المحتوى الرئيسى

كيف تتحكم ملامح وجهك في تحديد مصيرك؟ - BBC Arabic

07/14 21:19

تخيل انك تربيت مع توام لك، وكلاكما مشتركان في المظاهر الخارجيه والداخليه، وفي نفس مستوي الذكاء، والتعليم، والهوايات. وكلاكما اجتماعي، ومغامر، ومثير للانتباه. وتذهبان الي صاله الالعاب الرياضية وتتناولان نفس الطعام. اي انكما متطابقان روحياً وذهنياً.

لكن هناك فرق واحد بسيط فقط، وهو وجهاكما. ربما كان احدكما واسع العينين طفولي المظهر، بينما الاخر عريض الخدين كثيف الحاجبين. لكن مع مرور السنوات، كيف ستسير حياه كل واحد منكما؟ هل ستسيران في نفس دروب الحياه ام ان الفرق في مظهريكما سيجعل لكل منكما درباً مختلفاً يسير فيه؟

المؤسف ان الاجابه الاخيره هي المتوقعه. فبمجرد ان يلقي عليك الاخرون نظره، سيقررون ما اذا كنت مؤهلاً وجديرا بالثقه، وما اذا كنت قائداً ام تابعاً.

هذه الاحكام قد ترسم شكل الاحداث التي تواجهها في الحياه، وتحدد كل شيء يتعلق بك، من صداقاتك، الي رصيدك في البنك.

يقول كريستوفر اوليفولا من جامعه كارنيغي ميلون: "علي الرغم من اننا نحب الاعتقاد باننا نتخذ قراراتنا بطريقه عقلانيه، الا اننا غالباً ما نميل الي قرار معين بسبب تاثير بعض الاشارات والامارات السطحيه".

في الماضي، كانت فكره "الحكم علي الناس من ملامح وجوهم" كما يقول اوليفولا وزملاؤه، تعتبر حقيقه غير محببه من حقائق الحياه. لكن مع اتساع فهمهم لتاثير هذه الفكره، باتوا اكثر تساؤلاً عما اذا كان يجدر اعتبارها نوعاً من الانحياز وعدم الحياديه. واذا كان الامر كذلك، فقد حان الوقت لاتخاذ خطوات عمليه.

ومراعاه لثقافتنا القائمه علي الاعجاب بالمشاهير، فان الوسامه وجمال المظهر الجسدي تعتبر اكبر مصدر لفكره الحكم علي الناس من خلال "ملامح الوجه".

فقد توصل الخبير الاقتصادي دانيال هامرميش في بحث اجراه في التسعينيات الي ان الاشخاص الجذابين يحصلون علي دخل يزيد بنسبه 10 الي 12 في المئه عما يحصل عليه الاخرون، وان هذا ينطبق علي كل المهن، من لاعبي كره القدم الامريكيه الي المحامين، وحتي المشتغلين بالاقتصاد، و"هو ما يشكل فكره مرعبه" حسب اعتقاده.

الاستثناء الوحيد هو اللصوص المسلحون. فكلما كان اللص اكثر جاذبيه تقل فرصته في اخافه الضحيه واجباره علي اعطائه المال، وبالتالي يزيد احتمال استخدامه للسلاح ضد الضحيه.

بالفعل، توصل موقع "بي بي سي فيوتشر" الي ان الوسامه والمظهر الجسماني الجذاب ليس دائماً دليلاً علي الالتزام بالقانون. فالنساء اللواتي يتمتعن بجمال واضح قد يجدن صعوبه في الارتقاء الوظيفي اذا قرر من يجري معهن المقابلات ان جمالهن يقوض مصداقيتهن.

علي ايه حال، انشغالنا بالجمال يمكن ان يجعلنا نهمل الاشكال الاخري لانحيازنا الوجهي، كما توصل اليكساندر تودوروف، وهو احد زملاء اوليفولا، من جامعه برنستون بعد ذلك بعشر سنوات.

فقد طُلب من المشاركين في احدي التجارب ان ينظروا الي صور سياسيين امريكيين يتنافسون للوصول الي الكونغرس ومجلس الشيوخ لمده ثانيه واحده، ثم يقولوا رايهم حسب سلم رقمي فيما ان كان صاحب الصوره جديراً بالفوز بالمنصب.

حتي عندما اخذ بعين الاعتبار عوامل اخري مثل العمر والجاذبيه، تمكن المشاركون من التنبؤ بمن سيفوز في الانتخابات بنسبه دقه وصلت الي حوالي 70 في المئه.

وقد كشفت دراسات حديثه عن نتائج مشابهه، وهي دراسات اختبرت كيف تؤدي ملامح الوجه الي النجاح بصرف النظر عن الاغراء الجنسي. وكلما كان مظهرك طاغياً ومقنعاً، زاد احتمال حصولك علي منصب مدير تنفيذي، وبالتالي زياده راتبك.

في الجيوش، طلب العلماء من اشخاص معينين البحث في وجوه المنتسبين الجدد من الجنود علي علامات التفوق القيادي. ومن حصلوا علي درجات اكثر من غيرهم يرجح ان يرتقوا في السلم القيادي في وقت لاحق من حياتهم.

يعتقد ان الصدق والامانه يظهران ايضا علي الوجه.فعندما اُعطي المشاركون تشكيله من الصور لاشخاص معينين كان هناك شبه اجماع بين المشاركين علي الاشخاص الجديرين بالثقه من بين اصحاب الصور، وبالتالي سيحظي ذلك الشخص بموافقه البنك او المؤسسه الماليه علي منحه القروض.

اما في المحاكم، فيمكن ان يكون الوجه البريء تذكره للخروج من السجن، ووجد ان الاشخاص الذين تظهر وجوههم انهم اهل للثقه اقل عرضه للادانه بالتهم الموجهه اليهم، حسب ما جاء في احدي الدراسات.

ومن المسلم به ان هذا الاستنتاج مبني علي تقارير عامه وامثله فرديه. كيف يمكن لنا ان نعرف ان وجهاً ما يدل علي ان صاحبه صادق او اهل للثقه، او يتمتع بملكات قياديه؟

احد الاحتمالات اننا ببساطه نتفاعل مع تعابير الوجه، مثل ابتسامه عريضه او تكشيره غاضبه. ولا شك ان ذلك يصنع فرقاً. كما اننا نقرا علامات وامارات اكثر رسوخاً واستمراريه، منها علي سبيل المثال استخدام كل من اوليفولا وتودوروف لصور قاما بتصيمها علي الكمبيوتر يبدو اصحابها بتعابير وجه محايده. ثم طلبوا من المشاركين تصنيف تلك الصور حسب الاكثر صدقاً والاهل للثقه والقيادي.

وبمقارنه المستوي الذي حصلت عليه الصور المختلفه، تمكن الفريق من وضع مواصفات لصوره رقميه تجتمع فيها الصفات الخفيه التي اعطت صفه من الصفات السابقه. الصور التي نتجت تظهر اننا نظهر ردود فعل للفروق المختلفه في كافه تفاصيل الوجه، بدايه من شكل الحاجبين الي شكل عظام الوجه.

ربما اعتقد بعضنا ان الحكم علي الاشخاص بهذه الطريقه فيه شيء من السطحيه، لكن الحقيقه هي انه عندما تقابل شخصا ما، فانك تقيمه تلقائياً. وقد بين تودوروف ان كل ما نحتاجه هو اقل من ثانيه حتي نكون انطباعاً عن شخصيه انسان ما، وهو الزمن الذي يعادل غمضه العين عشر مرات.

الاكثر من ذلك، ان المساله تبدا معنا منذ الصغر، حيث يستطيع الطفل في الثالثه او الرابعه من عمره ان يقرر من يبدو لئيماً، ومن يبدو لطيفاً من الناس، بناء علي مظهرهم الخارجي.

هذه الاحكام العابره يمكن الا تكون سببا للقلق اذا كانت معظمها دقيقه. والحقيقه ان معظمها يحمل شيئاً ولو يسيراً من الحقيقه.

وفي تجربه ما، طلب جان فرانسوا بونيفون، من المركز القومي للبحوث العلميه في فرنسا، وزملاؤه من المشاركين في التجربه ان يلعبوا لعبه اقتصاديه، واعطي كل منهم مبلغاً من اليورو، وطلب منه ان يجيب عن سؤال يتعلق بما اذا كان سيستثمر ذلك المبلغ مع الشخص الذي امامه من المجموعه.

وكان يتعين علي ذلك الشخص الذي اعطي المال ان يختار بين ان يحتفظ بارباح هذا الاستثمار بمفرده (وهو اختبار عدم الامانه) او تقاسم الارباح (وهو اختبار الامانه).

وبناء علي رؤيتهم لصوره واحده، استطاع المشاركون التنبؤ بالطريق الذي سيسلكه منافسهم، وهو ما يعتبر افضل قليلاً من الحكم بمحض الصدفه. ويطرح هذا الامر مجموعه من الاسئله المثيره.

فمن الصعب ان نفهم لماذا يوجد علامه في وجوهنا تقول: "لا تثق بي". وكما نشرت بي بي سي في مقال سابق، يبوح الوجه باسرار تتعلق بمستوي الهرمونات في جسم الانسان، ومدي عافيه جهازه المناعي.

من الناحيه العمليه، الدقه في هذه الاحكام قليله، ويمكن ان تتسبب في اضرار اكثر من ان تجلب فوائد.

يقول اوليفولا: "يعول الناس كثيراً علي المظهر ويهملوا ما لديهم من معرفه عن الشخص الذي امامهم".

ففي الالعاب التي تقيس الصدق والثقه، علي سبيل المثال، ابدي المشاركون رغبه في الثقه باشخاص تعلو البراءه وجوههم، حتي مع وجود دليل ملموس علي ان ذلك الشريك مارس الخداع من قبل خلال التجربه.

من السهل اذن ان نري كيف تؤدي هذه الانطباعات الاوليه السريعه الي اختلاف دروب الحياه بينك وبين توامك. سواء كنت ذاهبا الي حفله او في زياره لاحد اقاربك، او جالساً في مقابله للحصول علي وظيفه، او متقدماً بطلب للحصول علي قرض، يمكن لملامح وجهك ان تحدد مصيرك في كل الاحوال.

انها قضيه شائكه في عالم اليوم الذي لا ينقطع فيه النشاط البشري، كما يقول اوليفولا الذي يضيف: "هذه الايام، مع وجود لمحه شخصيه (بروفايل) عن الشخص علي الانترنت، بامكاننا تكوين انطباعات عن الشخص قبل ان نقابله".

افترض انك في معرض توظيف مساعد جديد لك. ربما تقوم بمراجعه سيرته الذاتيه بكل موضوعيه، لكن بمجرد ان تري صوره لصاحب هذه السيره الذاتيه، وتلقي هذه الصوره بذور الانحياز في ذهنك، فانك تبدا في تفسير المعلومات التي تلي ذلك بطريقه ما متاثره بالانطباع الذي تركته لديك الصوره.

ويقر بونيفون بذلك ويقول: "من المستحيل ان تدرب الناس علي عدم تكوين انطباع، هذا السلوك يحدث تلقائياً".

وعلي ضوء هذه المسائل المثيره، نشر كل من اوليفولا وتودوروف بحثاً في الفتره الاخيره حثا فيه علماء النفس علي ايجاد طرق لمكافحه ظاهره الحكم علي الناس من ملامح وجوههم.

يقول تودوروف: "اذا كنت بصدد اتخاذ قرار، فانني ابدا بجمع المعلومات وترتيبها، واترك النظر الي الصوره الشخصيه او وجوه الاشخاص الي النهايه. عندما نجري مقابلات مع طلبه الثانويه لقبولهم في الجامعه، اكون قد عرفت من يستحق القبول قبل ان اقابلهم. اهم المعلومات هي كشف ادائهم الاخير ورسائل التزكيه".

ويقترح اوليفولا اجراء المقابلات مع الطلبه من وراء حاجز، لكنه يقر بان ذلك ليس خياراً واقعياً. الكثير من فرق العزف الموسيقي المحترفه وجدت ان الاختبارات "العمياء"- اي التي تجري بدون رؤيه وجه المتقدم للاختبار- يمكن ان تساهم في التخفيف من اثر التحيزات. فقد وجدت احدي الدراسات ان تلك الاختبارات "العمياء" قد حسنت كثيرا من فرص اختيار الموسيقيات الاناث، علي سبيل المثال.

وكما يقول هامرميش في كتابه "الجمال يفيد" (بيوتي بايز)، يمكن للتحيز المبني علي مظهر الشخص ان يكون قضيه قانونيه، اذا استطعت اثبات انك لا تحصل علي راتب مساو لزملائك الاكثر جاذبيه منك.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل