المحتوى الرئيسى

من قصص الأنبياء والمرسلين .. محنة يوسف عليه السلام (12-30) (ج3)

06/29 00:28

ولما أدخل يوسف عليه السلام السجن، لكونه لم يجب امرأة العزيز إلى ما تريد، دخل معه فتيان، أحدهما كان ساقي الملك، والآخر خبازاً .

وكلاهما رأى رؤيا، فساقي الخمر رأى أنه يعصر خمراً، والخباز رأى أنه يحمل فوق رأسه الخبز والطير تأكل منه.

فلما رأيا حال يوسف وسمته، قص كل واحد عليه الرؤيا التي رآها ليعبرها لهما، فأراد يوسف عليه السلام أن يدعوهما للتوحيد قبل أن يجيبهما، وهذا من الأساليب الحسنة في الدعوة إلى الله.

قال لهما: “يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ءَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ* مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.

ثم أخبرهما بتعبير الرؤيا قائلا: “فأما الساقي فإنه يعصر لسيده الخمر، وأما الخباز، فإنه سوف يُصلب والطير تأكل من رأسه، وقضي الأمر.

ولما عبر يوسف الرؤيا قال لساقي الملك الذي ظن أنه سينجو أذكرني عند الملك، والسجن الذي وضعت فيه بغير جرم.

ولما خرج الساقي أُنسي ما قال له يوسف عليه السلام، فشاء الله أن يمكث مدة بضع سنين في السجن.

بعد ذلك بسنين، أقلقت الملك رؤيا رآها وطلب تعبيرها: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ”.

ولم يجد من يعبرها له، واعتذروا بأنها قد تكون أضغاث أحلام، وتذكر ساقي الملك أمر يوسف وطلب إرساله إلى يوسف في السجن.

فلما جاءه وقص عليه الرؤيا أولها يوسف عليه السلام فقال: “قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”.

فرجع الساقي إلى الملك فأخبره، ولكن الملك طلب يوسف ليأخذ عنه التأويل مشافهة، ولكن يوسف عليه السلام أبى الخروج حتى تظهر براءته، فجمع الملك النسوة وسألهن عن أمر يوسف: “قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ” عندئذ لم تر امرأة العزيز مناص من الاعتراف بالحق: “قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ”.

فخرج يوسف عليه السلام معززاً مكرماً، وأراد أن يجعله الملك مقرباً ومستشاراً له، فطلب منه يوسف أن يجعله على خزائن الأرض لعلمه ومعرفته بتصريفها وأخبر عن نفسه بأنه حفيظ عليم.

ولما جاءت سنين الجدب، كان الناس يأتون إلى مصر لأخذ ما قدر لهم من الطعام، وكان نصيب كل إنسان من الطعام حمل بعير.

فدخل إخوة يوسف عليه، فعرفهم ولم يعرفوه، ولم يكن ببالهم أن يصل يوسف عليه السلام إلى هذا المنصب.

فسألهم وعلم حالهم، وأن لهم أخاً من أبيهم لم يأت معهم، فطلب منهم إذا جاءوا في العام القادم أن يأتوا بأخيهم، حتى يكون فعله أقرب للعدل، ثم حذرهم إن لم يأتوا بأخيهم العام القادم، فلا يطلبوا منه شيئا ولا يقربوه.

فكان في هذا تهديد لهم، مما حملهم على الإلحاح على أبيهم لكي يرسل معهم أخاهم، فيوافق العزيز على إعطائهم الطعام، ولكن الأب خاف أن يفعل بابنه بنيامين مثل ما فعل بيوسف.

أخذ عليهم العهود والمواثيق، أن يأتوا بابنه بنيامين؛ إلا أن يحيط بهم أمر لا يستطيعون رده عن أنفسهم ولا عن بنيامين.

فأعطوه العهود المواثيق على ذلك، ثم أمرهم أبوهم أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة، وذلك لأن أولاد يعقوب عليه السلام كانوا كثيرين وحسن الهيئة، فخاف عليهم العين، فأمرهم بالتفرق.

ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم، و دخلوا على يوسف ، وتمكن من الخلوة بأخيه بنيامين، وأخبره بأنه أخوه وقص عليه الخبر، ثم دبر معه مكيدة تبقيه عنده.

وهي أن جعل صواع الملك “كان الملك يشرب بها ويكيل بها الطعام” ، في رحله.

ولما خرج أخوة يوسف، لحقهم جند الملك وقالوا لهم لقد سرقتم صواع الملك، فأنكروا ذلك أشد الإنكار، وطلب منهم جند الملك أن يفتشوا متاعهم فمن وجدوا عنده الصواع فإنه يؤخذ، وتلك العقوبة في شريعة يعقوب، ولم يكن في دين الملك أن من سرق يؤخذ.

ففتشت أوعية الأكبر فالأكبر حتى جاءوا إلى رحل بنيامين ووجدوا عنده الصواع، فأخذوه معهم إلى عزيز مصر، وحاول إخوة يوسف أن يبقوا غيره عند العزيز، ويخلي سبيل بنيامين حتى لا يخلفوا مواثيقهم وعهودهم لأبيهم يعقوب، لكن عزيز مصر رفض ذلك.

ولما جاء الخبر يعقوب عليه السلام، أكثر البكاء، وابيضت عيناه من كثر الحزن والبكاء على يوسف، ولم ييأس يعقوب من رحمة الله.

وأمر بنيه بالبحث عن يوسف وبنيامين، فعاد إخوة يوسف إلى عزيز مصر وناشدوه، وذكروا له حال أبيهم: “فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ”.

فلما رأى حالهم، رق لهم وقال: “هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ”.

”قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ* قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ”.

فذهب البشير بقميص يوسف عليه السلام، “وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ* قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ* فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ”

ولما دخل يعقوب عليه السلام وزوجه وأولاده الأحد عشر، سجدوا له، والسجود في شريعتهم كانت تحية للعظماء، وكان هذا السجود تأويل للرؤيا التي رآها يوسف عليه السلام لما كان صغيراً.

قال الشيخ عبد الله بن حمد الجلالي “من علماء الجزائر” في أحد التسجيلات الصوتية له على موقع الصوتيات والمرائيات، الدروس المستفادة من قصة سيدنا يوسف.

تأييد الله لأوليائه في أحلك الظروف وأشدها.. ولقد وصل ضعف الغيرة ببعض الرجال إلى أنه يرى زوجته تراود شاباً ثم لا يتغير وجهه ولا يغضب لمحارمه فضلاً أن يغضب لله عز وجل، ولذلك تجد أن العزيز لم يغضب لما تأكد أن زوجته فيها فساد في فطرتها وانحراف في أخلاقها، وإنما قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ يوسف29.

تحمل المؤمنين للأذى وثباتهم على الحق.. ففي المرة الأولى كان عرضاً سريعاً خفيفاً، لكنه في هذه المرة أصبح عرضاً إجبارياً، إما أن يفعل بها الفاحشة أو السجن، ولكنه فضل السجن على الوقوع في الفاحشة.

فقال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ  .

فابتلى يوسف عليه السلام بحب النساء له؛ لأنه فيه نضارة، فتوسل إلى الله عز وجل بأن يصرف عنه مكر النساء، حتى لا يقع فيما حرم الله، لكنه فضل العيش في السجن على الوقوع في شيء مما حرمه الله عز وجل.

الإحسان وأثره العظيم في كسب قلوب المدعوين.. لربما يفكر أحد الناس بأن يكون من المصلحين، لكنه لا يقدم للناس وللمجتمع خيراً ولا خدمة، ولا يمتلك موهبة جذب قلوب الناس إليه، وليس عنده لباقة، مثل هذا لا ينجح في مهمته، ولذلك تأثر السجناء بدعوة يوسف عليه الصلاة السلام لما رأوا من إحسانه، فلما جاءوا إليه قالوا: إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

اقتناص الفرص المناسبة لبذل النصيحة.. على الداعية أن يقدم النصيحة مع حاجة الناس إليه، حتى يتقبل الناس هذه النصيحة بدافع الحاجة، ويكون من المحسنين فيقبلون عليه، استغل الفرصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقدم لهما من النصائح ما يستفيدان منها مقابل أن يقضي حاجتهما، فقال: “أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ”.

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل