المحتوى الرئيسى

ديبلوماسية كرة القدم: استخدام الكرة المستديرة لحل الأزمات

07/06 15:25

بعيداً عن ضجيج الحروب وغبار المعارك، وفي لفته رمزيه شديده الدلاله للمطالبه بانهاء الحرب ونشر السلام، بادرت منظمه H2O الليبيه الي تنفيذ سلسله مباريات في كرة القدم في العاصمه طرابلس ضمّت لاعبين من مختلف المناطق والمدن الليبيه، وذلك تحت شعار "في الميدان من اجل السلام".

خلال المباراه الاولي، ارتفعت في الملعب لافتات تدعو الي الوحده والسلام ونبذ الحروب والتفرقه بين ابناء الوطن الواحد. هذا ليس التقاطع الاول بين كره القدم والسياسه في ليبيا. فالشعب الليبي لجا اكثر من مره ابان حكم العقيد معمر القذافي الي كره القدم لتوجيه رسائل سياسيه للسلطات في ظل خنق الحريات بشكل شبه تام، وابرزها كان في العام 2003 عندما خرج الاف الليبيين للاحتفال بفوز نادي ميلان الايطالي بدوري ابطال اوروبا كشماته مبطنه بخساره يوفنتوس المدعوم في تلك الفتره من الساعدي القذافي، نجل الرئيس.

تستطيع الرياضه بشكل عام وكره القدم بشكل خاص ان تلعب دوراً كبيراً في التقريب بين الشعوب والاضاءه علي القضايا المحقّه، لما تحمله من قيم ومعان ساميه. ففي كره القدم يسعي اللاعبون نحو هدف واحد هو تحقيق الفوز، وهو فوز مشروط بالتعاون وتفاني الفرد في خدمه المجموعه وتنفيذ الدور الموكل اليه بدقه، مع التاكيد علي مفاهيم تقبّل الخساره واحترام الخصم والامتثال لقوانين اللعبه. وكان الميدان صوره مصغّره لما يجب علي المجتمع ان يكون عليه.

وتساهم الشعبيه الجارفه للعبه حيث يتخطي عدد مشاهدي بعض المباريات المليار احياناً، في استخدامها لتقريب المسافات بين المختلفين. فهي منبر قادر علي ايصال الرسائل السياسيه او الانسانيه والاضاءه علي القضايا الاجتماعيه. وبالفعل، تنامي في السنوات الماضيه دور روابط المشجعين واتسعت دائره المواضيع التي تعني بها متخطيهً الامور الكرويه الي السياسه والمجتمع والثقافه وغيرها.

لم تخفَ عن البابا فرنسيس اهميه كره القدم في التقريب بين الاديان وتعزيز ثقافه تقبّل الاخر، فرعي مبادره اقترحها ابن بلده، الارجنتيني خافيير زانيتي، لاقامه مباراه في كره القدم في روما في سبتمبر 2014 جمعت نجوماً عالميين ينتمون الي مختلف الاديان كمارادوانا وباجيو وزانيتي واخرين تحت شعار "مباراه بين الاديان من اجل السلام".

استهلت المباراه بعرض رساله مصوّره للبابا بثت من الفاتيكان، وقال فيها: "لا احد ينبغي ان يلعب مباراته الشخصيه"، واختتمت بتلاوه وثيقه مقتضبه تحض علي نشر السلام ونبذ العنف بثماني لغات مختلفه. ولاحقاً، اشاد البابا بالقيم العالميه المتوافره في كره القدم والتي تتجاوز الديانات والاختلافات، مؤكداً علي امكانيه ان يحتفظ الرياضي بهويته الدينيه علي ان تكون الديانه قوه موجِّهه نحو السلام وليس الحقد.

وانطلاقاً من مفهوم "ديبلوماسيه كره القدم"، وفي سبيل فتح كوه في جدار الكراهيه المنصوب بين الشعبين التركي والارمني علي خلفيه الاباده الجماعيه للارمن التي ارتكبها الاتراك قبل عقود عدّه، حاول رئيسا البلدين التركي عبد الله غول والارميني سيرج سركيسيان الاستفاده من مباريتي كره القدم بين منتخبي بلديهما، في اطار تصفيات مونديال 2010، لتثبيت خطوه اولي علي طريق الوصول لاقامه علاقات ديبلوماسيه.

ففي خطوه مفاجئه، وجّه سركيسيان دعوه لغول لحضور المباراه التي ستقام في يريفان عاصمه ارمينيا. وقد حرّك الرئيسان كره الانطلاق وسط مشاعر متناقضه رافقت هذه اللحظات التاريخيه. بعد المباراه، صرّح سركيسيان: "علينا ايجاد حل عادل لهذه الخلافات ولا يمكننا توريثها لاحفادنا الي ما لانهايه" فيما قال غول: "اتمني ان تساعد مباراه اليوم في ازاله العوائق والتقريب بين الشعبين صاحبي التاريخ المشترك".

عام 2010، اسفر سحب قرعه تصفيات كاس العالم في قاره اسيا عن مواجهه مثيره بين كوريا الجنوبيه وجارتها اللدوده كوريا الشماليه. وقد تقرر لعب المباراتين (الذهاب والاياب) علي ملعب محايد في مدينه شنغهاي الصينيه، بعد رفض السلطات الشماليه استضافه المنتخب الجنوبي في استاد "كيم الثاني" في بيونغ يانغ.

تمكّن المنتخبان من الوصول الي المونديال الافريقي معاً للمره الاولي. وفي المونديال، قامت بعض جماهير الكره في البلدين باعلان تاييدها للبلد الجار في مبارياته في المسابقه متجاوزين الخلافات السياسيه الحاده بين الحكومتين، بينما اعترف قائد المنتخب الجنوبي بارك جي سونغ Park J Song في تصريح لافت: "ساشاهد بكل تاكيد مباريات كوريا الشماليه، نحن جيران ونتكلم اللغه نفسها، عملياً نحن بلد واحد".

وعام 1998، شاءت القرعه ان تضع منتخبي ايران والولايات المتحده وجهاً لوجه في مجموعه واحده، خلال مونديال فرنسا. استحوذت المباراه علي اهتمام الوسطين السياسي والرياضي ووصفها رئيس الفيفا بام المباريات بسبب العداء الحاد بين البلدين منذ قيام الجمهوريه الاسلاميه في ايران. اصرّ لاعبو الفريقين علي تجاوز خلافات حكومتيهما وتوجيه رساله محبه من خلال كره القدم. قدّم اللاعبون الايرانيون وروداً بيضاً لخصومهم قبيل انطلاق المباراه، والورده البيضاء في ايران هي رمز للسلام.

في المقابل، تسببت كره القدم في بعض الحالات بتاجيج مشاعر الكراهيه وتسعيرها بين الشعوب بدون ان تكون خلفيه النزاع كرويه بالضروره. والمثال علي ذلك، الاحداث الدمويه التي رافقت مباراه الاياب بين السلفادور وهندوراس في تصفيات مونديال المكسيك 1970 والتي اقيمت في العاصمه سان سلفادور. حينذاك، شعر الهندوراسيون بالاهانه بعد اطلاق جماهير السلفادور صافرات استهجان خلال القاء النشيد الوطني الهندوراسي في الملعب، فتعرض السلفادوريون المقيمون في هندوراس لاعمال عنف ذهب ضحيتها عدد كبير وغير محدد من القتلي. وقد مارست وسائل الاعلام في البلدين التحريض فتفاقمت الازمه ووصل البلدان الي شفير الحرب. الحادثه، وان بدت ظاهرياً ناجمه عن مباراه في كره القدم، هي في الحقيقه نتيجه لمشاعر الكراهيه المكبوته بين الشعبين كجارين لدودين بينهما مواضيع خلافيه كثيره كالهجره واستصلاح الاراضي الحدوديه.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل