المحتوى الرئيسى

بيشوى القمص يكتب: لا أحد يتعلم من التاريخ ج2 – ثورة إندونيسيا | ساسة بوست

07/16 19:00

منذ 1 دقيقه، 16 يوليو,2015

في مايو 1998، كانت كل الدلائل تشير الي اقتراب النهايه بسرعه وشيكه في اندونيسيا… كانت الجماهير تغلي من الغضب بسبب سياسات الديكتاتور سوهارتو وفساده الذي اودي بالبلاد الي نفق مظلم، وتسبب في أزمة اقتصادية طاحنه كانت من نتائجها تدهور شديد في معيشه الملايين من الفقراء والعمال والفلاحين، وارتفاع هائل في مستوي البطاله والاسعار.

لم يكن الحال مثل الحال يوم ان تولي سوهارتو حكم البلاد عام 1967 بعد حياه عسكريه حافله، فقد شهدت اندونيسيا في بدايه عهده فترات من الحرب والسلام والنمو الاقتصادي، لكن السلطة المطلقة مفسده مطلقه، وسرعان ما تحول سوهارتو الي ديكتاتور يحكم البلاد بالحديد والنار، وكانت القبضه الامنيه الحديديه والاعتقالات والتعذيب المتواصل هي السمه المميزه لعهده، فاقصي سوهارتو كل اشكال المعارضه، واضطهد الشيوعيين واعتقلهم في السجون، واحكم سيطرته علي الاعلام وشيطن المعارضه، وافسد الحياه السياسيه عندما سيطر بحزبه “جولكار” علي السلطه.

ونهب قاده الحزب بمن فيهم سوهارتو نفسه اموال الدوله خاصه عندما عين احد افراد عائلته علي راس الحزب في ايامه الاخيره، ومنع قيام اي احزاب اخري باستثناء حزبين كارتونيين، احدهما حزب “النضال الديمقراطي” الذي تتزعمه “ميجاواتي سوكارنو بوتري” ابنه النظام وابنه “احمد سوكارنو” الرئيس الاول لاندونيسيا، والاخر هو حزب “التفاوض القومي الاسلامي” الذي يتزعمه “امين رئيس” ممثلًا للتيار الاسلامي المستانس، في نفس الوقت الذي كان سوهارتو يحارب فيه “حركه نهضه العلماء الاسلاميه” التي تاسست سنه 1926.

وجمع سوهارتو ثروات طائله تقدر بالمليارات واستشري الفساد في عهده الي مستويات غير مسبوقه، وسط تاييد الجيش الذين خص سوهارتو جنرالاته برعايه سياسيه وماليه مكثفه، فقد كانت عائلته وحاشيته بالتعاون مع رجال الجيش يمتلكون اكثر من 1200 شركه في عدد كبير من الصناعات والمجالات الهامه، في الوقت نفسه الذي هيمن فيه قاده الجيش منذ تحرير البلاد علي الحكم بشكل كامل، ليس فقط من خلال شخص الرئيس، ولكن ايضًا من خلال احتلال كل المناصب الهامه في المحليات والشركات الحكوميه الكبري والوزارات السياديه وحتي المجالس التشريعيه.

وكانه لم يكن يكفي الاندونيسيين انسداد الافق السياسي وتبخر الامال الاقتصاديه، فزادهم سوهارتو سببًا اخر للثوره بتلميع وتجهيز ابنه ليكون وريثًا له ويخلفه في السلطه، لتشهد اندونيسيا حاله من التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي علي كافه الجوانب، وتصل الي حاله غير مسبوقه من التخلف والفساد وضعتها في اسفل سلم الامم.

ظل الشعب يئن تحت حكم سوهارتو لمده 31 عامًا حتي عام 1998، عندما اجتاحت الازمه الاقتصاديه المنطقه برمتها، وكانت اندونيسيا الاكثر تاثرًا، وتسببت الازمه في اغلاق العديد من الشركات واعلنت افلاسها، وانهارت “الروبيه” الاندونيسيه، وارتفعت نسبه التضخم، وانتشر الفقر والبطاله بين المواطنين، وبدات ملامح ثوره تلوح في الافق، حتي اتت الطامه الكبري عندما اعلن سوهارتو اجراءات تقشف اقتصاديه كمحاوله فاشله لتدارك تاثير الازمه الاقتصاديه، ليصب الزيت علي النار المشتعله، وتخرج عشرات المظاهرات العماليه والطلابيه ضد النظام.

لم يعبا سوهارتو، ولم ياخذ تلك المظاهرات علي محمل الجد، وربما وصفها بانها “زوبعه في فنجان”، وعلي الرغم من الشارع المتقد بالغضب تجاه سوهارتو، اعادت “الجمعيه الاستشاريه الشعبيه” انتخابه رئيسًا للمره السابعه في البرلمان الاندونيسي، وعقب بدء ولايته باشهر اشتعلت الثوره في الشوارع، وقام الطلاب باغلاق مداخل ومخارج العاصمه جاكرتا، كما حاصروا البرلمان للمطالبه باصلاحات ديمقراطيه رافعين شعار “ارحل واستقيل”.

وحاول الكثيرون من الرموز والشخصيات العامه المحسوبه علي النظام وعلي راسهم سوهارتو شخصيًّا، توجيه الغضب المكبوت في الصدور بشكل عنصري ضد الاقليه الصينيه التي تشكل اقل من 4% من السكان وتملك ما يقرب من 70 % من الثروه، واتهموهم بانهم السبب الرئيسي في الازمه الاقتصاديه، وان رجال الاعمال من الاقليه الصينيه يعيشون مثل “الطفيليات” علي اكتاف الشعب الاندونيسي، في محاوله فاشله لالهاء الشعب، وشجع علي اضطهاد الصينيين رموز تيار الاسلام السياسي من اعضاء حزب “التفاوض الوطني الاسلامي” الذي يتزعمه “امين رئيس”.

وادي هذا التحريض الي مهاجمه الكثير من المحلات والمطاعم والمدارس التي يملكها الصينيون، وسرقتها او حرقها في شهري فبراير ومارس 1998، كما تعرضت الكثيرات من النساء والبنات الصينيات الي الاغتصاب، لكن قوي المعارضه اليساريه والليبراليه في اندونيسيا التي كانت تعي الخدعه جيدًا، واعادت توجيه الدفه من جديد، وخرجت المظاهرات مره اخري ضد نظام سوهارتو، وفي 12 مايو قتل سته من طلبه جامعه “تريزاكتي” وهم يشاركون في مظاهره ضخمه ضمت حوالي 5000 طالب، بسبب رعونه قوات الامن التي هاجمت الطلبه باطلاق عشوائي للنيران، وادي سقوط الطلاب السته الي تضامن طلابي اوسع في الايام القليله التي تلت الحادث.

وارتفع سقف المطالب لتنادي الجماهير الغاضبه بتنحي سوهارتو، فخرجت “ميجاواتي سوكارنو بوتري” زعيمه “حزب النضال الديمقراطي” الذي يتبع سياسه المهادنه مع النظام القائم، مع “امين رئيس” زعيم حزب التفاوض القومي الاسلامي ليطالبوا الجماهير الثائره بضروره ضبط النفس، وعدم اللجوء للعنف والابتعاد عن المظاهرات التي تهدف لزعزعه الاستقرار وايقاف عجله الانتاج، لكن الجماهير الغاضبه تجاهلتهم، واعلن الموظفون الاضراب، واغلقت المدارس والشركات والمكاتب وبدا التضامن الجماهيري يعلو بوتيره سريعه.

واشتعلت نيران الثوره في قلب العاصمه جاكرتا، وضمت اعدادًا هائله من الطلبه والعمال والفقراء، ورد البوليس بالقاء القنابل المسيله للدموع والرصاص المطاطي وقنص المئات من المتظاهرين، واصبحت كلمه “ريقورماسي” – اي الاصلاح باللغه الاندونيسيه- هي الكلمه المسيطره علي شعارات الطلبه والعمال، وبعد ثلاثه ايام من المظاهرات، اصبح معظم جزر إندونيسيا مثل جاوه ومدان وبوجور وسوراكاتا وغيرها تشهد انتفاضه جماهيريه هائله، وهربت الشرطه وقوات الامن امام الثوار، وسادت الفوضي واندفع الفقراء الي المحلات الفخمه يحرقونها وينهبون ما فيها من طعام وملبس واجهزه ثمينه ظلوا محرومين منها لسنوات طويله، ودخل الفقراء البنوك التي يمتلكها سوهارتو وعائلته واخذوا ما فيها وحطموا نوافذها وابوابها، كما اندفعوا الي محلات السيارات التي يمتلكها ابن سوهارتو وحطموها، قبل ان يحرقوا مبني وزاره الشئون الاجتماعيه التي كانت تراسها ابنه سوهارتو، كان غضب الفقراء موجهًا الي الديكتاتور وعائلته التي نهبت موارد الشعب لاكثر من ثلاثين عامًا متصله مرددين هتافهم الاشهر “يسقط ملك الحراميه”، وتوقع النظام ان تؤدي عمليات النهب والسرقه التي شابت المظاهرات الي اضعاف الموقف الثوري، لكن عمليات النهب والشغب لم تزيد الراي العام سوي تصلب الراي ضد النظام الحاكم.

اجتمع الطلاب والقوي الليبراليه واليساريه علي مطلب واحد هو اسقاط سوهارتو من الحكم، وضروره الاصلاح والقضاء علي الفساد بدون وجود قياده عامه تجمعهم وتوحد مطالبهم، اما العمال فقد كانت لهم مطالب مباشره ومحدده تتلخص في زياده الاجور، وتحسين شروط العمل بشكل عام من ناحيه اخري، وفيما يتعلق بفقراء المدن كان ما يهمهم هو اسقاط سوهارتو وتوزيع ثروته علي الشعب، وهو ما كان واضحًا تمامًا في اندفاعهم لتحطيم ونهب ما تطوله اياديهم من رموز الثروه والرفاهيه، واستجاب سوهارتو متاخرًا جدًّا ليتعهد بعدم الترشح لفتره رئاسيه جديده في الوقت الذي كانت الجماهير تنادي بسقوطه مع نائبه حبيبي، ورفعوا شعارًا ضخمًا طوله 40 مترًا كتب عليه “اعيدوا السلطه للشعب يكفي 32 عامًا من الديكتاتوريه”.

وفي 19 مايو، احتلت اعداد هائله من الجماهير البرلمان تحت اعين واسلحه قوات الامن الذين لم يكن باستطاعتهم ان يفعلوا شيئًا، مما دفع الجيش بقياده الجنرال “ويرانتو” ان يتدخل للسيطره علي الموقف، فاستعان ويرانتو بزعيم المعارضه الاسلاميه “امين رئيس” كي يقنع الجماهير التي احتلت البرلمان بضروره اخلائه حتي لا تحدث مذبحه اخري، وبالفعل خرج “رئيس” للاعداد المحتشده وطالبهم بضروره ضبط النفس حتي يكون باستطاعتهم تحقيق الاصلاح الذي يبتغونه، مستغلًا تاثيره الديني علي الاسلاميين الذين استجابوا بالفعل واخلوا البرلمان، وسط استماته قويه واصرار غير عادي علي مطلب التنحي من باقي قوي الشعب.

لم يمر الكثير من الوقت حتي ايقن الجيش الموقف جيدًا، وحانت المواجهه الحتميه، ووجب عليه ان يختار اما استخدام القوه الغاشمه لانهاء المظاهرات، او بالدفع بسوهارتو راس النظام خارج السلطه، وفي نهايه المطاف لم يجد “ويرانتو” بدًّا من الانحياز الي الاختيار الثاني، وفي 21 مايو ظهر سوهارتو علي شاشه التليفزيون يعلن استقالته وتنحيه عن الحكم بعد اسبوعين ونصف تمامًا من خروج المتظاهرين الي الشوارع، فرحت الجماهير بنجاح الثوره وخروج سوهارتو من السلطه – او هكذا ظنوا وقتها- لكن قياده الجيش الاندونيسي الذي كان يتحكم في مجريات الامور، قرر تكليف “بحر الدين يوسف حبيبي” الصديق المخلص لسوهارتو ونائبه السابق باداره شؤون البلاد، كان حبيبي قد تولي منصب نائب الرئيس قبل الثوره باقل من شهرين في مارس 1998، وعُرِف باسم “الصبي الذهبي” للديكتاتور لشده تاييده وتمسكه بافكار وسياسات سوهارتو.

بعد ثوره الشعب الاندونيسي واطلاق الحريات، زاد عدد الاحزاب من 3 الي 95 حزبًا، وتم السماح لاول مره بتكوين احزاب اسلاميه وصلت الي 16 حزبًا اضافه الي حزبين مسيحيين، واحتفي الاندونيسيون كثيرًا بظهور الاحزاب الاسلاميه، وعلقوا عليها امالًا عريضه في اصلاح احوالهم اصلاحًا شاملًا من خلال “اسلمه” الدوله وتطبيق الشريعه، ووصل تمثيل الاحزاب الاسلاميه في البرلمان الي 25% في انتخابات سنه 1999، وفي بدايه عهدها بالديموقراطيه، كان هم الاحزاب الاسلاميه اضفاء مظاهر اسلاميه جديده علي الحياه مثل احلال حروف عربيه محل الاندونيسيه، وتسميه الشوارع باسماء اسلاميه، والقيام بحملات لمنع الافلام الاباحيه، وتحريم الخمور والقمار.

وركزت الاحزاب الاسلاميه علي تطبيق قوانين محليه تجبر النساء علي الحجاب وتحارب الزنا، بالتوازي ثبت تورط العديد من الاسلاميين بتلك الاحزاب في جرائم فساد واستيلاء واهدار للمال العام ورشوه ومحسوبيات، واصابت مثل هذه الوقائع الشعب بنوع من خيبه الامل في اداء هذه الاحزاب، في نفس الوقت تهاونت العداله والقضاء الاندونيسي الشامخ في محاكمه رموز النظام السابق، وانتهت سلسله المحاكمات التي طالت اشخاصًا متورطين في الفساد باحكام سجنيه مخففه، او بتبرئه المتهمين تمامًا واطلاق سراحهم، مما اشعل وقود الثوره من جديد ضد حبيبي، الذي ورث بعد تنحي سوهارتو تركه سياسيه واقتصاديه مليئه بالمشاكل والتناقضات، فعلي المستوي الاقتصادي، كانت البلاد تعيش في ازمه خانقه تتمثل في ارتفاع الاسعار وهبوط قيمه العمله المحليه، وانخفاض معدل النمو وانتشار البطاله، وطرد ملايين العمال والموظفين بسبب الكساد واغلقت الكثير من المصانع والشركات.

بالاضافه الي ذلك، كان علي الحكومه ان تفي بالتزاماتها لصندوق النقد الدولي الذي ضخ بالبلاد 43 بليون دولار في اوائل عام 1998 لتحقيق بعض الانتعاش الاقتصادي، واصبحت اندونيسيا تمر بازمه طاحنه، اما علي المستوي السياسي، فكان علي حبيبي ان يحتوي الغضب الجماهيري ويقلص من نفوذ عائله سوهارتو التي استولت علي موارد ضخمه واقامت الشركات والمصانع واحتلت صناعات هامه في البلاد، وعلي الفساد المستشري ليس فقط بين عائله سوهارتو واصدقائه المقربين وحاشيته، ولكن ايضًا في الجيش الذي كان ولا يزال يملك مقاليد القوه ويسيطر علي امبراطوريه اقتصاديه ضخمه.

وكانت الكثير من المصانع محتله من قبل قوات الجيش كي تمنع اي انشطه سياسيه بين العمال، مما شكل وضعًا استفزازيًّا بالنسبه للعمال، وبسبب مثل هذه الاجراءات القمعيه وغيرها قام الالاف من العمال بالتظاهر امام وزاره القوي العامله مطالبين باعاده الشرعيه للنقابات العماليه المستقله، والافراج عن القيادات النقابيه المحتجزه في السجون، فخضع حبيبي لهذا المطلب ووعد العمال بان حكومته لن تدعو ابدًا مره اخري الجيش للتدخل لقمع اي اضرابات عماليه، في الوقت نفسه بدات النقابات العماليه تنشط بشكل اوسع، ونظمت اضرابات واعتصامات فئويه اكثر واعنف مطالبين بزياده اجورهم للتوافق مع ارتفاع الاسعار، كما تظاهر الالاف من العمال ليمنعوا فصل اعداد كبيره منهم واغلاق مصانعهم، وهكذا اصبح كل يوم يشهد اضرابًا عماليًّا او تذمرًا في مصنع من المصانع في مدينه او اخري، وبدا واضحًا ان المد الثوري ما زال مستمرًا في انحاء الدوله كلها، خصوصًا مع بقاء معظم الجهاز الاداري والقوانين القديمه للدوله، وقامت مظاهرات عديده تطالب حبيبي بالاستقاله بسبب فشله في اداره المرحله الانتقاليه، واخيرًا اعلن حبيبي تحت الضغط ان حكومته هي مجرد حكومه انتقاليه، وان الانتخابات سوف تجري في يونيو 1999، اي بعد عام واحد من سقوط سوهارتو.

استمرت الثوره، وتصاعد التنافس لاختيار الرئيس الجديد خلفًا لحبيبي، في وسط ضعف شديد للقوي الليبراليه واليساريه في الشارع الاندونيسي، فقد تحطمت الحركه الشيوعيه علي يد سوهارتو في الستينيات عندما تولي الحكم وقام بمذبحه لا ينساها التاريخ ضد اعضاء الحزب الشيوعي وقتل ما يقرب من نصف مليون اندونيسي من المعارضين الوطنيين والشيوعيين وصفي الحزب تمامًا اما بالقتل او السجن، كما قام بضرب الحركه النقابيه وحظر وجودها هي واي احزاب سياسيه اخري.

وفي سبتمبر 1999، قرر الشيخ عبد الرحمن واحد الاستاذ الجامعي، ورئيس جمعيه نهضه العلماء الاندونيسيه التي سبق ان اضطهدها نظام سوهارتو، وعضو مركز شيمون بيريز للسلام منذ عام 1994، الدخول في سباق الرئاسه، مما صدم الكثير من المراقبين فضلًا عن الملايين من الاندونيسيين، لكن عسكر اندونيسيا الذين استفادوا من شعبيه التيار الاسلامي في ضرب الشارع الثوري، عقدوا صفقه مع التيار الاسلامي تم بمقتضاها تمرير الشيخ عبد الرحمن واحد الملقب بـ “جوس دور”، لينتهي الامر بفوزه باغلبيه اصوات اعضاء البرلمان في 20 اكتوبر 1999 ويصبح اول رئيس مدني منتخب ديموقراطيًّا في تاريخ اندونيسيا.

اكبر خطا فعله التيار الاسلامي الاندونيسي هو عدم انخراطه مع الثوره، وما ان تولي واحد الرئاسه حتي تفرغ خلال تلك الفتره للتشاجر والتعارك مع المسيحيين، بالرغم من انه قد اشتهر في السابق بتعاطفه مع الاقليات خاصه المسيحيه والصينيه او هكذا كان يدعي، وتلطّخ واحد وجماعته بالعنف الطائفي، وظهرت الجماعات السياسيه الاسلاميه المتطرفه التي تتطلع الي تطبيق ترجمه محافِظه للقانون الاسلامي في الدوله، وصب الشعب جام غضبه عليه وعلي تياره الاسلامي، خاصه حينما تواطا في التاخير متعمدًا في محاكمه الرئيس المخلوع سوهارتو، الذي اخذت تلاحقه تهم الفساد والقتل، واتهمته السلطات باختلاس 571 مليون دولار لتمويل مشاريع يديرها افراد اسرته، كما وجهت لابنائه تهمًا مماثله، وصنف سوهارتو علي انه احد اكبر المختلسين في التاريخ، واقصي ما فعله عبد الرحمن واحد هو وضع سوهارتو في بيته تحت الاقامه الجبريه ليظل متواريًا عن الانظار، وتعاقبت الحكومات الواحده تلو الاخري، وفشلت جميعها في محاكمه سوهارتو بتهم الفساد حتي ساءت حالته الصحيه وحالت دون اتمام محاكمته.

في الوقت ذاته بدات القوي الامنيه في التلاعب بعبد الرحمن واحد، وصنع المشاكل له الواحده تلو الاخري، وكانت للمساتهم الفوضويه دورًا في ضرب شعبيه الرئيس المتدين وتياره الاسلامي، مما خلق رايًّا عامًا مؤيدًا لعوده العسكر للحكم، وشكل فرصه قويه لعوده الجيش المحتمله الي السياسه، خاصه بعد تصاعد رائحه قضايا الفساد التي اتهم بها واحد، وتزايدت حده المعارضه لاستمراره مع تياره في السلطه، وتشكلت “حركه الاصلاح الوطني” من قوي عديده من النخبه السياسيه المعارضه لتوجهات وسياسات الرئيس واحد بهدف استعاده المسار الثوري، وقام الالاف من الطلاب بمظاهرات حاشده امام القصر لفشله في تحقيق الاصلاحات اللازمه في البلاد، وعلي راسها اقامه نظام حكم نظيف خالٍ من الفساد والمحسوبيه، ومحاكمه المسؤولين السابقين في عهد سوهارتو والمتهمين بالثراء غير المشروع والفساد واستغلال النفوذ، وحل المشكلات التي تواجه البلاد مثل الدعوات الانفصاليه، والصدامات الطائفيه والعرقيه، والازمه الاقتصاديه والماليه.

ومثلت احداث العنف الدموي العقائدي والطائفي في وسط كالمنتان منحني خطيرًا في الاحداث، ونتج عن هذا الصدام الدموي قتل واصابه المئات، والاسوا ان عددًا كبيرًا من القتلي قد عثر عليهم ممثلًا بجثثهم ومفصولي الرؤوس عن الاجساد، واتت تلك الاحداث وسط حمله محاكمات لكبار افراد اسره الرئيس الاسبق سوهارتو كابنه الاكبر وابنته واخيه غير الشقيق بتهم الفساد واستغلال النفوذ، وذلك بعد ان حوكم ابنه الاصغر وصدر ضده حكم بالسجن 15 عامًا، وقد لوحظ انه كلما تصاعدت الحمله ضد الفساد وبالذات ضد افراد اسره الرئيس الاسبق وحاشيته فان احداثًا كبيره تقع في البلاد لالهاء الحكومه وتشتيت تركيزها في اتجاهات اخري، فقد وقعت عده انفجارات في العاصمه ومدن كبري حينما حاول المدعي العام محاكمه الرئيس الاسبق وابنه الاصغر، واشتعلت الحرب الطائفيه في مالوكو وضربت الكنائس في جاكرتا في تلك الفتره، ومن ثم فانه ليس من المستبعد ان يكون فلول نظام سوهارتو او جنرالاته الذين استفادوا من عصره واتهموا بعد ذلك بالفساد او انتهاك حقوق الانسان، ان يكونوا وراء ما يجري ليس في كالمنتان وحدها بل في شتي الحوادث التي تجري في اندونيسيا لضرب الحكومه واستعاده اركان قوتهم.

وفي المقابل حرك مؤيدو واحد مسيرات كبيره امام البرلمان والقصر الجمهوري للمطالبه باستمراره في السلطه حتي نهايه مدته عام 2004، وحدثت فوضي نتيجه الصدام بين معارضي الرئيس الاندونيسي ومؤيديه من جمعيه “نهضه العلماء” وحزبه “نهضه الشعب”، موفرين مناخًا ملائمًا للقوات المسلحه للتدخل من اجل تهدئه الاوضاع والسيطره علي الموقف.

لم يحسن عبد الرحمن واحد ترويض الجيش الذي يمثل الكفه الرابحه، بل تعامل معه بصلف واضح واخذ يقيل قياداته ويغير مناصب رؤسائه بجراه واضحه، حتي انه اقال وزير الدفاع وهو في جوله اوروبيه لثبوت ضلوعه في ممارسات مناهضه لحقوق الانسان في تيمور الشرقيه، ومثل هذه التصرفات ما كان الجيش ليتركها تمر بدون حساب، فهو الذي اعتاد ان يُستشار في كل صغيره وكبيره في حكم البلاد، لدرجه انه تم تعديل الدستور خصيصًا لاجل ان يتضمن البرلمان نسبه ثابته من قيادات الجيش دون انتخاب.

وبدلًا من ان يعيد واحد هيكله جهاز الشرطه، تعامل مع الامر بعشوائيه واضحه في الوقت نفسه الذي اقال فيه رئيس الشرطه، لان عناصر الشرطه الاندونيسيه قد اظهرت تعاطفًا مع المظاهرات التي اندلعت ضده، ولان جهاز الشرطه اعلن حياده التام في الخلافات السياسيه التي تشهدها البلاد.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل