المحتوى الرئيسى

بدر الكبرى.. ودروس في الصمود والثبات

07/15 18:38

اقرا ايضا: قدسيه القران (الصيام وتزكيه المسلم وترويضه علي قابليه الاصغاء للاوامر الالهيه) الصيام في فكر الشيخ محمد رشيد رضا (3/3) العلامه بديع الزمان سعيد النورسي في ذكراه الخامسه والخمسين (1/2) ليله القدر.. ليله الفضل الوافر

يوم بدرٍ هو يوم الشجاعهِ والجراءهِ والبسالهِ والجسارهِ.. يوم اعز الله فيه اهلَ الحقِ علي قلتهم، وخذل فيه اهلَ الباطلِ علي كثرتهم.. اراد المشركون ان يستخفوا بالمسلمين ويستفزونهم؛ فامروا قافلتهم بان تتخذ من حمي المدينهِ طريقًا لها، وكانت مِن قبل تتخذ ساحل البحر طريقًا لذهابها وايابها.. فكان ذلك استخفافًا واستفزازًا واستباحهً لحرمه عاصمه المسلمين بعد ان اخرجوهم من ديارهم وتامروا علي قتل رسولهم (صلي الله عليه وسلم).. فخرج المسلمون يريدون اعتراض هذه القافله، وما كانوا يريدون قتالاً، ولكنهم ارادوا ان يحاصروها حصارًا اقتصاديًّا، ومن ثَمَّ يضربوا المشركين في اعز شئ اليهم وهو المال، حيث كانت القافله تتكون من الف بعير موقره بالاموال، لا تقل قيمتها عن خمسين الف دينار ذهب، ولم يكن معهم الا اربعون رجلاً فقط.. وعلي الرغم من حصار المسلمين فانهم قد استطاعوا الافلات باموالهم.. حينها اَخَذَ ابو جهل _لعنه الله_ يُحَرِّض المشركين علي قتآل محمد (صلي الله عليه وسلم) واصحابه، واستطاع ان يستنفر منهم ما يزيد علي الفٍ من المشركين، فتغير وجهُ العمليهِ تمامًا.. المسلمون يريدون حصارًا فقط.. والمشركون يريدون صداما وقتالاً، ارادوها حربًا ضروسًا لا هواده فيها..

فهل يخوض الرسول (صلي الله عليه وسلم) المعركهَ دون ان ياخذ راي اصحابه، مع انه لو فعل ذلك ما كان عليه لوم لانه معصوم مِنْ الخطا، ام ماذا يفعل..؟!

في هذا اليوم سنحت الفرصه للرسول (صلي الله عليه وسلم) لكي يُعَلِّم المسلمين درسًا غاليًا.. اراد ان يرسي فيهم مبدا من المبادئ الساميه وهو مبدا الشوري..

فقال لهم: اشيروا علي ايها الناس. فوقف ابو بكر وعمر وقالا:ً خيرًا يا رسول الله، ووقف المقداد بن عمرو وقال: "يا رسول الله امضي لما اراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسي: اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون، ولكن نقول لك: اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون.." وكان هذا راي قاده المهاجرين، فاحب ان يعرف راي قاده الانصار، فقال اشيروا عليَّ ايها الناس، ففطن الي ذلك قائدُ الانصارِ وحاملُ لوائِهم سعدُ بن معاذ فقال: والله لكانك تريدنا يا رسول الله؟ قال: اجل. فقال: "قد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئتَ به هو الحق، واعطيناك علي ذلك عهودَنا ومواثيقَنا علي السمع والطاعه، فامض يا رسول الله لما اردتَ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضتَ بِنَا هذا البحر فخضتَهُ لخضناه معك، ما تخلفَ منَّا رجلٌ واحدٌ، وما نكره ان تلقي بِنَا عدوا غدًا، انا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل الله يريك مِنَّا ما تقر به عينُك... يا رسول الله: سَالِم مَنْ شِئْتَ وعادِي مَنْ شِئْتَ وصِل حبال مَنْ شِئْتَ، واقطع حبال من شِئْتَ، وخُذْ مِنْ اموالِنا ما شِئْتَ، وابق لنَا مَا شِئْتَ، والذي بعثك بالحق ان الذي تاخذه مِنْ اموالِنَا احب الينا مما تتركه لنا.."

وعندئذ تهلل وجهُ النبي (صلي الله عليه وسلم) فرحًا وبشرًا وسرورًا؛ لانه ايقن انَّ التربيهَ قد اثمرت ثمراتها اليانعه..

ومن هنا شَرَعَ النبي (صلي الله عليه وسلم) في تنظيم صفوف جيشه وتجهيزه، وهو يعلم انَّ ميزانَ القوي غير متكافئ، فجيشُ المسلمين يتكون من ثلاثمائه واربعه عشر رجلاً، ومعهم فرسان وسبعون بعيرًا فقط، وكان الثلاثه يتبادلون الركوبَ علي بعيرٍ واحدٍ. حتي انَّ النبي (صلي الله عليه وسلم) كان معه علي بعيره عليّ بن طالب وابو لبابه، واراد الصحابيان ان يركب الرسول (صلي الله عليه وسلم) مطلقًا، فقالا له: نحن نمشي عنك، فقال (صلي الله عليه وسلم): ما انتما باقوي مني؟ و لا انا باغني عن الاجر منكما ) (اخرجه احمد).  

اما جيش المشركين فكان ثلاثه اضعاف جيش المسلمين ومجهزًا بالعده والعتاد.. ولكنَّ الرسول (صلي الله عليه وسلم) والمسلمين موقنون بانِّه لا عبرهَ بالعدد والعده والعتاد اذا كان معهم مَنْ لا يغفل ولا ينام..

واخذ النبي (صلي الله عليه وسلم) يحثهم علي القتال، ويبث فيهم الصبرَ والثباتَ، وتضرع الي مولاه قائلاً:

 (اللهم انهم حفاه فاحملهم اللهم انهم عراه فاكسهم اللهم انهم جياع فاشبعهم..) (اخرجه ابو داود في سننه) 

فاستجاب الله _عز وجل_ لاستغاثه نبيه (صلي الله عليه وسلم) فغشي النعاسُ المسلمينَ ليلهَ المعركهِ، امنه منه حتي يستريحوا مما نالهم من جهد وعناء.. فاصبحوا كالاسود الضاريه في ساحه الوغي. واصدرت القياده الربانيه اوامرَها الي السماء لتنـزل ماءها؛ لتلبد الارض تحت اقدام المسلمين، ويطهرهم، ويذهب عنهم رجس الشيطان، وفي ذلك يقول مولانا سبحانه وتعالي: (اِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ اَمَنَهً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَي قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الاَقْدَامَ) (الانفال:11). 

وفي الصباح بدات المعركه ببعض المبارزات، ثم اشتدت، وحمي وطيسها ولكنَّ الله _عز وجل_ ايَّدَ عبادَه المؤمنين، وبَثَّ الرعبَ في قلوب اعدائهم. والرسول (صلي الله عليه وسلم) متشبث بحبال السماء، متضرع الي الله جلَّ في علاه، وابو بكر يقول له: هوِّن عليك يا رسول الله، انَّ الله منجز لك ما وعد، ويستيقظ النبي (صلي الله عليه وسلم) من اغفائه ويقول: (ابشر يا ابا بكر) فيقول: مثلك لا يبشر الا بخير يا رسول الله، فيقول المصطفي (صلي الله عليه وسلم): (اني اري جبريل الان اخذًا بعنان فرسه يقود الفًا من الملائكه مع المسلمين..).  

يقول تعالي: (اِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ اَنِّي مُمِدُّكُم بِاَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَهِ مُرْدِفِينَ) (الانفال:9).

وهكذا تغيرت مجريات الامور تمامًا،، ورَّد الله كيدَ المشركين في نحورهم.. وكان النصر للمسلمين من رب العالمين، يقول تعالي: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ اِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَي وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً اِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الانفال:17)

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل