المحتوى الرئيسى

ما بين جنيف وقاعدة السليل.. اليمن إلى أين؟

07/04 00:58

من جنيف الي قاعده السليل الصاروخيه جنوب الرياض، مسارٌ يلخِّص مرحله مهمه بما تحمله من تطوّرات ومفاجات علي المستويين السياسي والعسكري، يضع المتتبِّع للشان اليمني امام متغيِّرات جديده من شانها التاثير في ميزان المعركه القائمه، فالي اين يتَّجه اليمن في ضوء المعطيات الجديده؟

يمكن اعتبار مؤتمر جنيف الخاص بالازمه اليمنيه محطه فاصله بين مرحلتين رئيسيتين في مسار عدوان «التحالف» بقياده السعوديه علي اليمن. فمرحله ما قبل جنيف لخَّصت مشهد الصراع بصمود اليمن في الميدان العسكري مقابل سيطره الرياض علي مسرح العمليه السياسيه بحكم ما تملكه من امكانات للتاثير في ادوات صناعه القرار الاممي، وهو ما مكَّن الرياض من اصدار قرار مجلس الأمن الرقم 2216 الذي اتّخذته كغطاءٍ لفرض حصارٍ خانق علي اليمن تجاوز حدود القرار الدولي المتعلقه بمنع وصول السلاح، الي منع البضائع والمشتقات النفطيه في بلد يستورد قرابه 90 في المئه من احتياجاته، الامر الذي ادَّي الي تفاقم المعاناه الانسانيه ووصولها الي مرحله الخطر، كل ذلك بهدف اجبار قوي الداخل اليمني علي الاستسلام تحت وطاه الحصار والحرب، وهو ما لم يحدث حتي اللحظه.

ذهب وفد صنعاء الي مؤتمر جنيف، ينوء بتبعات الحرب والحصار، حاملاً هدفين اساسيين: كسر الحصار وبدء المفاوضات السياسيه لوقف العدوان. علي الجهه المقابله، ركَّزت اجنده وفد الرياض، المشارك في مؤتمر جنيف، علي الخروج باليه لتنفيذ القرار 2216، ما سيعني اعترافاً بالشرعيه او العمل علي افشال المؤتمر.

اللافت للانتباه انَّه رافق مؤتمر جنيف، ارتفاع في وتيره العمليَّات العسكريه في محاوله لاحراز انتصارات ميدانيه تعزّز الموقف التفاوضي لكلا الطرفين، غير انَّ المشهد العسكري ظلّ محتفظاً باستمرار تفوّق القوي اليمنيه في مسرح العمليات العسكرية سواءً في الداخل او علي مستوي الجبهه الخارجيه علي الحدود السعوديه. وتجلَّي ذلك في استعاده السيطره علي محافظه الجوف واحراز تقدّم كبير في محافظات مارب وتعز وعدن واستمرار القصف والاقتحام شبه اليومي علي مواقع الجيش السعودي، بل وتنفيذ عمليات خاطفه في عمق مناطق نجران وجيزان. وفي الجهه المقابله، حدث تطوّر لافت تمثَّل بدخول «داعش» في خط المواجهه عبر السيارات المفخخه التي استهدفت المساجد ومقرات بعض قاده «انصار الله»، الَّا انَّها، في المجمل، اخفقت في توجيه ضربات موجعه من شانها تغيير موازين القوه علي الارض. هكذا القي مشهد العمليَّات العسكريه بظلاله علي مؤتمر جنيف، مرجحاً كفه وفد صنعاء المنهك بفعل الحصار والحرب.

اخفقت محاولات وفد الرياض للايقاع بوفد صنعاء في مصيده القرار 2216، لكنَّه نجح في افشال مؤتمر جنيف واعاده وفد صنعاء خالي الوفاض كما يعتقد البعض. غير ان امعان النظر في قراءه تفاصيل اوَّل جوله تفاوضيه وما تبعها من تحركات، يقودنا الي جمله من المكاسب معظمها ذات نتائج مؤجله. فالي جانب استثمار جنيف اعلامياً، نجد انَّ وفد صنعاء نجح في الخروج باعتراف ضمني بسلطه «الانقلابيين» كما تصفهم الرياض، بل لعل المكسب الابرز، كان ذلك المتمثِّل في تحريك مياه العمليه السياسيه الراكده التي بدات دوائرها في التشكل تباعاً.

والي جانب توجّه ممثلي حزب «المؤتمر الشعبي العام» ـ الذي يراسه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح ـ الي موسكو تلبيه لدعوه وزاره الخارجيه الروسيه، استضافت مسقط مفاوضات بين ممثلين عن قوي «الحراك الجنوبي» وقيادات من «انصار الله». وتمّ تتويج هذا الحراك السياسي بالبيان الصحافي الصادر عن مجلس الامن، والذي دعا الي هدنه انسانيه واستئناف المفاوضات السياسيه برعايه الامم المتحده من دون شروط.

هذا ما لا يروق للرياض التي تشعر بضعف الموقف التفاوضي بسبب انكشافها في مسرح العمليات العسكريه. صحيح انه لا نتائج يعتدّ بها حتي اللحظه علي صعيد العمليه السياسيه، الَّا انَّ تلك التحركات وما رافقها من نتائج، حتي اللحظه، تشكِّل بنيه واعده لعمليه سياسيه قد تفضي الي وقف العدوان وبحث صيغه سياسيه ملائمه لسدّ فراغ السلطه في اليمن واستكمال المرحله الانتقاليه. ومن تلك المكاسب ايضاً، نجاح وفد صنعاء في ايجاد تفهم لدي ممثلي اللاعبين الدوليين بشان المخاطر المترتبه علي الانسحاب من المدن المسيطر عليها كعدن، في ظلّ حضور نشط للتنظيمات الارهابيه، وهو ما يشكل اعاقه واضحه للمطلب الرئيسي لوفد الرياض المتمثل بالانسحاب الفوري وغير المشروط من المدن. ويدعم ذلك انَّ تبني «داعش» لسلسله من العمليات الارهابيه لم تقتصر علي اليمن بل شملت الكويت ومصر وتونس ودولا اخري، قد عزّز مخاوف المجتمع الدولي من ان تؤدِّي الاستجابه لمطلب الانسحاب الفوري وغير المشروط، الي سيطره التنظيمات الارهابيه في اليمن علي المدن الرئيسيه، خصوصاً بعدما سيطرت القاعده علي عاصمه محافظه حضرموت المهمه.

يبقي هناك امر اخر وهو انَّ تاريخ الحروب يقود الي نتيجه ثابته مفادها انَّ مسرح العمليات العسكريه هو ما يحسم المفاوضات السياسيه، فالمنتصر في المعركه هو من يفرض املاءاته وشروطه علي طاوله المفاوضات. وبالنظر الي خلاصه مسرح العمليات العسكريه، يمكن القول انَّه في الوقت الذي استخدمت فيه الرياض معظم، ان لم يكن كل اوراقها العسكريه الفاعله واستنفدت بنك اهدافها، ما زال في ايدي قوي الداخل اليمني اوراق عسكريه فاعله وعدد كافٍ من الاهداف الحيويه. فالتطور الاخير المتمثِّل في استهداف قاعده السليل الصاروخيه جنوب الرياض بصاروخ «سكود» بعد اقل من شهر علي استهداف قاعده خميس مشيط، يؤكِّد علي بقاء قدره اليمن علي توجيه ضربات عسكريه في العمق السعودي علي امتداد خريطه المواقع الحيويه. ويعزز هذا التفوق العسكري الوضع التفاوضي لقوي الداخل اليمني التي تزحف بنجاح في اتجاه محاصره الرياض في مسرح العمليه السياسيه، مستفيده من تفوّقها العسكري ومستغله، في الوقت ذاته، الاخطاء الناجمه عن اداره الرياض لمسار الصراع، والتي اسفرت عن مضاعفه خطر التنظيمات الارهابيه علي امن اليمن والمنطقه واستقرارها، بالاضافه الي كارثه انسانيه تقف علي رؤوس 25 مليون يمني تفصلهم خطوه واحده عن مجاعه وشيكه، بحسب المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ احمد، وهو ما يشكِّل ضغطاً كبيراً علي المجتمع الدولي لا مناص من الاستجابه له.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل