المحتوى الرئيسى

معتز حجاج يكتب: أسوان.. أسطورة الشعب الطيب بطبعه

07/10 10:15

لا يبارح هذا الموقف مخيلتي، كنت صغيرا لم ابلغ اعوامي التسع بعد، وامام جمعيه “ابناء المريس باسوان” افترش ثلاثتنا اريكه خشبيه، انا وابي ومشرف الجمعيه، استغرق هذا البناء من والدي دهرا لتاسيسه، كما استنفذ فيه جدي لامي عمره.. الان يمكن لابناء القريه الواحده ان يانسوا بعصبيتهم في الغربه، غربه تبعد مائه كيلو متر فقط عن اصولنا بمحافظه الاقصر.

ليلتها اقترب من مجلسنا عابر مستبشرا، دنا من المشرف يساله عن صحه نسب عريس متقدم لخطبه ابنته لقريتنا، لم يستلزم الامر وقتا كبيرا من هذا الهرم، دقائق وجاءه بالخبر اليقين “لا ينتسب لنا”.. كيف؟ ولماذا يراوغ الرجل في امر خطير كهذا؟!

دارت هذه الاسئله براس السائل حتي قطع عليه والدي افكاره قائلا: “طالما اخفي نسبه يجب الحذر”، استحسن المشرف القول، واضاف: “بصراحه يا حاج هذا نسب، ولا يمكن ان اخفي عنك ما اعلمه، هذا الرجل له شريك في تجارته جمسي -لفظ تحقير للمنتسبين لقبيله الهلايله- فارجو ان تسال عنه جيدا”.

امتقع لون الرجل، وغارت عيناه في محجريهما، وارتسمت علي وجهه علامات الغضب، وعاد عازما علي ان يلقنه درسا لا ينساه، قبل حتي ان يتحقق من الادعاءات.. توتر الاجواء لم يشجعني علي اقتحام الحديث مستفسرا عن سر اشمئزازهم من الهلايله، لكن نظرات الغضب، وعلامات الدهشه، والهمس عند ذكر “الجمسه”، كانت كفيله باخباري انه كلام كبار ضل طريقه الي اذناي. وتعلمت الدرس الاول، هناك اقوام اقل من البشر، لا يجب الزواج منهم، ويحسن تجنب مشاركتهم العمل، هؤلاء هم الهلايله.

“ولن تعدم رجلا لم يسبه مرتضي.. لكن العنصريه اشعلت مواقع التواصل”

كاي مواطن عبر عن رايه في زمن الصوت الواحد، بطش باحمد الميرغني لاعب الزمالك السابق، ووادي دجله حاليا.. انتقد الميرغني نوبي الاصل عبر حسابه فشل السيسي في محاربه الارهاب عقب الهجمات الارهابيه علي سيناء التي وقعت مؤخرا، استل كل مؤيد للنظام سيفه، فسخ ناديه التعاقد معه، ونالت منه انصاف الرجال، لكن مرتضي منصور المتفرد دائما كان له حضور مختلف.. في مداخله له مع برنامج وائل الابراشي اثناء استضافته للاعب، سبه بالفاظ عنصريه، فقامت التنظيمات النوبيه بالرد عليه ومقاضاته.

ان كنت متابع للشان العام من خارج مصر، قد يدفعك ما تشاهده علي مواقع التواصل الي الاعتقاد ان مجتمعنا يبغض العنصريه، ويحاربها في قله من امثال مرتضي.. لا تتعجل الحكم، ادعوك الي ان تقترب اكثر من عالمنا، اسوان تحديدا.

“الكائن الضئيل.. ليتحدث عنا تشيخوف”

قبيل ثوره يناير عصف بمحافظتنا الجنوبيه ثوره افكار، تفككت العصبيات قليلا بسبب الهجره الداخليه، وعاد الطلبه المغتربون بجامعات ومعاهد وجه بحري متاثرون بالحراك السياسي هناك، وانتشرت جمعيات المجتمع المدني تحدثنا عن حقوق الانسان، وتشكلت طبقه قراء جدد مع انخفاض اسعار الكتب بفضل مشروع القراءه للجميع، وحملنا الانترنت علي الاشتباك مع واقعنا المحلي والقضايا العامه، لكن كما تقول احدي قوانين الميكانيكا “يستحيل رصد حركه الاجسام الا من خارجها”، كان لانتقالي الي الاسكندريه طالبا الدراسه، العامل الرئيسي في اكتشاف نفسي ومجتمعي القادم منه.. وجدت العنصريه هنا كما درجت عليها هناك، لكن الحكم علي الشيء وانت ليس طرفا فيه يكون اكثر موضوعيه، وعلي ضوءه تبينت عيوبي وعيوب اهلي.. راوغت اولا من الحقيقه، ثم استسلمت لها في النهايه، اسوان ليست بلد الطيبين، بل بلد العنصريين.

عنصريه تشعلها السياسه، وتحميها القبائل ذات السياده، ويدفئها مفاهيم الناس عن الدين، ولا تتوجه للهلايله وحدهم، الكل هنا يبغض الكل، يتهامسون فيما بينهم عن العرق السامي والعرق الحقير.. القبائل العربيه تري النوبيين همج، وتسميهم “البرابره”، والنوبيون يرونا مستعمرين قمنا بغزو اراضيهم، وكلاهما يصطف كاولاد عم اذا ما نشب حادث طائفي ضد المسيحيين، بينما يتفقون جميعا -حتي المسيحيين الحلقه الاضعف- علي ان الهلايله هم العرق المتخلف الذميم بينهم.

الامر اشبه بقصه “كائن ضئيل” للروائي الروسي “انطون تشيخوف”.. موظف يقوم بعمله لوقت متاخر من ليله عيد الفصح، بينما مديره الذي يستنزفه يحتفل في حانات المدينه، يقطع الموظف الغرفه ذهابا وايابا يفكر في وضعه ممتعضا، وفجاه يقوم بدهس صرصار يتمخطر علي مكتبه، يضربه بعنف مسقطا غضبه علي كائن ضئيل.. لم تنتهي القصه، لا تزال في بلدتنا حكايات عن الاستضعاف والكراهيه.

“نهايه غير سعيده قد لا تعجب القارئ”

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل