل لن ياتي ابدا من المعارضه المعتدله الضعيفه، وان اي سلام دائم سيتطلب دعم التنظيمات الاسلاميه القويه والشرسه هناك. حيث تبني الملك السعودي سلمان، منذ توليه العرش في يناير 2015، سياسيه اكثر عدوانيه بكثير تجاه ايران وسوريا، وهو مستعد للتعاون مع الشيطان لتحقيق اهدافه، ويشمل ذلك تنظيم القاعده. تعرضت تركيا ايضا للاهانه اثر خسارتها للهيمنه في المنطقه وانشات حاليا مركزا للقياده والتحكم لجبهه النصره علي اراضيها.

يجب ان يدرك الغرب ان الارض تتغير سريعا في انحاء المنطقه وان الربيع العربي اصبح الان علي حافه التحول الي شتاء اسلامي متشدد، شئنا ام ابينا. دفعت الولايات المتحده ثمنا باهظا لرفضها دعم الدول العربيه في الاطاحه بالاسد منذ اربع سنوات عندما تواجدت المعارضه المعتدله الفعاله. وخلال الاشهر المقبله، يجب الا نتفاجا ان بدئت محادثات بين القاعده وتلك الدول العربيه. قد تستثني الولايات المتحده فقط من تلك المحادثات.

لماذا اهتمت القاعده باليمن؟ وكيف نشات فيها؟

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل