المحتوى الرئيسى

خالد عبد الرحمن يكتب: الإرهاب في سيناء صناعة الدولة | ساسة بوست

07/04 14:08

منذ 8 دقائق، 4 يوليو,2015

كان لسياسات الليبرالية الجديدة التي مارسها السادات ومن بعده مبارك تبعات اقتصاديه عنيفه علي الطبقة الوسطى قوام المشروع الناصري التي اعتمد عليها عبد الناصر في السابق لتمرير مشروعه القمعي كحل رئيسي لمواجهه الحركات الإسلامية والشيوعيه المعارضه، فمع انسحاب الدوله من القطاع الصناعي والخدمي لصالح القطاع الخاص فقدت هذه الطبقه الدوله كحامٍ لمصالحها مما دفعها للهجره للخليج ثم العوده محمله بامواله وكذا ثقافته الوهابيه مما خلق في مصر نمطًا جديدًا من انماط التدين الشكلي ومهد التربة امام بروز النزعات الاسلاميه المتطرفه بين مثقفي الطبقه الوسطي وخلق حاله عامه من التجريف الثقافي لهذه الطبقه وبالتالي اضعف من قدرتها علي خلق نمط ثقافي مستقل قادر علي مواجهه الافكار الجهاديه والطائفيه والتكفيريه خصوصًا مع وقوف اليسار التقليدي الستاليني مع الدوله ورفعه شعار الاسقف المنخفضه في الوقت الذي كانت تئن فيه هذه الطبقه تحت وطاه الاجراءات التي تمارسها الدوله ضدهم.

وكما كان لهذه السياسات تبعات علي الطبقه الوسطي كان له تبعات اشد علي الملايين من العمال والفلاحين والمهمشين، وكانت سياسات الافقار هي الاخري تتم بشكل غير متكافئ لتشكل عمليه مركزه للثروه بالمراكز الحضريه الكبري وفي المقابل تنامي الفقر في المناطق الابعد عن المراكز والاقل تمثيلًا في السلطه، مما خلق احزمه كبيره من الفقر حول المدن الكبري وصلت الان الي ما يزيد علي الـ 120 منها 17 حزامًا يتم تصنيفه عالي الخطوره ومستقل تمامًا عن الدوله.

وقد كشفت البيانات الرسميه ارتفاع معدل الفقر في مصر بنهايه العام التالي (2012 – 2013)، ليتجاوز 26.3 بالمئه وكشفت خريطه الفقر التي اعلن عنها الصندوق الاجتماعي للتنميه عن تركز الفقر في الصعيد وشمال سيناء بشكل كبير حيث تضمنت قائمه افقر 10 محافظات كل محافظات الوجه القبلي الـ 9، بالاضافه الي شمال سيناء حيث تحتل شمال سيناء المرتبه الخامسه في معدل الفقر بعد اسيوط وقنا وسوهاج والاقصر مما جعل منها بؤرًا شديده التوتر وملاذًا امنًا للعنف والبلطجه والاهم للافكار الجهاديه الناقمه علي المجتمع ككل منذ ثمانينيات القرن الماضي.

اما عن شمال سيناء تحديدًا فيصل عدد سكانها الي حوالي 500 الف نسمه يعيش نصفهم تحت خط الفقر وتصل نسب البطاله بينهم الي 40% خاصه بين الشباب الذين تتراوح اعمارهم بين 20 و30 عامًا وتعتبر منطقه الوسط، التي نما وتمركز بها مجاهدو سرايا بيت المقدس والمجاهدون في سيناء “ولايه سيناء حاليًا” والممتلئه بالجبال الوعره هي الافقر حيث تصل معدلات البطاله بين سكانها الي 90%، وذلك بعد تراجع الدوله بضغوط صهيونيه علي الارجح عن توصيل مياه ترعه السلام الي منطقه الوسط “السرو والقوراير”، والتي كانت ستضمن زراعه نحو 140 الف فدان بالمنطقه ولم يتم انشاء محطات تحليه لمياه البحر لري هذه الفدادين كبديل.

كما لا تسمح الحكومه للسيناويه بالتعيين في الوظائف الحكوميه الا نادرًا، ومن غير المسموح لهم العمل في الشرطه او القوات المسلحه ويمنع امتلاكهم للاراضي وتفضل الشركات التي تقوم بالاستثمار توظيف غيرهم نظرًا لتدني مستواهم التعليمي فلا يوجد هناك سوي التعليم الخاص.

كما ادي تعامل الحكومه مع شمال سيناء كمنطقه حدوديه مع الكيان الصهيوني بعد كامب ديفيد الي سياده المنطق الامني في التعامل مع البدو السيناويين مما صنع حاله من العداء للدوله المصريه بلغت ذروتها في ابريل 2007 عندما اعتصموا بالقرب من الحدود المصريه الاسرائيليه احتجاجًا علي التمييز الحكومي ضدهم في الخدمات والتعيينات واستخدام القوه غير المبرره ضدهم واعلن قاده البدو في حينها ان الالاف تم اعتقالهم بعد الهجمات الارهابيه في 2004 دون ذنب ولم يعودوا.

وخلق حصار قطاع غزة المجاور لهم مباشره وتربطهم باهله علاقات تاريخيه وعائليه تعاطفًا واسعًا من السيناويه مع القضيه الفلسطينيه وفتح اعينهم علي مشروع الاسلام السياسي خصوصًا بعد صعود حماس للسلطه، كما خلقت الانفاق بين مصر وغزه متنفسًا اقتصاديًا لطبقه جديده من الشباب لكسب الرزق عن طريق تهريب البضائع عبر الانفاق بين شمال سيناء وقطاع غزه المحاصر مما ادي الي نمو سوق سوداء كبيره في شمال سيناء دفعت مبارك يومًا لرفض طلب الكيان الصهيوني علنًا بغلق الانفاق، وادي غلقها بعد ذلك الي قطع عيش الالاف منهم.

يصف المفكر الاشتراكي جون مولينو احداث الثورات العربيه بـ “اضخم موجه لكفاح الطبقة العاملة وللنضال الثوري في الثلاثين عامًا الماضيه ضد سياسات الليبراليه الجديده”، وبالفعل كانت علي اولويات اجنده الثوره المصريه الوقوف ضد الامبرياليه والكيان الصهيوني وسياسات الليبراليه الجديده والسعي لتنميه شمال سيناء والتعامل مع السيناويه كشركاء وطن ورفض اتفاقيه كامب ديفيد والتطبيع بكل اشكاله مع الكيان الصهيوني كلب الامبرياليه بالمنطقه، ووقف تصدير الغاز له والسعي لفتح المنافذ ووقف الحصار علي غزه، مع السعي بالتوازي للكشف عن موارد سيناء كالرمال البيضاء والمعادن والثروه السمكيه والاراضي الزراعيه، وفتح ملفات بيع وتقسيم الاراضي حول ترعه السلام واسباب عدم اكتمال المشروع نفسه ليصل الي وسط سيناء مما ادي الي انضمام العديد من شباب السيناويه لصفوف الثوره منذ اللحظه الاولي وبالتالي حصار النزعات الطائفيه  والبؤر الجهاديه بها.

ولكن ما فعله المجلس العسكري بعد ثوره يناير مباشره من اختطاف للثوره ثم سعيه المستمر لاحتوائها عبر دق الاسفين تلو الاخر بين القوي التي صنعت ثوره يناير وخلق توازنات خارج اطارهذه القوي برفع اسماء 3000 جهادي من قوائم ترقب الوصول والسماح لهم بالعوده لمصر، واحداث استقطاب ديني علماني ككمين للثوره المصريه يتم اغراقها فيه ومن ثم تصفيتها لتقويض المقاومه الاجتماعيه وتفتيتها علي الارضيه الطائفيه في ظل غياب قياده ثوريه او حتي نقابيه منظمه قادره علي قياده دفه هذه المقاومه وخلق استقطاب راسي ضد السياسات الراسماليه وممثليها في مصر.

ثم الانقلاب علي مرسي في 3 يوليو 2014 ومن ثم فشل المسار الاصلاحي التدريجي الذي كان يمثله تنظيم الاخوان المسلمين وما تلا ذلك من مجازر في رابعه والنهضه وغيرهما ومن اعتقالات واختطاف قسري وتصفيه جسديه طالت الاسلاميين بالاساس ووصلت الي كل معارضي نظام السيسي مما ادي الي حاله من الاستقطاب المجتمعي والانسداد السياسي وسياده منطق القوه الخشنه.

وكما كانت تضاريس اسيوط الوعره وحقول القصب الكثيفه ملاذًا للحركات الجهاديه في الثمانينيات والتسعينيات ضد مبارك، كانت الطبيبعه الجغرافيه الوعره التي تحكم شمال سيناء بهضبه التيه في الوسط والتي يطلق عليها خبراء الامن “المنطقه المظلمه” لخطورتها، والجنوب الممتلئ بالمرتفعات الجبليه سببًا في اختيارها ملاذًا امنًا لبؤر الجهاديين الذين التفوا حول الهويه الاسلاميه الجهاديه كبديل وخصوصًا في ظل العجز الكبير في عدد العناصر الامنيه نتيجه للالتزام باتفاقيه “كامب ديفيد” التي قلصت تمامًا من التواجد العسكري في سيناء في المنطقه ب وج.

كما وفر انسحاب الدوله عن اداء دورها في تنميه شمال سيناء وغياب اي امل في تنميتها بعد تراجع المد الثوري والانقلاب علي المسار الاصلاحي التدريجي وانتصار الثوره المضاده والمنطق الامني في التعامل مع السيناويه حاضنه شعبيه لنمو هذه البؤر وتمددها وسط سيناء ان لم يكن تعاطفًا مع المشروع الاسلامي الجهادي التكفيري فعلي الاقل نكايه في الدوله التي تعاملهم كمواطنين درجه ثالثه وتعتقل شبابهم وتقتلهم في السجون.

فعندما تغيب الدوله عن تقديم الخدمات الاساسيه وعن العمل علي خلق تنميه متوازنه وتوفير فرص العمل للجميع يبدا الفرد في البحث عن هويه جديده تستطيع توفير الحد الادني من هذه الحاجات الاساسيه وتمتلك حدًا ادني من الافكار والمعايير والخبرات والقيم المشتركه  ليخوض الفرد بعد ذلك من اجلها معاركه الصفريه ضد النظام الذي عمل علي اقصائه وتهميشه بل وقمعه من قبل في معركه ثاريه من منطلق “ليس لدينا ما نخسره”.

يعلم السيسي جيدًا ان الشعبيه التي اكتسبها علي انقاض جماعه الاخوان المسلمين لن تستمر طويلًا تحت مطرقه الاجراءات التقشفيه التي يقوم بها لتهيئه مناخ الاستثمار لقوي الليبراليه الجديده وهذا ما يدفعه لمحاوله الحفاظ علي معركه دائمه مع الاسلاميين لاطول وقت ممكن لتبرير الاعتماد المتزايد علي الحل الامني والاله القمعيه الداخليه ولخلق تماسك “اصطفاف” داخل الطبقه الحاكمه، كما ان عمق الازمه الاقتصاديه داخليًا وضعف شرعيته خارجيًا يدفعه للمزيد من محاولات استرضاء الكيان الصهيوني بوابه الرضا الامريكي بالمنطقه.

ولهذا قامت القوات المسلحه المصريه بعمليات موسعه في شمال سيناء بالوكاله عن العدو الصهيوني وبتنسيق كامل معه لضرب اي كيان من الممكن ان يشكل تهديدًا للعمق الصهيوني، مما وضع القلب الصلب للدوله في مواجهه مباشره وشديده العنف مع البؤر الجهاديه والاهم دون تمييز لها عن حاضنتها الشعبيه الحانقه علي سنوات التهميش والقمع بالاساس ودون تمييزها حتي عن عموم المدنيين السيناويين ممن يقطنون المناطق المجاوره للقصف  فـ “السيناوي ارهابي الي ان يثبت العكس” وفقًا لمنطق القاده العسكريين.

وتكشف تقارير حقوقيه ان هناك اكثر من 1328 سيناوي معظمهم من المدنيين تم قتلهم في حمله وحشيه منذ الثالث من يوليو 2013 علي يد الجيش المصري باستخدام طائرات الاباتشي والمدفعيه الثقيله وراجمات الصواريخ، كما هُدم ما يزيد علي 800 منزل وتم تهجير اهالي الشريط الحدودي برفح في مخالفه صريحه لكافه المواثيق الدوليه لحقوق الانسان وتم تحويل سيناء الي منطقه عسكريه واحده وفرض الطوارئ عليها لسته اشهر كامله مما شكل عبئًا كبيرًا علي قاطنيها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل