المحتوى الرئيسى

قصص من داخل دواوين القضاء الداعشي

07/11 12:54

في حديثه عن نظام داعش القضائي، يقول الشيخ ابو حمود من ريف حلب الشرقي: "قد تكون مستغربه حاله التطابق بين نظام علماني ونظام اسلامي سلفي، ويزول الاستغراب اذا عرفنا انّ الاستبداد هو السمه المشتركه بينهما، وبالتالي غياب القضاء امام سطوه الامن".

ربما كان من ابرز اسباب قيام الثورة السورية، الظلم الذي تعرض له الشعب السوري، فقد ساهمت المنظومه القضائيه الخاضعه للاجهزه الامنيه في تكريس الظلم بدلاً من رفعه عن المواطن. وحالياً، يكرر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الممارسات نفسها في الاراضي الخاضعه لسيطرته، ان لم يكن قد تجاوزها.

نجد في القضاء العادي نوعين من القضاء (المدني والعسكري)، كما انّ الحكم القضائي يتم علي مراحل (الابتدائيه، الاستئناف، النقض) بهدف الحد من الاخطاء، والبعد عن الظلم. يقول المحامي ناصر ابو محمود: "تسهم مراحل صدور الحكم بمنح المتهم اكثر من فرصه للدفاع عن نفسه، وهذا ما يحد من احتمال الخطا". لكنّ الفساد الذي ضرب الجهاز القضائي السوري جعل من هذه المراحل وسائل اضافيه للابتزاز، وضياع الحقوق. ويتابع المحامي ناصر: "انتشار المحسوبيه والرشي جعل مراحل المحاكمه فرصه للمساومه، فمن يعرف المفاتيح يصدر الحكم لمصلحته".

ومع سيطره تنظيم داعش علي بعض المناطق السوريه، انقلبت الامور راساً علي عقب شكلياً، فاغلق محاكم النظام التي اتهمها بالكفر لانها تحكم بغير ما انزل الله، واعتقل عدداً من القضاه ومنهم رئيس النيابه في منبج لمده شهر تقريباً، واقام محاكمه التي تستلهم الشرع الاسلامي.

ومن مزايا القضاء في التنظيم، السرعه في تنفيذ الاحكام. فلا يوجد في محاكم التنظيم التقسيمات الموجوده في القضاء المدني العادي. يقول المدرس ابو احمد: "ايجابيه السرعه تتحول الي سلبيه اذا عرفنا ظروف التحقيق، وعدم اهليه القاضي، فقد اقدم التنظيم علي اعدام شاب عمره 16 سنه واسمه يوسف في منبج منذ نحو 10 شهور  بتهمه اغتصاب سيده ليتبين بعدها انه لم يغتصبها". فقد كان الخلاف بينهما علي مال وقامت السيده باتهامه بهذا الجرم لتخويفه وفوجئت باعدامه. ولكن القضيه اغلقت رغم محاوله اهل الشاب فتحها خشيه من اهتزاز صوره التنظيم. وتركت هذه الحادثه استياء في الشارع المنبجي.

ولا يرجع الظلم الي عدم اهليه القضاه فقط بل يعود قسم منه الي اجراءات التحقيق. فالاعترافات تؤخذ تحت التعذيب ولا سيما في ما يتعلق بالقضايا الامنيه والجنائيه. يقول السجين السابق محمد ح.: "قسم من القضاه يستند الي الاعترافات الماخوذه تحت الضغط (التعذيب) واذا لم ياخذ القاضي بها، يعاد التحقيق مره ثانيه لكن باساليب اشد قسوه".

يقول ابو حسام، المدرس الذي كان قريباً من التنظيم: "ادعي التنظيم انه يحكم بشرع الله، وفعلاً هذا ما حصل من الناحيه الشكليه، لكنّ المظالم والاحكام التي تصدر، وقبل ذلك التجاوزات، تدحض هذا الادعاء. فغالبيه القضاه غير جديرين بالمنصب". اذ في البدايه، كان قضاه التنظيم من اصحاب العلم الشرعي، ولكن مع تمدده راح يعيّن قضاه غير مؤهلين، مكتفياً باعطائهم دورات شرعيه مدتها سته اشهر تخوّلهم ممارسه القضاء".

وتختلف الاجراءات باختلاف المحاكم، فللقضايا الامنيه قضاه مختصون، وغالباً ما تتاخر المحاكمه شهوراً. ويتابع محمد: "اعتقلت لاربعه شهور بتهمه الانتماء للجيش الحر، علماً انني تركت الجيش الحر قبل حدوث الفتنه مع التنظيم، والحمد لله حكم القاضي ببراءتي، وكان لتزكيات بعض عناصر التنظيم دور في ذلك".

مع العلم انّ التنظيم يمنح تعويضاً مادياً لكل مَن تصدر في حقهم احكام البراءه. ولكن القضايا الامنيه تخضع لمزاجيه القاضي والمحقق والجهه التي كتبت التقرير. فقد اعدم التنظيم شاباً في ريف مدينه الباب كان في تركيا وجاء لزياره اهله، بتهمه الانتماء للجيش الحر. ويقول احد معارفه محمود ابو حسن: "لم ينخرط في الجيش الحر سوي شهور قليله، وذهب للعمل في تركيا قبل المشاكل بين الحر والتنظيم، ولذلك لم يعلن التوبه (الاستتابه) امام التنظيم عندما رجع الي القريه ظناً منه انه غير معني بها، فاعدم".

ومثل هذه القصص كثير. فمحاكم التنظيم في الامور الامنيه تاخذ بالنيات لا بالافعال. يروي الطالب الجامعي سامر من الباب: "اعدم التنظيم ابن احد اغنياء الباب في جرابلس بتهمه التعاون مع الجيش الحر، ورفض تسليم الجثه لوالده الا بعد وساطات، واشترط الا يدفن في مقابر المسلمين والا يصلي عليه". والسبب هو ان عناصر من الجيش الحر طلبوا من هذا الشاب تحويل محطه الوقود التي يملكها الي مركز اعتقال سري لعناصر داعش، فاجابهم بان هذا المكان لا يصلح لمناقشه هذه الامور، وانتهي النقاش هنا. واعتبر التنظيم ان كلامه موافقهٌ مبدئيه علي خطف وقتل عناصره.

وفي ظل عدم وجود نص مكتوب، تكثر الاجتهادات. وياخذ القضاه الجدد بالاراء الفقهيه الشاذه المتميزه بالقسوه والتي تخالف جمهور فقهاء الامه. يقول خريج الشريعه ابو عمرو من ريف حلب: "هدف القاضي احقاق الحق لا الانتقام والتشفي". ويروي ان "التنظيم صادر اموال س.، من منبج، بتهمه تمويل الكفره (الجيش الحر)، علماً انّ الرجل معروف في البلده بالصلاح، وتبرع بـ11 مليون ليره سوريه للجيش الحر، عندما كان التنظيم والحر يرابطان معاً علي الجبهات". كما اخذ التنظيم شطر مال عدد من التجار بتهمه التهرب من الزكاه ومنهم تاجر خضر في منبج من ال الدالاتي، ومحمد علي من مدينه الباب رغم ان عقوبه اخذ الشطر شاذه لم يعمل بها في التاريخ الاسلامي.

وغالباً، لا يستعين القضاه باهل الخبره، ما يفاقم الاخطاء، لا سيما اذا عرفنا انّ القضاه الجدد يسعون الي اثبات الولاء من خلال احكامهم القاسيه، وانّ قسماً منهم غرباء لا يعرفون الاعراف والعادات الاجتماعيه المعمول بها. علي سبيل المثال، يقول عمار من ريف جرابلس: "اعدم التنظيم الشاب عبد الخالق شيخ محمد (45 سنه)، في جب الخفي احدي قري جرابلس، والرجل من قريه البلدق بجرابلس، بتهمه السحر والشعوذه. وباعتراف احد عناصر التنظيم عبد الحفيظ ابو احمد الشامي، وهو والد ابو حفص المعروف في المنطقه، فقد ذُكر في احدي الجلسات ان الدوله اخطات باعدامه، وان الشاب مريض. وهذا ما اكده عبد الحفيظ ابن قريته وقريبه الذي يعرف حاله ووضعه". يذكر ان الشاب كان في مستشفي للامراض النفسيه والعقليه وكل اهل القريه يعرفون ذلك.

وتعد محاكم الاحوال الشخصيه افضل محاكم التنظيم، اذ تقل الاخطاء فيها. وقد حصلت كل انثي قدمت شكوي تطالب بنصيبها الشرعي في الميراث علي حصتها، ولو كان حصر الارث تم منذ عشرات السنين. ولكن هذا ولّد مشاكل من نوع خاص كما حصل في ريف منبج. يقول الاربعيني ايمن: "طالب اولاد عمتي المتوفاه بقسمتها من الارض التي اخذتها مالاً قبل ان تتوفي. ولكن هذا غير مسجل كون الارض في غالبيتها غير مسجله يتقاسمها الابناء ويرضون اخواتهم، وحكم لهم القاضي بقطعه ارض، وهذا ولّد حقداً وقد يتسبب بمشاكل اكبر".

اما في مجال الحقوق الماليه والاملاك فتحكم محاكم التنظيم لمصلحته، والغريب انها تستند في عدد من احكامها الي القوانين الوضعيه. اذ صادر التنظيم "اراضي المغمورين" في احدي قري ريف مسكنه في ريف حلب الشرقي، وحولها الي بازار مازوت، وراح ياخذ عن كل برميل مئه ليره. والمغمورون هم الذين غمرت البحيره المتشكله من سد تشرين اراضيهم، وكان النظام السوري قد عوّض عليهم خسائرهم اما مادياً او باعطائهم اراضي في مناطق اخري منها مسكنه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل