المحتوى الرئيسى

أين نحن منك يا أمير المؤمنين؟!

07/16 15:37

اقرا ايضا: بدر الكبري.. ودروس في الصمود والثبات قدسيه القران (الصيام وتزكيه المسلم وترويضه علي قابليه الاصغاء للاوامر الالهيه) الصيام في فكر الشيخ محمد رشيد رضا (3/3) العلامه بديع الزمان سعيد النورسي في ذكراه الخامسه والخمسين (1/2)

كان سيدنا عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين (رضي الله عنه) من الخلفاء القلائل الذين سعت لهم الخلافه دون ان يسعوا اليها، او يحاولوا الحصول عليها؛ بل انه كان حريصًا علي ابعادها عن نفسه، ويري فيها امتحانًا قاسيًا يثقل عليه حمله، ولكن سليمان بن عبد الملك كان يُظهر اعجابه به ويراه انه اكفا بني قومه، فلما مرض سليمان استشار وزيره رجاء بن حيوه فيمن يعهد له بالخلافه، وساله رايه في عمر بن عبد العزيز، فاثني رجاء علي عمر، وحسن لسليمان ان يعهد اليه، وادرك عمر بفطنته اتجاه سليمان اليه، فخلا برجاء بن حيوه، وقال لـه: يا رجاء، انني اري امير المؤمنين في الموت، ولا احسبه الا سيعهد، وانا اناشدك الله ان ذكرني بشيء من ذلك الا صددته عني، وان لم يذكر الا تذكرني لـه في شيء من ذلك. واراد رجاء ان يصرف عمر بن عبد العزيز عن الحديث في ذلك الموضوع فقال لـه: لقد ذهب ظنك مذهبا بعيدًا، ما كنتُ احسبك تذهبه، اتظن بني عبد الملك يدخلونك في امورهم..!!

وهكذا خدع عمر فسكت ولم يتكلم بعد ذلك في هذا الموضوع، ولكن الامر كان قد دبر علي نحو الاتفاق الذي تم بين سليمان وبين رجاء؛ فان سليمان عهد لعمر بن عبد العزيز، وجعل من بعده يزيد بن عبد الملك، وكتب بذلك عهدًا، واعطاه لرجاء، وطلب سليمان من بني أمية ومن قاده الجند ان يبايعوا مَن ارتضاه الخليفه لهم، فبايعوا، ومات سليمان بعد ذلك، فتكتم رجاء خبر وفاته، وجمع وجوه الناس وطلب منهم تكرار البيعه ففعلوا، ثم نعي رجاءُ لهم سليمانَ وفضَّ الكتابَ، واعلن ان عمر هو الخليفه الجديد، فاسترجع عمر حين ذلك وقال: والله ان هذا الامر ما سالته قط في سر ولا علانيه..

ثم صعد المنبر وانطلق يقول: ايها الناس، اني قد ابتليت بهذا الامر من غير راي كان مني فيه، ولا طلبه لي، ولا مشوره من المسلمين، واني قد خلعت ما في اعناقكم من بيعتي فاختاروا لانفسكم، واخذ عمر ينزل من فوق المنبر، ولكن الناس صاحوا به: قد اخترناك، واقبلوا عليه وبايعوه.. وبذلك تولي الخلافه، وكان ذلك سنه99 حتي سنه 101هـ.

ورجع عمر (رضي الله عنه) بعدما دفن سليمانَ وقد اصابه الهم والغم، فقال له مولاه: مالي اراك مغتما يا امير المؤمنين؟ قال: لمثل ما انا فيه فليغتم.. ليس احد من الامه الا وانا ملزم ان اوصل اليه حقه غير كاتب اليَّ فيه، ولا طالبه مني!!... وهكذا كان ادراك عمر للمسؤوليه منذ اللحظه الاولي. يروي ان زوجته دخلت عليه عقب توليته الخلافه فوجدته يبكي فقالت لـه: الشيء حدث؟ قال: لقد توليت امر امه محمد (صلي الله عليه وسلم) ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمقهور، والمظلوم، والغريب، والاسير، والشيخ الكبير، وعرفت ان ربي سائلي عنهم جميعا، فخشيت الا تثبت لي حجه: فبكيت..!!.

وعاد عمر بعد ذلك الي نفسه يحاسبها، فجرَّد نفسه من كل نعيم، وردَّ القطائع التي كان قد ورثها اعتقادًا منه انها لم تكن حلالاً طيبًا. ونزع ثيابه واستبدل به كساء بثمانيه دراهم، ويروي ابن الحكم ان عمر كان قبل خلافته يري الكساء الذي يبلغ ثمنه ثمانمائه درهمًا، يراه خشنًا، فاصبح يري الكساء الذي يبلغ ثمنه ثمانيه دراهم لينًا، ويبحث عن كساء اكثر منه خشونه، وغسل عمر الطيب عن نفسه، ودعي الحجام فقص فضله شعره، وباع ما عنده من ملبس وعطر، ووضع الثمن في بيت مال المسلمين، وترك الوانَ الطعام الجميله، واخذ ياكل الطعام الجاف، وتولي خدمه نفسه بنفسه ولم يسمح لاحد ان يخدمه...

وانثني عمر الي زوجته -وهي حفيده خليفه واخت خلفاء، وقد انحدر لها من هذا المحتد اغلي الجواهر واللالئ واثمن المتاع والرياش- فقال لها عمر: قد علمت حال هذا الجوهر، ومن اين اصابه ذووك، فاما ان تختاريني وتدعي كل هذا المتاع، واما ان تختاري متاعك واسرحك. فاختارته وقبلت العيش معه في البساطه التي ارادها....

وكان الخدم حين استخلف عمر قد ظنوا انهم قد سادوا الناس، فلما صارت حالهم الي حال من التقشف، حزنوا لولايته وتفرقوا عنه، وكان له غلام يقال له درهم: فقال له عمر بعد ان مضت ايام من خلافته: ما يقول الناس يا درهم؟ فاجاب: وما يقولون؟ كلهم بخير، وانا وانت بشر: فقال عمر: كيف ذلك؟ قال: اني عهدتك قبل الخلافه عطارًا لباسًا فارِه المركب، طيب الطعام، وليت رجوت ان استريح واتخلص، فزاد عملي شده، وصرت انت بلاء.. فقال عمر: انت حر فاذهب عني ودعني وما انا فيه حتي يجعل الله لي منه مخرجا..

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل