المحتوى الرئيسى

"من حلب إلى باريس".. نص مجهول لحنا دياب

07/16 12:02

نعرف الكاتب السوري حنا دياب من خلال ما ذكره عنه المستشرق الفرنسي انطوان غالان في يومياته، بشان مساهمته القيمه في كتاب "الف ليله وليله" الذي وضعه غالان في مطلع القرن الثامن عشر. لكن ما لا نعرفه عنه هو انه كتب نصا طويلا عام 1766 روي فيه تفاصيل سفره الي باريس بين العامين 1708 و1710.

وتجدر الاشاره بدايهً الي ان هذا النص بقي مجهولا الي ان اكتشف الباحث الفرنسي جيروم لانتان مخطوطته الوحيده في مكتبه الفاتيكان عام 1993. ونظرا لقيمته الادبيه والتاريخيه، تعاون لانتان مع بول فهمي تييري وبرنار هيبيرجي سنوات طويله لنقله الي الفرنسيه، قبل ان تصدر هذه الترجمه اخيرا عن دار "اكت سود" الباريسيه بعنوان "من حلب الي باريس".

ولا عجب في انتماء هذا النص الي ادب الرحله الذي كان ممارسا في سوريا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، خصوصا من قبل المسيحيين، كما يشهد علي ذلك نص بطريرك الروم الارثوذكس ماكاريوس الزعيم عن سفره الي جورجيا، او نص ابنه بولس عن سفر والده الي موسكو، او نص الكاهن العراقي الياس الموصلي عن اقامته الطويله في اميركا.

لكن ما يميز نص "من حلب الي باريس" عن هذه النصوص وغيرها هو ان صاحبه انسان عادي لم يكن لديه اي طموح في ممارسه هذا النوع الادبي واحترام مميزاته، فبخلاف النصوص المذكوره او نص شيخ دمشق عبد الغني النابلسي، او نص رفعت الطهطاوي الشهير "ذهب باريس"، لم يسعَ دياب الي اثراء نصه بمراجع ثقافيه غزيره او باقتباسات وابيات شعريه، كما لم يسعَ الي الكتابه بأسلوب أدبي منمّق، بل استعان بلغه هي عباره عن مزيج من اللغه الفصحي واللغه المحكيه في حلب، مسقط راسه.

وما يميّز دياب ايضا عمن سبق ذكرهم هو انه لم يقم برحلته تاديهً لمهمه، كما هو حال الطهطاوي ومحمد افندي، او بهدف التقصي في "بلاد المسيحيين"، كما هو حال الموصلي والزعيم وعدد كبير من رجال الكهنوت الشرقيين، فسفره هو نوع من الرحله المساريه لشاب كان يبحث عن طريقه، ونصه مكتوب كتامل في الحياه التي منحته في شبابه فرصا مختلفه لم يعرف او لم يشا اغتنامها.

وفي هذا السياق، يبدا دياب نصه بسرد تجربته راهبا مبتدئا في دير بجبل لبنان لن يلبث ان يعود الي حلب بعد شكّه في دعوته. وحين يفشل في العثور علي عمل ويقرر العوده الي الدير، يلتقي بالرحاله الفرنسي بول لوكا الذي ياخذه مساعدا في سفر يقودهما الي بيروت وصيدا، ثم الي قبرص ومصر وليبيا وتونس، قبل ان يعبرا المتوسط ويتنقلا بين ليفورن وجنوي ومرسيليا وباريس.

اما رحله العوده فستتم من دون لوكا ويتوقف دياب خلالها في مرسيليا وازمير واسطنبول حيث يبقي فتره طويله، قبل ان يعبر الاناضول مع قافله في اتجاه حلب.

ومقارنهً بنصوص معاصريه، يشهد نص دياب علي حريه اكبر في السرد والتعبير لعدم انغماسه في ثقافه ادبيه يتوجب الاحتفاء الثابت بها، كما فعل كتّاب ادب الرحله داخل نصوصهم، ولعدم شعوره بواجب التطرق الي الاماكن والمواضيع المعهوده التي تحضر في نصوص هذا الادب، بل نراه يمنح الاولويه لتجاربه الخاصه، معبرا باسهاب عن مشاعر الدهشه والحيره والخوف التي اعترته اثناء سفره، مما يعكس التزاما من قبله بسرد مرحله بعيده من حياته بامانه.

ومع ذلك، نستشف في النص مهارات سرديه كبيره وميلا لاستحضار العجيب والغريب اللذين يتجليان خصوصا في طرف مدرجه داخل عمليه السرد، كما نستشف شبها مع قصص "الف ليله وليله" علي مستوي طريقه تشييد دياب لسرديته، حيث تتفرع من القصه-الاطار قصص ثانويه كثيره، او علي مستوي طبيعه المغامرات البحريه والبريه الشيقه التي يرويها.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل