المحتوى الرئيسى

عام «الخلافة» الثاني: دول جديدة في دائرة الاستهداف

06/29 01:10

متارجحاً بين القوه والضعف، والهزيمه والنصر، والتمدد والانحسار، بلغ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، اليوم، عتبه العام الثاني من اعلان ما اسماه «دولة الخلافة» في 29 حزيران العام 2014.

وفيما يطرح «بقاؤه وتمدده» تساؤلات مصيريه حول مستقبل العديد من دول المنطقه، سواء منها تلك التي اكتوت بناره او تلك التي تنتظر مصيراً مماثلاً، يبقي الغموض سيد الموقف في تحديد العوامل التي اتاحت، للمره الاولي، في التاريخ الحديث نشوء دوله ـ وان غير معترف بها - علي هذا المنوال.

سقف الخلافه ومصير دول المنطقه

لم يضف اعلان «الخلافه» جديداً علي التنظيم، لا من الناحيه التنظيميه ولا العقائديه، فالتنظيم بعد الاعلان هو نفسه قبل الاعلان، ولم يتغير شيء علي نسختيه السابقتين، سواء العراقيه كـ «دولة العراق الإسلامية» التي انشئت في العام 2006 او الشاميه كـ «دوله الاسلام في العراق والشام» التي اعلن عنها مطلع العام 2013. الجديد الوحيد هو ان هذا الاعلان عبّر عن وصول التنظيم الي السقف الاقصي لطموحاته النظريه التي تستبطن الايديولوجيا الخاصه به. وعليه، لم يعد امام التنظيم ما يقوم به في هذا المجال، فهو رفع نفسه الي اعلي مرتبه يمكن ان يحلم بها.

لكنّ هذا تطلب منه السعي الحثيث للاثبات، امام نفسه وامام انصاره كما امام مناوئيه واعدائه، انه يستحق هذه المرتبه. وهذا لا يعني سوي امر واحد، هو المزيد من المعارك والحروب لمحاوله التوسع والسيطره علي اراض جديده، او الحصول علي «بيعات» من كل اصقاع الارض تتيح له التعويض عن غياب السيطره في بعض المراحل.

ومما لا شك فيه ان هوس التنظيم بالتوسع، او كما يسميه «التمدد»، سيضع دول المنطقه امام تحديات وتهديدات في غايه الخطوره، لان اراضيها ستكون الميدان الذي يفترض ان يشهد ترجمه هذا الهوس المرضي.

ورغم ان العراق وسوريا سيستمران في كونهما الساحتين المفضلتين لدي «داعش» ليلعب فيهما، الا ان ذلك لا يعني ان بقيه دول المنطقه ستكون بعيده عن اختبار مدي شراهته لقضم مزيد من الاراضي. وتشكل العمليات الانتحاريه، التي شهدها عدد من مساجد السعوديه والكويت، مؤشراً علي وجود سياسه لدي «الدوله الاسلاميه» في التوجه نحو الخليج، ومحاوله تقويه نفوذه هناك عبر توسيع دائره الفوضي واللعب علي التناقضات الطائفيه. كما سيشكل اليمن ميداناً حيوياً لتحرك التنظيم، وسعيه الي زياده نفوذه هناك، خاصه بعد مقتل عدد لا باس به من كبار قاده تنظيم «القاعده» علي راسهم زعيمه ناصر الوحيشي، وهو ما سيحاول زعيم «داعش في اليمن» ابو المعالي، مع «اميره الشرعي» ابو بلال الحربي الاستفاده منه، للتسلل عبر الثغرات التي تركها رحيل قاده خصمهما اللدود. كذلك فان وصول ابو ايمن العراقي، احد اشهر قاده «الدوله الاسلاميه» واكثرهم دمويه الي ليبيا برفقه عدد اخر من القيادات العسكريه والشرعيه قادمين اليها من سوريا والعراق، يشير الي ان ليبيا ستكون علي موعد مع تصعيد جديد خلال العام الثاني من عمر «الخلافه». والامر مماثل بالنسبه الي لبنان، الذي يشهد معارك ضاريه بين «حزب الله» و «الدوله الاسلاميه» في جرود القلمون وجرود عرسال.

والقاسم المشترك بين جميع الدول السابقه هو ان «الدوله الاسلاميه» نشط فيها خلال العام الاول من «خلافته»، وبالتالي من الطبيعي ان يستمر في هذا النشاط ويحاول توسعته. لكن المتوقع في العام المقبل ان يحاول «داعش» السعي لضم دول جديده الي قائمه اهدافه التوسعيه، لان تنويع الاهداف، ونقل شراره الفوضي من دوله الي اخري، من شانه ان يحافظ علي صوره التنظيم الحيوي القادر علي الضرب اينما كان، وهو ما يسعي اليه «الدوله الاسلاميه».

يلجا الكثيرون الي نظريه «المؤامره» لتفسير الظاهره التي يمثلها تنظيم «الدوله الاسلاميه»، وقدرته علي التوسع وبسط نفوذه علي مساحات شاسعه من الاراضي، تمتد بين عده دول اهمها العراق وسوريا، وتشمل ايضاً دولاً اخري مثل ليبيا واليمن والسعوديه والقوقاز وافغانستان ونيجيريا وغيرها.

ومضمون هذه النظريه ان هناك دعماً استخباراتياً ولوجستياً تقدمه بعض الدول الي التنظيم، اتاح له التحول الي ظاهره اجتاحت العالم باكمله. لكن المفارقه ان جميع الفصائل المسلحه في سوريا تحظي بدعم من قبل العديد من الدول واجهزه الاستخبارات الاقليميه والدوليه، ومع ذلك لم تتمكن هذه الفصائل من مجاراه التنظيم عسكرياً وتنظيمياً. لذلك فان الاقرار باستفاده «داعش» من دعم خارجي، مهما كان حجمه، لا يعني باي حال من الاحوال انه لا يتمتع بخصائص وميزات لعبت ربما الدور الاهم في تطوره.

ومن اهم نقاط القوه التي يتمتع بها التنظيم هي استناده، كغيره من تنظيمات السلفيه «الجهاديه»، الي قاعده صلبه من «الايمان الاعمي» او «العقيده الصماء». حيث يؤمن اتباعه ايماناً مطلقاً بمبادئ «الحاكميه» و «الولاء والبراء»، ولديهم قناعه تامه بان الموت في سبيل هذه المبادئ هو «استشهاد في سبيل الله» يخوّل صاحبه دخول الجنه. وهو ما يفسر كثره «الانتحاريين» و «الانغماسيين» في صفوفهم، ممن يندفعون الي الموت علي نحو شبه الي تحت تاثير «ايمانهم».

وبصرف النظر عن صحه هذا الايمان، او عدم صحته، الا انه يشكل عاملاً جوهرياً في بناء الروح القتاليه. لكن هذه الروح القتاليه المبنيه علي «عقيده صماء» لا تكفي وحدها لتفسير قوه التنظيم. فهناك عوامل اخري استفاد منها ومكّنته من بناء قوته، اهمها علي الاطلاق وجود رافدين رفداه بخبرات عسكريه تنتمي الي مدرستين مختلفتين هما «القاعده» و «الجيش العراقي المنحل»، فالاول رفد التنظيم بقيادات وعناصر تتقن حروب العصابات، بينما اكسبه الثاني قيادات وعناصر تتقن الحروب النظاميه، وذلك بالاضافه الي الخبرات التي راكمها التنظيم منذ العام 2003، والتي اتاحت له التفوق علي غيره من التنظيمات في كل النواحي الامنيه والعسكريه والاداريه والماليه والاعلاميه، وكذلك الناحيه السياسيه والقدره علي قراءه المشهد الاقليمي، وكيفيه الاستفاده من تناقضاته وتضارب مصالح الدول فيه، لانجاز تقدم ميداني علي الارض في لحظه مناسبه.

وتشكل «العقيده الصماء» في الوقت ذاته اولي نقاط الضعف التي يعاني منها تنظيم «داعش»، وخاصهً بعد انخراطه في صراع عقائدي وعسكري مع تنظيم «القاعده»، لانه وقع في مازق المبالغه في هذه العقيده للتفوق علي خصمه اللدود الذي يحمل العقيده نفسها، فجرّه ذلك وما يزال الي مطبات عديده لم يستطع فيها الموازنه بين متطلباته العقيديه وقراءته السياسيه للواقع، وقد تكون معركه عين العرب (كوباني) واحداً من هذه المطبات، التي لم يخرج منها الا بعدما فقد ما يقارب الف قتيل.

ويمثل «خطاب المظلوميه»، الذي اعتمده التنظيم كاليه لاستقطاب العشائر السنيه وتجنيد عناصر في صفوفه تحت دوافع الثار والانتقام، نقطه الضعف الثانيه، رغم انها ساهمت في زياده اعداد المنتسبين اليه. لان تداعيات المعارك التي خاضها التنظيم كانت تؤدي غالباً الي ايقاع المزيد من الخسائر في صفوف «السنه» ومدنهم ومجتمعاتهم، سواءً قتلاً وتدميراً او نزوحاً وتهجيراً. وبالتالي لم يستطع ترسيخ الصوره التي رسمها لنفسه باعتباره «حامي السنه» والمدافع عنهم، لانه لم يجر عليهم سوي الويلات.

ومن نقاط الضعف المهمه التي يعاني منها «الدوله الاسلاميه»، تلك المتمثله بتعدد جنسيات وقوميات مقاتليه، وهو ما يخلق له مشاكل اداريه وتقنيه كبيره، بسبب صعوبه التفاهم بين فئات المقاتلين علي ارض المعركه. كما ان هذا التعدد علي المدي الطويل يهدد بتشكّل كتل منفصله داخل «جيشه»، تنتمي كل منها الي جنسيه او قوميه معينه قد تكون بدايه لحدوث انشقاق عنه بناء علي تضارب المصالح، او علي الاقل الي تكريس حاله من الانفصام بسبب اختلاف المدارك والافهام. لكن التنظيم يبذل جهوداً كبيره لصهر هذه الكتل في بنيته الصلبه والقضاء علي الفروقات بينها، لذلك هو من هذه الناحيه في سباق مع الوقت للموازنه بين تجنيده المتزايد للمقاتلين الاجانب واختبار دمجهم بنجاح ضمن منظومته.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل