المحتوى الرئيسى

في محطة مصر: يا ليلة العيد "إلحقينا"

07/16 22:28

الخطوات سريعه، حقائب تمر علي جهاز الكشف عن المعادن، عدد ضباط الشرطه كثيف، مدرعتان للامن المركزي تحيطان بالمكان، وجوه حانقه لا تجد تذاكر عوده للاهل، اخري فقدت الامل في الحصول علي مقعد ادمي، فاختار اصحابها خوض جحيم الدرجة الثالثة، طالما سيبيتون ليلتهم في كنف المنزل. اخرون لا يملكون ثمن التذاكر، قرروا "الشعبطه" علي العربه، او مراوغه ملاحظ القطار. عالم باكمله امتزج داخل محطة مصر للسكك الحديديه برمسيس؛ غني وفقير، مسافرون من خارج المحطه او من ابناءها، اُسر باكملها، انغمسوا جميعا داخل المبني العتيق، انتشروا علي جميع الارصفه للهروب من القاهره، قبل عيد الفطر المبارك بساعات.

مستندا الي شباك صاله الحجز كان محسن ضاحي ذو الاثنين واربعين عاما، والذي يعمل مديرا لاحدي الشركات، ينتظر تذكره ذهاب الي قنا ككل عام، دون ان يجد "السنه دي كانوا بيقولوا ان القطارات هتزيد وفيه تذاكر تغطي عدد الناس، فين ده؟"، ثمن العوده لبيته لا يُمثل لصاحب الشركه عائق، غير انه لا يريد الاعتماد علي المواصلات العاديه "سواقين الميكروباصات بيبقوا شاربين حشيش والطريق مش امان"، لذا لم يبق حل امام ضاحي، سوي البحث عن التذاكر المرُتجعه كي يشتري واحده منها.

وسط "مولد" المحطه هناك قليلون يسعفهم الحظ، فهم لا ينتظرون قطارا او تذكره، بل تكفيهم ساعات الذروه تلك كي يبيعوا ما لديهم من بضاعه؛ هكذا حال حسام صالح، الشاب الثلاثيني الذي يمتلك عربه صغيره علي رصيف المحطه، يبيع فيها كروت الشحن، ضمن مشاريع مساعده ذوي الاحتياجات الخاصه التي تقدمها الدوله، اذ انه مُصاب بضمور في الجانب الايسر من جسده "فتره العيد حلوه.. زحمه ورزق كتير". يعمل صالح داخل المحطه منذ سبع سنوات، وفي فترات الاعياد يبيع كل ما لديه من كروت.

علي عكس صالح الذي يبتهج بتلك الساعات، يكون الحاج محمد، الذي انزوي علي مقعد متاففا حتي ياتي ميعاد القطار، "علي باب الله" يعمل محمد في القاهره كفواعلي حتي يعود كل فتره لاهل منزله بالمال اللازم للمعيشه، زاده في الرحله من القاهره للصعيد حقيبه صغيره بها ملابسه، من الصباح يجلس علي الرصيف كي يجد قطارا به مكان يتسع له "بفوت كذا قطر لحد ما الاقي حاجه توديني".

وقف بدر رمضان جوار صديقه مصطفي محمد ينتظران قطار الدرجه الثالثه المتجه للصعيد، اذ يقطنان ببني سويف، لم يكن ازدحام القطار مشكلتهما الكبري، بل العشرين جنيها التي يدفعانها دون ضمان للحصول علي مقعد او رُكن علي الارض، هما مجندان في الجيش، يذهبا اجازه قصيره بين وقت واخر، وحين ياتي وقت دفع ثمن التذكره، يُبرز رمضان الهويه الخاصه بالتجنيد ليتم اعفاءه من التذكره كامله او نصفها "بس الكمسري مبيرضاش يخصم رغم اني بوريله الكارنيه".

يحصل كلٌ من رمضان ومحمد علي مُرتب 306 جنيها في الشهر، لذا فالقطار هو السبيل الايسر "ساعات مبيبقاش معانا فلوس خالص"، لكنهما يستقلان القطار علي امل الا يلاحظهما مشرف العربه، او يقبل عذرهما، غير ان هذا لا يحدث دائما "فيه مره مكنش معانا فلوس والملاحظ نزلنا قبل ما نوصل بكتير"، ومع ارتفاع اجره الميكروباص ضعف ثمن تذكره القطار، فلا يستطيع الشابان التخلي عن عربه الدرجه الثالثه.

علي المحطه التي تتسع بالكاد لقدم، يُسمع صوت صافره تاتي من بعيد، يظنه الجالسون قطارهم المُنتظر، تشراب الاعناق لتنظر الاعين، بطيئا يقترب قطار مكون من عربه واحده، فيما ينزل البعض علي قضبان السكه الحديديه عابرا اياه مع حقائب السفر، غير عابئين بقدومه، يتقافزون سريعا من رصيف للاخر توفيرا لجهد عبور السلالم، بينما يفترش الارض عائلات باكملها، بعضهم لم يستطع تحمل درجه الحراره والزحام فرقد نائما او حاول التخفيف عن نفسه بشرب المياه والعصائر.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل