المحتوى الرئيسى

أنسي الحاج بالفرنسية.. شاعر لكل الأزمنة

06/29 16:48

في اواسط فبراير/شباط من السنه المنقضيه، وبعد صراع طويل مع المرض، غيّب الموت الشاعر اللبناني الشهير أنسي الحاج، عن عمر يناهز السبعه والسبعين عاما.

وفي خطوه تبدو اقرب الي تكريمه واحياء ذكراه، اصدر كل من عبد القادر الجنابي وماري تيريز هويرتا -عن دار سندباد الباريسيه للنشر- ترجمه كامله لمجموعه انسي الحاج الشعريه "الرسوله بشعرها الطويل حتي الينابيع"، اردفاها بمختارات من بعض قصائده التي لم يسبق نشرها بالفرنسيه.

ولد انسي الحاج سنه 1937 في بلده قيتولي بقضاء جزين جنوب لبنان، وعرف طريقه الي عالم النشر مبكرا عندما احتضنت الصحافة اللبنانية نصوصه الشعريه والنثريه وهو ما يزال علي مقاعد الدراسه الثانويه.

ولكنّ شهادة ميلاده الابداعيه اقترنت بحدثَين هامين، اولهما مساهمته -وهو ابن العشرين- في تاسيس مجله "شعر" (1957) الذائعه الصيت، بالاشتراك مع عَلمين من اعلام الادب العربي الحديث الاكبر منه سنا، ونعني بذلك كلا من الشاعر اللبناني يوسف الخال والشاعر السوري ادونيس.

وثانيهما نشره لمجموعته الشعريه الاولي "لـن" (1960) التي زخرت انطلاقا من عنوانها بمعاني الرفض والمواجهه، والتي كانت مقدمتها اكثر تمردا وثوره بعدما صاغها صاحبها علي شاكله بيان شعري "مانيفستو"، ارسي من خلاله الاسس النظريه والجماليه الاولي لقصيده النثر باعتبارها افقا منفتحا علي الشعر الخالص بعيدا عن البحور والقوافي والمحسنات البديعيه واللفظيه التي اختنق بها المنجز الشعري العربي طيله قرون.

ولعل الجمله المفتاح في هذه المقدمه/البيان اشاره انسي الحاج الي ان "قصيده النثر لكي تكون قصيده حقا لا قطعه نثر فنيه، او محمله بالشعر"، فان عليها ان تحقق "شروطا ثلاثه: الايجاز والتوهج والمجانيه". شروط ثلاثه ظل انسي الحاج وفيا لها، لا في نصوصه فقط، بل خارجها ايضا.

كانت الصحافه اللبنانيه منذ اواخر ستينيات القرن الماضي تعيش ربيعها وتبني الامجاد التي جعلت منها دره الاعلام في العالم العربي. ولذلك، فانها سرعان ما تبنت تلك اللؤلؤه التي اسمها انسي الحاج وفتحت بها ولها دروب التحرير الصحفي في اعرق الجرائد.

ولكن انسي الحاج -علي عكس كثير من المبدعين الذين استنزفتهم صاحبه الجلاله- عرف كيف يحافظ علي توهج صوته الشاعر، فاصدر بعد مجموعته الاولي "لـن" مجموعات "الراس المقطوع" (1963) و"ماضي الايام الاتيه" (1965) و"ماذا صنعت بالذهب، ماذا فعلت بالورده؟" (1970) و"الوليمه" (1994)، مرورا بمجموعه "الرسوله بشعرها الطويل حتي الينابيع" (1975)، التي تظل من بين مجموعاته الست كلها الاشد تعبيرا عن وحده الرؤيا الشعريه وصميميتها بما هي تجربه في الكينونه، لا مجرد كتابه عن الكينونه او خارجها.

في مجموعته "الرسوله بشعرها الطويل حتي الينابيع"، يصوغ انسي الحاج نصا واحدًا/قصيده، لا جمله من النصوص/القصائد، ويكتب "سفر تكوين جديد" يبدؤه بقوله منذ الصفحه الاولي:

"هذه قصه الوجه الاخر من التكوين

وقد كان "سفر تكوين" بالاحري "نشيد انشاد" محوره المراه، يصطفيها الشاعر ويرقي بها الي مصاف رسولي ويجعلها عنوانا للحريه والكينونه والوجود.

ومما لا شك فيه ان نصا شعريا بكل هذه الدلالات والابعاد يطرح في مستوي ترجمته الي لغه غير اللغه العربيه كثيرا من القضايا، ليس اقلها مساله النغميه الداخليه التي عليها تتاسس قصيده النثر والتي تمثل جوهرها.

ففي احيان كثيره، يفقد النص الاصلي روحه بمجرد نقله من لغته الام، فيضحي في اللغه الجديده التي تحتضنه مجرد "كلام بارد" (حتي لا نقول: كلام فارغ!) غير قادر علي ايقاع الاثر الجمالي في المتقبل.

ولكن انسي الحاج كان محظوظا حقا لان من تصدي لترجمه مجموعته "الرسوله..." ليس "خبير لغات" يتعامل مع العربيه والفرنسيه تعاملا تقنيا حرفيا لا روح فيه؛ ونعني بذلك -علي وجه التحديد- الاديب عبد القادر الجنابي الذي اجتمعت فيه اكثر من خصله تتيح له الوفاء لانسي الحاج روحا ونصا.

فعبد القادر الجنابي هو في الحين ذاته شاعر وناقد ومترجم، واكثر... لانه من بين قله قليله من الادباء العرب الذين عاشروا -ولسنوات طويله- شعر انسي الحاج وخبروا عوالمه.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل