المحتوى الرئيسى

مترجم: اليونان عرض جانبي .. منطقة اليورو فشلت والألمان أيضا ضحايا لها - ساسة بوست

07/01 06:17

“العمله الموحده ساهمت في خفض الرواتب علي مستوي القاره وضربت العمال في الاقتصاد الاهم بشكل اكثر عنفا.”

النقاشات التي تتناول أزمة الديون اليونانية تعتمد كلها تقريبا علي مسرحيه اخلاقيه، يمكن ان نطلق عليها اسم اليونان الشقيه تواجه اوروبا النبيله. هؤلاء اليونانيون مثيرو المشاكل لم ينتموا قط الي الاتحاد الاوروبى، تلك المقوله هي السائده عند تناول القصه. بمجرد دخولهم الي الاتحاد ورطوا انفسهم في فوضي كبيره والان علي اوروبا ان تعالج الامر.

تلك هي الفرضيات الاساسيه التي يتفق عليها جميع الساده الحكماء. اليمينيون يذهبون الي القول انه علي اليونان العاجزه ان تقبل الصفقه الاوروبيه او تخرج من العمله الموحده. بينما الاكثر ليبراليه، بعد الهمهمه والتنحنح والسعال وربما البصق سيطالبون اوروبا باظهار المزيد من الشفقه تجاه الجاره الجنوبيه المفلسه.

بصرف النظر عن الحل المقترح فان الساده الحكماء يتفقون علي المشكله: الامر كله خطا اثينا وليس بروكسل. نعم، هؤلاء اليونانيون المزعجون! هذا هو الموقف الذي تشمه في الانتقادات التي توجهها مديره صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد الي حكومه سيريزا حول كونهم غير ناضجين كفايه. هذا ايضا هو ما يعطي الصحافه الالمانيه الحق في تصوير وزير ماليه اليونان يانس فاروفاكيس كشخص يحتاج الي مساعده نفسيه.

هناك مشكله واحده في تلك القصه، انها مثل كل الحكايات الاخلاقيه تنهار عند محاوله تطبيقها علي الواقع القاسي. اُثينا هي مجرد الظهور الاسوا لمرض اكبر بكثير داخل المشروع الاوروبي. فبالنسبه للمواطن الاوروبي العادي من وادي روهر الي روما فان العمله الموحده لا تعمل.

عندما اقول هذا، انا لا اتجاهل الفساد المزمن والتهرب الضريبي الموجود في اليونان (وهو بالمناسبه نفس موقف حركه سيريزا التي وصلت الي السلطه بعد حمله موجهه ضد نفس القضايا). ما ادعيه هو امر اكثر بساطه: المشروع الاوروبي لم يفشل فقط في تنفيذ الوعود التي قطعها مؤسسوه، ولكنه قام بفعل العكس تماما. ما حدث هو تاكل لمستوي معيشه الفرد الاوروبي العادي. وكما سنري لاحقا فان هذا ينطبق ايضا علي من يعيش في الاقتصاد رقم واحد في القاره، المانيا.

اولاً دعونا نذكر انفسنا بالتعهدات النبيله التي قطعها المشروع الاوروبي. لنتذكر تلك المقاطع المصوره القديمه التي جمعت المستشار الالماني هيلموت شميدت والرئيس الفرنسي جيسكارد ديستانج وهم يضعون اساسات التوحيد الكبير لاوروبا. لنذكر انفسنا قبل كل شيء بمشاعر المؤمنين الحقيقيين بالمشروع. خذ ما قاله وزير الماليه في المانيا اوسكار لافونتان عشيه اطلاق عمله اليورو علي سبيل المثال. قال وقتها: “ان الوصول الي اوروبا موحده سيتم عن طريق التوحيد التدريجي لمستويات المعيشه في القاره وتعميق الديموقراطيه وازدهار الثقافة الأوروبية الحقيقيه”.

يمكننا اقتباس الالاف من المقولات التي تتحدث عن اليورو بشكل شاعري ايضا، ولكن هذا الاقتباس من  لافونتان يظهر الي اي مدي فشل مشروع العمله الموحده. فبدلا من ارتفاع مستوي المعيشه علي مستوي القاره، فان الاتحاد النقدي ياخذها للهبوط. وبدلا من تعميق الديموقراطيه يقوم بتقويضها. وفيما يتعلق بـ”الثقافه الاوروبيه الحقيقيه”، فعندما يتهم الصحفيون الالمان الوزراء اليونانيين بالذهان، فان تلك الوحده الاسطوريه للامم الاوروبيه مازالت ابعد ما تكون عن التحقق.

من بين هذه الادعاءات الثلاثه فان الاول هو الاكثر اهميه لانه يمكنه شرح كيف تم تقويض الاتحاد بالكامل. لتوضيح ما حدث لمستوي معيشه المواطن الاوروبي العادي، سنستعرض الورقه البحثيه الاستثنائيه التي نُشرت هذا العام وشارك فيها كل من هينر فلاسبيك المدير الاقتصادي السابق لمؤتمر الامم المتحده للتجاره والتنميه وكوستاس لابافيتساس استاذ الاقتصاد في جامعه سواس بلندن والذي اصبح عضوا في البرلمان اليوناني عن حزب سيريزا.

علي عكس ما تقوله الترويكا الاوروبيه نشر الباحثان الالماني واليوناني رسما بيانيا ينسف فكره ان اليورو ساعد علي رفع مستويات المعيشه. ما نظر اليه الباحثان هو تكلفه وحده العمل، بمعني تكلفه دفع رواتب للعاملين لانتاج وحده واحده، ولتكن جهازا صغيرا او وحده من نظام تشغيل. وقام الباحثان برصد تكلفه وحده العمل عبر منطقه اليورو منذ عام 1999 وحتي 2013. ما وجدوه هو ان العمال الالمان تقريبا لم يشهدوا اي ارتفاع في رواتبهم علي مدي 14 عاما. وخلال عمر منطقه اليورو القصير حصل العاملون الالمان علي رواتب اسوا من الفرنسيين والايطاليين والنمساويين واخرين في انحاء مختلفه من جنوب أوروبا.

نعم، نحن نتحدث عن نفس البلد الذي تعرفونه، المانيا. اعظم اقتصاد في القاره والبلد التي ينظر اليها الجميع بحسد حتي ديفيد كاميرون. وعلي الرغم من ذلك فان العاملين لجعل تلك البلد اكثر ازدهارا لم يحصلوا علي اي مكافات علي جهودهم تقريبا. وهذا هو النموذج الذي يرغبون في تطبيقه علي مستوي القاره باسرها.

ربما تتخيل المانيا كامه من ذوي المهارات العاليه والاجور المرتفعه الذين يعملون في مصانع براقه. اتحادات العمل والايدي العامله التي تتخيلها مازالت موجوده ولكنها تتاكل بسرعه شديده. وطبقا لجيرهارد بوش الخبير الاهم في عدم المساواه في المانيا فان ما يحل محل تلك الصوره هي الوظائف الرديئه. وقد ارتفعت معدلات العماله التي تتقاضي رواتب منخفضه بشكل كبير لتصل الي مستويات قريبه من نظيرتها في الولايات المتحده بحسب بوش.

لا يمكن لوم منطقه اليورو علي ما حدث في المانيا. يمكن القاء اللوم علي الافول البطيء لاتحادات العمل الالمانيه واتجاه الشركات الي توظيف العماله الرخيصه في شرق أوروبا. لكن يمكنك لوم العمله الوحده علي جعل مشكلات الرواتب المنخفضه في المانيا تدمر قاره باكملها.

العمال في فرنسا وايطاليا واسبانيا وباقي منطقه اليورو يخسرون وظائفهم بسبب ثبات الرواتب غير المعقول في الدوله الكبيره الموجوده في وسط القاره. وهو ما يطلق عليه فلاسبيك ولابافيتساس سياسه “تسول من جارك” ولكن بعد ان تتسول من ابناء بلدك اولاً.

خلال القرن الاخير كان يمكن لبعض الدول في منطقه اليورو ان تكون اكثر تنافسيه من خلال تخفيض قيمه عملتها الوطنيه كما فعلت المملكه المتحده بعد الانهيار البنكي. ولكن بما ان الجميع اصبحوا اعضاء في نفس النادي فان الحل الوحيد لما بعد الانهيار هو دفع رواتب اقل للعمال.

هذا هو ما تقوله المفوضيه الأوروبيه والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي (الترويكا) لليونان بشكل صريح: تخلصوا من العماله الزائده وادفعوا للباقين في وظائفهم رواتب اقل بكثير واقتطعوا الحصه الاكبر من معاشات التقاعد. الامر لا يسري علي اليونان فقط. ففي كل اجتماع للساده الحكماء في بروكسل وستراسبورج يخرجون تقريبا بنفس البيان الذي يتحدث عن “اصلاح” سوق العمل وتوقعات الضمان الاجتماعي علي مستوي القاره. وهو ما يعتبر دعوه – لا تحتاج الكثير لفهمها –  للهجوم علي مستوي معيشه المواطنين العاديين. هذا هو ما تحول اليه المشروع الاوروبي النبيل، مسيره بائسه نحو القاع. الامر لا يتعلق بديمقراطيه اكثر عمقا ولكن باسواق اكثر عمقا ومع الوقت يصبح الامران غير قابلين للتحقق معا. المستشاره الالمانيه انجيلا ميركل لا تجد غضاضه في التدخل في الشؤون الديموقراطيه للبلدان الاوروبيه الاخري، سواء بتحذير اليونانيين بشكل غير مباشر من التصويت لحزب سيريزا او اجبار رئيس الوزراء الاسباني الاشتراكي خوسيه لويس رودرجيز ثباتيرو علي مخالفه وعوده تجاه الانفاق الحكومي والتي امنت له الفوز في الانتخابات.

الضربات الدبلوماسيه الموجهه الي سيريزا منذ وصوله الي الحكم هذا العام لا يمكن فهمها الا من خلال محاوله اوروبا ضرب مثال امام المصوتين الاسبان الذين يفكرون في دعم الحركه التوام لسيريزا في اسبانيا بوديموس. الرساله تقول، اذهب الي اقصي اليسار وستتلقي نفس المعامله.

ايا كانت المُثل التي اسست منطقه اليورو فانها لا تتماشي مع الواقع البائس في 2015. نحن نشهد ثوره تاتشر او ريجان مجددا ولكن علي مستوي قاره باكملها. وكما كان الحال انذاك فانها مصحوبه بفكره عدم وجود بديل سواء لطريقه اداره الاقتصاد او حتي لطبيعه الحكومه التي يختارها المصوتون.

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل