المحتوى الرئيسى

قصة مريض فقد ذاكرته خلال جراحة لأسنانه - BBC Arabic

07/08 20:55

بعد عمليه اسنان بسيطه، فقد وليام قدرته علي تذكر الاشياء، فما الذي حدث؟ هذا الغموض الطبي الواقعي ينبغي ان يغير الطريقه التي ننظر بها الي الدماغ.

توقفت ذاكره ويليام للابد في تمام الساعه 01:40 في 4 مارس/اذار 2005، خلال زيارته لطبيب الأسنان. كان ويليام الجندي في القوات البريطانية قد عاد الي قاعدته العسكريه في المانيا في الليله السابقه بعد ان حضر جنازه والده.

وقد مارس الرياضه في الصباح، حيث لعب الكرة الطائرة لمده 45 دقيقه. ومن ثم دخل الي مكتبه للاطلاع علي ما وصله من بريد اثناء غيابه، قبل ان يتوجه الي طبيب الاسنان لاجراء جراحه في جذور الاسنان.

حدثني وليام عن تجربته فقال: "اتذكر جلوسي علي الكرسي، ووضع الطبيب للمخدر الموضعي، ولكن بعد ذلك لا اتذكر شيئاً".

منذ ذلك الوقت، لم يعد قادرا علي تذكر اي شيء لمده تزيد علي ساعة ونصف. وبينما ما زال قادرا علي ان يخبرني عن اول مره يقابل فيها دوق يورك في مؤتمر صحفي في وزاره الدفاع، لم يعد بامكانه ان يتذكر حتي مكان اقامته. ويستيقظ كل صباح معتقدا انه مازال في المانيا عام 2005 ينتظر زياره طبيب الاسنان.

مرور الوقت لا يعني شيئا بالنسبه له، لان عقله لا يحتفظ باي تجارب يمر بها. كل ما يعرفه اليوم هو ان هناك مشكله لانه هو وزوجته كتبا ملاحظات مفصله علي هاتفه الذكي في مجلد اطلقا عليه اسم "اقرا هذا اولاً".

ويبدو الامر كما لو ان كل الذكريات الجديده تكتب بحبر سري وتختفي ببطء مع مرور الوقت. كيف يمكن لعمليه اسنان بسيطه ان تؤثر علي دماغه بهذه الطريقه القويه؟ هذا الغموض الطبي الواقعي يلقي ضوءاً خاطفاً علي خفايا الطريقه التي يعمل بها الدماغ.

حتي الاحداث التي قادت الي فقد وليام الذاكره محيره جداً. فاثناء اجراء الجراحه له، لم يدرك طبيب الاسنان ان هناك شيء خطا. ولم يدرك وجود شيء غير عادي الا بعد ان طلب منه نزع نظارته الداكنه، بعد ان لاحظ شحوب وجهه وتمكنه من الوقوف بصعوبه.

عندها قاموا بالاتصال بزوجته، التي تروي ما حدث قائله: "كان ممدداً علي اريكه، وكانت عيناه شاخصتين، وبدت عليه الدهشه عندما راني، ولم يكن لديه اي معرفه بما كان يدور".

بحلول الساعه الخامسه بعد الظهر، تم نقله الي المستشفي حيث قضي ثلاثه ايام. حتي بعد تبدد بعض الغموض وعدم الوضوح في ذاكرته، لم يكن يستطيع ان يتذكر اي شيء لمده تزيد علي بضع دقائق.

في البدايه، اشتبه الاطباء بان ذلك نتيجه المخدر الذي حقن به موضعياً، لكنهم لم يتوصلوا الي دليل علي وجود جرح او اصابه ما. لذا تم اخراجه من المستشفي رغم استمرار الغموض الذي كان يحوم حول حالته، وعاد هو وزوجته الي انجلترا حيث تم تحويله الي عياده "غيرالد بيرغيس" النفسيه في ليستر.

التفسير الواضح لما حدث سيكون ان وليام لديه نوع من فقدان الذاكره كالذي حدث لهنري مولايسون الذي تحكي تجربته الكثير مما نعرفه عن الذاكره.

فاثناء اجراء عملية جراحية لعلاج مولايسون من مرض الصرع، قام الجراح باستئصال قطعه كبيره من دماغه بما في ذلك الهيبوكامبي، وهي منطقه علي شكل حصان البحر تقع في وسط الدماغ.

هذه المنطقه تقوم بعمل المطبعه داخل الدماغ، حيث تحتفظ بما يقع عرضاً من احداث في مناطق تخزين طويله الامد، وبدون هذه المنطقه من الدماغ، لم يكن مولايسون قادراً علي الاحتفاظ باي شيء وقع له بعد العمليه الجراحيه.

ولكن كما لاحظ اطباء وليام في البدايه، اظهرت صور المسح الضوئي للدماغ ان هذه المناطق ما زالت موجوده. كما ان الاعراض التي ظهرت عليه لا تتطابق مع ذلك النوع من مرض فقدان الذاكره.

فعلي سبيل المثال، لم يكن باستطاعه مولايسون تذكر تفاصيل احداث مرت به شخصياً، الا انه باستطاعته تعلم مهارات اجرائيه جديده، تتحكم بها مناطق اخري من الدماغ.

وعندما طلب بيرغيس من وليام ان يحل متاهه معقده، وجد انه نسي تماما هذه المهاره بعد ثلاثه ايام. ويقول في هذا الصدد: "استغرق نفس الوقت ليتعلم من جديد كيف يقوم بالمهمه مره اخري، وبدا الامر وكانه نسخه متماثله من خطا سبق ان وقع".

احد الاحتمالات ان فقدان الذاكره لدي وليام سببه مرض نفسي المنشا. فبعض المرضي يتحدثون عن فقدهم الذاكره بعد تعرضهم لصدمات، لكن ذلك يبدو نوعا من التكيف مع الحدث لتجنب التفكير باحداث ماضيه اليمه، وهو ما لا يؤثر في العاده علي قدره الشخص علي تذكر ما يحدث في الحاضر.

وتقول زوجه وليام انه لم يعان في السابق من اي صدمات، وحسب تقدير بيرغيس النفسي المفصل، كان يتمتع بصحه جيده من الناحيه العاطفيه.

ويضيف بيرغيس: "لقد كان اباً ناجحاً، وضابطاً في الجيش ذا سجل جيد. لا يوجد سبب للاعتقاد بانه كان يعاني من اي خلل نفسي".

وبناء علي هذا الدليل، يشتبه بيرغيس بان الجواب يكمن في تلافيف دماغيه سميكه يطلق عليها "نقاط الاشتباك العصبي".

عندما تمر بنا احداث معينه، فانها تحفظ ببطء في مناطق التخزين طويل الامد، مما يؤدي الي تغيير هذه الشبكات المنسوجه بكثافه.

هذه العمليه تشمل انتاج بروتينات جديده لاعاده بناء نقاط اشتباك عصبي في شكلها الجديد، والتي بدونها تبقي الذاكره هشه وسهله الاندثار بمرور الوقت. وقد ادي وقف افراز ذلك البروتين في تجارب اجريت علي فئران الي نسيانها علي الفور كل ما تعلمته للتو.

تعتبر 90 دقيقه وقتا كافيا لكي تحدث هذه العمليه التجميعيه، وهي المده الزمنيه ذاتها التي بدا وليام بعدها ينسي تفاصيل الاحداث. وبدلا من فقد الطابعه الدماغيه كما حدث مع مولايسون، يبدو ان دماغ وليام استنفد ما فيه من حبر.

حتي مع ذلك، ليس واضحاً لماذا يمكن ان تؤدي عمليه قناه الجذر الي جفاف الدماغ من هذا البروتين وتوقفه عن تسجيل الاحداث. يقول بيرغيس: "هذا هو سؤال المليون جنيه، وليس لدي اجابه عنه".

ولدي مراجعه ما ورد في كتب الطب عن هذا الامر، وجد بيرغيس خمس حالات مشابهه لفقد الذاكره الغامض بدون حدوث ضرر للدماغ.

ورغم ان هذه الحالات لم تقع خلال زياره الي طبيب الاسنان، الا انها تتشابه مع ما حدث مع وليام من فترات القلق النفسي خلال الحالات الطبيه الطارئه. يمضي بيرغيس قائلاً: "من الوارد ان يكون السبب هو اعاده ترتيب وراثي يحتاج الي محفز لبدء عمليه هذا الترتيب".

ويامل بيرغيس في ان يكون بحثه الجديد الذي سينشر في مجله الامراض العصبيه محفزاً لغيره من الاطباء النفسيين ليتبادلوا فيما بينهم قصصاً وابحاثاً تؤدي الي تكون نظريات جديده.

والحقيقه ان العلماء مهتمون بهذا الموضوع. حيث يقول جون اجلتون الباحث في جامعه كاردف: "انه امر يدعو الي اعمال الفكر. ويامل في رؤيه اختبارات وفحوص اكثر دقه وشمولاً لعلاقه الدماغ بالذاكره طويله المدي.

حتي لو لم يكن هناك ضرر قد لحق بخلايا الدماغ ذاتها، فربما يكون قد فقد بعض الوصلات الضروريه حول جزء الهيبوكامبي الدماغي، وغيره من اجزاء وخطوط الانابيب المفعله للذاكره".

تذكرنا حاله وليام في الوقت الحالي بالكم الضئيل المتوفر من المعرفه عن عقولنا. وبمساعده صور المسح الضوئي للاعصاب، ينظر الكثيرون الان الي الدماغ وكانه جهاز كمبيوتر يوجد بداخله اماكن خاصه بالجنس، والخوف، والذاكره.

لكن حاله وليام تظهر سطحيه هذه النظره الي الدماغ. حتي عندما تكون كافه اجزاء الدماغ في مكانها، فانك تجد نفسك لا تذكر شيئاً عن الحاضر، وبالتالي عديم القدره علي الربط بين الماضي والمستقبل.

ومن الواضح ان الدماغ يحتوي علي طبقات نحتاج الي ان نفهمها واحده تلو الاخري، قبل ان نتمكن من الوصول الي جوهر ما يجعلنا بشراً علي ما نحن عليه من الادراك والتفكير.

وتظهر حاله وليام ايضاً كيف يمكن ان تؤثر مشاعرنا بقوه علي تفكيرنا. في السنوات العشر الاخيره، تمكن من التشبث بحقيقه جديده واحده، وهي رحيل والده.

أهم أخبار تكنولوجيا

Comments

عاجل