المحتوى الرئيسى

الشوق إلى غزة

07/09 13:52

الزمان: الساعه التاسعه من صباح الخميس (26/6/2015)، والمكان: ميناء صغير جنوب جزيرة كريت في اليونان. سفينه ماريان السويديه موجوده في المياه الدولية تنتظر منذ يومين وعلي متنها ناشطون من بلدان مختلفه. التحاقنا بها انا وباسل الغطاس النائب الفلسطيني العربي في الكنيست الاسرائيلى وطاقم الجزيره.

لماذا لم تدخل الميناء؟ لان قائدها لا يثق في السلطات اليونانيه التي عطلت رحيل الاسطول الثاني سنه 2012 وقبلها عطلت اسرائيل الاسطول الاول سنة 2010 لما هاجمته في عرض البحر وكانت المجزره الشهيره التي راح ضحيتها عشره شهداء اتراك.

الساعه الواحده بعد الظهر: الامر بجمع اغراضنا والالتحاق بالزورق الصغير الذي سياخذنا للسفينه. فرحه لن تدوم ونحن مطالبون بالنزول منه بعد ظهور مفاجئ للشرطه. بداهه ثمه قوي سياسيه تريد منعنا من الابحار واخري لا تمانع. لمن ستكون الغلبه؟ السؤال ايضا هل ستتمكن السفن الثلاث الاخري الموجوده في الموانئ اليونانيه من اللحاق بنا كما هو مبرمج؟ لا شيء في الافق غير انتظار ممل يتزايد ضغطه علي الاعصاب ساعه بعد ساعه.

الجمعه (27/6/2015) الساعه الواحده صباحا: اخيرا ياتي الضوء الاخضر. نسارع لزورق الصيد نرمي فيه امتعتنا القليله. بعد ساعه من الابحار تحت جنح الظلام تتضح معالم السفينه الصغيره. عند الاقتراب منها يرمي لنا بسلم من الحبال. ماذا لو زلت بي القدم وسقطت في البحر وانا بهذا الارهاق؟ الحمد لله، اخيرا علي متن سفينه تنتظرنا بفارغ الصبر منذ ايام وهدد قائدها اكثر من مره بالرحيل دوننا اذا تواصل الاخذ والرد بين اليونانيين.

نعتقد اننا نسافر وكل ما نفعله نقلُ اجسادنا من مكان لاخر، نشتكي من الاكل في الطائره ومن تاخرها في الوصول نصف ساعه، ها هي تجربه الرحله كما عرفها الاوائل وكما يعرفها الذين يسافرون حقا: انطلاق صعب، طريق محفوف بالاخطار، وصول غير مضمون والمفاجاه في كل منعطف. يا لي من محظوظ انا الذي لم اكف عن التنقل ان اعرف اخيرا طعم رحله حقيقيه.

في احدي قصائده الشهيره يقول شاعر الهايكو الياباني ميشي:

قلبي متيم بهذا العالم، في اي عالم اخر ساري مثل هذه الزهور. نعم انا ايضا قلبي متيم بهذا العالم، في اي عالم اخر ساري مثل هذا البحر! خاصه لحظه رحيل الشمس وكان يدا خفيه اضرمت النار في الافق.. خاصه لحظه مجيء القمر وكان يدا خفيه سكبت علي صفحه الماء الداكن نهرا من النور.. المشكله انه لكل ثمين ثمن وما ابهظ الذي تدفع مقابل لحظات الانبهار امام جمال وجلال هذا البحر. من يقدر نعمه الله علينا ونحن نمشي علي ارض صلبه لا تصعد ولا تغور. احمدوا ربكم انه لم يوجد لكم شيئا اسمه دوار البر.

يوما الجمعه 27 والسبت 28 كان المشهد: ضيق المكان، انقطاع الاخبار، الدوار اللعين، غياب الشهيه ورداءه الاكل، صعوبه النوم وحتي استحالته، تمارين المقاومه السلميه عند اجتياح الباخره وتعليمات النجاه في حاله غرق السفينه وتاثير كل هذا علي المعنويات.. ان كان هذا حالنا كيف حال المساكين المتكدسين في زوارق الموت التي تحاول العبور الي ضفاف اوروبا؟ كان الله في عونهم وقد حكمت عليهم الاقدار ان يعرفوا اهوال البحر بعد ان شبعوا من اهوال البر.

كانت ستكون رحله عمياء صماء لولا مبعوثا الجزيره الصحفي المغربي محمد البقالي والمنتج والمصور الفلسطيني عمار الحمدان. ثمه ايضا الصحفي الاسرائيلي مبعوث القناه الثانيه الذي احسن المنظمون بقبوله علي متن السفينه: اوهاد حمو. صوره لن تنمحي من الذاكره حين كان هذا الرجل يعين عمار الحمدان علي تصويب الكاميرا بينما البحر في صعود وهبوط، وعمار الحمدان يعينه علي حل مشاكله مع جهاز التقاط اشاره القمر الصناعي.

كنت انظر اليهما باشفاق وتعجب وهما يصارعان دوار البحر وخبث التكنولوجيا، فرقت بينهما خيارات سياسيه علي طرفي نقيض ووحدت بينهما الزماله المهنيه.

منذ البدايه اعلمنا القبطان الا احد هنا يخدم عند الاخرين وانه لا مكان هنا لركاب من درجه اولي. طبيعي ان تكون المساواه مبدا وممارسه علي ظهر سفينه شعب عريق في الديمقراطيه. كل صباح كان علي ان انظر لقائمه توزيع المسؤوليات، ويوم السبت جاء دوري لغسل صحون الغداء.

المشكله في محمد البقالي الذي كان يريد غسلها مكاني وكانه استفظع ان يغسل رجل مثلي صحون عشرين شخصا. رجل جد لطيف لكنه كان يجهل الكثير عن علاقتي بالصحون المتسخه وبالعمل المنزلي عموما.

ما اكتشفته بسرعه سنوات الاقامه شبه الجبريه في بيتي ابان الاستبداد، هو المفعول المهدئ للاعصاب للعمل اليدوي، وان الافكار تاتي بيسر وانت تقص الاعشاب في الحديقه او تغسل هذه الصحون التي يتافف الرجال من غسلها. عاده لم تفارقني حتي وانا في الرئاسه، حيث كنت مصرا انا وزوجتي علي "الفرار" كل نهايه اسبوع الي بيتنا في سوسه حيث لا "خدم" ولا "حشم".

في مطبخنا الصغير كنا نطبخ ونغسل الصحون معا وهي تلخص لي اخر ما قرات في مجلاتنا الطبيه التي لم يعد لي الوقت لقراءتها. شكرا لك يا محمد علي لطفك لكن ليس من العار علي رئيس سابق ان يغسل الصحون في باخره مناضلين متوجهين لاعلان حبهم لغزه بل كان ذلك شرفا لا يضاهيه شرف.

المكلف بتدريبنا علي لبس سترات النجاه والمقاومه السلميه عند اقتحام السفينه استاذ جامعي كندي سالته كما سالت الاخرين عن سبب وجوده هنا. قال انا من سلاله السكان الاصليين الذين يسموننا الهنود الحمر وبالنسبه لي غزه هي اكبر محميه اليوم للسكان الاصليين، لذلك جئت تضامنا.

لا يا عزيزي. غزه وان اصبحت ركاما وخرابا.. وان حاصرها العدو والصديق، وان عطشت وتضورت جوعا.. وان تقيحت جروحها.. وان، وان، وان.. غزه لم ولن تصبح يوما محميه تعيش فيها قبيله مهزومه تنتحر ببطء. غزتنا تنبض برفض الاستسلام للقوه الفظه، بالصمود امام الشدائد، بالشرف الاثيل، بالامل الذي لا يخبو بريقه مهما كان الظلام حالكا. غزه اجمل صوره للحياه وهي تقاوم الموت وتهزمه. لهذا شددت الرحال اليها علني ازداد قوه بقوتها علها تفيض علي بشيء من روحها.

النصيحه التي مدّني بها البحاره السويديون عندما يتفاقم الدوار التحديق في خط الافق. نجاح متواضع. فجاه يجلس بجانبي الصحفي الاسرائيلي اوهاد حمو يغالب هو الاخر غثيانه.

دون مقدمات يقول لي الرجل الذي يتكلم العربيه بطلاقه: يا دكتور انت لا تفهم اسرائيل وعقليه شعبها. ابي من المغرب وامي عراقيه. هذه المراه الطاعنه في السن تعيش رعبا متواصلا من وصول الارهابيين وذبحها في فراشها. هي ليست حاله شاذه. هل تعلم اي اخبار علي قائمه اهتمامات مشاهدينا؟ كل ما يتعلق بداعش. انتم العرب لا تقدرون اهميه الخوف في العقليه الاسرائيليه ودوره في كل السياسات التي تمارسها الحكومات المتعاقبه.

سبحان الله: هل يعلم الرجل درجه الرعب التي يبثها جيشه في اطفال الفلسطينيين منذ سته عقود. وتبقي المفارقه اللعينه والحلقه المفرغه التي يدور فيها الجميع: الكل خائف ومخوف ولا احد قادر علي التغلب علي خوف يدفع بهذا وذاك الي تصرفات لا نتيجه لها الا مزيد من الخوف.

متي سياتي اليوم الذي سترقد فيه اليهوديه العجوز مطمئنه علي انه لا احد سيذبحها في نومها وترقد فيه الفلسطينيه العجوز مطمئنه وهي تعلم ان ابنها الذي خرج ليسهر سيعود سالما وان تاخر كعادته.

ثلاثه ايام باكملها ولا شيء غير هذا البحر الغطمطم وتصاعد صعوبات الحياه اليوميه ببدايه نفاد الماء والمؤونه. انتظار ضاغط علي الاعصاب وكل الاخبار التي كان طاقم الجزيره يتلقاها عبر هاتف الثريا تؤكد عزم الاسرائيليين علي التصدي لنا بالقوه. الاخبار عن السفن الثلاث الاخري سيئه. واحده اعطبت بفعل فاعل، وسفينتان ابحرتا لكنهما لن تحاولا كما كان ذلك مقررا مواجهه الاسرائيليين اذا رفضوا مرورنا.

الاحد 29.. يوم كل الاخطار وان كنا علي اكثر من مائتي ميل من الشواطئ المصريه. عند حلول الليل يداهمني الحدس ان ساعه الحسم قربت فاقرر النوم بكامل ملابسي وبحذائي. في الساعه الواحده والربع من صباح الاثنين تدوي صفاره الانذار. نهرع جميعا كما تمرّنا لصناديق سترات النجاه ثم نحتل الامكنه المحدده لنا.

فجاه نكتشف زورقين حربيين بجانب السفينه يسلطان الاضواء علينا. دهشه كبري وانا اسمع قبطان السفينه الاسرائيليه يتوجه لي بالكلام عبر مكبر للصوت وبلغه عربيه سليمه بلكنه سوريه: استاذ مرزوقي في البدايه تعازينا للاعتداء الارهابي الذي وقع في بلدك يوم الجمعه لكن كيف تاتي لدعم الارهابيين هنا وتحاربهم هناك؟

افضل عدم الرد. يواصل الرجل: انت والاستاذ غطاس تستطيعان الابحار معنا لضمان سلامتكما وسرعه الوصول الي اسدود. نيابه عني يجيب باسل غطاس بالرفض، فنحن اعلم الناس بان وجودنا ووجود طاقم الجزيره احسن ضمان لبقيه المشاركين.

يبدا بعدها العسكري الاسرائيلي بمطالبه القبطان السويدي بتسليم الباخره فيرفض هذا الاخير وكان قد قال لي مازحا: هذه ارض سويديه وساطالب اي اسرائيلي يريد وضع قدمه عليها باظهار فيزا صالحه. ساعتان من النقاش والتهديد، وامام تواصل الرفض بدا الهجوم.

بالمناسبه تحيه اكبار لحرفيه وشجاعه وتفاني الطاقم السويدي. جلهم بحاره محترفون تركوا اعمالهم وتطوعوا لقضيه انسانيه شانهم في هذا شان نائبه البرلمان الاوروبي الاسبانيه او الصحفيه الروسيه او الناشطه النيوزيلنديه. بشر من كل الديانات والجنسيات خاطروا بحياتهم وراحتهم من اجل قضيه ومبدا. وبعد هذا تجد من يعلن ياسه من البشر؟

في مشهد سينمائي تعج السفينه الصغيره فجاه بجنود ملثمين مدججين بالسلاح يصوبونه نحونا. يتصاعد صراخ من قمره القياده والجنود يطلقون بمسدسات خاصه الصعقات الكهربائيه علي الطاقم السويدي، علما بانه لم يكن اي واحد منهم مسلحا. ما هي الا عشر دقائق قبل ان يرمي بافراده مقيدين بيننا وكنا جالسين بهدوء في مقدمه الباخره كما امرنا بذلك.

بجانبي الان القبطان السويدي الذي اعطب السفينه لكي لا تسقط لقمه سائغه في ايدي القراصنه. كان يردد قناعاتنا جميعا: هذه الباخره ارض سويديه ونحن في المياه الدوليه وهؤلاء الناس لا حق لهم في اعتراضنا، انها وجهه نظر المؤمن بقوه الشرعيه في مواجهه اناس لم يؤمنوا يوما الا بشرعيه القوه.

ساعات طويله ثقيله قبل ان يتمكن الاسرائيليون من تشغيل السفينه من جديد، بيد ان السؤال الان هو كيف سنتحمل اليوم الاخير وقد اكتظت الباخره ولم يعد في الامكان النوم حتي جلوسا.

الاحد الساعه السادسه مساء، بدات ملامح الشاطئ تتضح والسفينه الاسيره تقترب شيئا فشيئا من السجن الكبير الذي تجر اليه جرا. فخلافا للركاب الذين سيرحلون، هي ستبقي الي الابد بين ايدي مختطفيها.

يقف بجانبي السيد درور وانا اتامل تبلور مدن مبهمه: ها هو يشرح لي جغرافيا المكان: امامك اشكلون، علي اليسار اسدود وفي الطرف الاخر توجد غزه لكن لا يمكن رؤيتها من هنا.

هذا الرجل اطرف واظرف واغرب المشاركين: اسرائيلي المولد، خدم في الجيش شابا، تخلي عن جنسيته الاسرائيليه وترك البلد مهاجرا للسويد لانه لم يتحمل الظلم الذي كان يمارسه شعبه علي شعب اخر. ومنذ ذلك القرار وهو نصير القضيه الفلسطينيه والعقل المدبر لأسطول الحرية. الرجل موسيقي تذهل وانت تسمعه يعزف انت عمري لام كلثوم علي ساكسفون الجاز حوله لاله موسيقيه شرقيه.

انا وهو واقفان جنبا لجنب والرجل لا يعلم انني مشفق عليه لانه الوحيد المعرض للتنكيل. هذه رحله التحدي الثالثه وكما قال لي لن يتوقف الا يوم تطا قدماه ارض غزه. كم لنا من اغبياء يصرون علي الخلط بين اليهود والصهاينه؟

فجاه يصرخ درور متوجها للشاطئ البعيد لا تعرف هل يمزح ام يداري عبره تخنقه: شاورمه، حمص، لبني، كنافه. صرخه حب للوطن اختزل في الاساسي والمكون الاصلي ارض الطعام الاول، طعم الارض الاولي. الارض الام، الارض المغذيه.

يعود الرجل للصراخ مجددا وكانه يستغيث او يبتهل: شاورمه، حمص، لبني، كنافه. ثم يصمت وكان شيئا بداخله يبكي.

علي فكره، كل هذه الاطعمه فلسطينيه لكن الاسرائيليين استولوا عليها وكانهم عبر امتلاكها يتجذرون في ارض لا تزال تميد تحت اقدامهم. علي الاقل قاسم مشترك بين الشعبين المتحاربين. وحّد البطن ما فرقه القلب والعقل.

الاحد التاسعه مساء. وصول السفينه الاسيره الي ميناء اسدود. اولي خطواتي علي ارض لم اكن اتصور انني ساطؤها يوما وفي هذه الظروف الغريبه، فضباط الجيش الإسرائيلي المحيطون بي يعاملوني بمنتهي الاحترام منهم طبيب جاء ليطمئن علي صحتي وعرض خدماته في حاله ما.

في قاعه صغيره وحول منضده تراكمت عليها الفواكه والحلويات يقدم لي اكبر الضباط نفسه: الجنرال موردخاي المكلف بقطاع غزه. خطاب مؤدب حول جهلي بالمعطيات الحقيقيه للوضع في غزه وكيف ان اسرائيل تمد بكرمها المعروف القطاع بالماء والكهرباء والطعام رغم اطلاق الارهابيين للصواريخ. رد مؤدب ان لاهل غزه الحق في التنقل والامان والتواصل مع العالم الخارجي الخ.

نقاش عبثي كالذي يدور بين العرب والاسرائيليين منذ "استقلالهم" ونكبتنا.. نقاش شبيه بخطين متوازيين لا يلتقيان ابدا. لسبب ما يغير الجنرال الموضوع. سالني الرجل: انت طبيب، ما اختصاصك؟ قلت: قبل ان انتقل للطب الاجتماعي كنت متخصصا في طب الاعصاب وتحديدا في مرض الصرع. لحظه من التردد ثم قال: ابنتي مصابه بالارتعاش العضلي الحاد. يتبخر السياسي والحقوقي لا يبقي الا الطبيب. اساله هل نجح دواء الديباكين في السيطره علي النوبات؟ قال: كلا، لكننا نجرب الومضات الكهربائيه.

غلاله عابره من الاسي في رد الرجل. من يفهم احسن مني ما يعنيه له مرض البنت ومشاكل العلاج وقد مرضت لي بنت فكاد ان يذهب عقلي. من لا يعرف حب الاباء لبناتهم الذي لا يضاهيه الا حب البنات لابائهم، ومن اقدر علي التعاطف مع اب مر بافظع التجارب الا اب مر بنفس التجربه؟ فجاه يلتقي الخطان المتوازيان في خرق واضح لقوانين الهندسه التقليديه والسياسيه.

ثم يغلق القوس بالسرعه التي برز فيها ويعود كل واحد لدوره، هو لصهيونيته وانا لعروبتي ويعود الخطان لمسارهما حيث لا يلتقيان ابدا مهما اقتربا.

سالني الجنرال: اتريد ان نرحلك الي الاردن. قلت زوجتي مبرمجه لعمليه جراحيه في باريس. قال ليكن، صاحبتك السلامه وتفضل بزيارتنا متي تشاء.

من الغد خرجت في تونس غرفه العمليات المكلفه منذ ثلاث سنوات ببث الاكاذيب بطرفه جديده مفادها انني رحلت الي "بلدي" بعد ان اظهرت للاسرائيليين جواز سفري الفرنسي.. والحال انني لم املك في حياتي الا جوازا تونسيا. اه من الخبثاء الذين يبثون الاشاعات، واه والف اه من الاغبياء الذين يصدقونها.

الاثنين الواحده صباحا. قاعه الانتظار في مطار تل ابيب. ما زال امامي ست ساعات قبل اقلاع الطائره الي باريس. فجاه تداهمني صوره شخص يخرج برشاشه من صفوف المنتظرين.. شخص من طينه المتطرف اليهودي الذي اطلق وابلا من الرصاص علي المصلين في الحرم الابراهيمي.. من طينه العنصري الابيض الذي اطلق وابلا من الرصاص علي المصلين في كنيسه للسود، من طينه المجنون الذي اطلق وابلا من الرصاص علي سياح اجانب منذ ايام علي مئات الامتار من منزلي.

تصورت صراخ العائله العربيه التي تتحدث بصوت عال ورائي.. صراخ الاطفال اليهود الذين يجرون حول الطاولات.. صراخ المراه المقعده علي كرسيها المتحرك.. وبرك من الدم المتخثر منها دمي.

اطلق الصور البشعه لاركز علي افكاري بشان قضيه تجندت لها طوال حياتي.

بوصفي سياسيا كان موقفي ولا يزال الدعم غير المشروط للقضيه الفلسطينيه وخاصه لرفع الحصار عن غزه، وعدم الدخول في الصراع الداخلي بين الفلسطينيين، وحثهم بما امكن علي توحيد الصفوف، والقبول بما يقبلون به كحل نهائي اعجبني ام لم يعجبني، حيث لا حق لعربي ان يزايد علي ابناء القضيه او ان يتاجر بها.

بوصفي حقوقيا ومفكرا وانسانا قناعاتي اكثر من اي وقت مضي:

1- ان الخطاب القومي العربي انتهي لطريق مسدود حيث لا مجال لرمي اليهود الي البحر الا بتكلفه حرب نوويه لن تقضي فقط علي الشعبين المتخاصمين وانما علي كل شعوب المنطقه.

2- ان الخطاب القومي اليهودي انتهي لطريق مسدود حيث لا مجال لرمي الفلسطينيين الي ما وراء النهر الا بثمن حرب استنزاف متواصله تعيدنا عاجلا او اجلا لسيناريو حرب الفناء للجميع.

3- ان حل الدولتين يتباعد يوما بعد يوم نتيجه جشع اليمين الاسرائيلي وغبائه، اذ هو يريد دوله يهوديه ويمنع قيامها باستيطان مزق اوصال اي قاعده لدوله فلسطينيه قابله للحياه. ومن ثم تزايد الاختلاط والاحتكاك وفي يوم ما استحاله فك الارتباط بين شعبين كالتوام السيامي المشدوديْن لبعضهما بعضا بعظم الصدر.

4- اننا في المرحله التي مرت بها جنوب افريقيا العنصريه من تكوين البنتوستانات، وكما فشلت هذه السياسه هناك وفي ذلك الزمان ستفشل هنا الان ومستقبلا. وفي الاثناء كم من بشر ستدمر حياتهم، كم من الام عبثيه، كم من وقت ضائع وطاقات مهدره؟!

5- ان الحل الوحيد هو الدوله المدنيه الديمقراطيه للجميع علي شاكله التي خلقها مانديلا موفرا علي الشعبين تراجيديات فرديه وجماعيه لا عد لها ولا حصر.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل