المحتوى الرئيسى

بالصور.. مصراوي مع أسرة "طوبار".. حكايات شيخ المبتهلين باقية (حوار)

07/13 16:56

كتب- يسرا سلامه ومحمد مهدي:

في كل جمعه تلتقي اسره الشيخ في منزله بمنطقه شبرا مصر، ابنائه واحفاده، ملتزمين بتنفيذ وصيته وهو علي فراش الموت، بان يظلوا علي رباط الي يوم الدين، وان يوَرثوا الاجيال الجديده من العائله المحبه والرحمه وصلة الرحم، وفي جلساتهم لا تغيب سيرته ابدًا، ينقلون عن بعضهم حكايات الشيخ منذ ان ولد في مدينة المنزلة عام 1922 بالدقهليه من نسل حسن طوبار، شيخ العرب كما يُطلق عليه، الذي تصدي للحمله الفرنسيه بقياده بونابرت.

تربي الشيخ في كنف اسره طيبه، حفظ اجزاء كبيره من القران في الكتاتيب قبل ان يبلغ العاشره، ثم انتقل الي المدرسه وهناك اشتهر بين زملائه بقدرته الفريده علي تقليد كبار المقرئين والمشايخ "اتعرف في القريه بصوته الجيد لكن رغبه الاسره في انه يكمل دراسته منعته من الدخول في عالم المقرئين والانشاد".

للشيخ عم يملك بيتا كبيرا في المنزله، يقيم ليالي للمقرئين والمبتهلين في كل مناسبه دينيه، يحضرها "نصر" وهو صغير، يجلس الي جوار اصحاب الصوت الجلي، يستمع اليهم فيتعلق قلبه اكثر بالقران،لم يكن يُخطط وقتها لاي مستقبل في هذا العالم، غير انه في تلك الليله التي حضر فيها الشيخ "مصطفي الجمل" الي دار عمه، مسه الاعجاب، بعد ان دُهش من حلاوه صوته ورقته في التلاوه والقاء الجُمل علي مسامع الحضور، فهرع الي والده طالبا منه ترك المدرسه والعوده الي الكتاتيب لاستكمال حفظ القران، وافق الاخير، شعر ان ابنه يملك صوتا عذبا، وانه سيصبح ذو شان عظيم في دنيا المقرئين، ولم تمضِ سنوات طويله الا وقد اتم "نصر" قد حفظ كتاب الله علي يد الشيخ "محمد مسعد صقر" قاريء البلده.

بخطوات بطيئه واثقه، يشق الشيخ "نصر الدين طوبار" طريقه بين محبيه ومريديه، متجها الي كرسي اعلي مسرح امامه ميكروفون، يتكا علي كتف طفل صغير، "عمرو" اول احفاده، يجلس مستقرا علي الكرسي، ينظر الي الاعداد الغفيره الحاضره من كل حدب وصوب لسماع ابتهالاته البديعه، يبتسم، يُعدل عمامته، يتاكد من صلاحيه الميكروفون، يرتشف جرعتين او ثلاث من كوب ينسون خال من قطع السكر، قبل ان يشدو بصوته المعطر بذكر الله ونبيه محمد (عليه افضل الصلاه والسلام).

"حين يهدي الصبح اشراق ثناه" يقولها ببطء، رجفه تسري في القلوب، يكررها للمره الثانيه بنغمه جديده، كلماته تربت علي اكتاف اصحاب الحاجه لنفحات الرحمن، تُزيج الهموم من الارواح كان صوته شفاء للافئده، مرسال من عالم الجمال، وصال بين العبد وربه، طاقه نور في قلب العتمه، دموع الرجال تنهمر، يصرخ احد الرجال "الله يفتح عليك يا شيخنا"، يقول اخر "ادلع علينا كمان وكمان يا شيخ طوبار"، فيُزيدهم طربا، فيما يتابع حفيده الصغير الجالس بجواره المشهد الجلل، يُدهشه حُب الناس لجده، قدرته علي اسعادهم، فيختزن داخله كافه التفاصيل، ليستعيدها بين حين واخر في لقاءات الاسره ولباقي نسل الشيخ "كنت ملازمه في كل حفلاته بالقاهره والمحافظات في فتره السبعينيات، وقتها كان مشهور في عالم المبتهلين وله محبين من كل مكان" يقولها "عمرو" حفيده ورفيقه في سنواته الاخيره.

في الخمسينيات حضر الشيخ الي القاهره رغبه منه في الانضمام الي الاذاعه المصريه، تقدم الي لجنه الاعتماد عده مرات كمقريء لكن محاولاته بائت بالفشل، "كان وقتها فيه فطاحل زي الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي ومصطفي اسماعيل ومحمد الصيفي، ومكنش فيه طريق تاني غير الموشحات"، وفي مناسبه الاسراء والمعراج، وقف الشيخ لاول مره امام ميكرفون الاذاعه، واثقا رغم القلق، منتظرًا لحظاته الاولي في الحياه التي تمناها لسنوات، نظر الي الاشعار بين يديه التي لحنها الشيخ محمد اسماعيل، يتاملها، يراجعها للمره الاخيره قبل ان يتلقي اشاره البدء، حينذاك اقترب من الميكروفون، خفق قلبه، وانشد "سار من مكه براق عز.. لاقصي مسجد وعلي السماء".

سريعا ذاع صيت الشيخ، ادرك ان الله منحه قدرا كبيرا من محبه الناس، وان صوته ينفذ الي القلوب، لذا كان حريصا علي تقديم مزيدا من التواشيح والابتهالات الجديده، لم يكن يعتمد علي اشعار قديمه مثل غيره، فقدم العديد من الاعمال من تاليف "عبدالله شمس الدين" و"احمد مخيمر" والشيخ "الصاوي شعلان"، الاخير ترجم له قصائد الشاعر الباكستاني "محمد اقبال"، غير ان لقاء عابر جمعه بالموسيقار محمد عبدالوهاب دفعه الي طريق جديد لم يكن في الحسبان، عندما اشار عليه بان يتعلم الموسيقي لانها ستفتح له ابواب اخري في عالم الاصوات ليُصقل موهبته، ووعده ان يُلحن له بعض الاعمال من اشعار محمود حسن اسماعيل "وفعلا دخل للقسم الحر في معهد الموسيقي لمده 3 سنوات"،كان ترتيبه الاول علي دفعته وتم اعفاءه من المصاريف بسبب نبوغه.

وبعيدا عن الدراسه كان لـ"طوبار" اذنا موسيقيه، تجلت في حبه لسماع عبد الوهاب وام كلثوم، يقول ابنه "ادهم" انه كان يدندن "هل راي الحب سكاري" علي عوده، وبيده خط لحفيده علي صوره قديمه "الحب كده"، اسم الاغنيه الشهيره للست، فضلا عن استماعه للمقطوعات موسيقيه عالميه.

للشيخ روحه طيبه، وحُب للتواصل مع الغير، وتكوين صداقات مع جيرانه وزملائه ، فقد كان له علاقات واسعه برفاق الدرب من المشايخ، اقربهم الي قلبه صديقه ابراهيم الشعشاعي والشيخ محمد عمران، وما يزال يذكر الحفيد لقاء جمع بين جده والشيخ الشعراوي، حيث كان يصطحبه بين جلسات الكبار من الشيوخ والساسه، يتذكر فخر في اعين جده به خلال تلك الجلسات.

لم يكن البيت الذي يمكث فيه الان "ادهم وياسر" ابناء الشيخ، هو المنزل الاول له عندما قرر النزوح الي القاهره باحثا عن فرصه جيده لموهبته، في البدء كان بيتا صغيرا في السيده زينب لا يحوي ذكريات كبيره للعائله، ثم منزله الكبير في دوران شبرا الذي قضي فيها قسطا كبيرا من الدهر، قبل ان يستقر في شبرا بجوار صديقه المقرب الشيخ ابراهيم الشعشاعي "احنا وعينا علي بيت دوران شبرا، كان وقتها بيقري القران في مسجد الخازندار وشهرته محدوده" يقولها "ادهم" رابع ابنائه، متذكرًا كيف كان الاب رحيما بهم، في حديثه حنان، لا يجبر احد علي فعل ما يكرهه، ترك لهم حريه الاختيار في مستقبلهم، ولم يمنع بناته عن استكمال دراستهم، لكنه في الوقت نفسه لا يخلو من حزم "كنا نسمع صوته من الشارع نجري علي طول من الاحترام".

عُرف عن الشيخ حبه لابنائه الخمسه-فتاتين و3 اولاد- لا يفارقهم قط، يصطحب معه كلا من الفتيان الي مسجد الخاذندار الذي يبعد عنه امتار قليله، ينطلق اليه يوميا قبل صلاه الفجر ويوم الجمعه للقراءه والابتهال، ليشاهدوا عن كثب احترام الجيران لوالدهم وتبجيله، ويزرع فيهم حُب بيوت الله وحلاوه الصلاه والاستماع للقران الكريم، بينما يتحلق الناس من حوله يستمعون الي تلاوته، فيما لا يظهر الشيخ في مسجده يوم الخميس لانه مُخصص لزياره مسجد الحسين.

لمسجد الحسين قصه لا ينساها حفيده-عمرو- كان يصطحبه معه، ينطلقان الي هناك بسيارته الصغيره، يترجلان منها بالقرب من المسجد، يدخلان وسط زحام محبيه، يتلو ما تيسر له من القران، ثم يهدي الحضور قطعه فريده من توشيحاته حتي صلاه الفجر، بعدها يستعد القائمين علي المسجد لاغلاقه غير ان تواجد مريدي الشيخ يمنعهم من ذلك، يطالبونه بالمزيد، يظل الشيخ منتظرا حتي شروق الشمس لرحيل الناس لكي ينطلق في هدوء، لكن الزحام لا يقل "الناس تفضل مستنياه لحد ما اداره المسجد تبلغه انه مفيش فايده ولازم ينزل عشان يعرفوا يقفلوا"، يُمسك بحفيده بيد، ويضغط علي العمامه باليد الاخري ويخرج للمنتظرين، يلتحمون به، يحاولون تقبيل يديه فيمنعهم، لكنه يحافظ علي ابتسامه الامتنان لمحبتهم.

حكايه اخري لا تغيب عن عقل "عمرو"، كلما تذكرها ترتسم الضحكه علي شفاه، حين طلبه جده في غرفته، والقي علي مسامعه احدي ابتهالاته بلحن مختلف، يستشيره اي اللحنين افضل، فيختار الطفل اللحن الجديد، ليقرر الشيخ تنفيذ ما قاله الصغير، وفي المساء يسمع الحفيد اللحن المختار في الاذاعه، يفرح قلبه، ويُزيده الشيخ عندما عاد الي المنزل وقال له "انت اختارت صح. انا عملت زي ما انت قولت"..

تداول عن الشيخ زيارته الي القدس في الوفد المرافق للرئيس السادات في السبعينات، روايه انكرها ابنه "ادهم" تماما، قائلا ان تلك روايه ليست صحيحه، انتشرت لان هناك عدد من الشيوخ ذهبوا برفقه السادات لم يكن طوبار من بينهم، كما قدم الشيخ ابتهالا طويلا بعد نصر اكتوبر، قال في لقاء اذاعي ااه احب ان يهدي الجيش ابتهالا دون تزلف او اقترابا للحاكم، لكن حبا للوطن.

للشيخ طقوس ثابته يمارسها قبل اي حفل يُطلب فيه للابتهال، يعتكف في غرفته قبلها بايام لا يغادرها الا في ساعات النوم، يُمسك العود، يجرب اكثر من اداء للتوشيحات، يغني عدد كبير من اعماله لاختيار انسبهم للحفل، يجري تمارين للفك "لما كنت بساله بتعمل كدا ليه يا جدي.. يرد عشان وانا ببتهل لو فتحت الفك فجاه ميحصلش الم ويعطلني"، وفي يوم الحفل لا ياكل من طعامه الا القليل، ويحرص علي احتساء المشروبات الدافئه، وعند وصوله الي محبيه ومريديه، يتلمس نمط جمهوره، ويُحسن اختيار الابتهال الانسب لهم "اوقات كان يقول جمله ويسيب الجمهور يرد عليه.. واوقات لا.. وكان بيفهمني يقولي مش كل حاجه تنفع مع كل الناس"، بينما لا يفارقه "كاسيت" صغير يضعه بجواره لتسجيل اعماله وتوثيق الحفلات.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل