المحتوى الرئيسى

«بانتظار الياسمين»: الجرأة على الحرب

07/04 00:43

لا تخفي كاميرا المخرج الفلسطيني السوري سمير حسين ذلك الولع بدمج مستويين من اللغه البصريه، اذ يراهن في «بانتظار الياسمين» (نصّ اسامه كوكش)، علي دمج الدرامي بالتسجيلي. الي جانب مشاهد مسلسله الماخوذه بمعظمها في حديقه من حدائق دمشق، ياخذ صاحب «قاع المدينة» لقطات وثائقيه لمهجري الحرب، جنباً الي جنب مع شخصياته وسط نيران حرب دخلت عامها الخامس. من هنا تبدو مغامره حسين شيّقه ببعدها الانساني، ورغبتها في تسجيل حياه نازحي الحرب السوريه واقعياً ودرامياً في ان معاً، من دون ان تقحم ابعاداً سياسيه علي الماده الدراميه.

يتصدّي العمل لتشريح الحاله فنيّاً، وذلك عبر عده قصص تنسجها كلّ من لمي (سلاف فواخرجي) في حكايه هربها من منطقه ساخنه مع ولدها وابنتها بعد انقطاع اخبار زوجها الذي خرج ولم يعد؛ وعائله ام عزيز (شكران مرتجي) وزوجها وتعرضها للاحتراق بعد محاوله ابو الشوق (ايمن رضا) التحرّش بها؛ وبحضور لافت لكل من الفنان غسان مسعود في دور ابو سليم، والفنانه صباح الجزائري بدور زوجته ام سليم واولادها... تتعقّد الحبكه الدراميّه هنا كنتيجه لحرب وضعت الجميع امام السؤال الوجودي القديم الجديد: «نكون او لا نكون».

يحكي «بانتظار الياسمين» عن شخصيَّات رمتها الاحداث الداميه تحت اشجار الحدائق العامه في اصعب الظروف المناخيه. تحت خيم الامم المتحده للاجئين، تواظب الكاميرا علي نقل حميمه خاصه، لا تفسدها السياسه والمقولات الكبري، بقدر ما يشغلها حب البقاء، والرغبه في انتظار غودو، الاسم الحركي لمفرده GOD في مسرحيه الايرلندي صموئيل بيكيت. ياتي عنوان المسلسل في تناصّ واضح مع عنوان مسرحيه رائد العبث ما بعد الحرب العالمية الثانية، مستلهماً الياسمين كمادّه شاميّه للامل، والضغط بالاسنان علي خيط الحياه الرفيع.

لا يهمل «بانتظار الياسمين» ايه شخصيه، فهو يقدم بديلاً عن فلاديمير واستراغون بطلا رائعه بيكيت في شخصيتي نزار حارس الحديقه (محمد حداقي)، وبريمو بائع القهوه (احمد الاحمد)، كشاهدين علي عبثيه الحرب التي تكون المراه دائماً فيها الضحيه الاولي. تشتبك قصص شخصيّات الحديقه مع من هم خارجها، فتحضر نساء المقاهي والسهرات والديسكو، من خلال قصص شله اصدقاء (مرام علي واسامه حلال ومرح جبر)، جنباً الي جنب مع رجال المال والسطوه ولصوص الساحات الخلفيه وتجار الدعاره والمخدّرات... اضافه الي مجموعه من الشباب والشابات التي تركت فيهم الحرب لعنات عصيه علي المقاومه من مثل سامر اسماعيل، ومحمود نصر واخرين.

مفارقات بالجمله يرصدها «بانتظار الياسمين» معززاً خطاً فريداً بين اعمال باتت تقدم نفسها اليوم من فئه الخمس نجوم، وبعيداً عن ايه ملامسه لواقع المتفرج، وذلك من حيث ديكوراتها الباهظه وازيائها الخلابه. في حين نطل مع سمير حسين علي فقراء سوريا، وحطام طبقتها المتوسطه، من دون مكياج للصوره، بل بتصميم علي تاسيس بيئه خاصه يواجه بها الانسان السوري تبعات الحرب، وفق ايقاع واضح حتي الان. يستميت لاعاده الدراما الي سياق الالتزام بتقديم قالب حكائي وبصري قادر علي صياغه راي عام، بعيداً عن نشرات الاخبار واوهام موضوعيه محلليها وخبرائها الاستراتيجيين... فالحرب هنا بين الفقراء والفقراء، يمولها اغنياء وشبكات غامضه. ولا ينحاز الطرح الا للانسان وما دفعه الناس من ضرائب باهظه من حياتهم ومستقبل ابنائهم وقوت رزقهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل