المحتوى الرئيسى

التكنولوجيا والفنانون: متى يكون استخدام التكنولوجيا صائباً

07/17 00:40

هل يلتقي عالمان: عالم يحكمه الاتقان والدقه واخر يخضع لقوانين الصدفه والنزوات والمشاعر؟ هل يلتقي العلم والتكنولوجيا بالفن؟ او بالاحري هل التطور التكنولوجي ساعد الفنانين والمبدعين في اعمالهم، وسهل عليهم مسيرتهم ام انهم تجنبوه وبقي فنهم علي هامشه؟. ذهبنا الي عدد من الشعراء والفنانين التشكيليين والموسيقيين وطرحنا عليهم هذا السؤال.

الشعراء بخلاف توقعاتنا بدوا متقبلين للتكنولوجيا ومناصرين لها وهي ترفد بعضهم شعريا، فالشاعر المدرس حمزه عبودي يطرح اسئله عن مخاطر التكنولوجيا علي حياتنا وثقافتنا وتفكيرنا التي كانت سائده قبل الانجازات التي تحققت ليس في ايامنا فقط، ولكن منذ عصر النهضه، بل منذ اكتشاف النار والمعادن والعجله والرغيف في العصور القديمه.

«لا استطيع اذن ان اقول او ان اري كما راي عدد من الشعراء الرومنسيين وبال هذه الانجازات (ومخاطرها) (فقط) في علاقاتنا الانسانيه، ولكننا لا نستطيع ان ننكر في الوقت نفسه ان ثمه خللاً فاضحاً ومثيراً للقلق بل انه مهدد لكياننا البشري بين تطور التكنولوجيا وتطور القيم والعلاقات الانسانيه. والا كيف نفهم ما يحدث من الحروب والصراعات السياسيه فحسب، ولكن في مظاهر الاجتياحات الثقافيه والقيميه والوجوديه لحدود الجماعات والافراد في عصر العولمه، كما يقول روجيه دو بريد في كتابه (مديح الحدود).»

ثم يضيف عبود انه لا يعرف مدي تاثير التكنولوجيا علي شعره او علي مخيلته كشاعر. وانه حين يعود احيانا الي بعض قصائده يري ان الكثير من الصور والمشاهد كما كتبها هي اقرب الي المشاهد السينمائيه او الي مشهد مسرحي مع مؤثراته الضوئيه والهندسيه، او حتي الي صوره تلفزيونيه.» استطيع ان اري ذلك وقد اشار اليه احد الاصدقاء في تناول مجموعتي الاولي، ولكنني لا اعرف (مثلا) مدي تاثير تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتيه او سواها في اعمالي. في هذه التكنولوجيا ما يسبق مخيلتنا احيانا، وان كنت (ولا زلت اعتقد) ان لا شيء يفوق مخيله الشاعر في استشراف تاثيرها وابعادها.»

الشاعر والاستاذ الجامعي محمد ناصر الدين يقول ان علاقته بالتكنولوجيا هي علاقه يوميه، بحكم تدريسه في كليه العلوم حاليا، وفي قسم الهندسه بالجامعه الاميركيه سابقا، ومشاركته في تطوير جهاز طبي لتشخيص ترقق العظام اثناء تحضيره للدكتوراه في فرنسا، اضافه الي احتكاكه بوسائل التواصل يوميا. «نحن في قلب التكنولوجيا الرقميه وهذه نتيجه طبيعيه للعولمه، بحيث غزت التكنولوجيا الاميركيه جدران اكثر المعابد البوذيه في التيبت بشريحه usb او بقرص مدمج. السؤال الاكثر الحاحا بالنسبه الي هو انسنه هذه التكنولوجيا، ووضعها في سياق اسمي من كون الانسان مستهلكا لا اكثر، والتزامها باخلاقيات معينه او اتيكا تضمن لمستخدميها الحد الادني من السلامه، والخصوصيه، واحترام الاخرين والبيئه.»

وبالنسبه لتاثير التكنولوجيا علي شعره يقول ناصر الدين انه بصوره شخصيه، لم تؤثر التكنولوجيا سلبا في خياله البته، ولا نمطه بصوره ميكانيكيه. بل بالعكس لقد كانت الفيزياء والهندسه مدخلا لي الي الشعر والكتابه بالنسبه له، بجمع ومقابله عالمين متناقضين ظاهريا: عالم يحكمه الاتقان والدقه واخر يستفيد من الهوامش والصدفه والخطا، ولكنهما بالنهايه يحفزان علي طرح الاسئله الصعبه عن الكون والانسان والحياه. «لقد تناولتُ موضوع التكنولوجيا في اول قصيده في ذاكره القرصان، في سيناريو متخيل عن رجال اليين، يحكمون الارض في المستقبل، بعد ان تتفوق الاله علي الانسان، لكنهم اعجز من ان يصفوا ورده كما يفعل بودلير، او ان يتكلموا عن الحب كما فعل شعراء العرب الهائمين في الصحراء. حضرت شخصيات علميه اخري كمرجعيات في دواويني الثلاثه، مثل نيوتن، ارخميدس، اينشتاين وغيرهم، بتعاملهم مع قضايا كالجاذبيه، والضوء، والضغط والوزن وهي عناصر شعريه بامتياز.» ثم يختم الشاعر الشاب قائلا انه في بعض الاوقات يرغب بعزله صغيره، في قريته سجد بين اشجار السنديان والحجاره، عزله من التكنولوجيا وعالمها وتبعاتها، وتمتلكه الدهشه حين يري ابنه الصغير يحمل جهاز الايباد معه الي تحت السنديانه.

اما بالنسبه للفنانين التشكيليين، فمنهم من يرفض التكنولوجيا رفضا باتا في فنه، لكنه يواكبها ويستخدمها في حياته اليوميه، ومنهم من يسخّر تطور العلم لخدمه لوحاته ولتطويره فنيا، لكن يبقي مصدر وحيه الاهم هو الهامه وعاطفته، اما التكنولوجيا عنده فتاتي في المرتبه الثانيه.

الفنان التشكيلي حسن جوني مثلا يقول ان التكنولوجيا لا تعني له كفنان تشكيلي، وهو يفضل استخدام وسائل التواصل المباشره كالقلم واللون كونها تجعله اكثر حميميه بما يفكر ويتخيل وينفذ. وبنظر جوني ان التكنولوجيا تبعد الفنان عن فنه وتجعله مهتما بمقاييس رقميه، بالاضافه الي انها تدخله في حسابات لم يعترف بها من الناحيه الوجدانيه بل يعتبرها من خلاصات العقل. «اني ارفض حتي الاكريليك في لوحاتي. وان التعامل مع الالوان الزيتيه برايي يفضي الي هذا البريق الدائم الذي يشع منذ خروجه من الانبوب حتي ينفلش علي اللوحه. لا علاقه لي نهائيا بالتكنولوجيا. حتي هاتفي هو بسيط جدا وغير موصول بالانترنيت. استعمل التكنولوجيا احيانا في حياتي اليوميه واحيا بنعمتها ولكن ابقيها بعيده عن لوحاتي.»

الفنان التشكيلي محمد الرواس بخلاف جوني، هو فنان كمعظم الفنانين المعاصرين لعبت التكنولوجيا دوراً مهما في مسيرته الفنيه. وبراي الرواس ان الفنان ابن بيئته وزمانه والشاهد الحضاري عليهما. لذلك نري انه كان دوماً يواكب ويعكس خصائص ومكونات زمنه ليس فقط من الناحيه الثقافيه ولكن ايضاً من خلال التقنيات التي يستعملها. واذا استعرضنا وبسرعه تاريخ تطور الفن مع تطور التكنولوجيا لوجدنا ان فنان ما قبل التاريخ حفر رسومات علي جدران المغاور مستعملاً ادوات حجريه حاده. ومع اكتشاف الالوان المستخرجه من الطبيعه تطور شكل الابداع الفني ثم تالق مع اختراع الورق وتقنيات الطباعه الاولي. لكن الحدث الاهم في تاريخ العلاقه بين الفن والتكنولوجيا كامن في اختراع التصويرالفوتوغرافي حوالي العام 1850... كما ان الفنانين وظفوا منجزات الثوره الصناعيه والتطور التكنولوجي فاستعملوا الادوات الميكانيكيه والكهربائيه في انتاج اعمالهم الفنيه، كمثال الفنانين ناعوم غابو ولازلو موهولي ناجي...

اما عن علاقه اعمال الرواس الفنيه بالتكنولوجيا فيخبرنا انه قد استخدم الصوره الفوتوغرافيه في اواخر السبعينيات. واستخدم في الثمانينيات معظم انواع الطباعه الفنيه والصناعيه من حفر علي المعادن وطباعه ليتوغرافيه واوفست وطباعه حريريه. ثم استعمل الادوات الصناعيه الكهربائيه لقص الخشب والمعدن، خاصه القصّ بواسطه الليزر، في اعماله التي تضمنت اضافه تكوينات مجسمه الي سطح اللوحه الملون وذلك منذ العام 1987 حتي 2012.اما كاميرا الفيديو الرقميه فقد استعملها لتصوير فيلم ظهر في عمله الانشائي «اجلس من فضلك» في العام 2007. كما كانت له تجارب مع الطابعه الثلاثيه الابعاد في تنفيذ بعض من اعماله النحتيه خلال العام 2013. «يبقي ان اختم واشير الي ان التكنولوجيا وحدها لا تصنع فناً، وان بدت تفعله افتراضياً علي يد بعض الفنانين الذين انزلقوا في استعمال التقنيات الحديثه لسهولتها واغراءاتها وركوباً لموجه الموضه السائده.

ان استعمال التكنولوجيا الصائب من قبل الفنان يتاتي عندما يلجا اليها الاخير لاضافه بعدٍ جديدٍ لعمله الذي هو قائم اصلاً علي مضمون فكري وعاطفي متين ومبتكر.»

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل